«أعطني 50 شيقلا وأنا أدهن لك الجناح بشكل ممتاز».. «بلغي أبو رشاد أنني ذاهب إليه حالما أنهي ما في يدي»، بهذه الكلمات كان رشاد عماد الناجي، أحد المصابين الجرحى على أسرّة الشفاء في قسم العناية المركزة في مدينة الحسين الطبية بعمان يهذي بها. تقول زوجته نسرين (أم عماد) المرافقة له، إنه «طوال الوقت يهذي، يقول كلمات بعضها أعرفه وآخر لا أعرفه، وذلك نتيجة إصابته بنزيف حاد بالدماغ وفقدان الذاكرة جراء إصابته من العدوان على غزة».
وتضيف أم عماد، التي تجلس بجانب زوجها على كرسي بلاستيكي وتتلو القرآن الكريم في أوقات الفراغ: «هكذا يقضيها رشاد، لقد أصيب نتيجة قصف المنزل ونجا أطفالي الخمسة الذين تركتهم عند بيت جدهم في حي المزايدة بغزة».
وتقول نسرين، إن «كل شيء على أرض غزة بات هدفا للجيش الإسرائيلي بعد أن عجزوا عن اقتحام المدينة نتيجة المقاومة الشرسة التي نجحت في صدهم أكثر من مرة».
وأضافت وهي تتحدث لـ«الشرق الأوسط»: «كنا نائمين في المنزل وإذا بقذيفة أصابت الغرفة التي يوجد بها رشاد ونقل إلى مستشفى الأقصى، الذي تعرض للقصف أيضا ونحن بدخله، فجرى التنسيق بين إدارة المستشفى والمستشفى الميداني الأردني وأحضرنا إلى عمان عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة بالتنسيق مع الجانب الإسرائيلي. واستغرقت الرحلة خمس ساعات من غزة إلى عمان بواسطة سيارة إسعاف أردنية وصلت مع مجموعة من السيارات لنقل الجرحى».
وقالت إن «الأطباء هنا نجحوا في وقف نزيف الدم في الدماغ إلا أن الذاكرة ما زالت مفقودة وقالوا إنه بحاجة إلى وقت لاستعادة ذاكرته». وتصف نسرين، التي تكفلت بعض الجمعيات الخيرية الأردنية بإقامتها أسوة ببقية مرافقي الجرحى، المشهد في غزة بـ«المروع حيث تشاهد جثث الشهداء في الشوارع والأشلاء متناثرة ورائحة الموت في كل مكان». وعبرت عن قلقها على أطفالها الذين تركتهم هناك بينما القصف يتواصل على المدينة.
أمَّا حنان أبو حرب (21 سنة) أصيبت بكسر في الحوض وتهتك في الطحال وبترت يدها اليسرى، فتقول إن «الطيران الحربي الإسرائيلي يستهدف المدنيين أثناء وجودهم بشكل جماعي خاصة عند الإفطار خلال رمضان وأداء صلاة العشاء والتراويح، وفي أوقات السحور وصلاة الفجر، بهدف إبادة أكبر عدد ممكن منهم وبصورة جماعية».
وتضيف حنان أنها أصيبت في منزلها وهي نائمة واستيقظت في مستشفى الشفاء، ولأن حالتها تستدعي العلاج سريعا، نقلت بواسطة سيارة إسعاف أردنية إلى عمان عبر إسرائيل بالتنسيق بين الأردن وسلطات الاحتلال.
وتشير شقيقتها صابرين، التي ترافقها، إلى أن حنان أنهت الثانوية العامة بمعدل 75 في المائة ودخلت الجامعة وتدرس اللغة العربية وآدابها إضافة إلى ذلك تحيك أعمالا يدوية كي تعيل نفسها.
صابرين لم تغفل تقديم الشكر للسلطات الأردنية، وخصوصا الطبية والجمعيات الخيرية التي توفر الطعام والمسكن للمرافقين في مكان قريب من المستشفى.
أما نور ماجد، إحدى المصابات، أكدت أنها شاهدت الطائرات الإسرائيلية تقصف أحياء في غزة بالقنابل الفسفورية وقنابل أخرى ينبعث منها غبار أبيض له رائحة كريهة، وشاهدت الجثث وهي تحترق في الشوارع وأخرى استقرت تحت الأنقاض.
