بينما تلقت «الشرق الأوسط» معلومات عن معركة وشيكة ودامية قد تندلع في أي لحظة بين مقاتلين من مدينتي مصراتة والزنتان في العاصمة الليبية طرابلس التي استمر فيها تبادل القصف بالأسلحة الثقيلة في محيط مطارها الدولي، أبلغ الناطق باسم الجيش الوطني الليبي «الشرق الأوسط» أنه لا صحة لما أشيع أمس عن مغادرة اللواء خليفة حفتر، قائد عملية الكرامة ضد المتطرفين، مدينة بنغازي في شرق ليبيا، وكشف النقاب عن عمل عسكري كبير وحاسم للقضاء على كل الجماعات الإرهابية في المدينة.
وقال العقيد محمد حجازي لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من بنغازي: «اللواء حفتر موجود وبصحة جيدة وبمعنويات عالية، وهو من يقود المعارك ويرتب الصفوف لعملية عسكرية ضخمة للقضاء على هذه الجماعات الإرهابية والمتطرفة».
وأضاف: «هذه العملية مستمرة ولن تتوقف قبل القضاء على آخر مجرم من المتطرفين، لا نريد أن نحدد وقتا ولكن بعون الله خلال أيام أو أسبوع سيكون هناك عمل عسكري كبير».
وردا على ما يدور من تكهنات بشأن وجود خلافات بين اللواء حفتر العقيد ونيس بو خمادة آمر القوات الخاصة (الصاعقة) التابعة للجيش الليبي، قال حجازي: «لا توجد أي مشكلات، هذه كلها ضمن الحرب الإعلامية التي تشن على الجيش الوطني، واللواء حفتر يجتمع مع كل قيادات الجيش للترتيب للعمل العسكري المقبل وعلى رأسهم العقيد بو خمادة.
وعد حجازي أن انسحاب القوات الخاصة من معسكرها في بنغازي، كان تكتيكا مقصودا، مضيفا: «هذه استراتيجية عسكرية، نحن نقاتل أجهزة مخابرات عالمية مثل المخابرات القطرية والتركية، هذه طبخات تعد في أروقة هذه المخابرات».
وتابع: «كل شيء واضح وحتى من دون مستندات، نحن - العسكريين - نعرف ما فعلته تلك الدويلة (قطر) بالإضافة إلى تركيا عبر إرسال طائرات لنقل أسلحة ومقاتلين من تنظيم داعش الإرهابي إلى الأراضي الليبية عبر قاعدة معيتيقة بطرابلس».
وكشف حجازي لـ«الشرق الأوسط» النقاب عن مشاركة مقاتلين قال إنهم من مصر والجزائر وفلسطين وجنسيات أخرى في المعارك الأخيرة التي شنها المتطرفون ضد الجيش الليبي في بنغازي.
وقال: «هناك مقاتلون شاركوا من داعش قاتلوا في سوريا وهم من الجزائر ومصر، ولدينا بعض المعتقلين وآخرهم فلسطيني كان يقود سيارة عليها مدفع دوشكا كان يقاتل مع الخوارج الجدد وبعد استكمال التحقيقات سيتم عرضهم على وسائل الإعلام».
وأضاف: «لم ولن تسقط بنغازي في أيدي المتطرفين وأتحداهم أن يخرجوا الآن بسيارة واحدة ولا صحة لما يقال عن سيطرتهم على مستشفى الجلاء».
وأشاد بالمظاهرات الحاشدة التي شهدتها بنغازي مساء أول من أمس وأخرجوا من وصفهم بهؤلاء «الجرابيع المتطرفين» من مستشفى الجلاء، مضيفا: «نشكر لشعبنا في بنغازي مساندته للجيش في محاربته للإرهاب والتطرف، وبإذن الله سيسمعون ما يسرهم خلال أيام، الآن نحن نرتب الصفوف وننظمها».
واعتبر أن المتطرفين الذين تجرأوا على مهاجمة بعض معسكرات الجيش في المدينة فقد حفروا قبورهم بأيديهم، على حد قوله، مشيرا إلى أنه كانت هناك طلعات مكثفة للطيران ليلة أول من أمس ودكت معاقلهم وشتت صفوفهم.
من جهته، أعلن قيس الفاخري رئيس فرع جمعية الهلال الأحمر الليبي ببنغازي أنه جرى حصر نحو 35 جثة بمنطقة بوعطني التي شهدت ولعدة أيام اشتباكات عنيفة بين قوات الصاعقة وعناصر مسلحة تابعة لما يسمى بمجلس شورى ثوار بنغازي وأدت إلى سقوط كثير من القتلى والجرحى بين الطرفين.
وبدت هذه التصريحات متعارضة مع نفي الأمانة العامة للهلال الأحمر الليبي لانتشال 40 جثة من مواقع الاشتباكات، مشيرة إلى أن عدد الجثث التي جرى انتشالها بلغت ست جثث فقط.
إلى ذلك كشفت مصادر ليبية واسعة الاطلاع لـ«الشرق الأوسط» النقاب عن احتمال اندلاع حرب وشيكة بين مزيد من المقاتلين المسلحين في العاصمة طرابلس، مشيرة إلى وجود حشود عسكرية مريبة في المدينة.
وأبلغ مسؤول أمني في طرابلس لـ«الشرق الأوسط» أن مقاتلين من مدينة الزنتان تمترسوا منذ أول من أمس في منطقتي الكريمية والسراج، بينما اتخذ مقاتلون من مدينة مصراتة مواقع لهم في طريق المطار وصلاح الدين بالعاصمة.
وأضاف المسؤول الذي رفض تعريفه: «الزنتان تعاونها ورشفانة، ومصراتة تعاونها جنزور، هؤلاء هم الأعداء الجيران، وكل هذا امتداد لحرب المطار التي كانت حرب نفوذ لتصبح الآن حرب وجود».
وتوقع نفس المسؤول أن تندلع الحرب بين الطرفين في أي لحظة، مشيرا إلى «أن المعارك الدامية باتت قاب قوسين»، على حد قوله.
وتقول مصادر ليبية إن هذه الحرب في حال اندلاعها ستكون مدمرة ووخيمة العواقب على سكان العاصمة الذين نزح منهم نحو مائة ألف شخص خلال الأيام القليلة المقبلة وتحديدا من منطقة قصر بن غشير بعد تصاعد القصف في محيط مطار طرابلس. وطبقا لتقديرات مسؤول عسكري ليبي لـ«لشرق الأوسط»، فلدى مقاتلي مصراتة وحلفائهم نحو عشرين ألف مقاتل يتمتعون بتسليح عال، بينما لدى الزنتان وحلفائهم نحو عشرة آلاف مقاتل فقط لكنهم يتمتعون بحنكة عسكرية واضحة. واستأنفت أمس الكتائب المتنازعة في جنوب طرابلس، القتال والقصف العنيف سعيا للسيطرة على المطار الرئيسي في المدينة في واحدة من أسوأ جولات القتال في البلاد منذ الإطاحة بنظام حكم العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011.
وترددت أصداء انفجارات القذائف المدفعية والمدافع المضادة للطائرات في طرابلس منذ الصباح الباكر، بعد يوم على موافقة الفصائل على هدنة تسمح لرجال الإطفاء بإخماد حريق اندلع في أحد مخازن الوقود جراء إصابة أحد الخزانات بصاروخ.
وعانى السكان من انقطاع التيار الكهربائي عن المنطقة الغربية نتيجة للاشتباكات التي أصابت دوائر الطاقة الكهربائية.
وينحصر معظم القتال بجنوب طرابلس، حيث تتبادل الفصائل المتنازعة صواريخ غراد وقذائف المدفعية ونيران المدافع بين المطار الذي تسيطر عليه كتائب مقاتلي الزنتان والجيوب التي يسيطر عليها خصومهم كتائب مقاتلي مصراتة.
من جانبه، نفى محمد صوان رئيس حزب لعدالة والبناء الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين ما نقلته عنه أمس وكالة الأسوشييتدبريس الأميركية من أن الحرب الدائرة في المطار هي حرب مشروعة.
وقال صوان في بيان نشره عبر صحفته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، أن ما نسب إليه من تصريحات هو محض افتراء وتحريف للكلام ولا يعبر عن وجهة نظره.
وقال صوان: «نحن بصفتنا حزبا سياسيا لسنا طرفا في الصراعات الحالية ولكن تفسيرنا لما يجري هو أن انطلاق عملية الكرامة واستخدامها للأسلحة والطيران لقصف مدينة بنغازي في ظل صمت الحكومة والتهديد بنقل العملية إلى طرابلس، وإعلان كتائب الصواعق والقعقاع تأييدهم لها.. كل ذلك استفز الثوار ودفعهم لاستخدام السلاح؛ إذن فالذي بدأ باستخدام السلاح والعبث بالعملية السياسية هي عملية الكرامة وما يسمي بالتيار المدني الذي أيدها، وبعض المسؤولين الحكوميين والناشطين ووسائل الإعلام».
واعتبر أن سيطرة مجموعة مسلحة على مطار طرابلس بحيث تسمح لمن يشاء بالمغادرة والدخول وتمنع من تشاء وحدوث حالات من الخطف، يعتبر انتهاكا لسيادة الدولة واستفزازا للثوار، مشيرا إلى أن ما يسمى بعملية «فجر ليبيا»، حسب ما أعلنت أنها تقوم بذلك لإعادة سيطرة الدولة على المطار.
وشن صوان هجوما حادا على عملية الكرامة التي يقودها اللواء خليفة حفتر لمحاربة الإرهاب، وعدها أمرا مرفوضا لأنها خارجة عن القانون وعن شرعية الدولة، على حد قوله. ولفت إلى أن دروع المنطقة الوسطى والغربية تقع تحت شرعية الدولة وتتبع لرئاسة الأركان، وجرى استدعاؤها لحماية العاصمة بناء على قرار من القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وعد أن ما يشاع عن أن التيار الإسلامي خسر الانتخابات البرلمانية ولذلك استخدم العنف، هو أمر غير صحيح على الإطلاق.. وأضاف: «الانتخابات البرلمانية جرت على أساس النظام الفردي، وبذلك فإن الحديث عن تقدم تيار وتراجع آخر لا أساس له».
وزعم أن تيار تحالف القوى الوطنية ومن يؤيده هو من سعى لإفشال العملية السياسية وأيد استخدام السلاح فقاطع جلسات المؤتمر الوطني في السابق مقاطعة جماعية وعن طريق الاستقالات وشن حربا إعلامية، وأيد كتائب القعقاع والصواعق عندما اقتحمت المؤتمر وهددت أعضاءه بالاعتقال، حتى أن زعيم هذا التيار لم يُدِن انقلاب حفتر الأول والثاني والتهديدات التي وقعت على المؤتمر.
وسئل هل لديكم شروط للحوار؟ وهل ليبيا تتجه إلى حرب أهلية؟ فأجاب صوان: «ليست لدينا شروط للحوار مع كل الأطراف، وليبيا لا تتجه لحرب أهلية، وسوف تخرج إن شاء الله من هذه الأزمة».
إلى ذلك، كشف مسؤول ليبي رفيع المستوى بالإضافة إلى أعضاء في مجلس النواب الليبي المنتخب أن جلسة تسليم السلطة من المؤتمر الوطني العام (البرلمان) إلى المجلس الجديد قد لا تنعقد في الموعد الذي حدده نورى أبو سهمين رئيس البرلمان يوم الاثنين المقبل.
