سنوات السينما: Landscape in the Mist

من «منظر في الضباب»
من «منظر في الضباب»
TT

سنوات السينما: Landscape in the Mist

من «منظر في الضباب»
من «منظر في الضباب»

Landscape in the Mist
(1988)
رحلة إلى وهم بعيد

«مناظر في الضباب» لليوناني ثيو أنجيليبولوس جاء في الفترة الناضجة والأكثر أهمية في تاريخ أعماله. قبله بضعة روائع صغيرة من بينها «أيام 36» (1972) و«ممثلون متجولون» (1975) و«رحلة إلى سيثيرا» (1984). وبعده روائع أكبر مثل «تحديق أوليسيس» (1995) و«غبار الزمن» (2008).
بعض النقاد يقارن أنجيليبولوس بالروسي أندريه تاركوڤسكي، لكن الاثنين، على الرغم من أنهما حققا أفلاماً تأملية متباطئة الحركة في ظاهرها، لكنها غير بطيئة أو رتيبة، مختلفان بوضوح. عند تاركوفسكي هناك إلغاء لمن لا تدور حوله الشخصيات الأساسية. العالم صغير ورحب في الوقت ذاته ورحابته لا تشمل العالم الذي نعرفه إلا في محطات قليلة جداً. عند أنجيليبولوس هناك تذكير دائم بالعالم خلف المشهد الأمامي وشخوصه: سيارات وشاحنات وبواخر تعبر من بعيد. راقصون يخرجون في حفلة زفاف. رجال ونساء يقفون مشدوهين وبلا حراك يحدقون في الثلج المنهمر. في كل هذه الحالات، فإن بطلا الفيلم، الفتاة ذات الرابعة عشرة فولا (تانيا بالايولوغو) وشقيقها الصغير ألكسندروس (ميخاليس زيك) هما المقدّمة القريبة لذلك العالم البارد حسّـاً ولوناً. الشخصيتان اللتان سنتابعهما في محاولتهما التسلل عبر الحدود إلى ألمانيا، حيث يعتقدان أن والدهما يعيش هناك.
في مطلع الفيلم تسأل فولا شقيقها إذا ما كان خائفاً. في نهايته هو من يسألها والأحداث ما بين البداية والنهاية تجيز هذا السؤال. الرحلة ذاتها خطرة، لكن المخرج لا يبحث في أسباب الخطر بل يضعه في بنية فيلمه لأن بطليه يمثلان براءة باهرة معرضة للمخاطر وبالتالي لتجارب مخيفة على خلفية عالم لا يكترث.
فولا تقود أخاها الصغير إلى المحطة وتركب القطار المتوجه، في الساعة الحادية عشرة ليلاً، إلى ألمانيا. سيعاودان محاولة ركوب القطار ذاته حتى من بعد أن نفت خالتهما (التي لا تريد العناية بهما) أن يكون لديهما أب في أي مكان. تقول ذلك وتغيب ويهطل الثلج ويخرج رجال ونساء الشرطة للخارج لمراقبة الثلج المنهمر. تتسلل فولا وشقيقها هاربين ليعاودا محاولة الوصول إلى الحدود الشمالية، حيث يكمن وهمهما الكبير.
هناك شاب يحاول مساعدتهما والحكاية تتشعب هنا قليلاً فالشاب مؤمن بالفن والفرقة المسرحية التي يقودها من بلدة إلى أخرى شاكياً من أن أحداً لم يعد يرغب في مشاهدة تمثيل درامي مسرحي في بلد كان الفن الدرامي عماد تاريخه.
في إحدى المرات تضطر فولا وشقيقها إلى ركوب شاحنة، وبعد حين يغتصبها السائق. أنجيليبولوس لا يكترث لتصوير المشهد. يجبر السائق فولا على الصعود في الجزء الخلفي من الشاحنة وتقترب الكاميرا من الستارة المسدلة. لا نسمع شيئاً ولا نرى شيئاً، لكننا نحس الألم الكامل الذي تتعرض إليه الفتاة.
في أفلام أنجيليبولوس الثلاثة التي حققها في الثمانينات، حشد المخرج ثورات مكبوتة في داخل شخوصه وبالنظر إلى الكيفية التي عالج فيها هذه الثورات، فإنه من الصحيح القول: إنه بنفسه، وعلى الرغم من بطء سينماه وإمعانه في التأمل، كان ثائراً على حاضر لا يهتم بتاريخه ولا بثروته الإنسانية.
مثل تاركوفسكي وميزوغوتشي، يعمد المخرج للقطات الطويلة والبعيدة. يحافظ على بعد معين من الشخصيات التي تأتي وتروح أو التي تبقى. لا يريد اقتحام للذات البشرية أو التدخل فيما يقع. لكنه يضمن تأييد بطليه من دون أن يدلف بهما (وبتمثيلهما) إلى الدراما المؤلفة من تفعيل تلك المواقف والأحداث المترامية.
الصبي الذي لعب دور ألكسندروس لم يظهر في السينما بعد ذلك. تانيا بالايولوغو ظهرت في حفنة. ثيو أنجيليبولوس أنجز آخر أفلامه («غبار الزمن») سنة 2010 ثم غادر بعد سنتين.


مقالات ذات صلة

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

يوميات الشرق المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا.

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.