بمجرد أن يرتبط اسم عمل فني باسم الفنان القدير يحيي الفخراني، فإن هذا العمل يعطي ضمانة تلقائية على جودة العمل وعلى متعة المشاهدة، لكن تصدي مسلسل «بالحجم العائلي» الذي يلعب فيه الفخراني دور البطولة والشخصية المحورية المحركة للأحداث، لقضايا الطبقة العليا من المجتمع المصري صدم الجمهور، فضلاً عن ضعف الحبكة الدرامية للعمل وهو ما لم يكن متوقعاً من قبل الجمهور الذي اعتاد على ثقل أعمال الفخراني الدرامية.
تدور الأحداث حول «نادر التركي» وهو رجل مسنّ كان يعمل سفيراً سابقاً، وبعد أن ترك عمله بالسلك الدبلوماسي، قرر أن يتفرغ لهوايته المفضلة وهي الطهي، فأسس منتجعاً سياحياً في مدينة مرسى علم على البحر الأحمر، وهو الأمر الذي خلق بينه وبين أسرته جفاء وتباعداً كبيراً بينه وبين زوجته الفنانة ميرفت أمين التي تلعب دور (ثريا) وأبنائه اﻷربعة.
يحاول نادر التركي لمّ شمل أسرته بدعوتهم لقضاء عطلة بمناسبة رأس السنة الجديدة، وهو المحرِّك السردي الرئيسي للعمل هنا، ويواجه البطل عدداً من العقبات والصراع لتحقيق هدفه ولكن شيئاً فشيئاً تزداد الأمور تعقيداً أمام البطل بسبب المشكلات التي يقع فيها أبناؤه. وقد كشف لنا مؤلف العمل كل القصة في الحلقة الأولى.
اعتمد المسلسل على موقع المنتجع بمرسى علم، وهو الأمر الذي جذب قدراً كبيراً من المشاهدين ملبياً رغبتهم في الهروب من الأحداث العنيفة في كثير من دراما هذا العام، لكن الاعتماد على فكرة الموقع الواحد كمحور للأحداث إلى جانب تعدد الشخصيات الثانوية جعلت من العمل مجرد سلسلة من الحبكات الثانوية المتتالية، بعكس ما كان متوقعاً من العمل الذي كتبه السيناريست محمد رجاء.
ورغم أن السيناريست أراد أن يكون العمل كوميديّاً اجتماعيّاً وحاول توظيف كوميديا الموقف لوضع العمل في قالب «كوميدي»، لكن جاء كل الاعتماد على الضحكة الشهيرة للفخراني التي أصبحت هي العامل الرئيسي لرسم البسمة على وجوه الجماهير، وربما لو تم اختيار فريق عمل آخر من الممثلين الكوميديين، لكان ذلك أفضل للعمل وللجمهور. ناهيك بالسعادة المطلقة التي أضفاها المؤلف على بطله؛ فهو يضحك ويقهقه طوال الوقت غير عابئ أصلاً بأسرته.
لا جدال أن السيناريست نجح في خلق الفكرة الرئيسية للعمل ورسالته وهي أهمية الأسرة وأنه لا سعادة دونها، إلا أن العقبات التي كان يواجهها البطل «الفخراني» كانت متقاربة أكثر مما ينبغي مما خلق حالة من الإرهاق لدى المشاهد فضلاً عن الكثير من المشاهد الثانوية المقحمة التي لم تضف قيمة للعمل، إضافة إلى تتبع الكاميرا لفترات طويلة لتحركات الفخراني وأبطال العمل من وإلى مباني المنتجع وحجراته وأروقته.
وهناك تضامن من السيناريست مع البطل السفير السابق على الرغم من أن سمات الشخصية وسلوكياتها تؤكد أنه يتسم بالأنانية فبدلاً من أن يمضي فترة التقاعد بجوار أسرته، قرر الابتعاد عنها، وعلى الرغم من ذلك يقدمه العمل كأنه مثالي، وأنه مَن يحاول لم الشمل وإصلاح أحوال أسرته رغم أن كل ذلك نتاج إهماله لأسرته واهتمامه بعمله كأولوية قصوى.
ومع ذلك ينتظر الجمهور هل سيحقق نادر التركي هدفه ويجتمع شمل أسرته أم لا وهو المنتظر في الحلقة الأخيرة.
