متعة الفلامينكو بلغت ذروتها مساء أول من أمس، مع راقصي «فرقة أنطونيو غاديس» الذين غزوا مسرح «قصر بيت الدين» أكثر من ساعة ونصف، بسحر قاماتهم الممشوقة المشدودة كالرماح، وخبطات كعوبهم، وليونة أجسادهم، وقدراتها التعبيرية الساحرة.
ما يقارب 30 راقصاً وراقصة جاءوا إلى جبل لبنان، إلى هذا المكان العابق بالتاريخ والفن، حاملين إرث معلمهم الراحل أنطونيو غاديس (توفي عام 2004)، وتحديداً ذاك العمل الذي تحول إلى واحد من أشهر كلاسيكيات الفرقة، وأكثرها شهرة.
منذ عام 1974 جال «عرس الدم» المأخوذ عن نص فيديريكو غارسيا لوركا، مسارح كثيرة في العالم، وفي بيت الدين كانت العروس العاشقة بثوبها الأبيض، وطرحتها، وبوكيه الورد، وحبيبها المتزوج الذي يغني لها عشقاً، والرجل الذي تقترن به غصباً. ثم بدأت القصة تذهب إلى تعقيداتها الأكثر تراجيدية، بهروب الحبيبين إلى الغابة، ولحاق الجمع بهما، مع الزوج المستشيط غضباً للثأر لهذه الخديعة الكبرى. كل هذا رقصاً وغناء وموسيقى، تتراوح بين الاحتفال الجماعي بالعرس، ومشاهد العشق الثنائي. ويذهب المتفرج إلى تلوينات من المشاعر التي تتراقص أجساداً على المسرح. وفي المشهد الأخير تصل البلاغة البدنية غايتها، بالصراع بين الرجلين اللذين يتنازعان أمام الحبيبة، بمشهد السكين التي تلتمع والأجساد التي تتهاوى، وفجيعة الفستان الأبيض وقد اتشح ببقع الدم. مشهديات يختلط فيها الفلامينكو بالرقص الكلاسيكي في انسجامية ممتعة، حيث يمتزج مرح الابتهاج بالحزن والصدمة، وتندمج الألوان لتعطي دلالاتها الأكثر تعبيراً.
أعد النص ألفريدو مانياس، وصمم الإضاءة أنطونيو غاديس نفسه، التي لا بد من أن يرى المتفرج أنها من العناصر الرئيسية التي منحت الممثلين قوة الحضور وبهاءه.
ولعشاق الفلامينكو الغجري الخالص، أتى الجزء الثاني من الحفل، حاملاً معه الفرح والحيوية. «سويت فلامينكا»، المشاهد السبعة أو الثمانية التي وضعها ذات يوم أنطونيو غاديس، وها هي لا تزال حية على المسرح، صممها مع كريستينا هويوس، أما الموسيقى فوضعها مع أنطونيو سوليرا. رقص فردي مرة، ثنائي مرة أخرى، أو جماعي، وفي كل المرات أنت أمام لوحات أقل ما يقال فيها إن سحرها في حرص مؤديها على الوصول دائماً إلى ما هو أفضل، برفقة موسيقى الغيتار الحية، التي تختلط بإيقاع طرق الأحذية، والتصفيق وصراخ الراقصين. فيما جاءت الملابس في العرضين، بغنى ألوانها، وتناسقها، لتجعل من هذين العرضين المتتاليين لحظات تذهب بك إلى أبعد من الفلامينكو والرقص، لتدعك تقتنع بأن المسرح يمكن أن يتكئ إلى بلاغة الأجساد وحدها، حين تصبح فصيحة إلى هذا الحد.
الأجساد {تنطق} رقصاً في «بيت الدين»... مع فلامينكو «أنطونيو غاديس»
الأجساد {تنطق} رقصاً في «بيت الدين»... مع فلامينكو «أنطونيو غاديس»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة