يستعد مقاتلون معارضون ومدنيون، اليوم (الجمعة)، للخروج في دفعة ثانية من مدينة حرستا، بالغوطة الشرقية قرب دمشق، التي تشكل مسرحاً لمعاناة السكان مع سقوط المزيد من الضحايا، واستمرار حركة النزوح منها.
وخلال حملة عسكرية مستمرة منذ أكثر من شهر، تمكنت قوات النظام من تضييق الخناق بشدة على الفصائل المعارضة، بعد تقسيم المنطقة إلى 3 جيوب منفصلة، ما دفع بها إلى مفاوضات عادة ما تنتهي بما يناسب دمشق.
وأفاد مراسلون لـ«الصحافة الفرنسية» و«المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأضرار ألحقها القصف ليلاً بقذائف حارقة على مناطق عدة في الغوطة الشرقية.
ودخلت الحافلات صباح اليوم إلى الأجزاء الواقعة تحت سيطرة حركة أحرار الشام في مدينة حرستا، في غرب الغوطة الشرقية، تحضيراً لإجلاء الدفعة الثانية من المقاتلين والمدنيين بموجب اتفاق بين الفصيل المعارض وروسيا.
وكما حصل في اليوم السابق، بدأت الحافلات بالتجمع تباعاً في منطقة تماس بين الطرفين عند أطراف المدينة، بانتظار اكتمال القافلة قبل أن تنطلق باتجاه إدلب، في شمال غربي البلاد.
وخرجت أمس دفعة أولى تقل 1580 شخصاً، بينهم 413 مقاتلاً من مدينة حرستا، ووصلت في وقت متأخر إلى محافظة إدلب، التي عادة ما تشكل وجهة الإجلاء في سوريا.
وقال أحد المدنيين بعد وصوله إلى مخيم في شمال إدلب: «كان وضعنا مأساوياً جداً، لا نستطيع العيش فوق الأرض.. حرقوا الأرض، ولا أكل ولا شرب، حتى الشعير لم نعد نجده».
ومن المتوقع أن يخرج بموجب الاتفاق 1500 مقاتل مع 6 آلاف من عائلاتهم على دفعات.
وتشن قوات النظام منذ 18 فبراير (شباط) هجوماً عنيفاً على الغوطة الشرقية، بدأ بقصف عنيف ترافق لاحقاً مع هجوم بري، تمكنت خلاله من السيطرة على أكثر من 80 في المائة من هذه المنطقة.
وتمكنت قوات النظام من تقطيع أوصال الغوطة الشرقية إلى 3 جيوب، هي: دوما شمالاً، تحت سيطرة فصيل جيش الإسلام؛ وبلدات جنوبية يسيطر عليها فصيل فيلق الرحمن؛ بالإضافة إلى حرستا التي تسيطر حركة أحرار الشام على الجزء الأكبر منها.
ويبدو أن فصيل فيلق الرحمن لحق بركاب حركة أحرار الشام، التي لم تجد بعد عزل حرستا خياراً سوى التفاوض، ثم الإجلاء.
وأعلن الفصيل المعارض أمس عن «اتفاق مبدئي لوقف إطلاق النار»، بدأ عند منتصف ليل الخميس – الجمعة، برعاية الأمم المتحدة، يتيح إجراء «جلسة مفاوضات نهائية» بين وفد محلي وروسيا.
وأشار المتحدث باسمه، وائل علوان، إلى أنه «لا يوجد حتى الآن تصور لما يمكن أن تؤول إليه المفاوضات، لكنها من المفترض أن تجد حلاً ومخرجاً من هذه المعاناة»، متحدثاً عن «وضع إنساني كارثي»، مع انتشار «القمل والجرب» في الأقبية.
وأورد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن مناطق في جنوب الغوطة تعرضت لقصف خلال الليل وصباح الخميس، مع استمرار المعارك فيها، قبل أن يعود الهدوء إليها مع خروج وفد منها للتفاوض مع الطرف الروسي.
وقبل وقف إطلاق النار، وثق «المرصد السوري لحقوق الإنسان» مقتل أكثر من 70 شخصاً في القصف على بلدات جنوب الغوطة.
وبين هؤلاء 37 مدنياً قتلوا في غارات روسية على بلدة عربين، وفق مدير المرصد، رامي عبد الرحمن، الذي أوضح أن «القصف الروسي بالغارات والقنابل الحارقة تسبب بمقتل هؤلاء المدنيين في الأقبية حرقاً أو اختناقاً»، مشيراً إلى أن فرق الإنقاذ لم تتمكن من انتشالهم سوى في وقت لاحق خلال الليل وفجر اليوم.
ووصفت منظمة الخوذ البيضاء، الدفاع المدني في مناطق المعارضة، ما حصل في عربين بـ«المجزرة المروعة»، ونشرت صورة على حسابها على موقع «تويتر» تظهر 3 مسعفين يرتدون أقنعة واقية، وينتشلون جثة متفحمة، إلى جانبها أخرى لُفت بقماش أبيض، فيما بدت ألسنة النار مشتعلة إلى جانب الجثث الملقاة على الأرض.
واستهدف القصف بالقنابل الحارقة مناطق عدة في الغوطة خلال الليل، تضمنت أيضاً مدينة دوما.
ووفق صور ومشاهد فيديو التقطها مراسل «الصحافة الفرنسية» في دوما، بدا القصف كأنه بمادة الفوسفور الأبيض، الذي يمنع القانون الدولي استخدامه إلا في حالات خلق ستار دخاني أو إرسال إشارات ووضع علامات، أو حتى كسلاح حارق ضد المقاتلين بعيداً عن المدنيين.
وينسحب الضغط العسكري والمفاوضات على دوما شمالاً.
وتجري حالياً مفاوضات بين روسيا ومسؤولين في مدينة دوما، وفق اللجنة المدنية المعنية بالمحادثات، التي لم يؤكد فصيل جيش الإسلام مشاركته فيها.
ووفق مدير المرصد، رامي عبد الرحمن، فقد تؤدي المفاوضات في دوما إلى اتفاق يقضي بتحويلها إلى منطقة «مصالحة»، بعودة مؤسسات النظام إليها، وبقاء مقاتلي «جيش الإسلام» من دون دخول قوات النظام.
وتتواصل منذ أيام عدة حركة نزوح جماعي من مدينة دوما عبر معبر الوافدين شمالاً، أحد المعابر الثلاثة التي حددتها قوات النظام للراغبين بالخروج من مناطق سيطرة المعارضة.
ودفع القصف والمعارك أكثر من 87 ألف مدني للنزوح منذ 15 مارس (آذار) باتجاه مناطق سيطرة النظام، وبقي أكثر من 30 ألفاً في منازلهم في بلدات جنوب الغوطة سيطر عليها النظام، وفق المرصد السوري.
ومع سقوط المزيد من الضحايا، ارتفعت حصيلة القتلى في الغوطة الشرقية إلى 1630 مدنياً، بينهم أكثر من 320 طفلاً.
وخلال سنوات النزاع، شهدت مناطق سورية عدة، بينها مدن وبلدات قرب دمشق، عمليات إجلاء لآلاف المقاتلين المعارضين والمدنيين بموجب اتفاقات مع النظام إثر حصار وهجوم عنيف، أبرزها الأحياء الشرقية في مدينة حلب بنهاية عام 2016.
مقاتلون وأسرهم يتحضرون لعملية إجلاء ثانية من الغوطة
مقاتلون وأسرهم يتحضرون لعملية إجلاء ثانية من الغوطة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة