مارسيل غانم من المحاماة إلى نجومية «كلام الناس»

الإعلامي اللبناني لـ {الشرق الأوسط} : جوليان أسانج خصني بحديث مطول من منفاه في لندن

مارسيل غانم
مارسيل غانم
TT

مارسيل غانم من المحاماة إلى نجومية «كلام الناس»

مارسيل غانم
مارسيل غانم

الصدفة وحدها حملته على الانتقال من سلك المحاماة لعالم الإعلام. وذلك بعد أن خضع وهو بعد على مقاعد الدراسة الجامعية، إلى اختبار صوتي وإنشائي أجرته إذاعة خاصة هي إذاعة «لبنان الحر». حتى ذلك الحين لم يكن الإعلام هدفه كما لم يكن من ضمن دراساته أو خياراته. مارسيل غانم، الإعلامي اللبناني والأستاذ الجامعي، خاطب جمهوره بصوته مذيعا لنشرات الأخبار، ثم تسلم مهام تحريرية انتقل بعدها إلى مديرية الأخبار عقب سنوات معدودة. هذه التجربة قادته إلى التلفزيون عام 1991، فظهر في برنامج «كلام مسؤول».
وفي عام 1995 ظهر في برنامج «كلام الناس» عبر شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال؛ حيث لا يزال يقدمه مساء كل خميس. شكل «كلام الناس» نقطة تحول في مسيرته الإعلامية حيث برز من خلاله محاورا لبقًا يستجلب في لقاءاته كلام محاوريه في صيغة أقرب ما تكون إلى أسلوب السهل الممتنع.
«الشرق الأوسط» حاورت مارسيل غانم، وسألته عما إذا كان خياره للمهنة صحيحا ومحببا إلى قلبه، فقال: «طبعا، لأنه لا يمكن لأي شخص أن يترك مهنة أخرى كمهنة المحاماة التي كنت بدأت بممارستها، من أجل هذا الشغف الذي حرك قلبي وعقلي والذي يستمر بدفعي نحو الأمام. وفيما يلي نص الحوار:
* ما أول برامجك وعلى أي شاشة كانت إطلالتك الأولى؟
- أول برنامج تلفزيوني لي كان مشتركا بين إذاعة «لبنان الحر» والـ«المؤسسة اللبنانية للإرسال» وكنت أقدمه بالتعاون مع الزميلة مي شدياق وكان اسمه «كلام مسؤول».
* من الشخصية السياسية التي استضفتها، ولم تنجح أسئلتك الجريئة في دفعها للإفصاح بما لا تريد؟ وهل تفردت بمقابلة شخصية سياسية لم يحاورها أحد قبلك؟ ومن ترغب أن تحاور؟
- في عالمنا العربي بعض الإجابات المطولة والمكررة لبعض الضيوف وحتى لا أقول الرتيبة، قد تجعل الضيوف يخرجون عن الأسئلة المطروحة ولا يجيبون بشكل دقيق. وأعتقد أن قدرة وخبرة الصحافي هي التي يجب أن تجعل الضيف عاجزا عن التملص من الإجابة.
أعتقد انّه من النادر انّني لم اتمكّن من أخذ جواب واضح من ضيف، وإن تكن هذه المهمّة صعبة في غالب الأحيان.
بالنسبة لضيوف حصريين: كثيرة هي الأسماء وإن كانت الذاكرة لا تحضرني في الوقت الحاضر؛ ولكن مؤسس موقع «ويكيليكس» جوليان أسانج كان من أواخر الضيوف الذين لم يعطوا أي وسيلة إعلامية غربية أو عربية حديثا مطولا كالذي أعطاني إياه من منفاه في لندن.
من أرغب أن أحاور؟
من الصعب أن يجيب أي صحافي على سؤال يتعلق بالشخصية التي يطمح أن يحاورها. بالنسبة لي قد يشكل إنسان عادي موضوع حلقة قد تغير في مسار ما.
لم يعد بالنسبة لي بعد 25 عاما، حلم تحقيق سبق صحافي مع شخصية بارزة هو الأهم.. صارت الحقيقة هي الأهم وصار الحدث هو الأهم.. والذي قد يصنعه مواطن في تونس أو في أفريقيا أو لبنان أو اليابان.
* من تعتقد أنه كان قدوة في عملك بالإعلام؟
- لا يمكنني الحديث عن قدوة في الإعلام لأنني لم أكن متابعا بشكل عام لتجارب كثيرة.. لكن الإعلام في الغرب وسرعة إيقاع مقدمي البرامج وسعة ثقافة الصحافيين، هي عوامل دفعتني لأن أتعلم الكثير. ولا يمكن في الحديث هنا تجاهل الدور الكبير لشقيقي جورج غانم الذي كان ورائي في كثير من المعرفة والتثقيف والخبرة.
* ما رأيك في الإعلام الجديد وهل–في رأيك–سيحل محل الإعلام التقليدي؟ وهل تعتقد أن الإعلام بالأمس كان أكثر حرفية ومصداقية؟
- إن سرعة وثورة المعلومات والاتصالات وتوسع شبكات التواصل الاجتماعي جعلت الإعلام الجديد في مراتب متقدمة وصار بإمكان أي إنسان وهو يتناول فطوره، الوصول إلى آخر خبر في أصغر قرية في العالم عبر هاتفه الخلوي. صار العالم بين يديه وصار بإمكانه أن يغير العالم بكلمة أو بتغريدة.. صحيح أنه صار منافسا جديا للإعلام التقليدي؛ لكن لا شك أن إعلام الأمس وإن كان إيقاعه بطيئا؛ لكنه كان منضبطا لناحية الأمانة والموضوعية والحرفية. أخشى كثيرا من سرعة تناقل الأخبار أو التلاعب ببعضها أحيانا أو تحويرها فقط من أجل السبق الإعلامي، وآخذ كثيرا على بعض وسائل الإعلام اعتمادها على مواقع التواصل الاجتماعي لنشر أخبار أو معلومات قد لا تكون صحيحة، فضلا عن أن هذه الوسائل صارت في بعض الأحيان مواقع للتعرض لخصوصيات الناس وللكرامات من دون مراعاة حقوق المتلقين.
* هل يخسر الإعلامي مهنيته إن هو صبغ نفسه بصبغة سياسية؟
- إذا عرف عن نفسه للناس مسبقا أنه ملتزم سياسيا بحزب أو مجموعة أو خيار سياسي على الناس أن تحكم إذا خسر من مهنيته أم لا.. أنا من المؤمنين أن على الإعلامي أن يكون مجردا في عمله الإعلامي من أي انتماء سياسي أو انحياز معين، مع احتفاظه لنفسه خارج الخبر أو الحوار السياسي بحرية القناعات السياسية أو الفكرية. أما ما دام يصيغ خبرا أو يقدم برنامجا تلفزيونيا حواريا فعليه أن يكون موضوعيا غير منحاز، متجردا من انتماءاته السياسية. عليه أن يكون على الحياد؛ ولكن عندما أقول حيادا لا يعني هذا أن يكون على الحياد من قضايا جوهرية أساسية أو ثوابت وطنية أو أخلاقية مسلم بها.
* هل تعتقد أنه من المهم والأفضل على الصحافي أن يكون متخصصا في مجال معين لتغطية أحداث معينة؟
- بداية، على الصحافي أن يكون متابعا ومثقفا وملما بكل الملفات، ولا يمكن أن يقول أنا لا أفهم بهذا المجال أو أفهم أكثر في مجال ما. لكن طبيعة الإعلام اليوم، باتت أكثر تخصصية وصرنا نرى الإعلام الاقتصادي والإعلام الرياضي وإعلام الاستقصاء وإعلام التحقيقات، وفي هذا المجال أعتقد أنه من المهم أن يكون الصحافي مدربا ومتخصصا في مجالات معينة، خصوصا وأننا نشهد نشوء محطات ووسائل إعلامية متخصصة في مجالات كثيرة.
* ما نصيحتك للصحافيين الشباب في بداية حياتهم الإعلامية؟
- الأمانة في نقل الخبر، الحقيقة قبل أي شيء آخر، المسؤولية الوطنية، والنزاهة ونظافة الكف، والمصداقية، وعدم الانفعال، والثقافة ثم الثقافة ثم الثقافة، والمتابعة الدائمة وقراءة نبض الناس.
* الصحافي الناجح أو الإعلامي الناجح، ماذا تعني لك هاتان العبارتان وكيف نصف النجاح الإعلامي؟
- إنها نعمة من الله.. النجاح مؤشر إلى الثقة التي تمنح للصحافي الناجح.. وهذه الثقة يجب أن لا تهتز، إنها عقد بين الصحافي والمتلقي، وحتى تبنى الثقة وتستمر، يجب أن تكون مبنية على دعائم واضحة.. إن النجاح استمرارية، ولا يمكن للصحافي أن يقول أنجزت في الماضي.. النجاح اختبار يومي ولحظة بلحظة.. والنجاح لا يقوم على الغرور.. إنه تواضع يجب أن يكون مترافقا مع الحلم والأمل والتحدي.
* الإعلام العربي–في رأيك–هل هو عامل تغيير إلى الأفضل أم إلى الأسوأ؟
- أنا من المؤمنين بقدرات الإعلام في العالم العربي، وهو قفز في السنوات الأخيرة إلى مواقع ريادية أمامية، بفضل طاقات الصحافيين وخبراتهم وبفضل دعم المؤسسات الإعلامية. لكنني أخشى من بعض الفوضى التي تعيشها بعض الوسائل الإعلامية، ومن انتشار عدد كبير من الوسائل التي تفتقر إلى الحرفية وهي تنمو في بعض الدول كالفطريات. فضلا عن وجود أجندات سياسية أو مذهبية أو طائفية لبعض التلفزيونات، تهدد وحدة العالم العربي ولا تأخذ شبابه نحو مستقبل آمن وحديث.
* ثورات ما يسمى بـ«الربيع العربي» ماذا غيرت، أضافت أو أخذت من الإعلام والإعلاميين؟
- أعتقد أنه ربما من المبكر الحكم على ثورات الربيع العربي وربما من المبكر القيام بجردة حساب ربح وخسارة لعلاقة الإعلام بالربيع العربي.. هناك تجارب نجحت، فلولا الإعلام لما كبرت كرة الثلج من تونس ولما اجتاحت الثورات كثيرا من الدول. ولكن في الوقت نفسه: لولا بعض الإعلام.. هل كان لهذه الثورات أن تأخذ مسارا مختلفا عما كان يطمح إليه الناس؟
صحيح كنا نريد إعلاما حرا يواكب الربيع أو يطلقه؛ ولكننا نرفض إعلاما يخنق سنونوة الربيع ليحولها غرابا.



إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.