وضعت صحيفة «واشنطن بوست» خبر وفاة بنجامين برادلي، رئيس تحريرها لخمسة وعشرين عاما تقريبا، في صدر صفحتها الأولى، مع صورة له التقطت قبل عشرين عاما (كان عمره في ذلك الوقت سبعين عاما تقريبا)، وتحت عنوان «رئيس تحرير يظل أثره باقيا»، ثم عنوان جانبي «ملأ قاعة الأخبار بالمقدرات والطموحات وقاد (البوست) إلى قمم عالية».
كتب الخبر الرئيس روبرت كيسار، رئيس التحرير التنفيذي، وهو من تلاميذ برادلي. وبدأه كالآتي «بنجامين برادلي، الذي قاد (واشنطن بوست) لربع قرن تقريبا، وطورها لتكون واحدة من أهم الصحف، توفي أمس في منزله في واشنطن عن 93 عاما». وأشار الخبر إلى «ثلاثة مؤهلات رئيسة: قدرته الصحافية، وشجاعته الفائقة، وشخصيته الجذابة».
بالإضافة إلى خبر الصفحة الأولى، نشرت الصحيفة خمس صفحات كاملة عن الرجل، مع صور عملاقة تلخص حياته وهو صحافي شاب، يعمل مراسلا في باريس في خمسينات القرن الماضي. وكان أثار غضب الحكومة الفرنسية لأنه حاول إجراء مقابلات مع قادة الثورة الجزائرية (أحمد بن بيلا، ورفاقه)، الذين كانوا معتقلين في فرنسا. وبعد ذلك بسنوات قليلة، أطلقت فرنسا سراح القادة، وعادوا إلى الجزائر ليقودوا استقلال وطنهم. وكان برادلي كتب في كتاب مذكراته أنه لم يفهم «أبدا، لماذا تريد فرنسا الاحتفاظ بالجزائر في وقت هبت فيه رياح الحرية في كل أفريقيا وآسيا، وفي وقت سارع فيه البريطانيون واتعظوا، وبدأو في منح مستعمراتهم الاستقلال». غير أن محاولة برادلي مقابلة الثوار الجزائريين أغضبت الحكومة الفرنسية، وأمرت بطرده من فرنسا، حتى تدخلت السفارة الأميركية.
وهناك صورة برادلي، مع زوجته الثانية توني، والرئيس جون كيندي وجاكلين كنيدي، في البيت الأبيض. فقد كان صديقا لكيندي، كما كانت زوجتاهما صديقتين. جلس برادلي إلى جانب جاكلين، ذات الشعر الأسود، وقد وضع يده فوق كتفها، وهو يداعبها. وجلست توني الشقراء إلى جانب الرئيس كيندي. وحتى وفاة برادلي، واجه اتهامات بأنه بقدر ما انتقد الرئيس (الجمهوري) ريتشارد نيكسون، حتى اضطر نيكسون لأن يستقيل (عام 1974) بسبب فضيحة «ووترغيت»، جامل الرئيس (الديمقراطي) كيندي، خاصة في ما يخص نشر أخبار مغامرات كيندي الجنسية مع نساء كثيرات منهن الممثلة السينمائية الشقراء مارلين مونرو.
في الحقيقة، كان برادلي صديقا لكنيدي قبل أن يصبح رئيسا (عام 1963)، وذلك لأن السيناتور كيندي كان جار برادلي في حي جورج تاون الراقي ثم صارا صديقين. في كتاب مذكراته، دافع برادلي عن نفسه، وكتب «يتجاهل هذا اللغط الظروف العامة في ذلك الوقت. يتجاهل قيما صحافية كانت سائدة في ذلك الوقت».
لكن، حتى أمس الأربعاء، عندما كتب باتريك بيوكانان، صحافي وسياسي جمهوري (وكان كاتب خطب الرئيس نيكسون في ستينات القرن الماضي، ثم مستشار الرئيس ريغان في ثمانينات القرن الماضي) نعيا لبرادلي، تحدث عن هذه «المجاملة»، لكن في عبارات مؤدبة. وحتى اليوم، يظل بيوكانان، وكثير من الصحافيين الجمهوريين المخضرمين، لا ينتقدون صحيفة «واشنطن بوست» فقط، كصحيفة ليبرالية، ولكن ينتقدون بصورة خاصة برادلي، ويرون أن خلافات شخصية بينه وبين نيكسون هي سبب اندفاع برادلي وبقية صحافيي «واشنطن بوست» ضد نيكسون، حتى اضطر نيكسون لأن يستقيل.
وهناك صورة برادلي مع كاثرين غراهام، ناشرة «واشنطن بوست»، عام 1971، وهما يخرجان من مبنى محكمة الاستئناف في شارع بنسلفانيا (تقريبا، نصف المسافة بين الكونغرس والبيت الأبيض)، بعد أن كسبا قضية ضد نيكسون. في ذلك الوقت، كان دانيال السبيرغ، وهو خبير في وزارة الدفاع الأميركية، ومنتدب من معهد «راند» (ولاية كاليفورنيا)، سرب تقريرا عملاقا كتبه خبراء عسكريون في البنتاغون عن حرب فيتنام. في ذلك العام، كان التدخل العسكري الأميركي في فيتنام دخل عامه التاسع. ومن المفارقات أن هذا التدخل بدأ في عهد كيندي، صديق برادلي. كان في صورة «مستشارين» و«مدربين» للعمل مع قوات فيتنام الجنوبية، وهي تقاوم ثوار «فيات كونغ» الشيوعيين الذين كانت تساعدهم فيتنام الشمالية الشيوعية (في عام 1974، انهزمت القوات الأميركية، وانسحبت، وتوحدت فيتنام تحت قيادة الحزب الشيوعي).
لأن التقرير الذي سربه دانيال السببرغ (عام 1971) تخوف من الهزيمة (عام 1974)، فقد كان، حقيقة، سابقا لأوانه، وأغضب العسكريين، وأغضب نيكسون الذي كان يريد أن يترشح مرة ثانية لرئاسة الجمهورية.
لهذا، عندما حصل برادلي على ما كانت تسمى «بنتاغون بيبرز» (أوراق البنتاغون)، وبدأ في نشرها، سارع نيكسون وأمر وزير العدل برفع قضية لوقف النشر. ووصلت القضية إلى محكمة الاستئناف الفيدرالية في واشنطن، ثم إلى المحكمة العليا، وسمحت المحكمتان باستمرار النشر. وكان ذلك نصرا مبكرا لكل من برادلي وغراهام، قبل سنوات من استقالة نيكسون.
وهناك صورة برادلي والناشرة غراهام مع الصحافيين بوب وودورد وكارل بيرنشتاين، اللذين بدآ وواصلا التحقيقات في فضيحة «ووترغيت»، حتى استقال نيكسون. ثم صورة أخرى وبرادلي يرفع يده إلى أعلى مبتهجا عند سماع خبر استقالة نيكسون. ثم وهو يطلع على الصفحة الأولى التي كان عنوانها التاريخي هو «نيكسون ريزاينز» (نيكسون يستقيل).. أول رئيس في تاريخ أميركيا يستقيل، بل يجبر على الاستقالة، لأنه كان نفى دوره في خطة السطو على مكاتب الحزب الجمهوري في مبنى ووترغيت في واشنطن (ومن هنا جاء اسم «فضيحة ووترغيت). ولأنه، بعد أن تمرد عليه مساعدون ومستشارون، أعلن «حربا» على معارضيه خاصة «واشنطن بوست». وفي مؤتمر صحافي، انتقد «بن برادلي» بالاسم. وعندما فعل ذلك، قبل سنة من استقالته، قال عقلاء إن نيكسون بدأ يحفر قبره بيده: بأن ينتقد صحافيا وهو رئيس الجمهورية.
وهناك صورته مع زوجته الثالثة، سالي كوين. وقد كانت تصغره بعشرين عاما وقابلها أول مرة عندما جاءت إلى مكتبه طالبة وظيفة واحتضنها، واهتم بها، وتحابا، وتزوجا. حتى بعد أن تقاعد هو استمرت هي تعمل في الصحيفة. واشتهرت بالمواضيع الاجتماعية، وصارت من «سيدات واشنطن الأرستقراطيات». وبعد أن كان منزل برادلي مكان لقاءات مع كيندي، وهيوبرت همفري، وكارتر، وكاثرين غراهام، صار، في عهد سالي كوين، يشهد زيارات كلينتون وأوباما. ومرة أخرى، استغل معارضو برادلي، خاصة صحافيين جمهوريين مثل بات بيوكانان، زواج برادلي من صحافية جميلة تصغره بعشرين سنة.
سبق برادلي أوباما بجيلين، ورغم مقابلات زوجته بأوباما وزوجته، كان هو كبر في السن، وابتعد عن العلاقات الاجتماعية القوية. وأمس، قال أوباما، في بيان أصدره البيت الأبيض «بالنسبة لبنجامين برادلي، كانت الصحافة أكثر من مجرد مهنة. كانت أساس العمل للصالح العام، من أجل قيمنا الديمقراطية». وأضاف أن برادلي «كان صحافيا بحق، حول (واشنطن بوست) إلى واحدة من أكبر الصحف في البلاد، ونمّى تحت قيادته جيشا من الصحافيين نشروا أوراق البنتاغون، وكشفوا عن ووترغيت، وبينوا الكثير من الوقائع التي ساعدتنا على فهم عالمنا، وعلى فهم بعضنا بعضا بشكل أفضل».
وقال دونالد غراهام، الناشر السابق للصحيفة، إن بن برادلي «كان أفضل رئيس تحرير لجريدة في عصره. وصاحب أعظم تأثير على (واشنطن بوست) من بين كل المحررين المعاصرين».
7:57 دقيقة
«واشنطن بوست» تنعى رئيس تحريرها السابق بنجامين برادلي
https://aawsat.com/home/article/206761/%C2%AB%D9%88%D8%A7%D8%B4%D9%86%D8%B7%D9%86-%D8%A8%D9%88%D8%B3%D8%AA%C2%BB-%D8%AA%D9%86%D8%B9%D9%89-%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3-%D8%AA%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%B1%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%A8%D9%82-%D8%A8%D9%86%D8%AC%D8%A7%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D8%AF%D9%84%D9%8A
«واشنطن بوست» تنعى رئيس تحريرها السابق بنجامين برادلي
اشتهر لإشرافه على عملية كشف الصحيفة لفضيحة «ووترغيت»
- واشنطن: محمد علي صالح
- واشنطن: محمد علي صالح
«واشنطن بوست» تنعى رئيس تحريرها السابق بنجامين برادلي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة