في عامها الـ40 دشن الرئيس السنغالي ماكي صال فاعليات «موسم أصيلة الثقافي» في المغرب، والتي شهدت حضوراً كثيفاً من المفكرين والمثقفين، ولم يخفِ الرئيس السنغالي حينما دشن المهرجان الثقافي تشبثه بتحقيق الاندماج الأفريقي رغم كل التحديات.
وقال صال في حفل الافتتاح الذي ناقشت ندوته الأولى أعطاب الاندماج الأفريقي، إن تقييم نصف قرن من مسار الاندماج الأفريقي مند تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية في 1963، «يكشف عن حصيلة مليئة بالإنجازات وأيضاً بالإخفاقات، غير أننا يجب أن نتحلى بروح التفاؤل الأفريقي وأن نرى النصف الممتلئ من الكأس دون إغفال مسؤولياتنا تجاه الحاضر والمستقبل».
وقال صال إن دينامية الاندماج عمل طويل النفس، يشبه رحلة المسافر في الصحراء بحثاً عن الواحات، في مواجهة الكثبان الرملية والسراب، «غير أن القدماء والرواد الأوائل رسموا لنا الطريق عبر شق السبل الصحراوية من سجلماسة إلى المغرب، مروراً بتمبوكتو ولاغوس، وصولاً إلى أبعد من ذلك في منطقة نهر السنغال».
وأضاف صال: «بالنسبة إليهم لم تكن الصحراء تشكل حاجزاً بل جسراً ومنعطفاً للتبادل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والروحي. وهذا هو الذي يجب أن يشكل طموحنا»، مشيراً إلى أن «مدينة أصيلة المغربية تمنحنا الإلهام والقوة والحماس من أجل تحقيق هذا الطموح».
واعتبر صال أن ندوة أصيلة الأولى، في افتتاح موسمها الثقافي الأربعين، بمثابة رجع صدى للنداء المشترك الذي أطلقه من أصيلة في مارس (آذار) 1982 كل من الرئيس السابق والشاعر السنغالي ليوبولد سيدار سنغور والأمير الأردني الحسن بن طلال من أجل الحوار والتعاون الأفريقي. وأضاف قائلاً: «كان هدف ذلك الحوار هو انفتاح العقول وتقليص المسافات وتقريب الشعوب»، مضيفاً أنها «نفس أهداف الاندماج الأفريقي».
من جهته قال محمد بن عيسى، أمين عام منتدى أصيلة، ووزير خارجية المغرب سابقاً، إن اختيار أفريقيا ضيف شرف الدورة الأربعين لموسم أصيلة الثقافي سببه الحضور الأفريقي بشكل دائم في مواسم أصيلة منذ انطلاقه عام 1978، وقال في خطابه الافتتاحي، إن كلمة أفريقيا «المحملة بالمعاني والدلالات» هي «السمة الفريدة التي تميزت بها أصيلة بين باقي مدن العالم، إذ كانت (هذه الكلمة) البذرة التي أثمرت وأينعت وأنبتت باقي المنجزات». وأضاف ابن عيسى قائلاً: «لذلك ونحن في غمرة الاحتفال بمرور أربعين سنة على انطلاق أول موسم، وجدتني ملحاً على نفسي وعلى باقي زملائي في مؤسسة منتدى أصيلة، لكي نستحضر بما يلزم من الثناء المستحق الرواد الأفارقة الذين مهّدوا لنا الأرض والطريق، وأناروا لنا الرؤى، وشحذوا رغبتنا لتهيئ هذه البقعة (مدينة أصيلة)، والمراهنة عليها لإخصاب ما أصبح متداولاً في المحافل الفكرية بحوار الثقافات والحضارات».
وقال بن عيسى: «لقد رافَقَنا الرئيس الراحل والشاعر الفذ ليوبولد سيدار سنغور، في هذا المشوار، بمعية نخبة من المفكرين والفنانين والأدباء، ورجالات الدولة والسياسة، وخبراء التنمية والإعلام، من كل أنحاء أفريقيا، لدرجة يمكن القول معها إننا، وأقصد الأفارقة، نجحنا في تحطيم جدار الصحراء الكبرى الوهمي. تحدثنا وتحاورنا وتبادلنا اللوم والعتاب، في هذه المدينة، منذ سنغور، كأفارقة، من دون شمال ولا جنوب أو شرق وغرب. وفي أصيلة هذه البقعة الطيبة من أرض المملكة المغربية استبعدنا من قاموسنا عبارة أفريقيا جنوب الصحراء».
وأكد ابن عيسى أن ما يقوّي الأمل في مستقبل هذه الرؤية هو العاهل المغربي الملك محمد السادس الذي أصبح «يجسدها اليوم بإرادة راسخة وأمل كبير في استنهاض قارتنا»، مشيراً إلى أن العاهل المغربي «أفسح أمام تلك الرؤية آفاقاً رحبة على العديد من الأصعدة». كما أشار ابن عيسى إلى افتتاح الرئيس السنغالي أشغال المنتدى، والذي اعتبره «تجسيداً وإيماناً بنفس المسار».
وذكر ابن عيسى أن موسم أصيلة سبق له في سنة 1987 أن احتفل بألفية العلاقات المغربية - السنغالية، معتبراً أن السنغال يشكل «امتداداً مكملاً لعمقنا الإنساني الروحي والثقافي، قبل الاقتصادي». وأضاف أن «بلدينا يشكلان نموذجاً للاندماج والتمازج، بمتانة الوشائج التي تجمعهما، وهي المَعْبر الإنساني والثقافي الواصل بيننا وبين بلدكم».
وعبّر ابن عيسى عن اعتزازه بنجاح موسم أصيلة في رفع تحدي الاستمرارية مع البقاء وفياً للأهداف والمبادئ المؤسسة طيلة هذه المدة. وقال: «بهذه الدورة تكون أصيلة وسكانها قد استكملوا أربعين سنة على طريق إقامة جسور التواصل والتفاهم والتعاون بين الشعوب، من خلال مفكريها ومثقفيها ومبدعيها الذين قدموا إلى أصيلة وشاركوا في فاعليات الموسم عاماً بعد عام». وأضاف: «بتواضع كبير نفخر بأننا استطعنا الاستمرار في تنظيم هذه التظاهرة الثقافية العالمية على مدى أربعة عقود كاملة رغم كل ما يواجه عادةً مثل هذه الرهانات الثقافية الكبرى من صعاب وإشكالات. إنه مجهود جبار وأحياناً فوق العادة، بذله خيرة من شباب مدينتنا، ومَن تضامن معنا وآزرنا من مبدعين وفنانين وإعلاميين من المملكة المغربية ومن مختلف أنحاء العالم، خصوصاً أفريقيا والعالم العربي». كما أشار ابن عيسى إلى فضل دعم ورعاية العاهل المغربي المتواصل للموسم الثقافي لأصيلة منذ انطلاقه في 1978، وهو حينئذ لا يزال ولياً للعهد.
من جانبه، قال وزير الخارجية والتعاون الدولي المغربي، ناصر بوريطة: «لا يمكن للمرء إلا أن يشعر بالفخر والاعتزاز وهو يشارك في موسم أصيلة الثقافي. فقد أصبح هذا الموسم يشكل باستحقاق نموذجاً فريداً وعلامة متميزة في عالم النقاش الفكري والإبداع الثقافي والفني».
وأضاف بوريطة: «إنها بالفعل قصة نجاح انطلقت فصولها سنة 1978 من تجربة محلية رائدة، اعتمدت على المنتج الثقافي والفني من أجل خدمة المجتمع المحلي، إلى أن صارت منتدى دولياً ذائع الصيت، نجح ولا يزال في ملاءمة فاعلياته مع قضايا في صميم الاهتمام العالمي».
وأضاف بوريطة أن موسم أصيلة تألق بقدرته المتواصلة على جذب النخب محولاً مدينة أصيلة إلى قبلة دولية لأهل الثقافة والفن والفكر والسياسة والإعلام، جاعلاً منها «مرآة تعكس اهتمام المغرب بقضايا محيطه وجواره الإقليمي».
«أصيلة» تحتفل بعيدها الأربعين بندوة عن الاندماج الأفريقي
الرئيس السنغالي دشَّن فعالياتها ودعا إلى روح التفاؤل بين أبناء القارة السمراء
«أصيلة» تحتفل بعيدها الأربعين بندوة عن الاندماج الأفريقي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة