اعتاد المصريون على أداء طقوس معينة قبيل عيد الفطر، وبخاصة صناعة كعك العيد والبسكويت، في العشر الأواخر من رمضان من كل عام. وعلى مدار عقود تحكّمت العادات والتقاليد في الريف المصري، في صناعة الكعك والبسكويت المنزلي، وكانت الأفران البلدية الأوفر حظاً والوسيلة الرئيسية لتسوية تلك المنتجات، لكنها تراجعت وانخفضت أعدادها بشدة لصالح الأفران الآلية، ورغم ذلك فإن قطاعاً مهماً من الشعب لا يزال يفضلها عن الجديدة بسبب مذاقها الشهي.
«بنات وسيدات يجلسن حول مكونات الكعك والبسكويت للتقطيع والنقش، والبعض الآخر أمام الفرن البلدي المصنوع من الطين والصاج للتسوية»، مشهد اعتاد الجميع على رؤيته أثناء صناعة كعك العيد في المناطق الريفية في العقود الماضية، إلا أن هذا المشهد بدأ يتلاشى في السنوات الأخيرة.
سهير السيد، ربة منزل ريفية، تروي لـ«الشرق الأوسط» مراحل صناعة الكعك قديماً، قائلة: «كنا نجتمع في منزل إحدى السيدات من صديقاتنا، لعمل الكعك والبسكويت البلدي، وحينها تقوم السيدات بتجهيز الدقيق والزيوت والزبد، وغيرها من المكونات، ونقوم بعجن الدقيق وتشكيل العجين، ونقشه وطهيه داخل المنزل وسط العائلة، ويشارك الجميع بما في ذلك الأطفال، وتتم تسويته باستخدام الأفران المصنوعة من الطين، مستخدمين الحطب والقش وبواقي الأخشاب التي نجلبها من ورش النجارة لنوقد بها نيران الفرن.
وأضافت سهير، إنه بعد انتشار الغاز وارتفاع أسعار الحطب والقش، ونتيجة ما يصدر منه من أدخنة خانقة للسيدة التي تتولى مهمة التعامل أمام الفرن، اتجهت السيدات لتسوية وطهي الكعك أمام الأفران الغاز، لافتة إلى لجوء البعض أيضاً إلى ترك الفرن الغاز مؤخراً، وشراء مكونات الكعك وعجنها وتجهيزها ونقشها، ومن ثم إرسالها إلى أفران الخبز الإفرنجي ليقوموا هم بخبزها، ومن ثم تسلمها جاهزة.
ورغم الاعتماد المتزايد على استعمال الفرن الغاز في الفترة الأخيرة؛ نظراً لسهولته والمزايا التي يتمتع بها، إلا أن بعض الآراء اتجهت إلى منظور اعتبروه من ثوابت مزايا الفرن البلدي، حيث أكدت الكثير من ربات البيوت الريفيات أنه رغم سهولة استخدام أفران الغاز، فإن الطعام المُعد في الفرن البلدي يفوقه بمراحل من حيث التذوق والشكل.
وتوضح عزيزة خريشي، ربة منزل، أن نسبة استخدام الأفران البلدي انخفضت بشكل كبير جداً مقارنة بالأعوام السابقة، بسبب ظهور الفرن الغاز، مرجعة السبب إلى أن الفتيات الصغار لم يعد لديهن قوة تحمّل للعمل أمام الأفران البلدي، قائلة: «الفتيات دلوقتي غير زمان»، بالإضافة إلى عدم توافر مخلفات زراعية كثيرة، مقارنة بالفترات السابقة.
وعن أسباب عزوف السيدات عن الفرن البلدي تقول نوال السيد، ربة منزل: «لجأنا إلى الأفران الحديثة بعد استخدام الفلاحين قش الأرز علفاً للمواشي، كما أن أفران الغاز تساعدنا على الانتهاء من صناعة الكعك والبسكويت في وقت أسرع، عكس الفرن البلدي الذي يحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد».
من جانبه، يقول عبد الله أحمد، القاطن بإحدى القرى الريفية، بمحافظة المنوفية لـ«الشرق الأوسط»: «إن منازل القرى أصبحت تشبه كثيراً المدن، من حيث مواد البناء والشكل الخارجي والداخلي أيضاً، فأغلب البيوت لا يوجد بها الفرن البلدي المميز للمنزل الريفي، بالإضافة إلى التغيير الطارئ في بعض العادات والتقاليد التي كانت متبعة في الماضي، وندرة السيدات التي تجيد الطهي والعجين».
ويضيف عبد الله: إن هناك ثقافات جديدة لم يكن يعهدها أهل الريف من قبل انتشرت بينهم، وغيّرت من عاداتهم، بالإضافة إلى زواج رجال القرى من سيدات المدن، وبالتالي تغيّرت الكثير من التقاليد، لافتاً إلى أن بيوت الأرياف حالياً أصبحت كلها بالطوب الأحمر، واختفى الطوب اللبن بشكل كبير، وأصبحت أكثر من طابق أو اثنين مع ضيق المساحات؛ مما لا يسمح بوجود فرن بلدي في كل بيت كما كان الأمر سابقاً.
تغيرات اجتماعية تغيب «الفرن البلدي» من بيوت المصريين
النساء يعتمدن على أفران الغاز لسهولتها
تغيرات اجتماعية تغيب «الفرن البلدي» من بيوت المصريين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة