مع انطلاق القمة الأميركية ـ الأفريقية.. عين واشنطن على الأمن والاستثمار

الولايات المتحدة انتهجت مقاربات مختلفة للتعامل مع البؤر الساخنة في القارة السمراء

اجتماع ضم وزير الخارجية الأميركي جون كيري وممثلين عن برنامج (أغوا) المعني بمنح امتيازات لبعض المنتجات الأفريقية قبيل انطلاق القمة في واشنطن أمس (أ.ب)
اجتماع ضم وزير الخارجية الأميركي جون كيري وممثلين عن برنامج (أغوا) المعني بمنح امتيازات لبعض المنتجات الأفريقية قبيل انطلاق القمة في واشنطن أمس (أ.ب)
TT

مع انطلاق القمة الأميركية ـ الأفريقية.. عين واشنطن على الأمن والاستثمار

اجتماع ضم وزير الخارجية الأميركي جون كيري وممثلين عن برنامج (أغوا) المعني بمنح امتيازات لبعض المنتجات الأفريقية قبيل انطلاق القمة في واشنطن أمس (أ.ب)
اجتماع ضم وزير الخارجية الأميركي جون كيري وممثلين عن برنامج (أغوا) المعني بمنح امتيازات لبعض المنتجات الأفريقية قبيل انطلاق القمة في واشنطن أمس (أ.ب)

افتتحت في واشنطن أمس قمة غير مسبوقة بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ونحو خمسين من قادة الدول الأفريقية، وسط إجراءات أمنية مشددة. وتلقي هذه القمة التي تستمر ثلاثة أيام الضوء على مدى اهتمام الولايات المتحدة بالقارة الواعدة التي تسجل نموا أكبر من بقية العالم يتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ 5.8 في المائة في 2015. وتقول واشنطن بأن مسائل الأمن والحكم الرشيد وحقوق الإنسان ستكون على جدول الأعمال، وهي تطمح إلى مكان كشريك في منطقة وصفها أوباما قبل عام «بقصة النجاح الكبرى المقبلة في العالم». وتحتل الولايات المتحدة المرتبة الثالثة على لائحة الشركاء التجاريين مع أفريقيا، بعد الاتحاد الأوروبي والصين.
ويؤكد البيت الأبيض أن مبادرته هذه ليست ردا متأخرا لمشروع «أفريقيا الصينية»، مع أنه من الواضح في التصريحات الأميركية أن اندفاع الصين الواضح باتجاه القارة في العقد المنصرم، ماثل في الأذهان. وقال أوباما في مجلة «الإيكونوميست»: «نصيحتي للقادة الأفارقة هي التأكد من أنه إذا شيدت الصين طرقا وجسورا، فمن جهة أن توظف عمالا أفارقة ومن جهة أخرى ألا تكون الطرق لربط المناجم بمرفأ شنغهاي فقط بل أن يكون للحكومات الأفريقية كلمتها في الشكل الذي ستكون عليه البنى التحتية مفيدة على الأمد الطويل».
ويتضمن برنامج المحادثات تمديد البرنامج الأميركي الذي يمنح امتيازات تجارية لبعض المنتجات الأفريقية ويطلق عليه اسم «أغوا» ومبادرة «القوة لأفريقيا» (باور أفريكا) التي تهدف إلى مضاعفة كمية الكهرباء التي تحصل عليها منطقة أفريقيا جنوب الصحراء.
وأثارت لائحة المدعوين بعض الاستياء إذ استبعد منها قادة أربع دول لا يمكن التعامل معهم وهم رؤساء أفريقيا الوسطى وإريتريا والسودان وزيمبابوي. أما رؤساء غينيا الاستوائية تيودور اوبيانغ نغيما والكاميرون بول بيا وأنغولا إدواردو دوس سانتوس الذين لا يمكن تجاوزهم، فقد تلقوا دعوات. ويعد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي رفض دعوة واشنطن، ضمن الغائبين الكبار. ورأت منظمة «هيومان رايتس ووتش» المدافعة عن حقوق الإنسان أن أوباما لا يمكنه أن يبقى صامتا بشأن حقوق الإنسان وعليه التشديد على هذه المسألة خصوصا في غينيا الاستوائية «حيث التعذيب شائع». أما الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني، فحرص على تحسين صورته، إذ ألغت المحكمة الدستورية فجأة يوم الجمعة قانونا لمكافحة المثلية كان أثار استياء دوليا ودفع واشنطن إلى فرض عقوبات.
وفي ملف الأمن، سيجري التطرق بالتأكيد إلى تهديد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وهجمات بوكو حرام المتكررة والحرب الأهلية في جنوب السودان وحتى هجمات حركة الشباب الأصولية الصومالية في كينيا.
ويؤكد الرئيس الأميركي أن إحدى القضايا الأساسية في القمة هي «إيجاد وسائل لتعزيز القدرات الأفريقية في جهود حفظ السلام وتسوية النزاعات». لكن محللين رأوا أن الولايات المتحدة تنتهج مقاربات مختلفة لمعالجة المسائل الأمنية في الأماكن المختلفة في القارة السمراء، بين التعامل مع الجيوش الوطنية أو دعم القوات المتعددة الجنسيات الأفريقية.
وكان أوباما قال: إنه هدفه في أفريقيا هو العمل مع «شركاء أقوياء» لديهم «قوات أمنية فاعلة» بحيث يصبح بوسع الولايات المتحدة خفض دعمها المالي مع ضمان «أمن طويل الأمد» لهذه البلدان. لكن الشركاء ليسوا دائما بالصلابة المرجوة ويترتب على واشنطن من أجل أن يكون لها تأثير على النقاط الساخنة في القارة التعاون مع بعض الجيوش الأسوأ سمعة في أفريقيا. ويردد المسؤولون الأميركيون منذ سنوات أنهم على استعداد لمساعدة نيجيريا مثلا على مكافحة بوكو حرام التي تخوض حركة تمرد منذ 2009 أوقعت آلاف القتلى في البلد الأكبر عددا سكانيا في القارة. وكانت عملية خطف أكثر من مائتي طالبة التي قامت بها بوكو حرام في أبريل (نيسان) الماضي سلطت الأضواء على الحركة وحملت الولايات المتحدة على عرض مساعدة عسكرية واستخباراتية على نيجيريا.
وأوضح جون كامبل السفير الأميركي السابق في نيجيريا أن أبوجا وافقت بالطبع على المساعدة الأميركية غير أنها لا تبدو مهتمة على الإطلاق بتعاون في العمليات أو التدريب. وقال كامبل الذي يعمل حاليا في مجلس العلاقات الخارجية، مركز الدراسات الأميركي المرموق، بأن نيجيريا التي تعاني من الفساد منذ عقود بدت كأنها تقول للخبراء الأميركيين الذين وصلوا إلى البلد في مايو (أيار) الماضي «أرسلوا لنا المعدات رجاء ثم حرروا لنا شيكا». وأشار إلى أنه باستثناء مساعدة هامشية في التدريب والإشراف لم يؤد هذا التعاون إلى «أي نتيجة تقريبا». ورأى أن السؤال المطروح هو إن كان الجيش النيجيري الذي يواجه انتقادات كثيرة لحصيلته على صعيد حقوق الإنسان «يريد مساعدة خارجية أم لا».
وفي الطرف الآخر من أفريقيا يواصل متمردو حركة الشباب اعتداءاتهم في الصومال ويوسعون بقعة عملياتهم إلى الدول المجاورة حيث فجروا قنابل في كمبالا عام 2010 وشنوا هجوما ضخما على مركز «وستغيت» التجاري في نيروبي العام الماضي. وعلى هذه الجبهة لزمت الولايات المتحدة نهجا متعدد الأطراف فقدمت مساعدة مالية ولوجستية وعلى صعيد الاستخبارات والتدريب لقوات الاتحاد الأفريقي في الصومال. وقال مساعد مستشارة الأمن القومي في البيت الأبيض بن رودز بأن الإدارة الأميركية تود الاعتماد إلى هذا النوع من التدخل.
لكن محللين يرون أنه رغم نجاح بعثة الاتحاد الأفريقي في طرد حركة الشباب من مقديشو ومنع المتشددين من إطاحة الحكومة الهشة المدعومة من الغرب، فإن القوات الأفريقية أثارت الكثير من الانتقادات. فقسم من رواتب الجنود اختلسه رؤساؤهم ويشتبه بأن كمية من الأسلحة الموجهة إلى القوة الأفريقية وصلت إلى أيدي الشباب. كما أن أوغندا تهيمن على القوة، وهو بلد تدهورت علاقاته مع الولايات المتحدة. والجيش الأوغندي طالما كان تحت سيطرة الرئيس يويري موسيفيني وأنصاره المتهمين باختلاس مبالغ طائلة من المساعدة الأميركية وباستخدام العسكريين لقمع المعارضة السياسية.
وعند النظر في أفريقيا الوسطى، بؤرة التوتر الأخرى، حيث تتمركز فرقة صغيرة من القوات الخاصة الأميركية منذ 2011. لمطاردة رئيس جيش الرب للمقاومة جوزيف كوني الملاحق من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، يلاحظ أن هذه الحركة المسلحة التي أنشئت في أوغندا والتي تعد من أكثر الحركات دموية في أفريقيا وسعت عملياتها إلى الدول المجاورة. وبحسب مستشارة الأمن القومي في البيت الأبيض سوزان رايس فإن التجاوزات التي يرتكبها جيش الرب للمقاومة تراجعت بنسبة 75 في المائة منذ تدخل الولايات المتحدة.
وبعيدا عن الملفات الأمنية، ستحتل مقدمة المواضيع المتوقعة في القمة الأزمة الصحية المتمثلة بانتشار فيروس إيبولا المسبب للحمى النزفية في غرب أفريقيا حيث توفي 700 شخص حتى الآن بهذا المرض. ولانشغالهما في التصدي لما يعد أكبر انتشار لهذا المرض خلال نحو أربعين عاما، تخلى رئيس سيراليون ارنست باي كوروما ونظيرته الليبيرية ايلين جونسون سيرليف عن التوجه إلى الولايات المتحدة. ويخضع موفدو الدول التي سجلت فيها إصابات لإجراءات مراقبة طبية أكد أوباما في إطار سعيه إلى طمأنتهم، أنها تدابير «وقائية» لأشخاص تعرضوا «لاحتمال ضئيل جدا» للإصابة بالمرض.



ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
TT

ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)

دفع تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً» إلى تساؤلات حول تأثير القرار على مستقبل التنظيم وعناصره. يأتي هذا في ظل تصاعد الصراع بين «قيادات (الإخوان) في الخارج» حول قيادة التنظيم. وقال باحثون في الحركات المتطرفة والإرهاب إن «قرار باراغواي أشار إلى ارتباط (الإخوان) بـ(تنظيمات الإرهاب)، وقد يدفع القرار دولاً أخرى إلى أن تتخذ قرارات مماثلة ضد التنظيم».
ووافقت اللجنة الدائمة بكونغرس باراغواي على «اعتبار (الإخوان) (تنظيماً إرهابياً) يهدد الأمن والاستقرار الدوليين، ويشكل انتهاكاً خطيراً لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة». جاء ذلك في مشروع قرار تقدمت به ليليان سامانيغو، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس المكوّن من 45 عضواً. وقال البرلمان في بيان نشره عبر موقعه الإلكتروني (مساء الخميس) إن «تنظيم (الإخوان) الذي تأسس في مصر عام 1928، يقدم المساعدة الآيديولوجية لمن يستخدم (العنف) ويهدد الاستقرار والأمن في كل من الشرق والغرب». وأضاف البيان أن «باراغواي ترفض رفضاً قاطعاً جميع الأعمال والأساليب والممارسات (الإرهابية)».
ووفق تقارير محلية في باراغواي، فإن باراغواي رأت في وقت سابق أن «(حزب الله)، و(القاعدة)، و(داعش) وغيرها، منظمات (إرهابية)، في إطار مشاركتها في الحرب على (الإرهاب)». وقالت التقارير إن «تصنيف (الإخوان) من شأنه أن يحدّ من قدرة هذه الجماعات على التخطيط لهجمات (إرهابية) وزعزعة استقرار الدول». كما تحدثت التقارير عن دول أخرى أقرت خطوات مماثلة ضد «الإخوان» من بينها، روسيا، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين.
وتصنف دول عربية عدة «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً». وعدّت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية التنظيم «جماعة إرهابية منحرفة» لا تمثل منهج الإسلام. وذكرت الهيئة في بيان لها، نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2020، أن «(الإخوان) جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفُرقة، وإثارة الفتنة، والعنف، والإرهاب». وحذّرت حينها من «الانتماء إلى (الإخوان) أو التعاطف مع التنظيم».
كذلك أكد مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي أن كل مجموعة أو تنظيم يسعى للفتنة أو يمارس العنف أو يحرّض عليه، هو تنظيم إرهابي مهما كان اسمه أو دعوته، معتبراً «(الإخوان) تنظيماً (إرهابياً)».
وتحظر الحكومة المصرية «الإخوان» منذ عام 2014، وقد عدّته «تنظيماً إرهابياً». ويخضع مئات من قادة وأنصار التنظيم حالياً، وعلى رأسهم المرشد العام محمد بديع، لمحاكمات في قضايا يتعلق معظمها بـ«التحريض على العنف»، صدرت في بعضها أحكام بالإعدام، والسجن «المشدد والمؤبد».
وحسب الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، فإن «تصنيف باراغواي (الإخوان) يؤكد الاتهامات التي توجَّه إلى التنظيم، بأن تنظيمات العنف خرجت من رحم (الإخوان)، أو أنها نهلت من أفكار التنظيم»، لافتاً إلى أن «قرار باراغواي أشار إلى أن (الإخوان) وفّر الحماية لتنظيمات التطرف التي نشأت في الشرق والغرب». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «قرار بعض الدول العربية في وقت سابق حظر (الإخوان) يعود إلى أمرين؛ الأول أن التنظيم مارس العنف، والآخر أن التنظيم وفّر الحماية لجماعات الإرهاب».
وفي وقت سابق أكدت وزارة الأوقاف المصرية «حُرمة الانضمام لـ(الإخوان)»، مشيرةً إلى أن التنظيم يمثل «الخطر الأكبر على الأمن القومي العربي». وفي فبراير (شباط) 2022 قالت دار الإفتاء المصرية إن «جميع الجماعات الإرهابية خرجت من عباءة (الإخوان)». وفي مايو (أيار) الماضي، قام مفتي مصر شوقي علام، بتوزيع تقرير «موثق» باللغة الإنجليزية على أعضاء البرلمان البريطاني يكشف منهج «الإخوان» منذ نشأة التنظيم وارتباطه بـ«التنظيمات الإرهابية». وقدم التقرير كثيراً من الأدلة على علاقة «الإخوان» بـ«داعش» و«القاعدة»، وانضمام عدد كبير من أعضاء «الإخوان» لصفوف «داعش» عقب عزل محمد مرسي عن السلطة في مصر عام 2013، كما لفت إلى أذرع «الإخوان» من الحركات المسلحة مثل «لواء الثورة» و«حسم».
وحول تأثير قرار تصنيف باراغواي «الإخوان» على «قيادات التنظيم في الخارج»، أكد الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، أن «قرار باراغواي سوف يؤثر بالقطع على عناصر التنظيم في الخارج، لأن التنظيم يزعم أنه ينتشر في دول كثيرة حول العالم، ومثل هذا القرار يؤثر على عناصر (الإخوان) الموجودة في باراغواي وفي الدول المجاورة لها، كما أن القرار قد يدفع دولاً أخرى إلى اتخاذ قرار مماثل ضد (الإخوان)».
يأتي قرار باراغواي في وقت يتواصل الصراع بين «قيادات الإخوان في الخارج» حول منصب القائم بأعمال مرشد التنظيم. ويرى مراقبون أن «محاولات الصلح بين جبهتي (لندن) و(إسطنبول) لحسم الخلافات لم تنجح لعدم وجود توافق حول ملامح مستقبل التنظيم». والصراع بين جبهتي «لندن» و«إسطنبول» على منصب القائم بأعمال المرشد، سبقته خلافات كثيرة خلال الأشهر الماضية، عقب قيام إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد «الإخوان» السابق، بحلّ المكتب الإداري لشؤون التنظيم في تركيا، وقيامه بتشكيل «هيئة عليا» بديلة عن «مكتب إرشاد الإخوان». وتبع ذلك تشكيل «جبهة لندن»، «مجلس شورى» جديداً، وإعفاء أعضاء «مجلس شورى إسطنبول» الستة، ومحمود حسين (الذي يقود «جبهة إسطنبول»)، من مناصبهم.