تشعر كارين عطية الكاتبة في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية بألم شديد عقب خروج كل منتخبات أفريقيا من الدور الأول لكأس العالم 2018 في روسيا خاصة وأنها امرأة نصف غانية ونصف نيجيرية لكنها ولدت في الولايات المتحدة.
وترى عطية أن مباريات البطولة كانت محبطة بشكل كبير وليس فقط لعدم تأهل بلدها غانا لكن لفشل خمسة منتخبات أفريقية في تجاوز الدور الأول للمرة الأولى منذ نسخة 1982 في إسبانيا، حيث خسرت نيجيريا من الأرجنتين في آخر مباريات الدور الأول ثم حُرمت السنغال من بلوغ دور الستة عشر بسبب تطبيق قاعدة اللعب النظيف لأول مرة في كأس العالم لتصعد اليابان بدلا منها بداعي أن لاعبيها حصلوا على بطاقات صفراء أقل.
ولكن من ناحية أخرى، فجماهير كأس العالم ترى أن فرنسا هو آخر منتخب افريقي في البطولة. وكما كتب خالد عبد الله بيضون في كتابه "غير الخاسر" ، فإن "أمة منقسمة تبحث عن تفاؤل بعيد المنال تضع أملها في أيدي لاعبين اسمائهم كيليان مبابي وعثمان ديمبيلي ونبيل فقير وعادل رامي وصمويل أومتيتي ويرتدون قميص منتخب فرنسا ولكنهم يلعبون أيضا باسم افريقيا فهناك ملايين من مشجعي كرة القدم الأفارقة الذين يتشاركون في جذورهم القارية" إذ أنه من بين 23 لاعباً يمثلون فرنسا في كأس العالم الحالية يوجد 12 لاعباً ينحدرون من أصول أفريقية.
فرنسا السمراء
وتواصل كارين عطية في "واشنطن بوست" حديثها قائلة أعترف بأن لدي مشاعر مختلطة للغاية حول تسمية فرنسا بالمنتخب الأفريقي. كيليان مبابي لاعب رائع ويبلغ من العمر 19 عاما فقط ومع ذلك وبهذا المنطق أليس من المفترض أن نشجع اللاعبين أصحاب البشرة السمراء في منتخبات أمريكا اللاتينية مثل بنما وكولومبيا والبرازيل وجميع الفرق التي تضم لاعبين من أصل أفريقي-لاتيني؟
لكن ثق بي هناك بعض السعادة من حقيقة أن الشخصيات العنصرية والناشطين والسياسيين المعادين للمهاجرين في فرنسا يجب أن يتعاملوا مع حقيقة أن آمال بلادهم في التتويج بلقب كأس العالم ترتكز على أكتاف الأفارقة السود.
نحن نحتفل عندما ينجح الافارقة داخل مجتمعات الصفوة الغربية خاصة إذا كانت تلك المجتمعات ساحات أوروبية. انظروا كيف أشدنا بميغان ماركل والأمير هاري بعد دمجهما ثقافة الكنيسة السوداء خلال الزفاف الملكي في بريطانيا. أو بيونسيه وجاي زي على سبيل المثال حيث أسعدا الجماهير أصحاب البشرة السمراء في جميع أنحاء العالم الشهر الماضي عندما أصدرا فيديو يغنيان فيه داخل متحف اللوفر ومحاطين براقصين من أصحاب البشرة السمراء أيضا وحولهم أعمال فنية لا تقدر بثمن.
ويظهر الفريق الفرنسي أيضا بعض الحقائق الغائبة عن المهاجرين الأفارقة إلى أوروبا وفي كثير من الأحيان ، يظهر الليبراليون النوايا الحسنة إلى الإنجازات غير العادية للمهاجرين من أجل إضفاء فضائل الهجرة والتسامح. لكن مثل هذه الجهود تعزز فكرة أن المهاجرين السود يجب أن يكونوا فوق البشر كي يصبحوا جديرين بالإنتماء إلى مجتمع أغلبيته بيضاء.
يجب أن نكون أبطالا خارقين مثل "سوبر مان" أو نملك قدرة الرجل العنكبوت على إنقاذ الأطفال المتدلين من الشرفات. يجب علينا الحصول على درجات علمية مرموقة وأن نكون موهوبين بما فيه الكفاية في الرياضة لجلب البطولات الدولية للبلاد.
ولكن كما هو الحال مع أولئك الذين احتفلوا مع بيونسيه وغاي زي في متحف اللوفر ، فإن احتفالات الفريق تخاطر بنسيان نقطة مهمة وهي أن ثروات فرنسا وأفريقيا السوداء متشابكة منذ أيام احتلالها لبعض البلدان الافريقية.
تاريخ أفريقي طويل لفرنسا
لقد "كانت فرنسا سوداء لعدة قرون" كما كتب غريغوري بييروت مضيفا "إذا كان لا بد من الإشارة إلى هذا الفريق (المنتخب الفرنسي) فربما لا يجوز السماح لفرنسا بالمطالبة بالتمييز والانفصال عن أفريقيا نهائيا ، لأن فرنسا مدينة بكل شيء لأفريقيا. ليس فقط الموارد التي تستمر في نهبها وليس فقط القوى العاملة التي تستغلها بلا خجل وليس فقط الفن الذي استولت عليه من دون إذن لقرون عديدة: فرنسا مدينة لأفريقيا لأنها روحها وأصلها".
في الواقع ، لقد كانت افريقيا حرفياً بنك النخبة السياسية في فرنسا. لا يزال 14 بلداً أفريقياً في القارة يستخدم الفرنك الأفريقي ، وهي عملة ربطت بالفرنك الفرنسي (الآن اليورو) - 12 منها مستعمرات فرنسية سابقة. البلدان التي تستخدم الفرنك الافريقي هي بعض من أفقر بلاد العالم.
ويقول المنتقدون لاستخدام الفرنك الافريقي إنه أداة "قمع نقدي". وقد اتهم الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي (الذي قال ذات مرة خلال خطاب ألقاه في دكار بالسنغال إن الأفارقة لم يدخلوا التاريخ بشكل كامل بعد) العام الماضي بأنه تلقى أموالا من العقيد الليبي الراحل معمر القذافي لتمويل حملته الانتخابية قبل أن يتدخل ساركوزي للإطاحة به في تدخل عسكري عام 2011 قبل أن يقتل فيما بعد.
اتخذ الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون بعض الخطوات نحو الاعتراف بمظالم فرنسا التاريخية ضد أفريقيا. في العام الماضي ، واجه ماكرون رد فعل مضاد من الجناح اليميني بعد أن اعترف بأن فرنسا ارتكبت جرائم ضد الإنسانية خلال حكمها الاستعماري للجزائر. وقد تعهد بإعادة القطع الأثرية الأفريقية التي تم الاستيلاء عليها خلال العصور الاستعمارية في القارة.
على أي حال نعود لكرة القدم حيث يشعر المرء بأنه في أفضل حالاته عندما يتم إطلاق لقب المنتخب الأفريقي على فرنسا في الوقت الذي حلت فيه فرنسا كلمة "الجنس" محل "العرق" في دستورها وبالتالي يصعب على النشطاء المناهضين للعنصرية محاربة العنصرية الممنهجة.
وتصدرت وحشية رجال الشرطة ضد أصحاب البشرة السمراء في فرنسا عناوين الصحف على مدى السنوات العديدة الماضية.
أشتاق إلى اليوم الذي لا يحول فيه الفساد والتخلف وغياب النظام عن وصول المنتخبات الافريقية إلى المراحل النهائية من كأس العالم.
ولكن حتى ذلك الحين ، سأستريح وأستمتع ببقية مباريات كأس العالم هذا العام حتى يحين وقت افريقيا.