يقدم العمل مشكلات الطبقة الراقية في المجتمع المصري، لكن الغريب أنه لخص المشكلات في تعلق الشباب بسيدات يكبرنهم في السن ويحاول الفخراني بطل العمل نهر أبنائه عن تلك العلاقات. ففي منتصف حلقات العمل ينغمس نجل الفخراني عمرو صالح (إيهاب) في علاقته مع كارولين خليل (سلوى) التي تكبره في العمر رغم أنه متزوج، أما ديانا هشام (رانيا)، فقد تقاربت مع أحمد مجدي (ابن عمها فادى) في ظل وجود خطيبها عادل، أما يسرا اللوزي «هدى» فقد دخلت في مشادّة مع زوجها علاء بسبب تناوله الخمور أمام الصغار، أما عمر حسن يوسف (مراد) نجل الفخراني فنكتشف أنه على علاقة بصديقة والدته التي تلعب دورها الفنانة سلوى محمد على، ونجده أيضاً بعدها يتركها ويرتبط بسيدة أكبر منه أيضاً هي الفنانة مها أبو عوف.
كما أننا نجد الفخراني (نادر التركي) يطلب الزواج من مدربة الزومبا (رشا) التي تلعب دورها الفنانة الموهوبة ندى موسى، ليحيد عن الهدف الرئيسي للمسلسل أو الهدف المرسوم للشخصية!
يحيى الفخراني أكد في تصريحات صحافية أنه ينتظر رد فعل الجمهور بعد انتهاء عرض المسلسل، قائلاً: «أنا دائماً أنتظر رد فعل الجمهور مع آخر مشهد، حيث تكون الرؤية كاملة أمام المتلقي وأنا متفائل لأنني بذلت وزملائي جهداً كبيراً في التصوير». وأشار إلى أن المشاهد التي تجمعه مع أحفاده كانت من أصعب المشاهد التصويرية للمسلسل، لأنه من الصعب السيطرة على ردود فعل الأطفال الصغار، ما أدى إلى تكرار تلك المشاهد في أماكن تصوير مفتوحة وأخرى مغلقة.
الفنانة الكبيرة ميرفت أمين كانت موفَّقة في اختيار ملابس الشخصية، وحرصت أن يُكتب ذلك على شارة المسلسل، فقد بدت سيدة أرستقراطية تنتقي ملابسها وكل قطعة حلي وإكسسوار بعناية تامة، لكنها لم تتمكن من الإمساك بسمات الشخصية بقوة؛ شعرنا بأنها كانت تغيب عنها وتخرج من إطارها لتتحول لشخصية أخرى أقل أرستقراطية في التعامل مع مشكلات أبنائها وصديقاتها. انفعالاتها لم تكن محسوبة بدقة كما عوَّدَت جمهورها.
فريق العمل وأداؤهم كان باهتاً مقارنة بأداء يحيي الفخراني السهل الممتنع والممتع في آن واحد، وهو الذي يغطي على نواقص العمل كثيراً، ولكن لا يغفر ذلك للمسلسل. فقد جاء أيضاً أداء الفنان الشاب أحمد مجدي مخيباً للآمال بعد دوره العام الماضي في مسلسل «لأعلى سعر»، و أيضاً خفت أداء يسرا اللوزي عن مسلسل «آدم وجميلة»، ربما ما يمكن الإشادة به في هذا العمل هو تسليطه الضوء على مشكلات واقعية يمر بها المجتمع المصري وحالة التفسخ الشديدة فيه، لا سيما مع انفصال آلاف الأسر يوميا وارتفاع معدلات الطلاق، وهو ما تطرق له المؤلف بذكاء يُحسَب له.
عدد كبير من النقاد أبدوا سعادتهم ورضاهم عن مستوى المسلسل، لكون بطله الفخراني بتاريخه الكبير، واعتبروه من أفضل المسلسلات الكوميدية لهذا العام، منهم الناقدة ماجدة موريس فيما انتقد آخرون كون القصة تتطابق مع قصة مسلسل «صاحب السعادة» التي قدمها العام الماضي الفنان عادل إمام مع الفنانة لبلبة. فيما نجد أن الناقدة ماجدة خير الله قد علقت على حسابها عبر «فيسبوك» قائلة: «(بالحجم العائلي)... معالجة عصرية للملك لير، مضاف لها خطوط ومواقف من الفيلم الإيطالي (كلهم بخير)، مع تفاصيل من هنا وهناك، لكن وجود يحيى الفخراني أضاف لتلك الخلطة خصوصيتها وتألقها وحيويتها، مشاهده بعد اكتشاف خداع أبنائه له، وعدم الامتنان لعطائه المتصل كانت شيئاً رائعاً، لأنه اكتفى بمرارة الصمت والحسرة، ولكنه رغم ذلك ابتسم وتحامل على أوجاع نفسه حتى يضيف بعض البهجة لصديقته الشابة (رشا)، أو ندى موسي التي تحتمي به كلما ضاقت بها الدنيا».
«بالحجم العائلي»... يحيى الفخراني وحده لا يكفي
سيناريو غير محكم وقع في فخ الموقع الواحد والحبكات الثانوية
«بالحجم العائلي»... يحيى الفخراني وحده لا يكفي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة