أشعر كأنني كنت أعرف ديدييه ديشان طيلة حياتي فقد لعبنا ونحن أطفال سويا في أكاديمية نانت وتشاركنا الغرفة ذاتها في ذلك الوقت وواصلنا فعل ذلك مع مشاركتنا في فرق الناشئين في المنتخبات الفرنسية وكان قائدي عندما لعبنا في بطولة أوروبا تحت 14 عاما ثم منتخبات تحت 15 و17 و21 عاما.
انتهى بنا الحال في مرسيليا وفزنا بدوري أبطال أوروبا سويا وهو النجاح الوحيد في البطولة القارية الأبرز لفريق فرنسي ثم انتقلنا إلى إيطاليا، ذهبت أنا إلى ميلان وديدييه إلى يوفنتوس ثم عدنا لنلعب سويا في إنجلترا وأعترف أنني لعبت دورا في انتقاله إلى تشيلسي وحصدنا لقب كأس الاتحاد الانجليزي في عام 2000 مع جورج وياه وكنت تحدثت إلى كولين هاتشينسون مدير الكرة في الفريق عنهما.
وأنا الأب الروحي لنجله ديلان وهو الأب الروسي لابني فيرجيل لذا بالتأكيد لن تجدني أقول عن صديقي ديدييه أي شيء سلبي لكن السبب في ذلك أيضا أنه لا يوجد أشياء سيئة يمكن قولها عنه حتى لو أردت ذلك.
يشتكي البعض في فرنسا من أن المنتخب الوطني ليس ممتعا أو التنهد من أن ديدييه يمكنه أن يكون مرحا في تواصله مع الناس، حسنا أول شيء نحن في نهائي كأس العالم ومباراتنا ضد الأرجنتين ربما كانت الأمتع في البطولة.
وصنع ديدييه فريقا ليقوم بمهمة واضحة وهي الفوز باللقب وليس التفوق في مسابقة للجمال ولو كنتم تعتقدون أنه ليس مرحا فربما فاتكم البرنامج التلفزيوني الذي أعمل به في فرنسا فبعد الفوز على بلجيكا قمنا باستضافته في بث حي.
بدأت بتوجيه التهنئة له وسؤال قاطعه ديدييه ضاحكا الذي طلب مني التوقف عن الحديث إليه كصحفي وقال "أنا ديدي يا صديقي القديم. تحدث إلى بشكل طبيعي" وفي نهاية الحديث أبلغته بإبقاء اللاعبين تحت السيطرة قبل المباراة النهائية وأجاب "نجحت في إبعادك عن المشاكل قبل 20 عاما لذا لا اعتقد أن هذه المجموعة ستسبب لي أي صداع".
كان ديدييه ناضجا بالمقارنة إلى عمره ربما لا تصدقون ذلك لأنه لم يكن اللاعب الأكبر حجما في المجموعة لكن في مرحلة الشباب كان يتفوق بدنيا على أغلب لاعبي جيله ولحقنا به ثم تفوق أغلبنا عليه ورغم أنه لم تكن لديه الصفات الرياضية التي كنت أملكها فقد كان صارما حول طريقة تفكيره في كرة القدم وكان يضحي دائما ليصل إلى القمة، كان متفوقا دائما بخطوة.
وبعد مسيرة مذهلة كلاعب فاز خلالها بكل شيء نجح فيما فشل فيه الكثيرون، لا يمكن للجماهير تخيل مدى صعوبة أن يصبح لاعب سابق مدربا خاصة لو كان ناجحا، فكروا في الأمر ما هو عدد الأمثلة التي يمكن التوصل إليها بالمقارنة إلى عدد اللاعبين الرائعين الذين نشأتم وأنت تشاهدونهم؟
احترم طاقة وقوة رغبته فهو نوع من الرجال الذي يريد كل شيء أو لا شيء، ديدييه لا يستطيع عمل أي شيء بدون إخلاص كامل، لو كان سيخوض تحديا سيجتهد بكل ما لديه ويعطي 100% كل يوم، تعلم أنه بالعمل مع ديدييه أنك أمام شخص سيقدم كل ما لديه.
لديه الشغف وحب اللعبة التي يحتاجها كل مدرب لينجح والآن لديه فرصة عظيمة لصنع التاريخ والانضمام إلى مجموعة النخبة بجوار ماريو زاجالو وفرانتس بيكنباور بالفوز بكأس العالم كلاعب ثم العودة وتكرار الأمر كمدرب.
هذا المنتخب الفرنسي من صنعه وأعتقد أن ذلك لم يكن سهلا بالنسبة له في البداية لأن ديدييه من المدربين الذين يريدون أن يكونوا بجوار لاعبيهم طيلة الوقت واعتقد أنه كان صعبا عليه التعود على فكرة أنه لا يعمل بشكل يومي كما يفعل مدربو الأندية، وكان دائما ما يهتم بالجانب النفسي من كرة القدم وأهمية معرفة زملائك أو الآن معرفة المدرب للاعبيه.
عندما تلعب في فريق مثلما كان الحال عندما لعب لمرسيليا وفاز بلقب الدوري معه كان يعمل يوميا مع لاعبيه والتعرف على ما الذي يجعل كل منهم ينجح وكيف يستخرج الأفضل منهم على المستوى الفردي والجماعي وأعلم أنه يفتقد التواصل اليومي لكنه تأقلم على ذلك وتعود على انضمام لاعبيه يومين أو ثلاثة قبل مباراة دولية ثم الرحيل بعد ساعات من نهاية المباراة.
كان الأمر صعبا عليه لكنه يملك خبرة كبيرة وذكاء، ربما يقول الناس إنه واقعي واعتقد أن هذا صحيح فيما يتعلق بسعيه لاستخراج الأفضل في كل موقف بغض النظر عما سيفعله أو من سيصاب أو بعيد عن مستواه وهو دقيق ويطلب الكثير لكنه قادر على الاستماع للاعبيه وبالتأكيد هناك فارق بين الأجيال لكنه ذكي للغاية للتقارب منهم لو هناك ضرورة لذلك ووضع الحواجز في أوقات أخرى.
إنه يحب السيطرة على كل شيء حوله ولهذا السبب يختار طاقم مساعديه بعناية والعمل معه ليس سهلا لأنه لو شعر أنه لا يسيطر بشكل مطلق سيرحل وسبق أن شاهدنا ذلك في يوفنتوس ومرسيليا.
ويملك ديدييه الشخصية وبسجله كلاعب والآن كمدرب يعلم جيدا ماذا يريد ويتوقع من صاحب العمل في مساندته طيلة الوقت وهو ما أتفهمه تماما فهو لن يواجه محاولة تقويضه والسخرية منه بسعادة وفي الوقت ذاته فهو منفتح فيما يتعلق بجاهزيته الدائمة للتطور وتقبل الأفكار الجديدة والتحرك للأمام.
ويملك هذا المنتخب الفرنسي إمكانات مختلفة عن المجموعة التي لعب معها وأصبح بطلا للعالم في 1998 فالفريق الحالي يملك خبرة أقل على سبيل المثال فعدد منا في 1998 كان يقترب من 30 عاما أو تجاوزها لكن اليوم فهذه المجموعة أصغر سنا ولديهم إمكانات مختلفة فقد نشأوا في بيئة وقيم مختلفة لكن ديدييه أظهر أنه يستطيع التأقلم مع ذلك وما زال يحظى بالاحترام.
خسارة يورو 2016 كانت صعبة عليه وكان يعتقد أنه يملك المجموعة المناسبة لحمل الكأس لكن فرنسا تعثرت وسقطت عند الحاجز الأخير وتفهم على الفور أنه بحاجة للتخلص من مجموعة معينة من اللاعبين والبناء من جديد.
وهنا نقطة قوة ديدييه ونظرته الثاقبة ونعم واقعيته فقبل عامين لم نعرف كيف يمكن أن يكون كيليان مبابي اليوم وقبل شهرين فقط كنا نعتقد أن بنجامين ميندي وجبريل سيديبي سيكونان الظهيرين الأساسيين لكن بعد أصابتهما اختار ديدييه كل من لوكا هرنانديز وبنجامين بافار بدلا منهما وحظى كل منهما بقصة نجاح رائعة في مسيرة فرنسا في البطولة.
هل هذا حظ؟ أفضل التفكير في أن ديدييه ذكي ولديه رؤيته لكل لاعب ونجح في تحويل مجموعة من الشبان بدون خبرة ويشعرون بلا مبالاة إلى نقاط قوة حقيقية وكان ديدييه دائما قائدا لكن بالمعنى الجماعي ويعلم دائما كيف يحفز لاعبيه ويساعدهم على استخراج أفضل ما لديهم والآن أظهر للعالم إمكاناته لفعل ذلك كمدرب وأمامه مباراة واحدة أخرى وفوز واحد آخر والنجمة الثانية ستكون على قميص فرنسا.
أنا واثق أنه بعد 20 عاما من فوز ديدييه بكأس العالم كقائد للمنتخب سيرفعه مرة أخرى وهو مدربنا.