شهدت الساعات الأخيرة قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة التي تجري في تركيا اليوم نشاطاً محموماً من مرشحي الرئاسة ومن الأحزاب السياسية، وتم التركيز بشكل مكثف على مدينة إسطنبول التي تعد أكبر تجمع للناخبين، حيث تضم 10 ملايين و559 ألفاً و686 ناخباً من أصل 56 مليوناً و322 ألفاً و632 ناخباً يحق لهم التصويت في الانتخابات. وذلك قبل إعلان الصمت الانتخابي أمس، وحتى انتهاء عملية التصويت والبدء في إعلان النتائج مساء اليوم.
- إردوغان يكثف المؤتمرات الجماهيرية قبل الصمت الانتخابي
ولليوم الثاني على التوالي، واصل الرئيس رجب طيب إردوغان التنقل بين أحياء إسطنبول، حيث عقد 4 مؤتمرات جماهيرية في 4 أحياء في غرب ووسط المدينة أمس، داعياً جميع الناخبين إلى الحرص على التوجه إلى صناديق الاقتراع. وشدد على أن السلطات اتخذت جميع التدابير اللازمة لضمان أمن الصناديق في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
وأشار إلى تعيين ممثل عن كل حزب سياسي لمراقبة التصويت في المراكز المخصصة للاقتراع في أنحاء البلاد، حيث يجري التصويت في 181 ألف صندوق انتخابي، وحث أنصاره على الذهاب إلى صناديق الاقتراع، واصطحاب من حولهم من أجل التصويت، وعدم التهاون. وشدد إردوغان على أن النظام الرئاسي الجديد في تركيا سيقودها إلى النهوض، وإلى تجاوز مستوى الحضارات المعاصرة، وسيضعها في مصاف الدول العشر صاحبة أكبر اقتصادات في العالم، وفي مصاف الدول الكبرى كأميركا وروسيا.
ولفت إلى أن حزبه (العدالة والتنمية الحاكم) حقق الكثير من الإنجازات في تركيا خلال فترة حكمه، وسيعمل على إنجاز أمور لا يتخيلها الآخرون (في إشارة إلى المعارضة)، داعياً المواطنين ذوي الأصول الكردية إلى الحذر وعدم الانخداع والانجرار وراء المؤامرات؛ لأن حزبه لا يميّز على الإطلاق بين تركي وكردي وشركسي وغجري وبقية الأعراق، بل يحثّ على الوحدة والتكاتف بعيداً عن التفرقة.
وأشاد الرئيس التركي بالمشروعات التي أنجزها حزبه خلال الأعوام الماضية، مثل نفق «مرمراي» للمترو، وجسر «السلطان ياووز سليم»، ونفق «أوراسيا» وجسر «عثمان غازي ومطار إسطنبول الثالث الذي سيفتتح في 29 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وهاجم منافسه في الانتخابات الرئاسية محرم إينجه، مرشح حزب الشعب الجمهوري؛ بسبب محاولاته للتقليل من أهمية هذه المشروعات.
واتهم إردوغان حزب الشعب الجمهوري بالضلوع في محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في منتصف يوليو (تموز) 2016. وأوضح، أن حزبه نفّذ حملة انتخابات مكثفة خلال الشهرين الأخيرين، وأنه عقد أكثر من 100 تجمع انتخابي في هذا الإطار؛ «لأن هذه الانتخابات ليست انتخابات عادية، فنحن مقبلون على منعطف، وأود أن أذكّر أبناء بلادي بضرورة استخدام حقهم في التصويت».
ونوّه إلى المشاركة الكثيفة من قبل الناخبين الأتراك في الانتخابات السابقة، بنسب بلغت ما بين 85 و86 في المائة. وأطل إردوغان الليلة قبل الماضية في بث تلفزيوني على الكثير من القنوات استمر حتى الساعات الأولى من صباح أمس، لاستعراض ملامح النظام الرئاسي الجديد وشكل الحكومة التي سيؤلفها عقب فوزه بانتخابات الرئاسة. وقال: إنها ستضم 16 وزيرا فقط، بدلاً عن 26 وزيراً في الحكومة الحالية. ولفت إلى أن عدد الوزارات التي تتعامل مع الاقتصاد ستنخفض من ست وزارات إلى ثلاث فقط، قائلاً: «في ظل النظام الجديد سنحد من البيروقراطية، سنتخذ القرارات بشكل أسرع، وكل الخدمات ستركز على النتائج».
وأوضح إردوغان، أنه سيشكل تسعة مجالس معنية بالسياسة سترفع تقاريرها للرئيس في مجالات مثل السياسات الاجتماعية والصحية والخارجية. وركز إردوغان على شريحتي النساء والشباب اللتين تشكلان أكثر من 80 في المائة من الناخبين، قائلاً: «أثق في شعبي وأحبه، وأعرف أنه سيعطي الرد المناسب على المعارضة في صناديق الاقتراع غداً (اليوم الأحد)».
- إينجه يحذر من التلاعب بنتائج الانتخابات
في المقابل، عقد محرم إينجه مؤتمره الختامي في ساحة مالتبه إسطنبول، حيث احتشد عشرات الآلاف من أنصار حزبه (الشعب الجمهوري)، ووجّه خلال خطابه أمام هذا الحشد تحذيراً إلى الولاة في جميع محافظات تركيا قائلاً: «إنكم ولاة في هذا البلد ولست ولاة لإردوغان»، كما حذر اللجنة العليا للانتخابات ووكالة أنباء «الأناضول» وهيئة الإذاعة والتلفزيون التركية (تي آر تي) من التلاعب بنتائج الانتخابات، منتقدا التلفزيون الرسمي لعدم تغطية مؤتمراته الانتخابية في الوقت الذي يلهث فيه وراء إردوغان.
وكانت وسائل إعلام تركية نشرت نتائج الانتخابات الرئاسية قبل ثلاثة أيام من إجرائها، اعتماداً على بيانات وكالة أنباء «الأناضول» الحكومية، التي اعتذرت لاحقاً وقالت: إن الأمر مجرد خطأ. ونشرت «الأناضول» النتائج الخاطئة، التي أشارت إلى احتفاظ الرئيس رجب طيب إردوغان بمنصبه بعد فوزه بنسبة 52.7 في المائة من الأصوات، متقدماً على محرم إينجه 26.2 في المائة، وميرال أكشنار 11.7 في المائة، وصلاح الدين دميرتاش 7.1 في المائة. وقالت الوكالة في بيان رسمي، نشرته على موقعها الإلكتروني، إنها أرسلت إلى وسائل الإعلام المشتركة في خدمتها النتائج على سبيل الاختبار، وإن هذه الاختبارات تجري 4 مرات قبل الانتخابات لضمان وصول المعلومات إلى وسائل الإعلام بصورة صحيحة، وتهدف إلى تلافي الأخطاء أثناء نقل النتائج أثناء الفرز، معتبرة انتقادات المعارضة ادعاءات لا أساس لها من الصحة.
ودافعت الحكومة التركية عن الوكالة التابعة لها، وقال نائب رئيس الوزراء، باكير بوزداغ، إن «الأناضول» لم تسع مطلقاً للتلاعب بالنتائج، إلا أن المعارضة رأت أن ما جرى يثبت أن الوكالة ستتلاعب بنتائج الانتخابات الحقيقية يوم التصويت.
وقال إينجه، إن تركيا ستكون دولة للحريات تحت حكمه إذا فاز بالرئاسة، ولن تشهد ممارسات من قبيل التنصت على هواتف المواطنين، وإنه سيكفل الحرية لوسائل الإعلام وسيضع القانون اللازم لضمان ذلك، ولن تكون هناك تفرقة بين المواطنين الأتراك بأي شكل من الأشكال، مطمئناً المحجبات من عدم التضييق عليهن. وقال، إن من يروجون هذه الشائعات هم أناس بلا أخلاق، وإنه دافع دائماً عن حقهن في التعليم والعمل ولم يكن الأمر مشكلة بالنسبة له في أي وقت.
كما تعهد إينجه باستئناف المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي ورفع الحد الأدنى للأجور وبمساعدة الفلاحين ورفع أسعار توريد منتجاتهم كالبندق، ودعم المازوت وافتتاح أكاديمية للتصميم، وأعمال النسيج ورفع التأمين الصحي للعائلات إلى 100 في المائة، وتقديم منح دراسية لطلاب الجامعات قائلا، إنه سيعمل على تحسين اقتصاد البلاد وتقوية عملتها البلاد، مشيراً إلى أن بقاء إردوغان يعني استمرار تدفق اللاجئين السوريين وكبت الحريات وضعف الاقتصاد.
- انتقادات تركية للمراقبين الدوليين
ويخوض انتخابات الرئاسة إلى جانب إردوغان، وإينجه ومرشحة حزب الخير ميرال أكشنار، كل من مرشح حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد، السجين صلاح الدين دميرتاش الذي يرفض التدخل العسكري لتركيا في الشمال السوري، والذي تعهد بأن يحتل المرتبة الثانية في انتخابات الرئاسة، وأن يحصل حزبه على أكثر من 10 في المائة في انتخابات البرلمان، ورئيس حزب السعادة الإسلامي تمال كرم الله أوغلو، ورئيس حزب الوطن المنفتح على النظام السوري دوغو برنتشيك.
وقبل ساعات من الانتخابات الرئاسة والبرلمانية، انتقد رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم سلوك بعض المراقبين الأوروبيين للانتخابات التركية، مشيراً إلى أنهم يتصرفون وكأنهم متحدثون باسم «كيانات سياسية هامشية». وقال يلدريم في تصريحات أمس: «أعتقد أن هذا يعتبر تدخلاً في الانتخابات بشكل أو بآخر، ولا يحق لأحد أن يلقي ظلال الشبهات أو يثير علامات استفهام على الانتخابات التي ستجريها تركيا».
وكشفت مصادر أمنية تركية، أمس، عن أن مراقبين من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، يسعون إلى بث الفوضى في البلاد، والإيحاء بعدم نزاهة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. ولفت رئيس الوزراء، إلى أن بعض المراقبين الأجانب يتمثل عملهم على الدوام، بالإدلاء بتصريحات تشوّش أذهان الناخبين قبل الانتخابات.
وأضاف: «تعالوا، وإن شئتم، فليأتِ 800 مراقب بدل 400، لكن راقبوا الانتخابات كما يجب، ولا ترتكبوا أخطاء كالتدخل في السياسة، فتركيا بلد ديمقراطيته متقدمة؛ فهي دولة قانون». ودعا يلدريم الناخبين كافة إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع والإدلاء بأصواتهم في الانتخابات.
وكانت اللجنة العليا للانتخابات التركية قد منحت الاعتماد لمراقبي 8 مؤسسات دولية، تقدمت بطلب لمراقبة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، هي: منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، والجمعية البرلمانية المتوسطية، والجمعية البرلمانية لمنظمة التعاون الاقتصادي للبحر الأسود، والجمعية البرلمانية للبلدان الناطقة بالتركية، ومجلس تعاون الدول الناطقة بالتركية (المجلس التركي)، ومنظمة شنغهاي للتعاون.
وقالت المصادر الأمنية، إن بعض مراقبي منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وبينهم داعمون لحزب العمال الكردستاني (المحظور) بشكل علني، يسعون لإعداد خطة لبث الفوضى في تركيا والإيحاء بعدم نزاهة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، مشيرة إلى مشاركة 400 مراقب من المنظمة في متابعة الانتخابات.
وأضافت المصادر: إن بعض المراقبين التقوا «أشخاصاً معارضين» في أنقرة وإسطنبول، وأبلغوهم بأن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان سيفوز بالانتخابات الرئاسية بنسبة تتجاوز الـ50 في المائة، وسيحقق «تحالف الشعب» (بين العدالة والتنمية والحركة القومية) الأغلبية في البرلمان، وقدموا توجيهات للمعارضين بهدف إضفاء الضبابية على نتائج الانتخابات.
وتشهد الانتخابات منافسة شرسة وغير مسبوقة، وتشكل واحدة من أصعب الاستحقاقات الانتخابية التي تشهدها تركيا، منذ صعود حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى السلطة قبل 16 عاماً. وعقب هذه الانتخابات ستنتقل تركيا رسمياً إلى النظام الرئاسي، الذي أثار كثيراً من الجدل، والذي تم الاستفتاء عليه في 16 أبريل (نيسان) 2016، وتم تأييده من قبل أغلبية ضئيلة من الناخبين بلغت 51.4 في المائة.
- نظام «الصناديق الجوالة»... سابقة في الانتخابات التركية
وللمرة الأولى، سيتم تطبيق نظام الصناديق الجوالة من أجل المرضى المقعدين وذوي الاحتياجات الخاصة، حيث ستصل الصناديق بناءً على طلبهم إلى مكان إقاماتهم، وفي هذا الإطار سيتم تخصيص 1303 صناديق من أجل 17 ألفاً و258 ناخباً مُقعداً تتوافر فيهم المعايير اللازمة لتوفير هذه الخدمة.
ونشرت السلطات التركية 38 ألفاً و480 شرطياً لضمان سير العملية الانتخابية بأمان في إسطنبول، كما نشرت الآلاف بالمدن الأخرى، واتخذت مديرية أمن إسطنبول تدابير أمنية واسعة في المدينة، حيث تجرى عملية الاقتراع في ألف و670 مركزاً انتخابياً، موزعة على 3 دوائر انتخابية، وتم دعم عناصر الأمن بأربع مروحيات، و8 زوارق بحرية، و85 عربة مكافحة شغب، و90 عربة مصفحة، و137 عربة مراقبة، و3 طواقم طائرات مسيرة.