ليسوتو تعيش على إيقاع الفوضى بعد قيام الجيش بانقلاب عسكري

سيطر على مقر قيادة الشرطة وانتشر حول مقر إقامة رئيس الوزراء

ليسوتو تعيش على إيقاع الفوضى بعد قيام الجيش بانقلاب عسكري
TT

ليسوتو تعيش على إيقاع الفوضى بعد قيام الجيش بانقلاب عسكري

ليسوتو تعيش على إيقاع الفوضى بعد قيام الجيش بانقلاب عسكري

شهدت ليسوتو انقلابا وحالة من الفوضى والترقب، أمس، بعد أن سيطر عسكريون على المقر العام للشرطة، وقاموا بالتشويش على بث الإذاعات والاتصالات الهاتفية في هذه المملكة الجبلية الصغيرة المحاطة من كل حدودها بجنوب أفريقيا. وقال تيسيلي ماسريبان، وزير الرياضة، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «القوات المسلحة والقوات الخاصة في ليسوتو سيطرت على مقر قيادة الشرطة»، مشيرا إلى أن «ذلك قد يكون انقلابا عسكريا في هذا البلد، الذي يحكمه ائتلاف هش تاريخه حافل بالاضطرابات». كما ذكر مصور من الوكالة نفسها، أنه سمع عيارات نارية، صباح أمس، وأن جنودا «بأعداد أكبر من العادة» يتجولون في المدينة.
من جهته، قال متحدث باسم جيش ليسوتو إن القوات المسلحة «تنفي قيامها بانقلاب على رئيس الوزراء توماس ثاباني»، وأضاف أنها تحركت ضد عناصر في الشرطة بعد الاشتباه بأنها تخطط لتسليح فصيل سياسي. وقال الميجور نتليلي نتوي: «لقد عاد الوضع إلى طبيعته، وعاد الجيش إلى ثكناته»، مؤكدا أن القوات المسلحة في ليسوتو «تدعم الحكومة المنتخبة ديمقراطيا». واتهم توماس ثاباني، رئيس وزراء ليسوتو، أمس، في مقابلة مع قناة تلفزيونية في جنوب أفريقيا، جيش البلاد بمحاولة الانقلاب عليه، وقال عبر الهاتف لقناة «أي إن سي إيه»، إنه «انقلاب عسكري، لأنه بقيادة الجيش.. لقد خالف الجيش تعليماتي بصفتي القائد الأعلى»، وتابع أنه سيلتقي بزعماء في جنوب أفريقيا يمثلون مجموعة تنمية الجنوب الأفريقي. وأضاف وزير الرياضة الذي يتولى أيضا رئاسة حزب باسوثو الوطني، أحد أحزاب الائتلاف الحاكم الهش في ماسيرو: «في الساعة 4 صباحا (2 بتوقيت غرينتش) انتشروا حول مقر إقامة رئيس الوزراء ومقري». واتهم ماسريبان نائب رئيس الوزراء موتيتجوا ميتسينغ، زعيم مؤتمر ليسوتو من أجل الديمقراطية بالتورط في العملية بقوله: «لدينا معلومات تفيد أنه جزء منها.. لقد أطلقت عيارات نارية بين الساعة 4 و6 أو 8 (صباحا)»، وبعد ذلك بدأوا يشوشون على الهواتف ويشوشون على كل شيء». وروى الوزير أنه تمكن من الهرب بعد أن جرى إخطاره، وقال: «القائد قال لي إنه يبحث عني، وعن رئيس الوزراء، ونائب رئيس الوزراء ليصطحبنا إلى الملك.. وهذا يعني في بلادنا انقلابا عسكريا». لكنه أضاف أن «رئيس الوزراء توماس ثاباني وحكومته لا يزالان يسيطران على السلطة»، وتابع وزير الرياضة موضحا «رئيس الوزراء وأنا شخصيا ما زلنا في الحكومة الائتلافية، ورئيس الوزراء ما زال في الحكم»، وأكد أن ثاباني «على ما يرام»، لكن دون أن يفصح عن مكان رئيس الحكومة، كما اعترف بأن الوضع ما زال خطرا مع «مسلحين يتجولون في ماسيرو». ويحكم المملكة، المكونة في غالبيتها من هضاب مرتفعة، ائتلاف منذ الانتخابات الأخيرة التي جرت قبل سنتين، لكن بعض الوسطاء عبروا عن شكوكهم بشأن متانة الائتلاف، معتبرين أنه لن يدوم حتى الانتخابات المقبلة المرتقبة في 2017. وقال مصدر دبلوماسي غربي إن «التحالف يواجه صعوبة في العمل منذ الانتخابات الأخيرة، ورئيس الوزراء يواجه انتقادات بسبب استبداده».
وكان مؤتمر ليسوتو من أجل الديمقراطية أعلن أنه ينوي البحث عن تحالفات أخرى لإقصاء ثاباني. ورد رئيس الوزراء، الذي كان يخشى مذكرة بحجب الثقة من البرلمان، بحل البرلمان مطلع العام الحالي بموافقة الملك ليسي الثالث، الذي اعتلى العرش في 1996 لكنه لا يتمتع بصلاحيات كبيرة.
وتتكرر الاضطرابات في التاريخ السياسي لهذا البلد الذي استقل عن بريطانيا عام 1966. وفي 1986 دعم نظام الفصل العنصري فيها انقلابا لمنع البلاد من التحول إلى قاعدة لناشطين معادين لنظام الفصل العنصري، وخصوصا المؤتمر الوطني الأفريقي، حزب نيلسون مانديلا. وفي 1998 وبعد أعمال عنف مرتبطة بالانتخابات، شنت جنوب أفريقيا وبوتسوانا عملية مسلحة دمرت جزءا من العاصمة ماسيرو.
وليسوتو دولة فقيرة جدا لا يتعدى عدد سكانها مليوني نسمة، وهي عضو في رابطة الكومنولث وتؤمن لجارتها جنوب أفريقيا المياه والكهرباء التي يجرى إنتاجها من جبالها.



للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
TT

للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

سحب الفرنسيون من تشاد، الثلاثاء، مقاتلات عسكرية من طراز «ميراج 2000»، ليصبح البلد الأفريقي مترامي الأطراف والحبيس في قلب القارة السمراء، خالياً من أي مقاتلات فرنسية لأول مرة منذ أن نال استقلاله عن باريس قبل 6 عقود.

اليوم، أصبحت سماء تشاد هادئة من أزيز «الميراج» الفرنسية، وأغمضت العين الفرنسية التي ظلّت لعقود طويلة رقيباً لا يغفل على أرض تشاد الشاسعة، الممتدة من صحراء أوزو الحارقة شمالاً، وصولاً إلى أحواض بحيرة تشاد الرطبة في أقاصي الجنوب.

الطائرة التي تُمثّل فخر الصناعة العسكرية الفرنسية، ظلّت لسنوات طويلة صاحبة الكلمة الأولى في السماء التشادية، والسلاح الحاسم الذي تدخّل لقلب موازين السياسة أكثر من مرة، خصوصاً حين حاصر المتمردون القادمون من الشمال الرئيسَ الراحل إدريس ديبي في 2006 و2019.

بداية الرحيل

طائرة «ميراج» فرنسية وهي تغادر قاعدة «غوسي» التشادية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

في حدود منتصف نهار الثلاثاء، كان الجنود الفرنسيون في قاعدة «غوسي» العسكرية في عاصمة تشاد إنجامينا، يتبادلون الابتسامات الباهتة مع أقرانهم التشاديين، فطغت على أجواء الوداع حميمية مصطنعة، وهم يستعدون لركوب طائرات «الميراج»، في رحلة ذهاب دون عودة، نحو فرنسا.

رفع الطيار العسكري الفرنسي يده بتحية عسكرية صارمة، من وراء زجاج طائرته النفاثة، وألقى نظرة أخيرة، ثم حلّق عالياً لتكون بذلك بداية انسحاب فرنسي من بلد دخله أجداده مستعمرين مطلع القرن العشرين، أي قبل 120 عاماً.

الجيش الفرنسي قال في بيان مقتضب تعليقاً على سحب طائراته العسكرية، إن القرار جاء بعد أن قررت تشاد إنهاء العمل باتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع فرنسا، يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأضاف أن «وجود هذه الطائرات كان تلبية لحاجة سبق أن عبّر عنها الشريك (التشادي)».

فيما قال مصدر فرنسي إن وجود المقاتلات الفرنسية في تشاد لم يعُد مبرّراً بعد إنهاء التعاون العسكري بين البلدين، وأضاف أن «فرنسا تنهي نشر مقاتلاتها في قاعدة (غوسي) الجوية في إنجامينا. والجيش الفرنسي اتخذ قراراً بسحب طائراته الحربية».

رحيل تدريجي

وزير خارجية تشاد، عبد الرحمن كليم الله، نشر تغريدة مقتضبة على موقع «إكس»، قال فيها: «إنه بعد الانسحاب النهائي لمقاتلات (الميراج) الفرنسية وطائرة الدعم والإسناد، نفذت المرحلة الأولى من سحب القوات الفرنسية في تشاد».

كما نشرت الخارجية التشادية بياناً قالت فيه: «إن هذا الحدث يُمثل خطوة كبيرة في تنفيذ الجدول الزمني المتفق عليه بين الطرفين» بخصوص مغادرة القوات الفرنسية، قبل أن تشير إلى أنه «سيتم الترحيل التدريجي للقوات البرية خلال الأسابيع المقبلة».

ويوجد في تشاد نحو ألف جندي فرنسي، كانوا موجودين بموجب اتفاق تعاون عسكري موقع منذ عقود، وجرى تجديده عام 2019، ولكن تشاد قررت الشهر الماضي أن تنهيه من جانب واحد من أجل «تجسيد السيادة» على أراضيها.

وفي هذا السياق، قالت الخارجية التشادية إن الشعب التشادي «يتطلّع إلى مستقبل تحظى فيه السيادة الوطنية بالاحترام الكامل، وتتولى فيه القوات المسلحة الوطنية بشرف وكفاءة الدفاع عن أراضيها وأمن مواطنيها».

ولكنها في الوقت نفسه، شدّدت على «فكّ الارتباط (مع فرنسا) يتم بروح من الاحترام المتبادل والحوار البنّاء للحفاظ على العلاقات الثنائية بين تشاد وفرنسا في المجالات الاستراتيجية الأخرى ذات الاهتمام المشترك».

لجنة مشتركة

جنديان تشاديان خلال مناورات مع سلاح الجو الفرنسي (أرشيف الجيش الفرنسي)

ورغم أن البلدين لم يُعلنا أي تفاصيل حول الجدول الزمني لسحب القوات الفرنسية، فإن المصادر تؤكد تشكيل «لجنة مشتركة» تتولّى الإشراف على العملية، وقد عقدت هذه اللجنة اجتماعها الأول يوم الجمعة الماضي، دون إعطاء أي تفاصيل.

في هذه الأثناء، وصفت صحف فرنسية واسعة الانتشار من بينها «لوموند» ما يجري بأنه «صفعة موجعة» تتلقّاها فرنسا في بلد ظلّ لعقود يمثل حليفاً استراتيجياً في أفريقيا، واليوم يُعدّ آخر مركز نفوذ لفرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، حيث سبق أن انسحبت القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

ويصر الفرنسيون على أن ما يحدث في تشاد مختلف عما جرى في دول الساحل الأخرى؛ حيث وقعت قطيعة تامة مع باريس.

ويقول مصدر وصفه الإعلام الفرنسي بأنه قريب من الملف: «إن التشاديين لم يطلبوا سحب القوات بشكل فوري، وبهذه السرعة»، وأضاف: «نحن من أراد التحكم في الانسحاب» تفادياً لأي مفاجآت.