«ثلاثاء أسود» ينتظر الفرنسيين اليوم

إضرابات واسعة تشمل قطاعات عدة... ونقابات سكك الحديد تريدها لثلاثة أشهر

الرئيس الفرنسي يحيّي أنصاره بعد مغادرته بيته في لوتوكيه أمس (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي يحيّي أنصاره بعد مغادرته بيته في لوتوكيه أمس (أ.ف.ب)
TT

«ثلاثاء أسود» ينتظر الفرنسيين اليوم

الرئيس الفرنسي يحيّي أنصاره بعد مغادرته بيته في لوتوكيه أمس (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي يحيّي أنصاره بعد مغادرته بيته في لوتوكيه أمس (أ.ف.ب)

بعد الأيام الهانئة التي انقضت على وصول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى قصر الإليزيه في السابع من مايو (أيار) الماضي، جاء زمن المطبات مع انطلاق حركة إضرابات قاسية ستنطلق صباح هذا اليوم لتدوم أسابيع طويلة، وتحديداً حتى نهاية شهر يونيو (حزيران) القادم، أي 3 أشهر بالتمام والكمال. ولعل أثقلها على المواطن الفرنسي تلك التي ستضرب قطاع النقل العام، خصوصاً السكك الحديد بكل أنواعها، إذ إن النقابات قررت «التجديد» في الحركة الاحتجاجية، بحيث سيجري الإضراب ليومين كل أسبوع حتى الوصول إلى العطلات الصيفية التي تبدأ في فرنسا مع حلول شهر يوليو (تموز). ويكمن التخوف الحكومي من أمرين؛ الأول يتمثل في الضغوط التي ستترتب على الإضرابات التي ستشلّ بالدرجة الأولى قطاع النقل والملايين من الموظفين والعمال، ولما لذلك من انعكاسات على الدورة الاقتصادية. والثاني في «انصهار» الحركات المطلبية المتفرقة، ما سيضع الحكومة في موقف صعب للغاية.
حتى الآن، تميزت الأشهر التي مرت على رئاسة ماكرون بهدوء ملحوظ، رغم كثرة الملفات الإصلاحية التي أطلقها الرئيس الشاب ولجوئه أكثر من مرة إلى المراسيم بدل المرور بالدورة التشريعية العادية عبر البرلمان بمجلسيه (الشيوخ والنواب). ولم تكن الرئاسة والحكومة بمنأى عن الانتقادات بسبب مشاريعها الإصلاحية، واتُّهم ماكرون بأنه «رئيس الأغنياء» لأنه ألغى الضريبة على الثروة، وأثقل كاهل الطبقة الوسطى بالضرائب، وأوغل في سياسته «الليبرالية»، وتراجُع القدرة الشرائية، وغياب النتائج الملموسة للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي أطلقها. وقبل أيام قليلة، تحرك المتقاعدون، لما اعتبروه مساً مباشراً بهم بسبب القانون الضريبي الجديد. لكن الرئيس ماكرون يعتبر أن الفرنسيين انتخبوه بناءً على برنامج إصلاحي واضح، وهو بالتالي مؤمن بأنه «منتدب» من أجل إصلاح فرنسا. ولذا، يريد الإسراع بذلك الأمر الذي شدد عليه أكثر من مرة.
بيد أن «المزاج» العام آخذ بالتغير، وليست الحركات الاحتجاجية إلا تعبير عن ذلك. وابتداءً من اليوم، وإلى جانب عمال السكك الحديد (أي سائقي القطارات من كل الأنواع: الدولية السريعة والداخلية والقطارات المناطقية وخصوصاً تلك التي تتولى نقل الموظفين والعمال والمواطنين من الضواحي إلى العاصمة، ما سيضر بخمسة ملايين شخص)، ستطال الاحتجاجات حركة النقل الجوي بسبب إضراب العاملين في الشركة الوطنية «إير فرانس»، والعاملين في قطاع الطاقة (الكهرباء والغاز)، وعمال جمع النفايات والطلاب وعدد آخر من القطاعات الاقتصادية. لكن يبقى قطاع النقل «رأس حربة» الحركة المطلبية، بسبب الإزعاج الذي تسببه الإضرابات فيه، وهو ما تعول عليه النقابات مجتمعة، رغم خلافاتها الآيديولوجية والسياسية، من أجل لي ذراع الحكومة.
وتبدو النقابات «واثقة» بقدرتها على إرغام الحكومة على إعادة النظر في مشاريعها الإصلاحية لقطاع النقل بالسكك الحديد، وهي تستلهم ما حققته في عام 1995 عندما تسببت في شل حركة البلاد وأجبرت الحكومة وقتها على التراجع. لكن الحكومة الحالية ترى أن إصلاح القطاع المذكور ليس من قبل «الترف»، بل هو أمر واجب بسبب التشريعات الأوروبية التي تفترض فتح القطاع أمام المنافسة بحيث تخسر الشركة الوطنية «احتكارها» له. فضلاً عن ذلك، تريد الحكومة أن تعيد النظر في وضع موظفي القطاع الذين يستفيدون من امتيازات عديدة، مثل الذهاب إلى التقاعد في سن مبكرة والحصول على تذاكر سفر مجانية لكل العائلة، وغيرها من المساعدات. وتعاني الشركة الوطنية من ارتفاع قيمة ديونها التي تصل إلى 60 مليار يورو. وتتخوف النقابات من أن تفضي العملية الإصلاحية إلى تخصيص قطاع النقل، ما سيقضي على ما تمتعت به حتى الآن.
ورغم المساعي التي بذلتها الحكومة لـ«توضيح» موقفها والتنازلات التي قدمتها وما قامت به إدارة الشركة الوطنية، فإن المواقف كانت متباعدة، ما أفضى إلى الوضع الحالي. وإذا سارت الإضرابات حتى النهاية، فإن فرنسا ستشهد 36 يوماً من الإضرابات خلال 3 أشهر فقط (أبريل «نيسان»، مايو ويونيو)، ما سيكون الإضراب الأطول الذي عرفته.
هكذا، تتحضر فرنسا منذ اليوم لـ«ثلاثاء أسود» سوف تتبعه أيام سوداء كثيرة ومن كل أيام الأسبوع. ونشرت الصحافة الفرنسية، أمس، روزنامة الإضرابات، بينما سعت إدارة الشركة الوطنية إلى توفير وسائل النقل البديلة مثل زيادة عدد الحافلات داخل المدن وبينها، وتشجيع الأفراد على قبول نقل مسافرين بسياراتهم. لكن الأمر الأكيد أن تدابير كهذه لن تكون كافية لا لدورة اقتصادية عادية، ولا لامتصاص نقمة مستخدمي النقل العام. ومن بين هؤلاء ما بين 4 و5 ملايين يستخدمون القطار للتنقل اليومي. وعلى سبيل المثال، فإن حركة القطارات بين فرنسا وإسبانيا وسويسرا وإيطاليا ستكون شبه معدومة.
في ظل هذا التوتر الاجتماعي، تراهن الحكومة من جهة على قدرتها على الصمود، ومن جهة ثانية على «نقمة» المواطنين وأصحاب المصالح للضغط على النقابات من أجل التراجع عن الإضراب، ما يعين وجود حالة «عض أصابع» بين الطرفين وسيكون الخاسر من سيصرخ أولاً. وإذا تراجعت الحكومة، فإن صورة ماكرون كرئيس إصلاحي لا يقبل أنصاف الحلول سوف تهتز، ما سيؤثر على مشاريعه الإصلاحية المستقبلية. وسبق له أن انتقد بقوة أسلافه في رئاسة الجمهورية بسبب فقدانهم «العزم والشجاعة» على قيادة عملية إصلاحية حقيقية وتقهقرهم عندما تبرز الصعوبات.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».