أُغلقت مكاتب التصويت في دولة مالي مساء أمس (الأحد)، وبدأت على الفور عمليات فرز الأصوات لمعرفة الفائز في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية التي جرى دورها الأول قبل أسبوعين، وانتهى بحصول الرئيس المنتهية ولايته إبراهيما ببكر كيتا على نسبة 41% من الأصوات المعبر عنها، بينما حل ثانياً زعيم المعارضة سوميلا سيسي بنسبة 17%.
وتشير التوقعات إلى أن كيتا في طريقه لخلافة نفسه، وربما يحقق ذلك بفارق كبير عن منافسه في الدور الثاني، إذ لم يسبق لأي رئيس في مالي أن خسر الانتخابات الرئاسية عندما يترشح لخلافة نفسه، بل إن الرؤساء الذين سبقوه كانوا دوماً يحسمون السباق الانتخابي في الدور الأول. وكان زعيم المعارضة سبق أن اعتبر إرغام كيتا على الوصول إلى الدور الثاني في حد ذاته نصراً للمعارضة، فللمرة الأولى في التاريخ السياسي لمالي يجد رئيس نفسه في حاجة إلى خوض شوطٍ ثانٍ.
ويسمح الدستور في دولة مالي للرئيس بولايتين رئاسيتين فقط، وسبق أن استفاد من ذلك كل من الرئيس الأسبق ألفا عمر كوناري وخليفته أمادو توماني توري، ويبدو واضحاً أن إبراهيما ببكر كيتا في طريقه ليكون ثالث رئيس يحكم مالي لولايتين رئاسيتين متتاليتين منذ التعددية السياسية مطلع تسعينات القرن الماضي.
ولكن زعيم المعارضة سيسي مؤمن بقدرته على إحداث «المفاجأة» وتحقيق «التغيير» في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، وقال في تصريحات صحافية إن «النصر قريب»، ولكنه حذّر في المقابل من وقوع خروقات وعمليات تزوير ستؤثر على نتيجة الانتخابات.
وسبق أن رفض سيسي الاعتراف بنتائج الدور الأول، وقال إنها «ثمرة عملية تزوير واسعة» نفّذتها الحكومة لصالح الرئيس المنتهية ولايته، وقدم طعوناً إلى المحكمة الدستورية. ولكن الأخيرة تجاهلت هذه الطعون، واعتبرت أن الخروقات التي وقعت «لم تؤثر على نتيجة الانتخابات».
وقال سيسي في تصريحات خلال الحملة الانتخابية الخاطفة التي جرت قبيل الدور الثاني من الانتخابات، إن إعادة انتخاب كيتا تعني دخول مالي في «مرحلة من الفوضى»، واستمرار ما قال إنه «حالة عدم الاستقرار وانعدام الأمن، وفشل جميع الخطط الحكومية».
سيسي الذي يقول الماليون إنه «منحوس» في السباق الرئاسي، عجز عن إقناع المرشحين الذين خرجوا في الدور الأول بدعمه في مواجهة الرئيس المنتهية ولايته، وتجاهلوا دعوته إلى تشكيل «جبهة ديمقراطية ضد التزوير»، وإقامة حلف معارض للرئيس تحت شعار «كل شيء إلا كيتا».
في غضون ذلك، قال رجل الأعمال الثري أليو ديالو، المرشح الذي حل في المرتبة الثالثة في الدور الأول من الانتخابات، إنه لن يعلن أي موقف بخصوص الدور الثاني. وأوضح أنه «يلتزم الحياد» بين الرئيس وزعيم المعارضة، وقال إنه يعطي كامل الحرية لأنصاره من أجل اتخاذ الموقف الذي يرونه مناسباً.
نفس الشيء أعلن عنه عالم الفيزياء الفلكية الشيخ موديبو ديارا، المرشح الذي حل في المرتبة الرابعة. فقد قال إنه يلتزم «الحياد» في الدور الثاني، ولكنه حياد أكثر سلبية من الحياد السابق، فقد أكد أنه لن يوجه أنصاره إلى أي من سيسي أو كيتا لأنه، حسب وجهة نظره، «أي واحد منهما لا يمثل التغيير الذي تطمح له مالي، إنهما وجهان لعملة واحدة»، على حد تعبيره.
ورفع انسحاب كبار المرشحين من السباق في الدور الثاني، ورفضهم لمساندة أي من المرشحيْن، من حظوظ الرئيس المنتهية ولايته الذي حقق نسبة مرتفعة في الدور الأول (41%)، كما أنه أضعف إلى حد كبير حظوظ زعيم المعارضة الذي يحتاج إلى وقوف جميع المرشحين خلفه من أجل مواجهة الرئيس المنتهية ولايته، ولكنه فيما يبدو فشل في ذلك وبالتالي هو في طريقه لأن يخسر ثالث انتخابات رئاسية في الدور الثاني، بعد أن خسر في الدور الثاني من رئاسيات 2002 و2013.
وبغض النظر عن نتيجة الانتخابات، إلا أنها تواجه تحديات كبيرة، خصوصاً في ما يتعلق بمستوى الشفافية، وهي التي تراقب من طرف بعثات محلية وإقليمية وقارية ودولية، من أبرزها بعثة مراقبي الاتحاد الأوروبي التي حرّكت ثمانين وفداً على عموم التراب المالي، أغلبها في العاصمة باماكو وعدد منها يوجَّه إلى وسط وشمال البلاد.
رئيسة بعثة مراقبي الاتحاد الأوروبي سيسيل كينجي، عقدت مؤتمراً صحافياً في مكتب تصويت في العاصمة باماكو، قالت فيه إنه حتى منتصف النهار «لم تسجَّل أي حالات غير طبيعية في المكاتب التي زارها موفدو البعثة في مناطق متفرقة من مالي». كما أوضحت أن البعثة الأوروبية أوفدت ثمانين فرقة إلى وسط وشمال مالي، حيث تثار شكوك حول إمكانية وقوع عمليات تزوير.
ولكن كينجي دعت الجميع إلى «التهدئة» في وقت تخيم «أجواء من التوتر» على البلاد، خصوصاً بعد تصريحات زعيم المعارضة التي حذّر فيها من اللجوء إلى «التزوير» لحسم النصر لصالح الرئيس المنتهية ولايته، وأشارت إلى أن بطاقات التصويت تم توزيعها حتى قبل فتح مكاتب التصويت.
وأضافت رئيسة بعثة مراقبي الاتحاد الأوروبي أنه «حتى في حالة تسجيل خروقات، فيجب أن يتم سلوك الطرق القانونية للوقوف في وجه هذه الخروقات، هنالك مؤسسات وهيئات مهمتها معالجة هذه الأمور، على غرار المحكمة الدستورية، حيث يجب أن تقدَّم الطعون، وليس في الشارع».
من جهة أخرى، خيّمت التحديات الأمنية على الدور الثاني من الانتخابات، فيما حرّكت السلطات في مالي 36 ألف رجل أمن لتأمين مكاتب الاقتراع. وقد أسفرت الخطط الأمنية عن اعتقال 3 أشخاص يُشتبه في أنهم كانوا يخططون لشن هجمات إرهابية ضد مكاتب التصويت.
ولكن في المقابل، تم تسجيل بعض الهجمات وسط وشمال البلاد، وإن كانت هذه الهجمات أقل مما تم تسجيله في الدور الأول من الانتخابات. وقالت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» إن مسلحَين مجهولَين دخلا قرية نائية في وسط مالي، قبيل منتصف ليل السبت إلى الأحد، وقاما بالتوجه إلى منزل مدير المدرسة الابتدائية الذي يتولى في الوقت نفسه رئاسة مكتب التصويت، وطلبا منه تحت تهديد السلاح أن يكشف لهما عن مكان تخزين تجهيزات مكتب الاقتراع، وأضرما النار في جميع المعدات قبل أن ينسحبا بهدوء.
وتشير المصادر إلى أن حوادث عديدة تم تسجيلها في وسط وشمال مالي. ومُنع التصويت في العديد من مكاتب الاقتراع، ولكن حسب بعض المراقبين فإن هذه الحوادث لن تصل إلى ما وقع في الدور الأول، حيث لم يجرِ التصويت في 716 مكتب تصويت.
من جهة أخرى، تشير التوقعات إلى أن نسبة المشاركة في الدور الثاني لن تكون أحسن من تلك التي تم تسجيلها في الدور الأول، التي لم تتجاوز 43%، وذلك ما يرجعه المراقبون إلى حالة من «عدم الحماس» واعتقاد الكثير من الماليين أن النتيجة محسومة لصالح كيتا.
مالي: دور ثانٍ من الرئاسيات يسير لصالح الرئيس المنتهية ولايته
اعتقال إرهابيين خططوا لشن هجمات وتسجيل حوادث متفرقة
مالي: دور ثانٍ من الرئاسيات يسير لصالح الرئيس المنتهية ولايته
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة