قرارات ترمب التجارية تُفقد «داو جونز» مكاسبه

لو اكتفى بالتخفيضات الضريبية لكانت الأسواق أكثر ارتفاعاً

جانب من بورصة نيويورك (أ.ب)
جانب من بورصة نيويورك (أ.ب)
TT

قرارات ترمب التجارية تُفقد «داو جونز» مكاسبه

جانب من بورصة نيويورك (أ.ب)
جانب من بورصة نيويورك (أ.ب)

تحولت التنبؤات الهادئة في سوق الأسهم لعام 2017 إلى الاضطرابات التي ميّزت النصف الأول من عام 2018، مع حالة الإحباط التي خيَّمت على المستثمرين إثر دق طبول الحرب التجارية التي اندلعت بين الولايات المتحدة والصين.
ولقد فقد مؤشر «داو جونز» الصناعي –دائم التباهي– مكاسبه المحققة في الشهور الأولى من عام 2018، وبات قريباً من منطقة التصحيح بنسبة 10% مقارنةً مع الارتفاع المسجل في 26 يناير (كانون الثاني) من العام ذاته.
وربما يعتبر البعض أن ذلك الانسحاب فرصة سانحة للشراء، ولا سيما مع اعتبار أن الاقتصاد في حالة قوية نسبياً. إذ يحوم الناتج المحلي الإجمالي مقترباً من ذروة 20 تريليون دولار حالياً. فما الذي ينبغي على المستثمر فعله؟ مواكبة المسار، ملازمة الخطة، النظر إلى مكاسب المدى البعيد.
غير أن المخاطر الكبرى تكمن في التغريدات الرئاسية الأميركية، وبيانات البيت الأبيض المفاجئة، وتسريبات السياسات اللاهثة للربع الثاني المتقلب من العام الجاري.
وارتفعت المؤشرات الرئيسية يوم الجمعة الأخير من شهر يونيو (حزيران)، وحققت مكاسب طفيفة مع إغلاق الربع الحالي. وحقق مؤشر «داو جونز» في نهاية أسبوع التداول المضطرب وارتفع بمقدار 55 نقطة عند إغلاق الجمعة.
واستقر مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» ومؤشر «ناسداك للصناعات الثقيلة» عند نقاط إيجابية في تداول الجمعة قبل الماضية، مع إغلاق مؤشر «ناسداك» على أكثر من 6 نقاط مئوية في الربع الثاني.
وألقى أغلب مراقبي الأسواق باللوم في تلك التقلبات على الرئيس دونالد ترمب مباشرة، والذي يصعّد من وتيرة التهديدات الجمركية بصفة شبه يومية.
يقول إد يارديني من مؤسسة «يارديني» البحثية: «إنه السبب في كل شيء. لقد عززت التخفيضات الضريبية من الأرباح بشكل كبير. ولكن من ناحية أخرى، فإن سياساته الحمائية من التهديدات المحتملة لاقتصاد البلاد».
- مشاعر قلق لدى المستثمرين
وعلى الرغم من الأجواء الصافية نسبياً، فإن هناك العديد من التهديدات الاقتصادية الأخرى التي تغذّي مشاعر القلق العارمة لدى المستثمرين. ويأتي على رأس المباحثات التجارية أسعار النفط الحالية التي بلغت أعلى مستوياتها منذ عدة سنوات، والدولار الأميركي الذي يزداد قوة، وبنك الاحتياطي الفيدرالي الذي ينذر بزيادة متوقعة في أسعار الفائدة، مع التباطؤ الاقتصادي الأوروبي الملحوظ.
حتى إن الهالة التي تخيّم على أسهم التكنولوجيا باتت مهتزة للغاية خلال الأسبوع الأخير من يونيو، مع اتجاه مؤشر «ناسداك» صوب أحد أسوأ أسابيع التداول خلال الربع الحالي. وبالإضافة إلى الفوضى الوطنية المتعلقة بالمقعد الشاغر بين كبار قضاة المحكمة العليا الأميركية، فضلاً عن انتخابات التجديد النصفي للكونغرس المقبلة، فلن تستطيع العثور على مستثمر هادئ بعد الآن.
وتداوُل الأسواق في نهاية يونيو من أبلغ الأمثلة على ذلك، إذ ارتفع مؤشر «داو جونز» بمقدار 441 نقطة إثر الرسائل والإشارات المختلطة المنبعثة من قلب البيت الأبيض مؤخراً.
وصرح بيتر نافارو المستشار التجاري للرئيس دونالد ترمب، لشبكة «سي إن بي سي» الإخبارية يوم الاثنين في نهاية يونيو، قائلاً: «ليست هناك خطط تتعلق بفرض القيود على الاستثمار على أي دولة تتداخل بأي شكل من الأشكال مع بلادنا». وعقّب وزير التجارة الأميركي ستيفن منوشين، بتصريح جاء فيه أن الإدارة الأميركية تسعى للحصول على الانتصاف التشريعي من خلال لجنة الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة، بدلاً من الأساليب المباشرة للغاية الرامية إلى الحد من سرقة التكنولوجيا الأميركية الحيوية عن طريق البلدان المنافسة (وهو ما يعني الصين في هذه الحالة).
وصرح وزير التجارة الأميركي، لشبكة (سي إن بي سي)، رداً على سؤال من المذيع المشارك في الحوار أندرو روس سوركين بشأن التناقضات: «إن كانت هناك رسائل وإشارات مختلطة، أقول مرة أخرى، فهذا من دواعي الأسف الشديد». وسجل مؤشر «داو جونز» استجابة إيجابية لتصريحات السيد منوشين أول الأمر، حيث سجل 285 نقطة ارتفاعاً.
لكن بحلول نهاية ذلك اليوم، كان المؤشر القياسي قد توقف عن كل ذلك وربما المزيد، إذ أغلق على 165 نقطة في المنطقة الحمراء.
وقال مايكل فار، مدير الاستثمار من واشنطن: «لا أعتقد أن هناك أحداً يعرف مدى جدية الرئيس ترمب من عدمها بشأن التجارة. ولقد سمعت أحدهم يقول إن أكثر الناس يتجمدون في أماكنهم عند إطلاق النار على أقدامهم. ويبدو أن الرئيس يريد إعادة تذخير أسلحته».
ويظل مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» طافياً على سطح الأحداث عند نقطتين مئويتين تقريباً خلال العام الحالي حتى الجمعة الأخيرة من شهر يونيو، غير أنه سجل هبوطاً بواقع 5 نقاط مئوية منذ 26 يناير الماضي. وكانت أكثر القطاعات تضرراً هي قطاعات الصناعات والمواد، والتي سوف تشهد المزيد من الخسائر بسبب الحرب الجمركية القائمة. وانخفض قطاع الصناعات بنسبة 3.6% خلال يونيو الماضي وسجل مزيداً من الهبوط بواقع 5.8 نقطة مئوية على أساس سنوي حتى إغلاق تداول الخميس الأخير من يونيو.
- أوجاع الصينيين
كما يشعر الصينيون بالأوجاع كذلك، إذ سجل مؤشر «شنغهاي» القياسي هبوطاً بمقدار 0.9 نقطة مئوية وصولاً إلى مستوى 2.786.90 يوم الخميس الأخير من يونيو، وهو أدنى مستوى يبلغه المؤشر الصيني خلال أكثر من عامين متتاليين.
ويملك الرئيس ما يكفي من الأموال في المصارف قيد تصرفه إذا ما أراد مواصلة مضايقة الصينيين في شأن التجارة. ولقد ارتفع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بمقدار 26.96% منذ الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) لعام 2016، ولقد سجل هذا الرقم ارتفاعاً بواقع 31.18% إنُ أضيفت إليه أرباح الأسهم المالية.
يقول المحللون إن الرئيس الأميركي يهتم للغاية بشأن دفع أسواق الأسهم للانفجار، ولا سيما مع اقتراب موسم انتخابات التجديد النصفي للكونغرس خلال 4 أشهر على الأكثر.
ويقول جون لينش خبير استراتيجيات الاستثمار لدى «إل بي إل فاينانشيال» في تقرير بعنوان «قواعد الاضطرابات التجارية»: «للرئيس ترمب سجل حافل في بدء المفاوضات من موقف متطرف ثم التحرك نحو الحلول الوسط. ونحن نتوقع تسوية الأمور مع الصين بشأن التجارة، مع القليل من الأضرار الاقتصادية الطفيفة في الولايات المتحدة وفي الخارج».
وظل الحديث عن التعريفات الجمركية يختمر عبر شهور، بيد أن التهديدات تصاعدت فجأة في أعقاب مغادرة الرئيس ترمب قمة مجموعة السبع في مدينة كيبيك الكندية أوائل يونيو الماضي. ولقد غادر الأراضي الكندية رافضاً التوقيع على البيان المشترك الصادر عن القمة، ثم تبع ذلك بالإشارة إلى رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو بأنه «مخادع وضعيف للغاية».
- توسيع رقعة الصراع التجاري
وفي 14 يونيو، عمد الرئيس ترمب إلى توسيع رقعة الصراع التجاري بإعلانه أنه سوف يفرض تعريفة جمركية جديدة بنسبة 25% على المنتجات الصينية البالغة قيمتها 50 مليار دولار. وجاء رد الفعل الصيني مماثلاً، الأمر الذي أسفر عن مزيد من انخفاض الأسواق.
وتفاقمت الأمور إثر موجة الـ200 مليار دولار الموجهة ضد الصين، والتي استتبعت فرض التعريفات الانتقامية من جانب الهند، مع تحذير بشأن الأرباح صادر عن شركات صناعة السيارات الأوروبية، ودعوة من الرئيس ترمب إلى فرض تعريفة بنسبة 20% على واردات السيارات من الاتحاد الأوروبي.
ثم ظهرت تقارير إخبارية تفيد برغبة الرئيس ترمب في حظر الاستثمارات الصينية في التكنولوجيا الأميركية باعتبارها وسيلة من وسائل حماية التقدم الأميركي في هذا المجال. وجاء تقرير آخر على موقع «أكسيوس» يقول إن الرئيس ترمب يريد الانسحاب من منظمة التجارة العالمية، الأمر الذي قد يحقق الفوضى العارمة في النظام التجاري العالمي. ووصف وزير التجارة الأميركي ذلك التقرير بأنه «مبالغة كبيرة».
وبدأ المستثمرون في التفاعل حتى مع مساعي فريق ترمب الاقتصادي، في محاولة لتهدئة المخاوف وتلطيف الأجواء.
وقال مايكل فار، مدير الاستثمار من واشنطن: «بقدر ما تريد الحكومة توصيف الوضع الراهن بالخلاف التجاري نجد (وول ستريت) يواصلون التشديد على أنها حرب تجارية ضروس».
وبدا قطاع التكنولوجيا –مع الشركات العملاقة الصامدة: فيسبوك، وأمازون، وآبل، ونتفليكس، وألفابيت (المؤسسة الأم لشركة «غوغل»)- هشاً على الرغم من ارتفاعه المسجل بأكثر من 500% منذ انخفاض الأسواق الأخير في 9 مارس (آذار) لعام 2009، (يملك جيف بيزوس، صاحب موقع «أمازون»، جريدة «واشنطن بوست» حالياً).
وكانت الأحاديث الدائرة خلال الأسابيع الماضية بشأن الاضطرابات والبيع ترجع إلى مجموعة من الأسباب، بما في ذلك سحب المستثمرين للأرباح الفصلية، والضعف النموذجي لموسم التداول الحالي مع اقتراب فصل الصيف.
يقول واين ويكر، كبير مسؤولي الاستثمار لدى «آي سي إم إيه ريتايرمنت»: «في حين يواصل الرئيس ترمب مباحثاته بشأن التعريفات الجمركية والتي تسبب مزيداً من الانخفاض في أسواق الأسهم، لا ينبغي على المستثمرين الاستغراب الشديد في أن تشهد الأسواق بعض الضعف الراهن، بالنظر إلى الاعتبارات الموسمية الحالية. فهذا هو عام الانتخابات، الأمر الذي يضيف المزيد من التحديات على كاهل الأسواق. ومن الناحية التاريخية، فإن الربع الأخير يوفر قدراً من الارتفاع الخفيف الذي يضعه المستثمرون دوماً في الاعتبار».
وقال جيمي كوكس من مجموعة «هاريس» المالية، إن الأسواق شرعت في البيع بسبب أن بعض الشركات كانت تحذر من أن التعريفات الجمركية سوف تُلحق الأضرار بالأرباح الفصلية المستحقة في يوليو (تموز) الجاري.
وأضاف السيد كوكس: «إن كانت الأرباح أقل من توقعات الناس فسوف تشهد الأسواق إعادةً لتسعير الأسهم». الأمر الذي ينبئ بتفاقم الأوضاع أكثر مما هي عليه قبل أن تشهد بعض التحسن. ومهما يحدث، فعلينا أن ننتظر المزيد من التقلبات في الفترة المقبلة. واختتم السيد إد يارديني حديثه قائلاً: «إذا كان الرئيس ترمب اكتفى بالتخفيضات الضريبية واستمر في مشاهدة قناة (فوكس) الإخبارية حتى نهاية انتخابات التجديد النصفي المقبلة لكانت الأسواق أكثر ارتفاعاً مما هي عليه اليوم».
- خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ «الشرق الأوسط»


مقالات ذات صلة

سوريا بعد الأسد من منظور أميركي

خاص يرجح كثيرون أن يسحب ترمب القوات الأميركية من سوريا (أ.ب)

سوريا بعد الأسد من منظور أميركي

يستعرض «تقرير واشنطن»، وهو ثمرة تعاون بين «الشرق الأوسط» و«الشرق»، كيفية تعامل إدارة بايدن مع الأمر الواقع في سوريا وتوجهات إدارة ترمب.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

ترمب يعتزم إلغاء التوقيت الصيفي في الولايات المتحدة

أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، عن رغبته في إلغاء التحول إلى التوقيت الصيفي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ مؤسس شركة «أمازون» الأميركية العملاقة جيف بيزوس متحدثاً في لاس فيغاس (أ.ب)

عمالقة التكنولوجيا يخطبون ودّ ترمب… بالملايين

اصطف مليارديرات صناعة التكنولوجيا الأميركيون، وآخرهم مؤسس «أمازون» جيف بيزوس، لخطب ود الرئيس المنتخب قبل عودته للبيت الأبيض من خلال تبرعات بملايين الدولارات.

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ دونالد ترمب في ولايته الأولى رئيساً للولايات المتحدة يلوح بيده خلال اجتماع ثنائي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة زعماء مجموعة العشرين في أوساكا باليابان في 28 يونيو 2019 (رويترز)

ترمب ينتقد قرار بايدن إرسال صواريخ تستهدف العمق الروسي ويصفه بالأحمق

موسكو ترحب بانتقادات دونالد ترمب لقرار جو بايدن السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ أميركية بعيدة المدى ضد أهداف داخل عمق الأراضي الروسية

هبة القدسي (واشنطن)
المشرق العربي وزيرا الخارجية التركي هاكان فيدان والأميركي أنتوني بلينكن خلال إفادة صحافية مشتركة بعد مباحثاتهما في أنقرة الجمعة (رويترز)

«توافق عام» تركي - أميركي على مستقبل سوريا ما بعد الأسد

سيطر ملفان رئيسيان على مباحثات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في أنقرة؛ أولهما مستقبل سوريا ما بعد بشار الأسد، والثاني التباين حول مكافحة الإرهاب.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

بكين تدرس خفض الفائدة ونسبة متطلبات الاحتياطي العام المقبل

العلم الوطني أمام مقر بنك الشعب الصيني (رويترز)
العلم الوطني أمام مقر بنك الشعب الصيني (رويترز)
TT

بكين تدرس خفض الفائدة ونسبة متطلبات الاحتياطي العام المقبل

العلم الوطني أمام مقر بنك الشعب الصيني (رويترز)
العلم الوطني أمام مقر بنك الشعب الصيني (رويترز)

تدرس بكين خفض أسعار الفائدة ونسبة الاحتياطي الإلزامي في وقت مناسب من العام المقبل، بحسب تقارير إعلامية نقلاً عن وانغ شين، مدير مكتب الأبحاث في بنك الشعب الصيني.

وقال وانغ في فعالية اقتصادية، السبت، إن البنك سيعمل على تعزيز الإمدادات النقدية والائتمانية، وفقاً لصحيفة «21 سينشري بيزنس هيرالد».

وأضاف أن هناك مجالاً لخفض معدل العائد المطلوب - المبلغ الذي يجب على البنوك الاحتفاظ به في الاحتياطي - من المتوسط الحالي البالغ 6.6 في المائة.

وأشار وانغ إلى أن الظروف التمويلية للاقتصاد الحقيقي ستكون أسهل في الفترة المقبلة. كما أظهرت البيانات الصادرة، الجمعة، أن النمو الائتماني في الصين شهد تباطؤاً غير متوقع في نوفمبر (تشرين الثاني)، مما يعكس ضعف الطلب على القروض، ويشير إلى تحديات أكبر أمام النمو الاقتصادي، وفقاً لوكالة «بلومبرغ».

في غضون ذلك، أكد كبار المسؤولين الصينيين مؤخراً أنهم سوف يعتمدون حوافز اقتصادية قوية لتعزيز النمو، والتركيز على تحفيز الاستهلاك في العام المقبل.

ومن المتوقع أن ترفع الصين نسبة العجز المالي وحجم العجز في عام 2025، وتصدر المزيد من السندات الحكومية الخاصة، بما في ذلك السندات طويلة الأجل وسندات الحكومات المحلية، حسبما ذكرت محطة تلفزيون الصين المركزية، نقلاً عن هان وينشو، نائب مدير مكتب اللجنة المركزية للشؤون المالية والاقتصادية، في الحدث نفسه.