تمكَّن المسبار الفضائي الياباني «هايابوسا 2» من الوصول، أمس، إلى مقصده، بالاقتراب من كويكب «ريوغو» الصغير بهدف دراسته، وفقاً لوكالة الفضاء اليابانية. واتخذ المسبار «هايابوسا 2» موقعاً لنفسه على بُعد 20 كيلومتراً من الكويكب الذي يبعد 300 مليون كيلومتر عن الأرض، لإجراء عمليات رصد تفصيلية والبحث عن مكان مناسب للهبوط فيه، وفقًا للوكالة. ونقلت وكالات الأنباء تصريحاً من ماكوتو يوشيكاوا، مدير مهمة الوكالة: «لقد قطعنا طريقاً طويلاً. ولكننا سوف ندخل في الجزء الأصلي لمهمتنا بدايةً من الآن».
وتعني كلمة «هايابوسا» اليابانية «صقر الشاهين». ويُعتقد أن الكويكب المدروس يحتوي على مواد عضوية ومعادن، وتأمل الوكالة في معرفة المزيد عن منشأ وتطور النظام الشمسي من خلال مسحه. والتقط المسبار صوراً قريبة للكويكب الذي يبلغ عرضه 900 متر. وتعتزم الوكالة إنزال المسبار على الكويكب في سبتمبر (أيلول) لجمع عينات من سطحه. وكان المسبار قد أُطلق في ديسمبر (كانون الأول) 2014 من اليابان، ومن المتوقع أن يعود في نهاية عام 2020.
وحُدِّد هدف مهمة سفينة «هايابوسا 2» الفضائية في الأساس، بالطيران إلى هذا الكويكب الذي يقع بين مداري الأرض والمريخ، ودراسته لسنة ونصف السنة، ومن ثمّ العودة مع بعض العينات منه لاستكمال دراستها على الأرض.
ويقول الباحثون اليابانيون الذين يعملون على دراسة هذا الكويكب إن شكله أشبه بخرزة كبيرة. وقد حقّق المسبار تقدّماً كبيراً في أوائل هذا الشهر عندما أرسل صوراً ملتقطة على بُعد نحو 2550 كلم، يظهر فيها الكويكب بوضعية جانبية بدقة عرض 3 بيكسل، ويبدو كأنه جسم مركب من المكعبات كما في لعبة «ماينكرافت» الإلكترونية.
لماذا احتاجت البعثة إلى كلّ هذا الوقت لتصل إلى هدفها؟ يشير المحللون الأميركيون إلى أن مسبار «هايابوسا 2» يستمد طاقته من محركات أيونية، تعمل على تسريع ذرّات غاز الزينون المشحونة بمجال كهربائي لتوليد الدفع.
وتعد المحركات الأيونية أحد أشكال الدفع شديد الفاعلية، ولكنّها لا تتمتع بقدرات كبيرة. وهذا يعني أنّ «هايابوسا 2» يستطيع أن يحمل كمية أصغر بكثير من المحروقات من تلك التي تحملها عادةً الصواريخ الدافعة التقليدية، ولكنّها في الوقت نفسه لا يمكنها أن تسلك طريقاً سريعاً ومباشراً. ومنذ يوم الاثنين الماضي وصل المسبار إلى مبعدة 24 كلم فقط من الكويكب، بينما اقترب أمس إلى مسافة أقل، وهو يقترب حالياً من «ريوغو» بسرعة نسبية تصل إلى 4 بوصات (10 سنتيمترات) في الثانية.
تتألف الكويكبات من أجزاء صغيرة وفتات تتخلف من قرص كوني من الغاز والتراب يتكوّن حول الشمس ولا يلتئم حول نفسه بالشكل المطلوب ليتحوّل إلى كوكب. وتحتوي الكويكبات على مركّبات أصيلة تساعد على استكشاف بدايات الوضع الذي كان عليه النظام الشمسي قبل 4.5 مليار سنة.
و«ريوغو»، القاتم كالفحم، هو كويكب من نوع «سي»، أي أنه غني بجزيئات الكربون، المعروفة كعضويات تحتوي على أحماض أمينية، المادة التي تشكل العنصر الأساسي في البروتينات. لا ترتبط هذه البروتينات دائماً بالأحياء، ويمكنها أن تتشكّل من خلال تفاعلات كيميائية في الفضاء العميق، أي أنّ الكويكبات قد تكون مصدر إمداد الأرض بالمادة العضوية الضرورية المانحة للحياة.
تنتمي ثلاثة أرباع الكويكبات الموجودة في نظامنا الشمسي إلى النوع « سي». وشكّل طول وامتداد الوقت الذي يتطلّبه «ريوغو» في دورانه مفاجأة للعلماء الذين يدرسونه.
ونقلت وسائل الإعلام الأميركية عن ماكوتو يوشيكاوا، مدير بعثة «هايابوسا 2»: «حتى اليوم، تعرّفنا على كثير من الكويكبات التي تشبه القمم، وجميعها تتميّز بدورة قصيرة مدّتها 3 ساعات. إلا أنّ مدّة دورة (ريوغو) تصل إلى نحو 7.5 ساعة، ما جعله كويكباً مثيراً للاهتمام من الناحية العلمية».
اكتُشف هذا الكويكب عام 1999 ولم يُمنح اسماً حتى عام 2015، حين تمّت تسميته «ريوغو» تيمّناً بـ«ريوغو - جو» أي «قصر التنين»، وهو قصر سحري في عمق البحار حُكي عنه في قصة خرافية يابانية.
في حال نجحت البعثة في الوصول إلى الكويكب في الموعد المحدد، أي في أواخر يوليو (تموز)، سيهبط مسبار «هايابوسا 2» على مسافة 4.9 كلم في محيط الكويكب لقياس مجال الجاذبية حوله. ومن المفترض أن تستكمل البعثة أوّل هبوط لها على سطح «ريوغو» في سبتمبر أو أكتوبر (تشرين الأول).
في هذه المرحلة، قد تعمد البعثة إلى نشر واحدة أو أكثر من العربات الجوالة الفضائية الصغيرة التي تحملها. كما أنها قد تعمد إلى نشر سفينة إنزال أوروبية الصنع في ذلك الوقت.
في نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول)، سيأخذ المسبار استراحة لأن الشمس ستكون متمركزة بين الأرض والكويكب، مما سيحجب الاتصالات. ثمّ ستنفذ المركبة الفضائية مزيداً من عمليات الهبوط، وسترمي متفجّرة نحاسية في قلب الكويكب لإحداث فوهة ستتيح لها جمع بعض المواد من قلب الكويكب. وتُصنع المتفجرة من النحاس لأنه معدن يسهل تمييزه عن المواد التي يتكوّن منها الكويكب.
في أواخر 2019، من المخطط أن تغادر سفينة «هايابوسا 2» الكويكب لتتجه عائدةً إلى الأرض. وفي طريق عودتها عام 2020 سترمي كبسولة تحتوي على عينات مأخوذة من الكويكب.
ويشير إطلاق اسم «هايابوسا 2» على هذا المسبار إلى أنّ هذه هي المرة الثانية التي ترسل فيها وكالة الفضاء اليابانية مسباراً إلى كويكب، لكنّ «هايابوسا 2» هو نسخة محدّثة من «هايابوسا» الذي زار كويكب «إيتوكاوا» عام 2005. وعلى الرغم من مشكلات تقنية عدّة واجهته على سطح «إيتوكاوا»، فإنه عاد إلى الأرض عام 2010 مع كبسولة تحتوي على 1500 قطعة من الكويكب.
وكانت وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» قد أطلقت بعثة مشابهة، وهي سفينة «أوزيريس – ريكس» الفضائية حالياً إلى كويكب آخر غني بالكربون يُعرف باسم «بينو»، وستعمد أيضاً إلى جمع عينات منه وتعود بها إلى الأرض. ويعد «بينو» أصغر حجماً من «ريوغو»، إذ يبلغ عرضه نحو 0.4 كلم. وستبدأ «أوزيريس – إكس» الاقتراب من «بينو» في أغسطس (آب)، وبمسح الكويكب عن مسافة قريبة في أكتوبر، ولكنّها لن تعود بعيناتها قبل عام 2023. ويخطط باحثون في «ناسا» مع باحثون يابانيون لتبادل عينات من الكويكبين لمقارنة أوجه الشبه والاختلاف بينهما.
مسبار «هايابوسا 2» الفضائي الياباني يتأهب لاستكشاف كويكب «ريوغو»
في مهمة لاقتحامه واستخلاص عينات منه وإرسالها إلى الأرض
مسبار «هايابوسا 2» الفضائي الياباني يتأهب لاستكشاف كويكب «ريوغو»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة