الاقتباسات الأدبية تستحوذ على أفلام الربع الأخير من العام

من الأدب إلى الشاشة.. معظمها ذات نوعية عالية وبعيدة عن المؤثرات والخدع البصرية

TT

الاقتباسات الأدبية تستحوذ على أفلام الربع الأخير من العام

أما وقد انتهى موسم الصيف بإيرادات خجولة، وانتهى معه ذلك العدد من الإنتاجات الكبيرة التي تتمحور حول صراعات الكواكب ورجالها المزوّدين بقوى غير منظورة، فإن الصخب الصيفي انتهى، وأمواجه العالية بدأت في الهمود. ما نحن آيلون إليه من هذا الشهر وما بعد هو مجموعة من تلك الأفلام التي تعرض لجمهور يبحث عن القيمة الفنية أو، على الأقل، الضمنية لما يعرض عليه.
إنها أيضًا، الأفلام التي تتوق لأن تجد نفسها مذكورة، وقتما يبدأ العد التنازلي للترشيحات السنوية. ذاك كان موسم «السوبر هيرو» وهذا هو موسم «السوبر جوائز».
بدءًا من هذا الشهر تتوالى الأعمال التي كانت حظيت، خلال إنتاجها، برغبة تمييزها عن السائد لغاية إيصالها إلى منصّات الاحتفال المتوالية: جوائز جمعية المنتجين، جمعية المخرجين، جمعية المصوّرين، جمعية الكتّاب وجمعية الممثلين، وهي جمعيات منفصلة. لجانبها جوائز المؤسسات النقدية الشامخة، وأمامها جوائز الغولدن غلوب، وعلى القمّة جوائز الأوسكار، وهي التي ما زالت الأهم من بين عشرات الجوائز الممنوحة حول العالم.
لكن حتى لو استبعدنا من الحسبان الهجمة على موسم الجوائز، وهي بدأت فعلًا بأفلام يعرضها مهرجان «توليارايد» و«تورونتو»، فإن الماثل في غالبه سيكون الأفلام ذات النوعية. المؤثرات والخدع البصرية ستنزوي. فنانوها المنشغلون في استنباط المزيد منها سيخلدون إلى بعض الراحة، والممثلون الآدميون سيجدون أخيرًا المجال الذي يتوقون إليه من دون مشاركة ممثلين مصنوعين في الكومبيوتر (غرافيكس) وسيمثّل بعضهم أمام بعض من دون الشاشات الخضراء التي تستخدم لدفع المخلوقات غير الآدمية وإظهارها كما لو كانت في المكان نفسه مع ذلك الممثل الذي سيصارعها وينتصر عليها.

* من الأدب إلى الشاشة
* ما يلاحظه المرء في الأفلام المحتشدة للعرض من الآن وحتى نهاية السنة، أن هناك فريقًا كبيرًا منها من تلك المقتبسة عن مصادر أدبية. بذلك يكون الكتاب ما زال في مقدّمة المصادر غير المكتوبة مباشرة إلى السينما، ومأخوذا عنوة عن أصول مسرحية أو استلهامات من تقارير لوقائع حدثت بالفعل أو من أساطير كلاسيكية.
أحد أهم الأفلام المنتظرة بفارغ الصبر بعدما تأخر عرضه ليناسب الفترة المذكورة هو«فتاة غائبة» Gone Girl. إنه الفيلم الذي يعود به المخرج الجيد ديفيد فينشر («سبعة»، «زودياك»... إلخ) بعد ثلاث سنوات من الغياب (إثر «الفتاة ذات الوشم التنين») قضى بعضها مخرجًا ومنتجًا لحلقات من مسلسل «بيت من ورق». حكاية وضعتها جيليان فلين في رواية ناجحة حول زواج سريع يجري بين اثنين، لكن سريعًا ما تختفي الزوجة (روزامند بايك) فتدور الشبهات حول الزوج (بن أفلك) خصوصا أن ظروف اللقاء والزواج ثم الاختفاء، تبقى غامضة وتعزز احتمال أن يكون الزوج هو الفاعل. الكاتبة فلين وضعت السيناريو بنفسها، ما أتاح لُحمة إضافية بين المصدر والعمل السينمائي.
ما يبدو هنا نقلة هيّنة المراحل من الكتاب إلى الشاشة، لا يمكن قوله حول فيلم «The Drop» الذي سنراه تحت قيادة مايكل روسكام؛ فالرواية التي وضعها دنيس لاهان سنة 2000 كانت قصّة قصيرة قام بمحاولة تطويرها وإصدارها رواية طويلة، لكنه أخفق، فكتب السيناريو الذي ما إن بيع تمهيدًا لتنفيذه حتى جاءه عرض نشر فأعاد الكرّة لتحويل القصّة القصيرة إلى كتاب، وكان له ذلك. يقود الفيلم توم هاردي في دور عامل في حانة وجد لعبة قديمة بين أغراضه تعود به إلى ماضيه وتفتح ملفًّا مغلقًا في الوقت الذي يجد فيه نفسه وقد أصبح موضع اهتمام البوليس معتقدًا أنه متورّط في سرقة مصرف.
الفيلم الثالث الذي يُذكر في هذا المجال هو «اقتل الساعي» Kill the Messenger عن رواية (كُتبت أولًا تحقيقا صحافيا) وضعها غاري وَب وتتعامل واتهامه للمخابرات المركزية الأميركية بمساعدة عصابات المخدّرات في نيكاراغوا مقابل تحقيق مساع سياسية. الفيلم الذي أنجزه الجديد مايكل كويستا، من بطولة جيريمي رَنر ومايكل شين وأندي غارسيا، مبرمج، كسالفه، للعرض في الشهر المقبل.
وإذا كان ما سبق أفلام مشاكل، فإن «أفضل ما عندي» أو The Best of Me لمايكل هولستروم وبطولة ميشيل موناهان وجيمس مارسدن، هو من النوع العاطفي الذي لا يتضمّن أي خلافات مع الغير. فقط خلافات مع النفس؛ إذ يسجّل الفيلم لقاء بين صديقين قديمين لم يلتقيا منذ عشرين سنة عندما كانا على أهبة الزواج. رواية نيكولاس سباركس تدور في فحواها حول الفرص الضائعة وعودتها مرّة ثانية وأخيرة.
إلى ما سبق «وجها يناير» The Two Faces of January الذي سيكون الفيلم الأول لكاتب السيناريو حسين أميني (شاهدنا من كتابته «47 رونين» مطلع هذه السنة) وهو اقتبس مادته عن رواية للكاتبة البوليسية الراحلة باتريشا هايسميث التي ظهرت تحت العنوان ذاته ودارت حول ثلاثة أشخاص هاربين إثر جريمة قتل. وقد أسند أميني البطولة إلى فيغو مورتنسن وكرستن دانست.

* مغايرة
* طبعًا لن يخلو الأمر من أفلام لا علاقة لها بالأعمال المتحوّلة من روايات، والموسم سيزخر فعلًا بتلك التي تعطينا الفرصة لأعمال مكتوبة خصيصًا للسينما. كل ما في الأمر هو أن ما ورد أعلاه ليس سوى نفحة من أعمال عدّة مقتبسة ستجد في الموسم المقبل المتنفّس الصحيح لها.
هناك، على سبيل المثال «The Equalizer» الذي يحققه أنطوان فوكوا («سقوط أولومبوس» و«كينغ آرثر» سابقًا) عن تلك الحلقات التلفزيونية الشهيرة في الثمانينات حول ذلك التحري الخاص ومغامراته. الحكاية ستختلف حتمًا هنا نظرًا لأن الفيلم يتحدّث عن تحرٍّ خاص عاد إلى المهنة لحل قضية تتعامل وعصابات المافيا الروسية. وستختلف أكثر لأنه عوض البطل الأبيض كما في تلك الحلقات التلفزيونية التي لعب بطولتها إدوارد وودوورد، سيعمد دنزل واشنطن لتمثيل الدور.
في الأفق القريب أيضًا The Good Lie لفيليب فالارديو الذي يتعامل مع قصّة سودانية اسمها «نجاح» (تؤديها ممثلة باسم ساليما) تقترب من حياتها أميركية (ريز ويذرسبون) تعمل في مؤسسة اجتماعية وتعود بها إلى الولايات المتحدة. والأعين تترقب فيلمًا يجمع بين روبرت داوني جونيور وروبرت دوفال بعنوان «القاضي» حول محام يرافع عن والده المتّهم بجريمة هو بريء منها. الفيلم معروض حاليًّا في تورونتو، لكنه لن يشهد عروضه التجارية قبل منتصف الشهر المقبل. في المجموع هناك ما لا يقل عن خمسين فيلما أميركيا رئيسا مبرمجة حتى نهاية شهر ديسمبر (كانون الأول) تنهي عامًا ليليها ما يبدأ العام المقبل.

* آخر أفلام السنة
* آخر أفلام السنة تتنوّع كثيرًا فيما بينها. إنها ثمانية أعمال تم ادخارها لكي تنطلق في شهر ديسمبر وتستمر عروضها للأشهر الأولى من عام 2015 ويتقدّمها فيلم ريدلي سكوت التاريخي «نزوح» مع كريستيان بايل وجون تورتورو، ويتوسّطها فيلم عنوانه «الهرم» وهو من نوع الرعب، ويختمها فيلم حربي بعنوان «غير مهزوم» عن رواية للورا هيلينبراند.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.