أحالت الشرطة الجزائرية أمس 30 شخصا إلى القضاء للمحاكمة، بعد أحداث خطيرة عاشتها منطقة غرداية (600 كم جنوب العاصمة)، على أثر اندلاع مشادات عنيفة بين طائفتين دينيتين، تعيشان معا منذ مئات السنين وتسعيان إلى دفن أحقادهما دون جدوى.
وقال أحد سكان مدينة غرداية في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إن المنطقة تعيش هدوءا حذرا، وإن المواجهات التي جمعت أتباع المذهب الإباضي المسمين «بني ميزاب» ويتحدثون اللغة الأمازيغية، وأتباع المذهب السني المسمين «الشعانبة»، يتحدثون العربية، الثلاثاء الماضي، قد تتجدد إذا لم تطلق الشرطة سراح المعتقلين الذين ينتمون للطائفتين. وأغلقت المحلات بالمدينة أبوابها صباح أمس الجمعة على غير العادة، وخلت شوارع غرداية من حركتها المعهودة.
ولا يعرف أحد الأسباب الحقيقية التي تقف وراء إثارة النعرات الطائفية من جديد بين الفريقين، لكن الاحتقان بينهما يميز الحياة في غرداية منذ سنوات طويلة. وقال مسؤول بولاية غرداية (هيكل إداري يمثل الحكومة محليا)، مفضلا عدم نشر اسمه، في اتصال هاتفي، إن التشغيل كان السبب المباشر في تجدد المواجهات بين الجهتين. وأوضح أن سكان بني ميزاب يتهمون السلطات المحلية بـ«ممارسة مقاييس مزدوجة» و«التمييز» في منح مناصب العمل في المرافق والمؤسسات العمومية. بعبارة أوضح، يرى أتباع المذهب الإباضي أن الحكومة تفضل جيرانهم السنة في التوظيف وتوزيع الثروة. أما أتباع المذهب السني فيقولون إن أغلب سكان بني ميزاب أغنياء بفضل التجارة، وإن مستوى المعيشة عندهم يغنيهم عن طلب العمل في الشركات المملوكة للدولة.
وقال الناشط الحقوقي المنتمي لطائفة «بني ميزاب»، كمال الدين فخار، في بيان أمس، إن الشرطة «انحازت لعصابات من الشباب وغضت الطرف عن أعمال التخريب التي قام بها هؤلاء، والتي طالت محلات وأملاكا تتبع لبني ميزاب». واتهم الشرطة أيضا «بالتملص من مسؤوليتها في حماية مقبرة لوجهاء بني ميزاب، تعرضت للتخريب». وتحدث فخار في بيانه عن «حرب مفتوحة ضد الطائفة الميزابية، تقودها السلطة المركزية بالعاصمة من دون سبب معروف». يشار إلى أن الناشط الحقوقي ينتمي للحزب المعارض «جبهة القوى الاشتراكية».
وأفاد فخار، الذي دخل السجن عدة مرات بسبب مواقفه السياسية من السلطة، بأن بني ميزاب «لن يلجأوا إلى قوات الأمن بعد اليوم، وإنما سيدافعون عن أنفسهم بإمكانياتهم الخاصة.. سوف ننظم أنفسنا لحماية بيوتنا وأملاكنا». ودعا فخار «العالم أجمع إلى أن يكون له موقف من المذابح التي نتعرض لها، قبل فوات الأوان». وأضاف «لقد تحالفت الشرطة مع خصومنا ضدنا. فرجال الأمن يطلقون النار علينا بينما يضربنا حلفاؤهم بالحجارة.. أليس هذا تواطؤا من السلطة ضدنا؟ أليس هذا شكلا من أشكال التصفية العرقية؟». وتابع «لقد تعرض شباب الميزاب الذين دافعوا عن أنفسهم للتعذيب والاعتداء الجنسي أثناء اعتقالهم بمراكز الشرطة في نهاية الأسبوع المنقضي. وقد وقف رجال الأمن يتفرجون على قنابل المولوتوف التي تهاطلت علينا في بيوتنا منذ الثلاثاء الماضي.. إننا نتعرض للإبادة على أيدي أبناء طائفة الشعانبة وبمباركة من السلطة».
وحاول عقلاء المنطقة من المجموعتين في 2009 إيجاد حل للنعرات الدينية التي يحكمها خيط رفيع سرعان ما ينقطع عند أول خلاف بسيط. وأبرم الطرفان في منتصف العام نفسه اتفاقا مكتوبا، يتضمن تعهدا بالاحتكام لوجهاء المنطقة وأئمتها الإباضيين والسنة في حال نشوب خلاف ذي طابع عرقي. كما تعهدوا بعدم استعمال القوة ولا حتى رفع شكوى إلى شرطة أو القضاء. وتضمن الاتفاق إنشاء هيئة سميت «أهل الحل والربط»، تكفلت بـ«إخماد الفتنة». ولكن الاتفاق لم يصمد أبدا أمام الضغائن التي يكنها كل طرف نحو الآخر.
متابعة 30 شخصا قضائيا بسبب مواجهات طائفية بين «الميزاب» و«الشعانبة» في الجزائر
«التمييز» في توزيع فرص العمل تسبب في اندلاع أحداث خطيرة بمدينة غرداية
متابعة 30 شخصا قضائيا بسبب مواجهات طائفية بين «الميزاب» و«الشعانبة» في الجزائر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة