رغم وصول الحرس الوطني ليحل محل الشرطة المحلية التي اتهمت بالتشدد مع المتظاهرين السود، ورغم وصول إريك هولدر (الأسود) وزير العدل من واشنطن، ما زالت المظاهرات مستمرة في ضاحية فيرغسون لتدخل بذلك الاضطرابات العنصرية يومها الثاني عشر على التوالي.
«الشرق الأوسط» قضت كل اليوم وجزءا من الليل مع المتظاهرين. وبينما تجمع المتظاهرون تحت الأشجار أثناء النهار بسبب حرارة الجو، زادت أعدادهم، وخرجوا في مظاهرات بعد غروب الشمس. لكن قل عددهم بعد هطول أمطار غزيرة، ولم تحدث مواجهة بين المتظاهرين والشرطة.
وتحدث لـ«الشرق الأوسط» الكابتن رونالد جونسون، الضابط الأسود الذي عينه جاي نيكسون، حاكم الولاية، لقيادة «هاي واي باترول» (شرطة الطرق البرية) لحفظ النظام، بالاشتراك مع قوات الحرس الوطني (بعد تجميد شرطة المدينة بسبب اتهامات التفرقة العنصرية). وقال جونسون إن الحاكم أمره بنشر «روح الود» مع المواطنين، ورفض الحديث عن الاشتباكات الدموية خلال الأسبوعين الماضيين، وأضاف: «اختارني الحاكم لأفتح صفحة جديدة». وفي وقت لاحق في منتصف الليلة الماضية قال الكابتن جونسون للصحافيين «هذه أول ليلة لا يستعمل فيها المتظاهرون قنابل مولوتوف. وهذه أول ليلة لا تستعمل فيها شرطتنا قنابل مسيلة للدموع». وأضاف: «يبدو واضحا أن عدد المتظاهرين قل هذه الليلة».
وكان الضابط جونسون قد جاء إلى مكان المظاهرات وسط حراسة مشددة، وتحدث مع عدد من المتظاهرين. وكان واضحا أن الزيارة خطط لها مسبقا بهدف «كسب ثقة الناس». وعندما جاء جونسون إلى مكان الاحتجاجات طاف على عدد من المتظاهرين، وصافح كل واحد وكل واحدة. وكان واضحا أن بشرة لونه، وحديثه بلهجة زنوج أميركا وتودده، وحضنه لرجال، وتقبيله لنساء، ساعد على تعزيز وإضفاء روح الود.
وتحدث جونسون للحاضرين عن لقائه مع وزير العدل إريك هولدر، وقال: «ركز الوزير على حماية المواطنين، وكسب ثقتهم. كما ركز على أهمية إجراء تحقيقات محايدة وشفافة».
لكن الوزير لم يأت إلى مكان المظاهرات، واكتفى بزيارة كبار المسؤولين، وكان واضحا أن زيارته تعمدت تهدئة المتظاهرين لأنه أجرى مقابلة خاصة مع والدي الصبي الأسود الذي أثار قتله كل هذه الاضطرابات.
ووسط المتظاهرين ترددت هتافات ورفعت لافتات دعت إلى تقديم الشرطي دارين ويلسون إلى المحاكمة، بتهمة قتل براون. وفي الجانب الآخر واصلت الشرطة الدفاع عن نفسها، بقيادة مديرها توماس جاكسون. في وقت يحاول فيه حاكم ولاية ميسوري جاي نيكسون أن يكون محايدا، وتشكيل لجنة تحقيق مستقلة.
وضمن سلسلة مقابلات أجرتها «الشرق الأوسط» مع عدد من سكان فيرغسون، ظهر انقسام واضح بين آراء السود والبيض. فبينما لا يتردد السود في الإعلان عن آرائهم، وخاصة غضبهم على الشرطة التي تسودها أغلبية بيضاء، يميل كثير من البيض نحو عدم الاهتمام، أو التركيز على «القانون والنظام»، ليس دفاعا عن الشرطي الذي قتل الصبي الأسود، ولكن اعتقادا بأن هناك سودا يريدون أن يتطور الموضوع، ليصبح مواجهة بين البيض والسود.
وخلال مواجهات أمس ردت الشرطة على المتظاهرين بتسريب خبر بأن الشرطي ويلسون أصيب بجراح «خطيرة» في وجهه عندما كان يتعارك مع الصبي الأسود، وأن ذلك كان السبب الرئيسي لقتله براون. وكانت الشرطة سربت قبل أربعة أيام، فيديو يصور الصبي، وهو يشترك في نهب متجر لبيع الكحول. وبعد ذلك، طاردته الشرطة، حتى قتله الشرطي ويلسون. وهكذا يبدو أن كل جانب يحاول زيادة أسهمه في هذه المعركة التي أصبحت إعلامية بقدر ما هي مواجهات في الشوارع. غير أن المعركة لا بد، في النهاية، أن تحسم قضائيا، وبهذا الخصوص قال روبرت ماكولوك، مدعي المقاطعة التي يوجد فيها فيرغسون، أمس، إن التحقيقات ربما ستستمر حتى الشهر القادم، قبل حسم مصير الشرطي ويلسون.
لكن في الجانب الآخر، قال المتظاهرون بأن المدعي العام ينحاز إلى الشرطة.
من جانبها، قالت جميلة رشيد لـ«الشرق الأوسط» وهي المسلمة السوداء الوحيدة في مجلس شيوخ ولاية ميسوري «يجب أن تكون الخطوة الأولى هي التخلص من هذا المدعي العام. ويجب تشكيل لجنة تحقيق محايدة». وأضافت أنها جمعت توقيعات أكثر من عشرين ألفا من سكان فيرغسون لإبعاد المدعي العام من القضية.
وقالت ماريا جابيللي، وهي أيضا أميركية سوداء عضو في مجلس شيوخ الولاية «لن تنتهي مظاهراتنا السلمية. من فضلك، ركز على كلمة (سلمية)... لن تنتهي حتى يدان الشرطي ويلسون».
وقبل غروب الشمس في فيرغسون، أمس، زاد عدد المتظاهرين، وبدأوا يجوبون شوارع المنطقة. وكان أكبر تجمع يعسكر أمام مركز شرطة المدينة وسط حراسة مشددة. ورغم أن أغلبية المتظاهرين من السود، كان هناك عدد من الشباب البيض، والشابات البيضاوات، ومنهن امبار ماشيلو، التي خرجت لتوها من السجن، بعد أن قضت فيه أربعة أيام. وقد صفق لها المتظاهرون، وقالت: لـ«الشرق الأوسط» عن تجربتها في السجن «إذا عاملوني، أنا البيضاء هكذا، فكيف يعاملون السود؟».
كما تحدث، أيضا، المحامي الأبيض جيمس جويلز، وقف تحت أشعة الشمس الحارة وحمل لافتة عليها مادة في القانون الجنائي الأميركي عن «القتل العمد»، في إشارة إلى أن الشرطي ويلسون يجب أن يحاكم بتهمة القتل العمد.
وكان حاكم ولاية ميسوري، جاي نيكسون، قرر تحويل مهام الأمن في فيرغسون إلى «هاي واي باترول» (شرطة الطرق البرية) التابعة للولاية. وذلك بسبب الوضع المتوتر، والذي وصفه بأنه «يشبه منطقة حرب». لكن لم تقدر هذه الخطوة على تهدئة التوتر، فاضطر لجلب الحرس الوطني. ورغم أن الشرطة المحلية لم تعد تحرس المدينة، فقد قال مسؤولون فيها (وهي المتهمة باللجوء للقوة المتشددة مع المتظاهرين والصحافيين، باستخدام القنابل الدخانية، والغاز المسيل للدموع، والرصاص المطاطي) إنها ستتبنى أسلوبا مختلفا في المستقبل. كما عبر محتجون سود وبيض عن «علاقة مضطربة» بين سكان فيرغسون (ذات الأغلبية السوداء) وقوات الأمن (ذات الأغلبية البيضاء).
وكان الرئيس باراك أوباما قد انتقد كل الوضع، من دون أن يشير إلى تقسيمات عرقية، وقال: «لا يوجد عذر لاستخدام العنف ضد الشرطة، أو لمن استغل هذه المأساة كغطاء للسلب والنهب. في الجانب الآخر، لا يوجد عذر للشرطة لاستخدام العنف المفرط ضد المحتجين المسالمين، أو الزج بهم في السجون، وهم لم يفعلوا غير ممارسة حق كفله الدستور لهم».
وعندما بدأت الأحداث الدامية رفض قائد الشرطة في فيرغسون في البداية إعلان اسم رجل الشرطة الذي أطلق النار على الصبي الأسود، وقال قائد الشرطة توماس جاكسون إن الضابط هو دارين ويلسون، الذي ظل يعمل في الشرطة منذ ست سنوات. وبدأت الشرطة تسرب معلومات تسيء إلى الصبي الأسود، منها أنه متهم بالسطو على متجر، قبل إطلاق النار عليه، وأنه اتهم بسرقة علبة سجائر، وأن صاحب المتجر حاول إغلاق باب المتجر لمنع براون من المغادرة قبل أن يدفع ثمن السجاير، أو حتى تأتي الشرطة.
غير أن هذه الاتهامات زادت من غضب المتظاهرين، وكان يوم السبت الماضي من أعنف الأيام عندما زادت عمليات النهب. لكن، حاول بعض المتظاهرين التصدي لها، ووقفوا أمام محلات تجارية، ومنعوا آخرين من تحطيمها. وكان يوم الأحد الماضي، أيضا، يوم توتر كبير، حيث استخدمت الشرطة قنابل الدخان ضد المتظاهرين، وأيضا، يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين. غير أن يوم الأربعاء كان أحسن حالا. كما كان يوم أمس، حسب تصريحات الضابط جونسون أهدأ الأيام، منذ أن بدأت هذه الاضطرابات.
وكان الرئيس أوباما قد صرح بأنه يفهم «شعور الغضب» الذي تسبب فيه قتل براون. لكنه قال: إن الاستسلام للغضب «عن طريق النهب، وحمل السلاح، ومهاجمة الشرطة، سيؤدي إلى زيادة التوتر، وإلى إشاعة الفوضى». واعترف أوباما بوجود «هوة من الشك» بين المواطنين (يقصد السود)، وسلطات تطبيق القانون في «كثير من المجتمعات في الولايات المتحدة». وقال: «في كثير من هذه المجتمعات، صار كثير من الشباب أصحاب البشرة الملونة مهملين. صار ينظر إليهم باعتبارهم مصدر خوف، وباعتبارهم مصدر مشاكل».
وقبل أربعة أيام، أجرى طبيب شرعي من نيويورك، استعانت به أسرة براون، تشريحا مستقلا لجثمان ابنها. وقال الطبيب إن «براون أصيب بست رصاصات»، وإن «كل الجروح بسبب طلقات النار كان يمكن أن تعالج، باستثناء واحدة في أعلى الرأس». وأضاف أن جثمان براون لم يكن به أثر اشتباكات مع الشرطي ويلسون (أو غيره)، وأن رضوضا حول الوجه سببها سقوطه على الأرض، بعد إطلاق النار عليه. ورجح الطبيب أن الشرطي ويلسون لم يطلق النار من مسافة قريبة. وفي اليوم التالي أصبحت تفاصيل قتل الصبي مصدر جدل، حيث قال البعض إنه كان رافعا يديه في وضع استسلام عندما أطلق الشرطي النار عليه، بينما قال آخرون إن إطلاق النار حدث أثناء مشاجرة بين الاثنين.
ويوم الخميس الماضي، قال وزير العدل هولدر خلال زيارته للمنطقة بأنه أمر بإجراء تشريح جديد لجثة براون بواسطة وزارة العدل.
رئيس شرطة فيرغسون: اخترت لأفتح صفحة جديدة مع المواطنين
جونسون قال لـ {الشرق الأوسط}: إنها أول ليلة لا تستخدم فيها قنابل مسيلة للدموع
رئيس شرطة فيرغسون: اخترت لأفتح صفحة جديدة مع المواطنين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة