صراع المحاور والمعسكرات يعرقل تشكيل حكومة الصدر «الأبوية»

«الفضاء الوطني» يفرض إشراك العرب السنة والأكراد

مقتدى الصدر لدى لقائه هادي العامري الليلة قبل الماضية (أ.ب)
مقتدى الصدر لدى لقائه هادي العامري الليلة قبل الماضية (أ.ب)
TT

صراع المحاور والمعسكرات يعرقل تشكيل حكومة الصدر «الأبوية»

مقتدى الصدر لدى لقائه هادي العامري الليلة قبل الماضية (أ.ب)
مقتدى الصدر لدى لقائه هادي العامري الليلة قبل الماضية (أ.ب)

باستثناء اللقاء الذي جمعه أول أيام رمضان مع زعيم تيار الحكمة الوطني عمار الحكيم لم تعد الحنّانة، مقر زعيم التيار الصدري الدائم مقتدى الصدر في النجف، مكانا يتسع لجميع الشركاء والفرقاء والخصوم لنسج التحالفات المؤدية في النهاية إلى تكوين الكتلة الأكبر القادرة على تشكيل الحكومة العراقية المقبلة. وبعد يومين من ذلك اللقاء الذي لم يسفر عن إعلان «تحالف رمضان» طبقا لما سوقته بعض وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي ليلتها وعقب عراقيل بروتوكولية حالت دون لقائه رئيس الوزراء وزعيم ائتلاف «النصر» حيدر العبادي حط الصدر في بغداد.
ومن مقره الجديد بدأ الزوار الكبار يتوافدون على الصدر وعلى رأسهم العبادي وهادي العامري زعيم تحالف «الفتح»، الذي جاء ثانيا في الانتخابات الأخيرة، وآخرون. من جانبه، شكل الصدر وفدا تفاوضيا برئاسة القيادي البارز في الهيئة السياسية للتيار الصدري ووزير العمل السابق نصار الربيعي لكي يبدأ مفاوضات مع جميع الفرقاء بهدف تكوين الكتلة الأكبر التي تؤدي في النهاية إلى تشكيل ما بات يسميه الصدر أثناء لقاءاته مع الفرقاء بـ«الحكومة الأبوية». لكن ومع عدم وجود تفسير واضح لمفهوم الحكومة الأبوية سوى شمولها الجميع دون استثناء وهو ما يخالف ما كان قد طرحه الصدر أثناء انتفاضة الإصلاح عامي 2015 و2016 وهو شعاره المعروف «شلع قلع» فإنه وجد نفسه مرغما جزءا من محور لا بد أن يكون قريبا من معسكر إقليمي - دولي وبعيد عن معسكر آخر.
وبات صراع المحاور والمعسكرات هو الذي يهيمن على الحراك السياسي الحالي في وقت بدأت تتراجع مفاهيم كانت قد سادت قبيل إعلان نتائج الانتخابات وفي المقدمة منها البرامج والمشاريع لا الشخوص أو المسميات. المحاور التي تتحرك الآن للوصول إلى الكتلة الأكبر لا تكاد تخرج عن ثقل الكتل الشيعية الخمس «سائرون» بزعامة الصدر (54 مقعدا) و«الفتح» بزعامة العامري (47 مقعدا) و«النصر» بزعامة العبادي (42 مقعدا) و«دولة القانون» بزعامة نوري المالكي (25 مقعدا) و«الحكمة» بزعامة الحكيم (22 مقعدا).
ورغم أن عدد مقاعد الكتل الشيعية الخمس في البرلمان العراقي تؤهلها وحدها لأن تكون الكتلة الأكثر عددا التي تحتاج إلى 165 مقعدا، إلا أن شمول ما بات يسمى «الفضاء الوطني»، المقصود به العرب السنة والأكراد، هو الإشكالية التي سيطرت على العملية السياسية منذ عام 2003 وبقيت تصطدم بين الاستحقاق الانتخابي وفقا لعدد السكان وبين مفهوم المواطنة الذي بدأ يتراجع لصالح المحاصصة الطائفية والعرقية. لكنه وطبقا للفشل الذي ترتب على المحاصصة فقد بدأت القوى السياسية تطرح مشاريع بديلة مثل الأغلبية السياسية أو الأغلبية الوطنية أو الشراكة الوطنية وأخيرا الحكومة الأبوية الذي ينفرد الصدر اليوم في محاولة لتسويقه في الفضاءين الوطني والشيعي.
وفي سياق صراع المحاور فإن الأقرب للتحالف بين الكتل الشيعية هم «سائرون» و«النصر» وفي حال انضمت إليهما كتلة «الحكمة» فإن الكتلة الجديدة ستحتاج إلى طرفين عربي سني وكردي لا يزال وضعهما غير محسوم لكن الأقرب إليها تحالف «القرار» بزعامة أسامة النجيفي في الوسط السني والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني في الوسط الكردي.
وفي مقابل هذه الكتلة هناك كتلة «الفتح» و«دولة القانون» التي تسعى إلى ضم «الحكمة» بوصفها بيضة القبان. وبرغم أن الصدر التقى العامري في بغداد الليلة قبل الماضية في محاولة للوصول إلى مشتركات بين الطرفين لكنه حتى في سياق البحث عن مشتركات داخل المحاور الشيعية فإنها تصطدم بصراع المعسكرات. فإذا كان العبادي هو المرشح الأوفر حظا لرئاسة الحكومة والمدعوم من الصدر والمقبول أميركيا وغير المغضوب عنه إيرانيا فإن العامري، مرشح «الفتح» لرئاسة الحكومة، وإن كان مدعوما إيرانيا فإنه لا يزال مرفوضا أميركيا مما يجعل عملية الالتقاء في منتصف الطريق أمرا في غاية الصعوبة.
وفي هذا السياق، يرى السياسي الشيعي المستقل عزت الشابندر في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «الأغلبية السياسية لا تزال هي الخيار الأفضل بالقياس إلى التجارب السابقة والتي كانت تقوم على المحاصصة والحكم التوافقي على مدى الدورات الماضية والتي لم تكن بعيدة عن الرضا الأميركي - الإيراني لكنها أثبتت فشلها». وبرغم عدم وضوح مصطلح الحكومة الأبوية الذي بات الصدر يروج له فإن الشابندر يرى أن «طروحات الصدر الوطنية التي تمقت الطائفية مثلما يعبّر عنها دائماً تتوافق بالضرورة مع مشروع الأغلبية السياسية بوصفه مشروعاً وطنياً، حيث إن هذا المشروع سيكون بمثابة اللبنة الأولى في البناء نحو تنمية العراق سياسيا واقتصاديا».
ومع كل ما يجري من لقاءات قائمة وأخرى محتملة بين مختلف الفرقاء السياسيين فإن السياسي العراقي الدكتور نديم الجابري يرى أن «من الصعب الحديث عن تغيير كبير في الوضع السياسي ما بعد الانتخابات لأن ما يجري اليوم من حوارات محكوم بنفس المسارات التي حكمت العملية السياسية منذ البداية بمن في ذلك إعادة إنتاج نفس المفاهيم والمصطلحات»، مبينا أن «الحديث عن المشاركة في الحكومة المقبلة لا يكاد يخرج عن كون الجميع لا بد أن يشارك حسب الأحجام وطبقا لعدد المقاعد التي يحصل عليها كل طرف بصرف النظر عن التسميات والمصطلحات». الراجح حتى الآن وطبقا لما يراه الجابري أن صراع المحاور بين «الكتل لا سيما الشيعية الكبيرة منها» يصطدم بصراع المعسكرات لا سيما المعسكرين الأميركي - الإيراني حيث إن «التأثير الإقليمي والدولي يمكن أن يعقد هذا المشهد لا سيما على صعيد المرشح لرئاسة الحكومة الأمر الذي قد يجبر الجميع على القبول بمرشح تسوية» وهي الفكرة نفسها التي يؤمن بها الشابندر لكنه يختلف عن رؤية الجابري بقوله إن «المطروح ليس مرشح تسوية بقدر ما هو رئيس وزراء بمواصفات معينة وقد يكون خارج ما هو متداول من أسماء بما في ذلك عدم منح حزب الدعوة ولاية جديدة» في إشارة إلى انعدام فرص العبادي بولاية ثانية علما أنه يحظى بدعم الصدر بالقياس إلى الآخرين في الوسط الشيعي برغم أن الصدر طرح قبل فترة مرشحا من تياره وهو علي دواي، محافظ ميسان.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».