يقول الروائي والكاتب المسرحي الإيطالي الشهير آندريا كاميلّيري، الذي بلغ الثالثة والتسعين من العمر وتزيد أعماله الرائجة على المائة، إنه يستحيل فهم ما يجري في إيطاليا من غير فهم ما يجري في صقلية، ويستحيل فهم ما يجري في صقلية من غير فهم نظام المافيا وطقوسها وأساليب عملها.
كل الأحداث الكبرى والوقائع المفصلية في التاريخ السياسي والاجتماعي الإيطالي الحديث منذ مطالع القرن الماضي، كانت المافيا ضالعة فيها بشكل أو بآخر، تتكتّم عليها عقوداً إلى أن يقرر أحد «التائبين» كشف أسرارها، غالباً مقابل تخفيف الأحكام القضائية أو الإفراج عنه مع حماية أمنية.
من هذه الوقائع التي ما زالت لغزاً يحيّر المحققين والأجهزة الأمنية في إيطاليا والخارج منذ عقود، سرقة لوحة من روائع الرسّام العبقري كارافاجيو. كانت اللوحة معلّقة في مصلّى القديس لورينزو بمدينة باليرمو عام 1969 ولا ُيعرف شيء عن مصيرها حتى الآن. وكان الاعتقاد الذي ساد لسنوات في الأوساط الفنية المتابعة لهذا الموضوع، أن اللوحة التي تمثّل ميلاد السيّد المسيح، وهي من أهم الأعمال الفنية التي كانت تفتخر بها باليرمو، قد سُرقت بعد تقطيعها ثم هُرِّبت إلى الخارج.
لكن يبدو أن معلومات جديدة توفّرت مؤخرا لدى إدارة المباحث المختصة بمكافحة المافيا، تعيد الأمل باسترجاع هذه اللوحة التي رسمها كارافاجيو في أواخر عمره سنة 1609. وكان مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) في الولايات المتحدة قد وضع تلك السرقة في المرتبة الثانية بين أهمّ 10 سرقات فنية في العالم، ورجّح أن تكون المافيا وراءها نظرا للنفوذ الواسع الذي كانت تتمتع به آنذاك في الجزيرة. وقد أدّى ذلك الاعتقاد إلى ترويج المافيا نظريات كثيرة حول السرقة، منها أن اللوحة قد أُحرقت، أو أن الخنازير قد أكلتها، أو أنها بيعت قطعاً في الخارج.
آخر المعلومات تفيد بأن أحد المُخبرين الذي له علاقة سابقة بالمافيا ويدعى غايتانو غرادو، أفاد بأن اللوحة لم يلحق بها أي ضرر وأنها موجودة في مكان ما بسويسرا. وتقول البرلمانية روزي بيندي، وهي رئيسة اللجنة المكلفة مكافحة المافيا، إن المعلومات التي قدّمها غرادو من شأنها أن تساعد على الوصول إلى اللوحة.
وفي تفاصيل المعلومات التي أدلى بها غرادو أنه بعد يومين من حدوث السرقة اتصل به غايتانو بادالامنتي، الذي كان من الزعماء البارزين للمافيا في صقلية والمشرف على تجارة الكوكايين آنذاك قبل اعتقاله عام 1984، وطلب منه أن يعثر على الذين سرقوا اللوحة ويعرض عليهم شراءها.
يضيف غرادو أن لوحة «الميلاد» لكارافاجيو انتهت في حوزة بادالامنتي الذي باعها بعد ذلك إلى تاجر سويسري لم تكشف سلطات التحقيق عن هويته، لكنها أكدت أنه لم يعد على قيد الحياة. لكن رابطة أصدقاء المتاحف في صقلية ليست مقتنعة بدقة هذه المعلومات، وتعد أن سرقة تمت بمنتهى الحِرفيّة للوحة بهذا الحجم لا بد من أن تكون من تدبير عدد كبير من الأشخاص لهم معرفة جيدة بالفن.
يذكر أن حماية الأعمال الفنية الكثيرة الموزعة على المواقع والمعالم الأثرية في إيطاليا تقتضي جهدا ضخما وموارد مالية كبيرة غالبا ما تتجاوز قدرات المؤسسات الرسمية التي تشرف عليها. وترجح مصادر رسمية أن مئات اللوحات والتماثيل والتحف التي تعود لفنانين إيطاليين كبار قد سُرقت منذ أربعينات القرن الماضي وهُرِّبت إلى الخارج بواسطة المافيا التي حاولت أكثر من مرة الضغط على الدولة وابتزازها عن طريق سرقة أعمال فنية شهيرة.
لوحة كارافاجيو المفقودة لغز لا تحله إلا المافيا الإيطالية
لوحة كارافاجيو المفقودة لغز لا تحله إلا المافيا الإيطالية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة