استنفار لبناني على الحدود مع سوريا وسط مخاوف من تمدد «داعش»

تفاقم الوضعين الأمني والإنساني.. ومفوض الأمم المتحدة يختار لبنان لإحياء {يوم اللاجئ}

الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لدى استقباله الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان في قصر الإليزيه بباريس أمس (أ.ب)
الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لدى استقباله الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان في قصر الإليزيه بباريس أمس (أ.ب)
TT

استنفار لبناني على الحدود مع سوريا وسط مخاوف من تمدد «داعش»

الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لدى استقباله الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان في قصر الإليزيه بباريس أمس (أ.ب)
الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لدى استقباله الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان في قصر الإليزيه بباريس أمس (أ.ب)

عكست التصريحات السياسية اللبنانية، أمس، ارتفاع منسوب الحذر من احتمال تدهور الوضع الأمني في لبنان، على ضوء التطورات الأمنية في المنطقة، تزامنا مع إجراءات اتخذتها القوى الرسمية والجيش اللبناني على الحدود، بهدف تطويق أي تدهور أمني محتمل. وتصاعدت وتيرة الخوف، منذ مطلع الأسبوع الحالي، بعد تصاعد وتيرة العنف في العراق، واحتمال تمدد لهيبه إلى لبنان، عبر استيقاظ خلايا متشددة نائمة، بموازاة تجدد المعارك العسكرية في المنطقة السورية المحاذية لحدود لبنان الشرقية، إثر قيام القوات الحكومية السورية، مدعومة بمقاتلي «حزب الله» اللبناني، بعملية عسكرية في جرود القلمون بريف دمشق الشمالي المحاذي للحدود اللبنانية.
والحكومة اللبنانية حاولت من جهتها تطوق تلك المخاوف بمنح الأجهزة الرسمية غطاء سياسيا لحفظ الاستقرار، والحفاظ على الهدوء الأمني في مناطق توتر محتملة. وتعهد رئيس الحكومة تمام سلام بعدم السماح باللعب بأمن واستقرار بلاده.
وأكد سلام، في كلمة ألقاها في «منتدى الاقتصاد العربي» الذي انعقد في بيروت أمس «أننا لن نسمح بالتلاعب بأمن لبنان واستقراره، وسوف نعمل بكل ما أوتينا من قوة وإرادة، على تحصين بلدنا من آثار النيران المشتعلة في جوارنا القريب والبعيد، معتمدين على جيشنا وقواتنا الأمنية»، داعيا «جميع القوى السياسية إلى التخلي عن الحسابات الضيقة، وتغليب المصلحة العليا على ما عداها، وعدم التأخر في إنجاز هذا الواجب الوطني».
وأشار سلام إلى أن الأمن في لبنان «كان ملفا نازفا، تسبب بكثير من الخسائر البشرية والخراب الاقتصادي في مناطق لبنانية عزيزة، وأثار شكوكا حول الاستقرار في لبنان، ومناخا غير مشجع على الاستثمار والسياحة فيه»، لكنه أكد أن «القوى الشرعية اللبنانية، من جيش وقوى أمنية، تمكنت من إعادة الأمن والأمان إلى مدينة طرابلس، التي كانت بؤرة توتر دائم، وإلى مناطق البقاع الشمالي المحاذية للحدود مع سوريا، التي كانت مسرحا لممارسات مخالفة للقانون».
غير أن الهدوء الذي عمّ هذه المنطقة، خلال الشهرين الماضيين، قياسا بما شهدته منذ ربيع عام 2013 حتى استعادة القوات الحكومية السورية، مدعومة بمقاتلي «حزب الله» اللبناني، سيطرتها على المناطق السورية الحدودية مع لبنان في أبريل (نيسان) الماضي، بدأ يهتز، منذ مطلع الأسبوع الحالي، بالتزامن مع تلقي الجيش اللبناني معلومات عن تهديدات محتملة.
وعلى الأثر، كثفت وحدات الجيش من تحركها، وعززت انتشارها، ونفذت عملية أمنية في المنطقة اللبنانية الحدودية مع سوريا، أعلنت عنها أول من أمس.
وأكد مصدر عسكري لـ«الشرق الأوسط» أمس، أن العملية التي ينفذها الجيش اللبناني على الحدود الشرقية مع سوريا «مستمرة، استكمالا لدور الجيش في الحفاظ على الاستقرار»، مؤكدا أن «الجيش يتعاطى مع التهديدات القائمة بما يلزم، وبشكل متواصل، كون الموضوع الأمني لا يتجزأ».
وأوضح المصدر أن التهديدات الأمنية في لبنان التي يتعامل معها الجيش بجدية «غير مرتبطة بالتطورات الإقليمية، إذ إن التفجيرات التي هزت لبنان كانت موجودة منذ أكثر من عام، أي قبل تدهور الوضع الأمني في العراق الآن، وينفذها إرهابيون معروفون»، لافتا إلى أن «وجودنا في منطقة غير مستقرة، يجعل من الطبيعي أن يكون هناك تهديدات».
وكانت مناطق لبنانية تعرضت لعمليات انتحارية، واستهدفت بسيارات مفخخة، تبنتها مجموعات متشددة، أهمها تنظيم «كتائب عبد الله عزام» المرتبطة بتنظيم القاعدة. وقد استهدفت بعض هذه العمليات نقاطا للجيش اللبناني، بعد تطويق المجموعة وتوقيف قياديين فيها منذ أواخر العام الماضي، أبرزهم أميرها ماجد الماجد الذي توفي أثناء اعتقاله نظرا لتدهور وضعه الصحي وإصابته بفشل كلوي. كما أوقف الجيش قياديين آخرين بالتنظيم، وقتل بعض عناصرهم أثناء ملاحقتهم في مناطق بشرق لبنان. وغالبا ما يتحرك الجيش اللبناني بناء على معلومات، لا على أساس تقديرات أو تحليلات، كتلك التي سربت منذ مطلع الأسبوع الحالي في وسائل الإعلام المحلية عن وجود خلايا نائمة لتنظيم داعش، يمكن أن تتحرك على ضوء نشاطها في العراق والمنطقة المتصلة به شرق سوريا.
وتشير الوقائع الميدانية في الضاحية الجنوبية لبيروت، وفي المنطقة الحدودية شرق لبنان، إلى أن معلومات تلقتها الأجهزة الرسمية اللبنانية، دفعتها لاتخاذ تدابير، كان أهمها إقفال بعض المسارب إلى الضاحية، وتشديد الإجراءات الأمنية على الداخلين إليها، إلى جانب تنفيذ الجيش اللبناني عملية تفتيش واسعة في جرود منطقة عرسال الحدودية مع سوريا في شرق لبنان، ومخيمات اللاجئين السوريين، بحثا عن المسلحين والمطلوبين. وهي المهمة التي قال الجيش اللبناني إنها تأتي في إطار «الإجراءات الأمنية المتواصلة التي يقوم بها الجيش، لضبط المناطق الحدودية الشرقية والحفاظ على استقرارها».
وتتقاطع التدابير الأمنية، مع مؤشرات سياسية مقلقة، عبر عنها أيضا رئيس مؤسسة الإنتربول الوزير السابق إلياس المر بقوله من بيروت أمس، إن «الحكومة والجيش والقوى الأمنية يقومون بعمل جبار في هذه الفترة، ولكن نرى ما يحصل في الدول التي هي أكبر منا وجيشها أكبر منا وعسكرها وأجهزتها الأمنية أكبر من الأجهزة اللبنانية».
وأكد المر أن هناك «خوفا وأكثر من خوف»، مشيرا إلى «معلومات لا تطمئن». وأوضح أن «الوضع دقيق جدا»، داعيا إلى المزيد من «الانتباه»، قائلا: «إذا لم نأخذ الوضع على محمل الجد، فإننا نعرض البلد للمزيد من الانكشاف الأمني». ولطالما حاول لبنان الرسمي تطويق اللهيب السوري، خصوصا حين كانت المناطق السورية الحدودية مع لبنان تشهد اشتباكات بين جيش النظام السوري ومعارضيه. وتكرر الحال مطلع هذا الأسبوع، مع تجدد الاشتباكات في القلمون المتاخمة لحدود لبنان الشرقية، حيث اندلعت اشتباكات في سلسلة الجبال الشرقية على محاور محيط بلدة الطفيل اللبنانية وسهل رنكوس السوري المقابل للطفيل، ومناطق أخرى في جرود القلمون.
وقال ناشطون سوريون إن الاشتباكات وقعت على ضوء إطلاق القوات الحكومية السورية، مدعومة بمقاتلي «حزب الله» اللبناني، حملة عسكرية في جرود القلمون لملاحقة مقاتلي المعارضة بعد تنظيمهم على شكل مجموعات، تقاتل بأسلوب الكر والفر. وبدأت ملامح العملية، كما قال ناشطون، بعد مهاجمة نقطة لـ«حزب الله» في القلمون، أسفرت عن مقتل تسعة أشخاص.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».