ووصف المسؤول الذي طلب عدم كشف هويته، أزمة انعقاد مكان مجلس النواب بأنها مشكلة عميقة، مشيرا إلى أنها محل جدل بين أعضاء المجلس والمؤتمر.
وأضاف: «هناك أعضاء لا يستطيعون السفر لبنغازي وآخرون لا يستطيعون السفر لطرابلس وهناك آخرون لا يستطيعون السفر لطبرق، وثمة اقتراحات أخرى بتحديد مكان مستقل تماما في الوسط أو الجنوب».
بموازاة ذلك، أعلنت إسبانيا أنها ستسحب سفيرها وموظفي سفارتها من ليبيا بشكل مؤقت بعدما جرى إجلاء 29 إسبانيا يعيشون هناك وعائلاتهم، فيما تدفع الاشتباكات المستمرة بين الميليشيات المتناحرة البلاد نحو هاوية الفوضى.
وقال وزير الخارجية خوسيه مانويل جارثيا مارجايو للبرلمان: «كل المعلومات التي لدينا هي أن الوضع في ليبيا سيزداد سوءا بسرعة كبيرة، إن شخصا واحدا سيظل في السفارة للإشراف على الأرشيف بينما ستتولى إيطاليا ومالطا اللتين أبقيتا سفارتيهما مفتوحتين إدارة أعمال القنصلية الإسبانية.
وقالت اليونان إنها سترسل سفنا إلى ليبيا لإجلاء العاملين في سفارتها بالإضافة لبضع مئات من الصينيين والأوروبيين.
وكان مقررا أن يصل أمس وزير الخارجية الفلبيني ألبرت ديل إلى جزيرة جربة التونسية لترتيب إجلاء آلاف العمال الفلبينيين من ليبيا، والذين قطع رأس أحدهم وتعرضت ممرضة لاغتصاب جماعي وسط حالة من الاضطرابات المتفاقمة.
وأضاف ديل أنه سيرتب مغادرة نحو 13 ألف عامل من مدن بنغازي ومصراتة والعاصمة طرابلس، قال إنهم سيسافرون بحرا إلى مالطا.
وأعلن رئيس جهاز الخدمة المدنية في مالطا ماريو كوتاجار إن الصين أجلت بضع مئات من العمال من ليبيا وتنقلهم بحرا إلى مالطا، وقال إن حكومة مالطا ترتب لإيواء مؤقت للعمال وتستعد في نهاية الأمر لعملية إجلاء أكبر من ليبيا إذا استمر تفاقم الاضطرابات هناك.
وقالت وكالة الأنباء الصينية الرسمية «شينخوا» نقلا عن مسؤول السفارة الصينية إن نحو ألف مواطن صيني غادروا منذ شهر مايو (أيار) الماضي، لكن ما زال هناك 1100 آخرون.
ووصل القتال بين الكتائب المتنافسة في ليبيا خلال الأسبوعين الماضيين إلى أسوأ مراحله منذ الحرب الأهلية التي أطاحت بالقذافي عام 2011 مما دفع بعض الدول الغربية إلى أن تحذو حذو الولايات المتحدة والأمم المتحدة وتسحب دبلوماسييها من ليبيا ولم تتمكن الحكومة المركزية الهشة في ليبيا وجيشها الحديث النشأة بعد ثلاث سنوات من الإطاحة بالنظام السابق، من فرض سيطرتها على الكتائب المسلحة للثوار السابقين الذين باتوا صناع القرار السياسي في البلاد.
الناطق باسم الجيش الوطني الليبي: حفتر لم يغادر بنغازي إلى القاهرة
قال لـ {الشرق الأوسط} إنه يستعد لعمل عسكري حاسم ضد المتطرفين
الناطق باسم الجيش الوطني الليبي: حفتر لم يغادر بنغازي إلى القاهرة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة