المشهد

المشهد
TT

المشهد

المشهد

* إغلاق مهرجان صيني

• كان من المفترض الانطلاق بدورة جديدة لمهرجان الفيلم المستقل في العاصمة بكين في مثل هذه الأيام، لكن الحكومة الصينية قررت إغلاق المهرجان ومنع إقامته. القرار لم يأت على ذكر مبررات، لكن المعروف أن المهرجان واجه مصاعب عدة منذ إطلاقه قبل بضع سنوات، سببها عدم رغبة الجهات الرسمية في إقامته، كونه ينص على عرض أعمال شبابية مناهضة وانتقادية تتمتع بحس استقلالي لا تنوي الحكومة تشجيعه.
• التضييق على المهرجان ازداد عبر السنين، وبدأ بعدم منحه أي دعم مادي أو إعلامي من قـبل السلطات، ووصل إلى حد قطع الكهرباء عنه، وتعليل ذلك بوجود عطل يقوم المختصون بإصلاحه. وفي العام الماضي،

عرضت الحكومة على مقيمي المهرجان إيقافه، لكن هؤلاء رفضوا. هذه المرة جرى قلع الضرس منعا لوجع الرأس.
• تعبير «السينما المستقلة» بالطبع هو للإشارة إلى تلك الإنتاجات التي تتمتع بميزتين: استقلالها عن التمويل التقليدي من قـبل مؤسسات إنتاج كبيرة واستقلالها عن تقديم المواضيع التي تقدم عليها الأفلام الأكثر انتشارا بين الناس. في هذا الجانب الثاني يكمن أيضا استقلال كيفية معالجة الموضوع ومنحه الرؤية الذاتية ومعاينة الأعمال تبعا لنص يخرج عن المألوف ولا ينتمي إليه.
• حتى تكون هناك سينما مستقلـة، فإنه من الضروري وعلى نحو منطقي أن يكون هناك ما يمكن الاستقلال عنه. تنفع التسمية في الإنتاجات المصرية كون جزء منها خاضع للذوق السائد، وآخر يحاول الخروج عنه، لكنه لا ينفع في لبنان مثلا لأنه لا توجد صناعة متكاملة، ومعظم الإنتاج هو من النوع الذاتي والمختلف بطبيعة الحال. بكلمات أخرى؛ إذا لم تكن هناك إنتاجات سائدة، فالاستقلال لا يتم، بل تتحول السينما المصنوعة بشروط السينما السائدة إلى السينما الوحيدة الحاضرة.
• لكن حتى المفهوم المتعارف عليه لا يخلو من شوائب؛ أليست أفلام المنتج والمخرج روجر كورمان الذي عمل دائما بمنأى عن هوليوود مستقلة؟ أليست الأفلام التي تتوجه لمهرجان «صندانس» حاملة زخما في التعامل مع المواضيع المطروحة على نحو مختلف مستقلة؟ الجواب في الحالتين لا. روجر كورمان، أو سواه من الذين قاموا في الستينات وما بعد بإنتاج أفلامهم بعيدا عن هوليوود، مستقلة من حيث التمويل، لكنها هوليوودية الطابع تماما من حيث الحكاية وكيفية حكيها.
• بالنسبة للأفلام التي يعرضها مهرجان «صندانس» الذي بنى صرحه على أساس تشجيع السينما المستقلة، فإن الكثير جدا منها مصنوع بتمويل مستقل، لكنه هادف لتوزيع غير مستقل توفـره الشركات العملاقة. يذهب المنتج والمخرج إلى ذلك المهرجان وفي باله بيع الفيلم لمن يدفع أكثر، ومن يدفع أكثر هو الشركات الكبرى ذاتها التي جرى تحقيق الفيلم من دونها. وحتى يتم له هذا البيع، فإن واحدا من الشروط غير المكتوبة هو أن لا يختلف كثيرا عن السائد، لا من حيث الاختيارات القصصية ولا من حيث معالجتها فنيا. ما الذي بقي من الاستقلال إذن؟
• على ذلك السينما المستقلة شوكة في خاصرة بعض الدول التي تنتج أفلاما، كما الحال في الصين التي لم تستطع أن تفهم الوضع على غير أنه موجـَّه ضدها وقد يتفاقم، لذا أمرت بالمنع.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.