لعدة سنوات كانت إحدى العائلات الفلسطينية القديمة والجديرة بالاحترام، وهي عائلة أبو خضير، ترحب بأبناء العمومة الأميركيين لقضاء فصول الصيف في القدس الشرقية، والتودد لأقاربهم الأكبر سنا، وتعلم اللغة العربية، وربما حتى البحث عن زوج أو زوجة.
لكن مقتل ثلاثة طلاب يهود في الضفة الغربية هذا الصيف، والقتل الانتقامي المزعوم لمحمد أبو خضير، وهو فتى في سن المراهقة أُحرق وهو على قيد الحياة على يد متطرفين يهود، أسفر عن التوقف عن ممارسة هذا التقليد، وانغمست هذه العائلة، من الطبقة المتوسطة، في أعمال الشغب، والضرب والاعتقالات.
وتقول العائلة إن نحو 30 فردا منها تعرضوا للاعتقال من جانب قوات الأمن الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة، بمن فيهم طبيب أسنان قدم رعاية طبية طارئة أثناء أحد الاحتجاجات العنيفة، وكذلك أحد الأعمام جراء استقباله صبيا من مدينة تامبا، تعرض للضرب من الإسرائيليين، مما أثار غضبا دوليا. ولا يزال ما يصل إلى 15 فردا من العائلة قيد الاعتقال.
تراجعت حدة الاحتجاجات التي اندلعت في يوليو (تموز) عقب مقتل محمد أبو خضير عن عمر يناهز 16 عاما. لكن ورود الأنباء حول استمرار اعتقال مواطن أميركي من بين أفراد عائلة أبو خضير أدى إلى مراقبة أميركية عالية المستوى لطريقة معاملة العائلة التي تقطن في القدس الشرقية، والتي ينتسب إليها أقارب أميركيون يعيشون في مختلف أنحاء الولايات المتحدة ويعملون في كل مكان بدءا من هوليوود وصولا إلى البيت الأبيض.
وقالت ماري هارف، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية «نحن قلقون بشأن حقيقة استهداف أفراد عائلة أبو خضير وتعرضهم للاعتقال من جانب السلطات الإسرائيلية». وأوضحت أن غضب المسؤولين الأميركيين كان تحديدا بسبب عدم إخطار القنصلية الأميركية في القدس باعتقال محمد أبو خضير، البالغ من العمر 19 عاما، وهو مواطن أميركي ولد في بالتيمور، ويحمل نفس اسم قريبه الذي تعرض للقتل. واتُّهم الشاب الأميركي بإلقاء مفرقعات نارية على الشرطة.
وأوضح ميكي روزنفيلد، المتحدث باسم الشرطة الإسرائيلية، أنه لا يستطيع الإدلاء بتفاصيل عن عمليات الاعتقال، قائلا «ليست لديّ أي فكرة عن أعداد أو إحصائيات». وأضاف «ربما يجري التحقيق مع عدد من المنظمات. وبالنسبة للتحقيق - من ومتى وماذا - لم يكن لدي المزيد من التفاصيل».
ووحّد هذا القلق العائلة التي ينتشر أفرادها في المناطق الممتدة من أورلاندو إلى ساكرمينتو ممن لديهم جذور أميركية عميقة. وتجدر الإشارة إلى أن بعض أفراد هذه الأسرة خدموا في الجيش الأميركي في الفترة منذ اندلاع الحرب العالمية الأولي وحتى حرب العراق، ومن بينهم أميركي برتبة رقيب، أسهم مؤخرا في عملية إجلاء المواطنين الأميركيين من بغداد.
ومن جهته، قال عمر قادر، أحد أبناء العائلة ورئيس مجلس سياسة الشرق الأوسط، وهو أيضا الرئيس التنفيذي لوكالة تكنولوجيا التخطيط والتعليم (وكالة خاصة متعاقدة مع الحكومة في أرلينغتون، فرجينيا) «إنها حالة من الغضب». وقادر هو شقيق لستة أبناء وُلدوا في الولايات المتحدة، جميعهم من المحاربين القدامى في الجيش، والذين قامت عائلتهم بتغيير تهجئة اسم خضير. ويعمل ابنه في البيت الأبيض كمدير للأبحاث.
وقارن عدد من الأفراد المنتمين للعائلة بين الاضطرابات التي وقعت هذا الصيف في القدس الشرقية والاحتجاجات التي شهدتها فيرغسون بولاية ميسوري على خلفية قيام الشرطة بإطلاق النار على صبي أسمر البشرة أعزل. وقالت كفاح أبو خضير، وهي أم لخمسة أبناء وتعيش بين أفراد العائلة في حي شعفاط بالقدس الشرقية «إنهم شباب وسوف يردون بالطريقة التي كانوا يلجأون إليها من خلال رمي الحجارة، والهتاف، والاحتجاج»، لكنها قررت نقل أولادها إلى بيت والديها في أتلانتا، وإلحاقهم بالمدارس هناك هذا الخريف.
وينفي شباب أبو خضير الذين اعتقلوا، وكذلك عائلاتهم، قيامهم بأي تصرف غير قانوني. ويصرون على أن هؤلاء المعتقلين شاركوا في مظاهرات سلمية أو كانوا من المتفرجين. وقالت ليا تسيمل، المحامية التي تدافع عن عشرات من أبناء عائلة أبو خضير «أعتقد أنني سأحاول الحصول على عفو كامل لكل منهم».
وفي إحدى الليالي الأخيرة، اجتمع مجموعة من أبناء أبو خضير في بيت العائلة القديم في القدس الشرقية. وبينما انحسرت حرارة النهار، ناقشوا مسألة مقتل محمد أبو خضير وتداعياتها. وكانت هذه بمثابة لحظة فاصلة بالنسبة للعائلة التي تمتد جذورها لمئات السنين في القدس الشرقية، التي يطمح القادة الفلسطينيون في جعلها عاصمة لهم في يوم من الأيام.
وقال محمد أبو خضير، البالغ من العمر 66 عاما «سموها إسرائيل، سموها فلسطين.. ما يقود حياتي هو حقوق الإنسان وليس الدين».
وقد بدأت الأحداث التي تتعلق بعائلة أبو خضير في نهاية المطاف في يونيو (حزيران) مع اختطاف ثلاثة فتيان إسرائيليين كانوا يحاولون العثور على سيارة تقلهم في الضفة الغربية؛ حيث انضم بعض المتظاهرين اليهود إلى الهتافات التي تنادي بـ«الموت للعرب». وأعلن عن مقتل محمد أبو خضير، البالغ من العمر 17 عاما، في الثاني من يوليو من مئذنة مسجد في شعفاط، وقوبل ذلك بإقامة طوق أمني كثيف من جانب قوات الأمن الإسرائيلية، ورد المتظاهرون على ذلك باستخدام الحجارة وقنابل المولوتوف.
وارتفعت حدة التوترات مع تعدي قوات الأمن الإسرائيلية بالضرب على طارق أبو خضير، البالغ من العمر 15 عاما، ابن عم الضحية، والمواطن الأميركي الذي كان يقضي إجازة الصيف في القدس الشرقية. وقد أوضح طارق أنه كان يشاهد فقط الأحداث ولم يشارك، الأمر الذي نفاه المسؤولون الإسرائيليون.
وقال المتحدث باسم الشرطة روزنفيلد «لماذا يشارك مواطن أميركي في أعمال شغب واسعة النطاق ورمي للحجارة، ويعتقل مع ستة طلاب آخرين كانوا يرتدون أيضا كوفيات، والبعض منهم كان يحمل سلاحا أبيض؟».
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»