أمَّا والدة نور فعبرت عن شكرها للدعم المتواصل الذي يقدمه الأردن وشعبه ووقوفه إلى جانب أشقائهم من أبناء الشعب الفلسطيني في كل الظروف. وتضيف أن «ما يجري على أرض فلسطين من عدوان سافر وقتل وتشريد وسفك للدماء هو جريمة ضد الإنسانية». وتساءلت: «أين هو المجتمع الدولي بما فيه العربي ومنظمات حقوق الإنسان من وقف الجرائم والمجازر البشعة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد أبناء الشعب الفلسطيني؟».
من جانبه، قال مدير عام الخدمات الطبية الملكية الأردنية اللواء الطبيب خلف الجادر السرحان، إن 15 مصابا فلسطينيا من أبناء غزَّة يرقدون الآن على سرير الشفاء في مدينة الحسين الطبية بعد أن تعذَّر تقديم الخدمة الطبية لهم في المستشفى الميداني العسكري الأردني في غزة جراء إصاباتهم، البليغة من بينهم نساء وأطفال يمثلون الدفعة الأولى والثانية والثالثة التي تتلقى العلاج اللازم في المملكة.
وأضاف أنه «بتوجيهات من الملك عبد الله الثاني لتقديم العون الطبي للجرحى والمصابين من أبناء قطاع غزة جرى تعزيز طواقم المستشفى الميداني العسكري في غزة بكوادر طبية متخصصة مثل جراحة العظام والأعصاب وتخصصات أخرى تقتضيها طبيعة الظروف، وكذلك رفد المستشفى بالأجهزة والعلاجات اللازمة، وإرسال ألف وحدة دم تبرع بها أبناء الشعب الأردني لأشقائهم في غزة».
وأسهم المستشفى الميداني الأردني في غزة بتأهيل وتدريب الكوادر الطبية العاملة في القطاع الصحي في غزة، إلى جانب التواصل وبصورة مستمرة مع المستشفيات والمؤسسات الطبية بالقطاع مشيرا إلى أن المستشفى يشتمل على 40 سريرا وثمانية أسرة للعناية الحثيثة، وبلغت أعداد مراجعيه منذ بدء العمل به في عام 2009 أكثر من 1220240، وأدخلت إليه 11155 حالة، وأجرت كوادره أكثر من 7231 عملية كبرى و11155 عملية صغرى ومتوسطة، كما أجرى عددا من عمليات الإخلاء الجوي والبري.
بدوره، قال رئيس قسم العناية الحثيثة في مدينة الحسين الطبية العقيد الطبيب حسين الشعلان، إن أربعة من الجرحى ممن كانوا في العناية الحثيثة تحسنت حالتهم وحولوا إلى الأقسام العادية، في حين طرأ تحسن ملموس على حالة جريح آخر وسيصار إلى نقله إلى الأقسام العادية. بينما فارق الحياة أحد مصابين بعد أن حاول الأطباء إنقاذ حياته إلا أن نوع إصابته حال دون ذلك.
وتواصل الوفود النقابية والشعبية من مختلف أنحاء المملكة زيارة جرحى العدوان الإسرائيلي في المدينة الطبية للاطمئنان على صحتهم ورفع معنوياتهم، مشيدين بـ«تضحياتهم العظيمة وصمودهم الأسطوري أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية».
وفي سياق متصل، تكفلت جمعية المستشفيات الأردنية الخاصة بموجب اتفاقية وقعتها مع النقابات المهنية في عمان بعلاج 70 من جرحى العدوان الإسرائيلي على غزة. وبموجب الاتفاقية تقدم الجمعية الخدمات العلاجية اللازمة للجرحى بواقع 70 جريحا للمرحلة الأولى، 15 منهم للعناية الحثيثة و55 آخرون للعلاج، فيما تتكفل النقابات المهنية بالمصاريف الإدارية خارج المستشفى سواء للمرافقين أو للمرضى بعد الخروج، على أن يعاد النظر في الاتفاقية من حيث العدد والتفاصيل العلاجية الأخرى في المرحلة اللاحقة.
الأردن يستقبل جرحى من غزة ويعزز مستشفاه الميداني في القطاع
تكفل بعلاج الحالات الحرجة ونقلها برا وجوا
الأردن يستقبل جرحى من غزة ويعزز مستشفاه الميداني في القطاع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة