شكّل المؤتمر الدولي للعلماء المسلمين حول السلم والاستقرار في أفغانستان، الذي بدأ أعماله في مدينتي جدة ومكة المكرمة أمس، مناسبة لعرض آراء مختلف الأطراف في سبل تحقيق المصالحة الأفغانية ووقف الإرهاب والتطرف بكل أشكاله.
ودعا الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي الدكتور يوسف العثيمين في افتتاح المؤتمر الحكومة الأفغانية ومكونات المجتمع كافة، إلى التجاوب مع دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز التي أطلقها مؤخراً ودعا فيها بأن يوفق الله الأفغان إلى ما فيه مصلحة بلادهم وإصلاح ذات بينهم، وأن يحقق لأفغانستان وشعبها الأمن والاستقرار.
وأضاف العثيمين أن «المؤتمر يهدف إلى توطيد السلم والاستقرار في أفغانستان وإدانة الإرهاب والتطرف العنيف بأشكالهما ومظاهرهما كافة»، معرباً عن تفاؤله بأن يفضي المؤتمر إلى نتائج تؤدي إلى تسهيل عملية المصالحة الوطنية في أفغانستان وتوقف جميع أعمال الإرهاب والتطرف العنيف التي تتنافى مع تعاليم الدين الإسلامي.
وقال: «نجتمع اليوم وأفغانستان بحاجة ماسة إلى دعمنا الفردي والجماعي لطي صفحة الماضي، وفتح صفحة جديدة، قائمة على لم الشمل والتسامح ونبذ العنف والمحافظة على حياة الأبرياء، امتثالاً لتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف الذي يدعو إلى نبذ الفرقة وإرساء التعاون على مبادئ البر والتقوى والعفو والإصلاح بين الناس».
ولفت إلى أن أولى الرسائل التي خرجت عن عقد المؤتمر وصلت إلى الشعب الأفغاني حاملة عزيمة صادقة من أجل وضع نهاية للصراع والعنف في أفغانستان، ورسم خريطة مستقبل آمن على أساس تعاليم الإسلام السمحة، ورأب الصدع، وتوحيد الصف لإحلال السلام والأمن والاستقرار في أفغانستان بما يحقق وحدتها وسلامة أراضيها، والوئام بين جميع مكوناتها وأطيافه تمهيداً لمصالحة وطنية شاملة.
وأكد أن «المؤتمر يحشد الرأي الشرعي، ويجمع العلماء ويهيئ لهم منصة مناسبة وبيئة مواتية لمناقشة أوضاع أفغانستان من وجهة نظرهم». وقال إن «أمام علمائنا مسؤولية كبيرة وأمانة عظيمة ودوراً أخلاقياً وشرعياً بالغ الأهمية، فنتاج ما سيثمر عنه اجتماعنا اليوم لن ينعكس فقط على الوضع في أفغانستان، وإنما على العالم الإسلامي بأسره المترقب مساهمة فاعلة في معالجة مسألة التفسير الخاطئ لتعاليم الدين، وسعيكم لحرمان الفئات الباغية من اختطاف الدين والقتل والتدمير باسم الإسلام، والإسلام منه براء. كما أنكم مطالبون بالعمل على تعزيز مبادئ التعايش بين الأعراق، وأتباع المذاهب الدينية المختلفة، والإسهام بهذا الجهد في تعزيز المصالحة الوطنية التي يشارك فيها المجتمع الأفغاني بجميع مكوناته وأطيافه».
إلى ذلك، تحدث وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في السعودية، الدكتور عبد اللطيف آل الشيخ، في الجلسة الافتتاحية، عن اهتمام خادم الحرمين الشريفين وحرصه على استقرار أفغانستان واستتباب الأمن والسلام، مشيراً إلى «المسؤولية العظيمة الملقاة على العلماء في بيان الحقائق والابتعاد عن الفرقة، وإظهار حكم الشريعة في الخروج عن طاعة ولاة الأمر الذي يؤدي إلى الفتنة».
وألقى ممثل أفغانستان رئيس مجلس علماء أفغانستان، شيخ الحديث، مولاي قيام الدين كشاف، كلمة شكر فيها خادم الحرمين الشريفين على «الوقوف الدائم إلى جانب الشعب الأفغاني»، معرباً عن أمله بأن يلعب المؤتمر دور الوسيط لتحقيق السلام والاستقرار في أفغانستان. وأضاف أن «الشعب الأفغاني في انتظار أن يخرج المؤتمر بنتائج إيجابية».
ولفت نائب رئيس مجلس علماء أفغانستان الدكتور شفيق صميم إلى أن «الهدنة التي حدثت في عيد الفطر أثبتت أن الحكومة وحركة طالبان والشعب يريدون السلام والمصالحة ولكن الأيادي الخفية التي تشعل النار هي التي لا تريد السلام للشعب الأفغاني وتبث سمومها وأمراضها الخبيثة لفرض الحرب والفوضى». وبيّن أن العلماء الأفغان مفوضون من الرئيس الأفغاني بعملية المصالحة ولهم الصلاحيات كافة.
واقترح في كلمته أن يطلب علماء المؤتمر من الطرفين وقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات مباشرة، وتعيين وفد من علماء المؤتمر لإجراء مباحثات مباشرة مع طالبان، وأن يدعى زعماء الطرفين للجلوس إلى طاولة المفاوضات. وشدد على ضرورة إصدار وثيقة من علماء الأمة الإسلامية ترفض التشدد والإفراط والانتحار والتفجير بشكل واضح وصريح. وأوضح أن المرحلة الحالية في أفغانستان تشهد تغيراً ملحوظاً، معتبراً استجابة حركة طالبان لطلب الحكومة بوقف إطلاق النار ثلاثة أيام في عيد الفطر تطورا إيجابياً لم يحدث في السابق، ويشير إلى بداية الخطوات للمصالحة والجلوس إلى طاولة حوار واحدة.
وقال الممثل الدائم لأفغانستان في منظمة التعاون الإسلامي سازمان همكاري إسلامي لـ«الشرق الأوسط» إن «الجميع يسعون في المؤتمر إلى هدف واحد وهو التحول من ثقافة الحرب إلى الصلح والسلام لأفغانستان التي عانت الحرب لأكثر من 40 عاماً». وأضاف: «نرجو الوصول إلى حل نهائي لهذه المعاناة، ولا ينتابنا شك في أن السعودية تبذل كل جهودها لهذا الصلح بين الأطراف ما سيحقن الدماء ويوقف الهجمات المتتالية».
واختتمت الجلسة الافتتاحية بكلمة ممثل العلماء إمام وخطيب الحرم المكي الدكتور صالح بن حميد الذي قال إن استضافة السعودية للمؤتمر تأتي في إطار اهتمام خادم الحرمين الشريفين وولي العهد في خدمة قضايا الأمة من أجل إحلال السلم والأمن. وشدد على مسؤولية العلماء في بث روح التسامح والتعايش بين أفراد المجتمع، مشيراً إلى الأمانة الكبرى والمسؤولية المعقودة على المؤتمر، معرباً عن أمله بأن يرسم المؤتمر توجهاً في سبيل تحقيق الأمن والسلم في أفغانستان.
ويتضمن المؤتمر جلستين عامتين الأولى بعنوان «المصالحة في الإسلام: دور العلماء في إحلال السلم والاستقرار في أفغانستان» والثانية بعنوان «موقف الإسلام من الإرهاب والتطرف العنيف». ويختتم المؤتمر اليوم في قصر الضيافة بمكة المكرمة، باعتماد «إعلان مكة» حول توطيد السلم والاستقرار في أفغانستان.
- «التعاون الإسلامي»: حرصنا على عدم استبعاد أي مكون أفغاني
شدد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي الدكتور يوسف العثيمين على أن المنظمة حرصت على عدم استبعاد أي مكون أفغاني من المؤتمر الدولي للعلماء المسلمين حول السلم والاستقرار في أفغانستان.
وقال العثيمين لـ«الشرق الأوسط» إن «هدفنا دعوة كل المكونات في المجتمع الأفغاني إلى مائدة حوار، وليس إلى ساحة قتال، وإعطاء هذا الأمر الشرعية الإسلامية للدفع بمكونات المجتمع الأفغاني وقياداتهم وبتزكية من العلماء المسلمين للانخراط في العملية السياسية».
وأضاف أن «انعقاد المؤتمر بجوار الكعبة المشرفة يضع مسؤولية أخلاقية وشرعية على العلماء في أن يتوصلوا إلى صيغة واحدة ومباشرة لموقفهم من أمرين هما الموقف الشرعي من المصالحة الوطنية، ونزع الغطاء عن الشرعية للأعمال الإرهابية»، لافتاً إلى أنه «لا يجوز تحت أي مبرر أو غطاء سياسي أو مصالح دنيوية ضيقة أن يقتل المسلم أخاه المسلم».
وأشار إلى أن «أفغانستان عانت كثيراً من ويلات الحروب والإرهاب والنزاعات وهناك قرار من القمة العربية لعقد هذا المؤتمر، كما تم الترحيب في مؤتمر بنغلاديش باستضافة السعودية المؤتمر». وبيّن العثيمين أن «وجود علماء من مختلف أنحاء العالم يسهّل الدفع بالمصالحة الوطنية الأفغانية»، لافتاً إلى أن السعودية مهتمة بالشأن الأفغاني من النواحي الإنسانية والسياسية، وكان آخرها ترحيب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بالهدنة التي دعت إليها الحكومة الأفغانية في عيد الفطر، ولعلها تكون خطوة أولى نحو المصالحة الوطنية.
ورأى أن اجتماع علماء بهذه المكانة يتحدثون بلغة واضحة ومباشرة، سيكون إحدى الوسائل التي تساعد على خفض التوتر وتدفع العقلاء من مختلف أطياف المجتمع الأفغاني للانخراط في العملية السياسية. لكنه أضاف: «لا نتوقع حلاً سحرياً، ولكن هذه الخطوة قد تكون بداية لعملية سياسية وحوار وطني، وتوجيه رسالة للعالم في أمرين؛ الأول أن الحل هو انخراط الأفغان أنفسهم في العملية السياسية وليس بالأعمال الإرهابية والعسكرية، وثانياً توجيه رسالة للعالم غير الإسلامي بأننا قادرون وبعزائم العلماء المسلمين على حل مشاكلنا بأنفسنا عبر الحوار والتفاهم ونزع الغطاء عن الأعمال الإرهابية والتأويل الخاطئ للجهاد».
- مستشار الرئيس الأفغاني: لا تأثير لمكتب «طالبان» في قطر على المصالحة
أوضح المستشار السياسي للرئيس الأفغاني الأمين العام لمجلس المصالحة، محمد أكرم خبالواك، أن مكتب «طالبان» في قطر لا تأثير له حتى اللحظة على دفع العملية السياسية أو حتى السعي إلى الصلح، مشيراً إلى أن الرئيس الأفغاني قدم دعوة للحركة لحضور المؤتمر، لكن لم يحضر أحد منهم.
وقال خبالواك، إن «المكتب وُجد لهدف واضح محدد وهو المفاوضات السياسية الداعمة، لكن في حال عدم استجابته وتجاوبه وعدم تحقيق هذا الهدف، فإننا لسنا في حاجة إليه وسنبادر لإغلاقه». ولفت إلى أن بلاده لم تبلغ قطر أو المكتب حتى الآن برغبتها في الإغلاق؛ لأن ذلك يعتمد على مدى الاستجابة للمؤتمر الذي دعت إليه السعودية، وفي حال عدم الاستجابة أو التفاعل «فهذا يعني التحدث مع الولايات المتحدة وحكومة قطر لإغلاق المكتب». وأكد أن حركة طالبان «تتلقى دعم جهات خارجية متعددة بكل أنواع الدعم الحربي، وحتى أماكنهم تجدها في دول خارجية وليست في أفغانستان».
ولفت إلى أن «الشعب الأفغاني ينتظر نتائج المؤتمر»، مشيراً إلى أن «مجلس المصالحة بين الحكومة و(طالبان) سيعمل كثيراً لتحقيق أهداف المؤتمر الذي دعت إليه السعودية». وأوضح أن «الشعب عاش لحظات سعيدة مع إيقاف إطلاق النار في أفغانستان، واستبشر الجميع خيراً بهذه الهدنة أن تكون فترة تراجع وتفكير بالوضع الحالي ونأمل بأن تكون بداية لوقف طويل ونهائي».
ودعا علماء وشخصيات بارزة من باكستان تحضر المؤتمر إلى تكثيف الجهود ودعم الصلح والمشاركة في تحقيق أهدافه، لافتاً إلى أن باكستان تعترف دائماً بوجود عناصر من «طالبان» لديها، مطالباً من خلال المؤتمر بإنشاء لجنة أو هيئة تدعو «طالبان» إلى الحوار مع الحكومة الأفغانية والاستجابة لمطالب الحكومة في السلم وإيقاف الحرب.
وفيما يتعلق بمدى القلق من التواجد الإيراني على الأراضي الأفغانية في مجالات كثيرة كالتعليم والإعلام، قال خبالواك: «ندعو بشكل مستمر إلى إيقاف التدخلات الخارجية في أفغانستان، ونطلب حتى من دول الجوار ألا يتدخل أحد في الشأن الأفغاني الداخلي أو يثير الفوضى، وبالتأكيد هناك وجود إيراني ودعم إيراني قوي في أفغانستان لعناصر (طالبان) وتدخل مستمر، ونحن هنا نطالب بإيقاف هذه التدخلات».