زعماء العالم يودعون مانديلا.. وتساؤلات عن مستقبل بلاده

أوباما يخطف الأضواء بخطاب مؤثر ومصافحة تاريخية لكاسترو

الرئيس الأميركي باراك أوباما يصافح رئيس كوبا راؤول كاسترو خلال حفل تأبين مانديلا (أ.ب)
الرئيس الأميركي باراك أوباما يصافح رئيس كوبا راؤول كاسترو خلال حفل تأبين مانديلا (أ.ب)
TT

زعماء العالم يودعون مانديلا.. وتساؤلات عن مستقبل بلاده

الرئيس الأميركي باراك أوباما يصافح رئيس كوبا راؤول كاسترو خلال حفل تأبين مانديلا (أ.ب)
الرئيس الأميركي باراك أوباما يصافح رئيس كوبا راؤول كاسترو خلال حفل تأبين مانديلا (أ.ب)

شارك عشرات من زعماء العالم، وعشرات الآلاف من مواطني جنوب أفريقيا، وأفراد عائلة الزعيم الأفريقي ورمز مكافحة سياسة التمييز العنصري، الراحل نيلسون مانديلا، في مراسم تأبينه باستاد لكرة القدم بمستوطنة سويتو أمس.
ووسط سقوط الأمطار، بدأ واحد من أكبر التجمعات لقادة العالم في التاريخ الحديث، متأخرا ساعة تقريبا عن الموعد المحدد، واستهل بأداء النشيد الوطني على أنغام الموسيقى العسكرية. ومن بين الحضور، الرئيس الأميركي باراك أوباما ونظيره الكوبي راؤول كاسترو. ووصل أوباما وزوجته ميشيل متأخرين، واستقبلا بهتافات صاخبة، بينما استقبل رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما بصيحات الاستهجان. وتقام مراسم التأبين باستاد البنك الوطني الأول (إف إن بي) قرب مدينة سويتو، حيث عاش مانديلا يوما ما. ولم ينل سقوط الأمطار من حماس الجماهير الذين وفدوا من أنحاء جنوب أفريقيا والعالم لتوديع مانديلا، حيث رددوا الأغاني المناهضة للفصل العنصري. وأشار الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال مراسم تأبين زعيم جنوب أفريقيا الأسبق نيلسون مانديلا، إلى أنه «من الصعب أن نجد الكلمات التي تصف مانديلا»، لافتا إلى أن «إرث مانديلا كان الحرية والديمقراطية».
ولفت إلى أنه «نظرا إلى ما قام به خلال حياته ونظرا إلى حجم إنجازاته، يجب أن نتذكر أنه مثال لنا»، وقال: «مانديلا حقق الحرية لأمة بكاملها دون سلاح وكان صوتا للضعفاء حول العالم». وأكد أننا «تعلمنا من مانديلا الكثير ونستطيع أن نتعلم منه المزيد»، مشددا على أنه «سيبقى رمزا للباحثين عن العدالة».
ودعا أوباما مواطني أفريقيا الوسطى إلى «نبذ دوامة العنف التي تمزق بلادهم وإلى توقيف مرتكبي الجرائم». بينما قال سيريل رامافوسا، نائب رئيس حزب «المؤتمر الوطني الأفريقي» الحاكم وأحد الأصدقاء المقربين لمانديلا: «في تقاليدنا الأفريقية، عندما تمطر السماء خلال دفن شخص، فهذا يعني أن الآلهة ترحب به وأن أبواب السماء مفتوحة أيضا». وأضاف أن أكثر من 100 دولة ممثلة في التجمع، مما يعكس الشعور العالمي بالخسارة التي تمثلها وفاة مانديلا. وقال رامافوسا إن «مانديلا أقنع السود والبيض ببدء رحلة للتصالح والصفح عن أخطاء الماضي، ودفن الكراهية، وتبني حقوق الإنسان واللاعنصرية وعدم التمييز على أساس الجنس، وبدء مهمة ورحلة طويلة شاقة لنصبح أمة متنوعة الثقافات ومتنوعة الأديان ومتنوعة الأعراق». كما استطرد قائلا: «بطرق كثيرة، نحن هنا اليوم لنقول لماديبا (اسم قبيلة مانديلا) إن مسيرته الطويلة انتهت، وإنه أخيرا يمكنه أن يرتاح». وظهر التأثير العالمي لمانديلا في هذا الحشد. وحضر المراسم ثلاثة رؤساء أميركيين سابقين: جورج دبليو بوش وبيل كلينتون وجيمي كارتر. كما حضر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، ونائب الرئيس الصيني لي يوانتشاو، والرئيس الكوبي راؤول كاسترو، والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. وجاءت صيحات الاستهجان التي قوبل بها زوما على النقيض من مشهد استقبال مانديلا في الاستاد نفسه عند الظهور العلني الأخير للزعيم الراحل خلال بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2010. واستقبل معظم قادة العالم بشكل حافل لدى وصولهم الاستاد أيضا، وبالمثل أفراد عائلة مانديلا، ولا سيما زوجته السابقة ويني ماديكيزيلا - مانديلا التي بقيت قريبة منه حتى لحظة وفاته، وأرملته جراسا ماشيل. ومع بداية المراسم، كان نصف مقاعد الاستاد الذي يسع 94 ألف متفرج، خالية ولكن استمر في التكدس بالمواطنين الذين وصلوا بالحافلات والقطارات وعلى الأقدام.
وتوفي مانديلا بمنزله في جوهانسبرغ، حيث كان يتلقى رعاية طبية مكثفة نظرا لمعاناته عدة أمراض منذ فترة طويلة، بينها عدوى في الرئة. وترك مانديلا، الذي كان أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا، كما نال جائزة نوبل للسلام، عائلة تضم: أرملته وزوجته السابقة وثلاث بنات و18 حفيدا و12 من أبناء الأحفاد. وسوف يسجى جثمان مانديلا لإلقاء النظرة الأخيرة عليه بدءا من اليوم وحتى الجمعة، ثم ينقل جوا إلى إيسترن كيب الريفية حيث يوارى الثرى يوم الأحد المقبل في جنازة رسمية، بقرية أجداده «كونو». ومن المتوقع أن يشارك 5 آلاف شخص، على الأقل، في مراسم الجنازة والدفن. وقضى مانديلا 27 عاما خلف القضبان قبل إطلاق سراحه عام 1990، حيث سعى للمصالحة بين أفراد الأمة ودعا إلى العفو والتسامح. وانتخب عام 1994 رئيسا للبلاد في أول انتخابات تشارك فيها جميع الأعراق، وتخلى مانديلا عن المنصب بعد فترة ولاية واحدة.

لقطات *

مصافحة تاريخية بين أوباما وراوول كاسترو

سويتو (جنوب أفريقيا) - «الشرق الأوسط»: صافح الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس راوول كاسترو رئيس كوبا العدو اللدود للولايات المتحدة في فترة الحرب الباردة خلال حفل تأبين نيلسون مانديلا في سويتو. ومد أوباما يده للمصافحة قبل التوجه إلى المنصة لإلقاء كلمته في الحفل، وذلك في مؤشر جديد على استعداده للتواصل مع أعداء الولايات المتحدة، بحسب ما ذكره مسؤول أميركي لوكالة الصحافة الفرنسية. وشاهد ملايين الأشخاص الذين كانوا يتابعون المراسم في بث حي في أنحاء العالم، المصافحة بين الرئيسين. وتأتي هذه الخطوة ضمن مساعي أوباما تنفيذ وعده بالتواصل حتى مع أشد خصوم الولايات المتحدة. وفي سبتمبر (أيلول) الماضي اتصل الرئيس الأميركي هاتفيا بالرئيس الإيراني حسن روحاني، في أول بادرة من هذا النوع منذ الثورة الإسلامية في 1979. ويرتبط العدوان في فترة الحرب الباردة، كوبا والولايات المتحدة، بعلاقات محدودة منذ نصف قرن معظمها كان خلال حكم شقيق راوول كاسترو، فيدل الذي حكم بقبضة الحديدية. وتبقي واشنطن على حظر تجاري على كوبا فرضته قبل نصف قرن فيما يمثل مصير الدولة الشيوعية مسألة مزعجة في السياسة الداخلية الأميركية.

معتقلون وحراس سابقون يؤبنون مانديلا

الكاب (جنوب أفريقيا) - «الشرق الأوسط»: أحيا حراس ورفاق سابقون لنيلسون مانديلا في الأسر صباح أمس ذكرى المناضل ضد الفصل العنصري في سجن روبن آيلاند الذي قضى فيه 18 سنة من سنوات الاعتقال الـ27 التي حكم بها عليه نظام الفصل العنصري. وأشعلت شمعة واحدة أمام صور الرجل العظيم في قاعة ممر نيلسون مانديلا في المتحف والنقطة التي تنطلق منها حافلات النقل إلى الجزيرة السجن في حي ووترفرونت السياحي في الكاب. وقال الحارس السابق كريستو براند الذي أصبح صديق السجين الشهير إذ إنه تعايش معه كل تلك السنوات، أمام 20 شخصا، إن مانديلا لم يتغير من السجن إلى الرئاسة.
ورغم حزنه على وفاته، أعرب الحارس السابق عن ارتياحه «لأنني أعلم أنه توفي هانئا بسلام ناضل من أجله». وقال لايونل ديفيس السجين السابق في روبن آيلاند «بوفاته تصالحنا مجددا نحن الجنوب أفريقيين، إننا من جديد شعب من شعوب العالم، ويجب الآن أن يجعل من ميراثه واقعا». وأضاف «من واجبنا كجنوب أفريقيين أن نحيي تراثه، الآن يجب علينا كسر الحواجز التي ما زالت تفرق بيننا».
وفي خارج القاعة كتب مجهولون تعازيهم على دفاتر وضعت خصيصا لهذا الغرض ووضعوا زهورا والتقطوا صورا أمام تمثال أيقونة المصالحة.
وقال لارس دال السائح النرويجي (62 سنة) الذي حضر هذا الحفل الصغير مع أبنائه «لقد أثر فينا جميعا. كان يرد على الحقد بالحب». وأضاف «بما أننا نزور الكاب اعتبرنا أنه من المهم تكريمه وإحياء ذكراه وأن نقول له شكرا».
وعدت لورين ستينكامب القادمة من فيندا (معزل سابق في أقصى شمال البلاد) من زيارة روبن آيلاند هي «أكبر هدية» ممكنة قبل أن يواري نيلسون مانديلا التراب.
وأضافت «لو لم يناضل مانديلا من أجل حريتنا لما كنت تزوجت زوجي وأنجبت منه هذين الابنين الجميلين» في إشارة إلى قوانين نظام الفصل العنصري التي كانت تحرم العلاقات بين البيض والسود. وهي سوداء البشرة بينما زوجها من الأفريكان المجموعة المتحدرة من المستوطنين الأوروبيين السابقين التي تتكلم بلغة مقتبسة من الهولندية وهي التي أقامت نظام الفصل العنصري.

دقيقة حداد بكأس العالم للأندية

أغادير (المغرب) - «الشرق الأوسط»: قرر الاتحاد الأفريقي لكرة القدم بالاتفاق مع الاتحاد المغربي للعبة وأسرة كرة القدم الدولية الوقوف دقيقة حداد على روح زعيم جنوب أفريقيا الراحل نيلسون مانديلا قبل انطلاق كافة مباريات كأس العالم للأندية التي تستضيفها المغرب اعتبارا من غد (الأربعاء).
ويأتي هذا القرار إحياء لذكرى إحدى أبرز الشخصيات في العالم وأكثرهم قربا من القلوب، نيلسون مانديلا، الذي وافته المنية في السادس من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، كما جاء القرار ليمثل فرصة لجماهير المستديرة الساحرة لكي يقفوا موحدين تخليدا لذكرى الراحل الكبير ويبعثوا مجددا رسالة الأمل والحب إلى أرجاء العالم.

رئيس الشرطة بساوث كارولاينا يرفض تنكيس العلم من أجل مانديلا

تشارلستون (ساوث كارولاينا) - «الشرق الأوسط»: رفرف العلم الأميركي عاليا خارج مكتب رئيس للشرطة في ولاية ساوث كارولاينا الأميركية أول من أمس في تحد لأمر من الرئيس باراك أوباما بتنكيس كل الأعلام تبجيلا للزعيم الجنوب أفريقي الراحل نيلسون مانديلا. وقال ريك كلارك رئيس شرطة مقاطعة بيكنز إنه «يعتقد أن تنكيس العلم يجب أن يكون لمواطني الولايات المتحدة وحدهم». وقال كلارك لمحطة تلفزيونية محلية: «لإظهار علامة الاحترام لما فعله نيلسون مانديلا ليس لدي أي اعتراض على تنكيس العلم في جنوب أفريقيا في بلدهم».
وأضاف: «لكن في بلادنا من وجهة نظري لا بد أن يكون للأشخاص الذين ضحوا من أجل بلادهم».
ويوم الجمعة جرى تنكيس علم رئيس الشرطة تكريما لضابط قتل في ساوث كارولاينا أثناء أداء الواجب. ورفع العلم مرة أخرى أول من أمس لكن مكتب رئيس الشرطة قال، إن «كلارك لا تعليق لديه بخلاف ما قاله للمحطة التلفزيونية المحلية». وكان أوباما قد أمر بتنكيس الأعلام حتى غروب شمس أول من أمس. تقع ولاية ساوث كارولاينا في قلب عمق الجنوب القديم ولديها تاريخ مضطرب عندما يتعلق الأمر بالعلاقات العرقية والحقوق المدنية.

صيحات استهجان ضد زوما

سويتو (جنوب أفريقيا) - «الشرق الأوسط»: قوبل رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما بصيحات استهجان مع بداية مرسم تأبين نيلسون مانديلا أمس في سويتو بينما هتف الحاضرون في الملعب ترحيبا بالرئيس الأميركي باراك أوباما عندما ظهر وجهه على الشاشات العملاقة. لكن حشود إستاد سوكر سيتي صفقوا ترحيبا بالرئيس السابق ثابو مبيكي، الذي دفعه زوما إلى التنحي عن الحكم في 2008 - ونائب الرئيس غاليما موتلانتي الذي ترشح ضد زوما لقيادة المؤتمر الوطني الأفريقي. وفي لقطات بثها تلفزيون جنوب أفريقيا، صدرت صيحات استهجان عن مجموعات من أنصار «مناضلون من أجل الحرية الاقتصادية» (إيكونوميك فريدوم فايترز)، حزب الرئيس السابق لشباب المؤتمر الوطني الأفريقي جوليوس ماليما المناهض جدا لزوما، الذي يعبئ خصوصا الشباب العاطل عن العمل والذي غالبا ما تكون جماهيره غير منضبطة. وقوبل الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي وصل متأخرا إلى الملعب بتصفيقات ما بين 40 و50 شخصا.

الرئيس المصري يوفد «فائق» رئيس المجلس القومي لحقوق الإنس

القاهرة - «الشرق الأوسط»: كلف الرئيس المصري المستشار عدلي منصور، محمد فائق رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان بتمثيل مصر في مراسم تشييع جنازة زعيم جنوب أفريقيا الراحل نيلسون مانديلا. ويعد فائق، الذي شغل منصب وزير الإرشاد القومي ثم وزير الإعلام خلال الفترتين 67 - 1970 و70 - 1971 على التوالي، أحد أهم المسؤولين المصريين القائمين علي التواصل مع حركات التحرر الأفريقية منذ عام 1953 وحتى عام 1970، حيث عكف فائق خلال توليه الملف الأفريقي علي تقديم الدعم والمساندة لقادة حركات المقاومة والاستقلال في مختلف ربوع القارة السمراء وتابع عن كثب وصول الدعم الذي وفرته الحكومة المصرية لتلك الحركات التحررية. وكانت مراسم تأبين مانديلا بدأت في وقت سابق اليوم في إستاد مفتوح بمدينة جوهانسبورغ بحضور عشرات من زعماء العالم وأفراد عائلته وعشرات الآلاف من مواطني جنوب أفريقيا.

تهافت على فيلم «مانديلا رحلتي الطويلة إلى الحرية»

جوهانسبورغ - «الشرق الأوسط»: تهافت مواطنو جنوب أفريقيا على دور السينما لمشاهدة فيلم «مانديلا رحلتي الطويلة إلى الحرية» منذ وفاة بطل مقاومة التمييز العنصري الأسبوع الماضي عن 95 عاما مقتنصين فرصة أخيرة لتأمل حياته.
وبدأ عرض الفيلم الذي يصور حياة مانديلا ومدته 150 دقيقة، ويقوم بدور البطولة فيه الممثل البريطاني إدريس البا قبل أيام معدودة من وفاة أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا الفائز بجازة نوبل للسلام في منزله في جوهانسبورغ يوم الخميس الماضي. وأوقفت دور السينما في جنوب أفريقيا عرض الفيلم في اليوم التالي لوفاة مانديلا لكنها منذ ذلك الحين تقدم عروضا إضافية لتلبية الإقبال الشديد على مشاهدة الفيلم مع استعداد البلاد لاستقبال نحو 90 رئيس دولة وحكومة لحضور مراسم تأبين رسمية تقام لمانديلا أمس في إستاد سوكر سيتي بجوهانسبورغ لتخليد ذكرى واحد من أعظم صانعي السلام في التاريخ الحديث. وقال تشيرش شيكوامبانا 28 عاما، الذي شاهد الفيلم في العاصمة بريتوريا: «من حقه علي بعد وفاته أن أذهب وأعرف المزيد عن حياته». وافتتح الفيلم الذي يقوم على السيرة الذاتية التي كتبها مانديلا عام 1994 في لندن يوم الخميس الماضي في عرض حضرته ابنتان من أبناء مانديلا والأمير ويليام حفيد الملكة إليزابيث وزوجته دوقة كمبردج.



إردوغان يعرض وساطة لحل الخلاف بين السودان والإمارات

من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
TT

إردوغان يعرض وساطة لحل الخلاف بين السودان والإمارات

من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)

عرض الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وساطة بلاده لحل الخلاف بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة على غرار ما قامت به لتسوية الأزمة بين الصومال وإثيوبيا حول اتفاق الأخيرة مع إقليم أرض الصومال على استخدام ساحلها على البحر الأحمر.

وقال إردوغان، في اتصال هاتفي، الجمعة، مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، إن «بإمكان تركيا التوسط لحل الخلاف بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة». وبحسب بيان للرئاسة التركية، تناول إردوغان مع البرهان، خلال الاتصال الهاتفي، العلاقات بين تركيا والسودان، وقضايا إقليمية وعالمية، وأكد أن تحقيق السلام والاستقرار في السودان والحفاظ على وحدة أراضيه وسيادته ومنع تحوله إلى ساحة للتدخلات الخارجية، من المبادئ الأساسية لتركيا.

ولفت إردوغان، بحسب البيان، إلى أن تركيا توسطت لحل الخلاف بين الصومال وإثيوبيا، وأن الاتفاق بين البلدين سيساهم في السلام بالمنطقة.

اتهامات متبادلة

ودأب قادة الجيش السوداني على اتهام دولة الإمارات العربية المتحدة، بدعم قوات «الدعم السريع» وتزويدها بالأسلحة والمعدات. وتقدم مندوب السودان في الأمم المتحدة الحارث إدريس الحارث، بشكوى رسمية ضدها، واتهمها بالتخطيط لإشعال الحرب ودعم «قوات الدعم السريع» بمساعدة من تشاد، طالباً إدانتها، بيد أن أبوظبي فندت تلك الاتهامات ووصفتها بأنها "ادعاءات لا أساس لها من الصحة، وتفتقر للأدلة الموثوقة.

وفي المقابل وجهت دولة الإمارات رسالة إلى مجلس الأمن في 21 أبريل (نيسان)، شددت خلالها على أن نشر المعلومات المضللة والروايات الزائفة، يرمي إلى التهرب من المسؤولية، وتقويض الجهود الدولية الرامية إلى معالجة الأزمة الإنسانية في السودان بعد عام من الصراع بين الجيش و«قوات الدعم السريع». وأكدت أنها «ستظل ملتزمة بدعم الحل السلمي للصراع في السودان، ودعم أي عملية تهدف إلى وضع السودان على المسار السياسي للتوصل إلى تسوية دائمة، وتحقيق توافق وطني لتشكيل حكومة بقيادة مدنية».

الشيخ محمد بن زايد وعبد الفتاح البرهان في أبو ظبي 14 فبراير (أ.ف.ب)

وفي يوليو (تموز) الماضي، بحث رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في اتصال هاتفي، مع رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، «سبل دعم السودان للخروج من الأزمة التي يمر بها»، وأكد حرص دولة الإمارات على دعم جميع الحلول والمبادرات الرامية إلى وقف التصعيد وإنهاء الأزمة في السودان.

تعهدات تركية للبرهان

ووفقاً لنشرة صحافية صادرة عن مجلس السيادة السوداني، فإن الرئيس إردوغان تعهد للبرهان باستمرار تدفق المساعدات الإنسانية التركية للسودان، وباستئناف عمل الخطوط الجوية التركية قريباً، وباستعداد بلاده لتعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتعاون في الزراعة والتعدين.

وذكر السيادي أن البرهان أشاد بمواقف تركيا «الداعمة للسودان»، وجهودها من أجل السلام والاستقرار في المنطقة والإقليم، ودورها في معالجة الكثير من القضايا الإقليمية والدولية، ودورها في الملف السوري، مبدياً ترحيبه بأي دور تركي لوقف الحرب «التي تسببت فيها ميليشيا الدعم السريع المتمردة». ودعا البرهان لتعزيز الاستثمارات التركية في مختلف المجالات، مؤكداً ثقته في مواقف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحكومته الداعمة للشعب السوداني وخياراته.

ويرى مراقبون أن الاتصال الهاتفي بين إردوغان والبرهان في هذا التوقيت يأتي في ظل متغيرات وترتيبات جديدة في المنطقة تشمل السودان، بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا.

ومنذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، يخوض الجيش السوداني البرهان، و«قوات الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حرباً خلفت أكثر من 20 ألف قتيل، وما يزيد على 14 مليون نازح ولاجئ، وفق تقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية.

حضور تركي في القرن الأفريقي

وقطعت تركيا، الأربعاء الماضي، خطوة كبيرة على طريق حل النزاع بين الصومال وإثيوبيا، بعد جولات من المباحثات بين الطرفين في إطار ما عرف بـ«عملية أنقرة»، يراها مراقبون ترسيخاً للحضور التركي القوي في منطقة القرن الأفريقي.

إردوغان يتوسط الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي خلال مؤتمر صحافي في أنقرة مساء الأربعاء الماضي (الرئاسة التركية)

وأعلن الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، ورئيس الوزراء الصومالي، آبي أحمد، في مؤتمر صحافي مع إردوغان مساء الأربعاء، أعقب 8 ساعات من المفاوضات الماراثونية سبقتها جولتان من المفاوضات في أنقرة في الأشهر الماضية، أنهما قررا بدء المفاوضات الفنية بحسن نية بحلول نهاية فبراير (شباط) 2025 على أبعد تقدير، والتوصل إلى نتيجة منها والتوقيع على اتفاق في غضون 4 أشهر، بحسب ما ورد في «إعلان أنقرة». وقبل الطرفان العمل معاً على حل نزاع حول خطة أديس أبابا لبناء ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية، التي تسببت في زيادة زعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي.

وقال إردوغان إن البلدين الجارين توصلا، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة، إلى اتفاق «تاريخي» ينهي التوترات بينهما.

وبحسب نص إعلان أنقرة، الذي نشرته تركيا، اتفق البلدان على «التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك، والعمل باتجاه إقرار إبرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولاً إلى البحر «موثوقاً به وآمناً ومستداماً تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفيدرالية».

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر، قائلاً: «أعتقد أنه من خلال الاجتماع الذي عقدناه سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر لإثيوبيا».

إردوغان مع الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي عقب توقيع إعلان أنقرة (الرئاسة التركية)

وتدخلت تركيا في النزاع بطلب من إثيوبيا، التي وقعت في الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي اتفاقية مع منطقة «أرض الصومال»، التي أعلنت انفصالها عن الصومال عام 1991، لكن لم تحظ باعتراف المجتمع الدولي، وتشمل النقل البحري واستخدام ميناء بربرة على البحر الأحمر، واستغلال 20 كيلومتراً من ساحل أرض الصومال لمدة 50 عاماً مقابل الاعتراف باستقلالها عن الصومال، مع منحها حصة من شركة الخطوط الجوية الإثيوبية.

ترحيب دولي

ورحب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال لقائه إردوغان في أنقرة، ليل الخميس – الجمعة، بنجاح تركيا في التوصل إلى اتفاق بين الصومال وإثيوبيا. كما رحب الاتحاد الأوروبي بالاتفاق، وأشاد بدور الوساطة الذي لعبته تركيا بهذا الخصوص.

وترتبط تركيا بعلاقات قوية بإثيوبيا، كما أصبحت حليفاً وثيقاً للحكومة الصومالية في السنوات القليلة الماضية. وافتتحت عام 2017 أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج في مقديشو، وتقدم تدريباً للجيش والشرطة الصوماليين.

وبدأت في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أنشطة المسح الزلزالي للنفط والغاز الطبيعي في 3 مناطق مرخصة في الصومال تمثل كل منها مساحة 5 آلاف كيلومتر مربع، بموجب مذكرة تفاهم وقعت بين البلدين في مارس (آذار) الماضي، لتطوير التعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي.

وجاء توقيع المذكرة بعد شهر واحد من توقيع اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي، تقدم تركيا بمقتضاها دعماً أمنياً بحرياً للصومال، لمساعدته في الدفاع عن مياهه الإقليمية لمدة 10 سنوات.