أربع فتيات من صعيد مصر قررن مواجهة التقاليد الموروثة للمجتمع، التي تضع قوالب تقليدية قديمة للمهن والمهام، وألقين حجراً كبيراً في مياه الثقافة المجتمعية «الراكدة»، وبدأن في إنتاج برنامج مصور، بعنوان «رحلات 4 بنات في وصف البلاد والعباد»، الذي يقدم مادة مصورة تسرد جانباً من تاريخ قرى الصعيد، وأهم الشخصيات التي ولدت وعاشت فيها، من خلال رحلات يقمن بها بمفردهن، وهو ما وضعهن في مواجهة عاصفة من الانتقادات، ولكن سرعان ما تحولت صدمة المجتمع «المحافظ»، ودهشة المتابعين، إلى تفاعل كبير من الأهالي.
مريم الرميحي وسارة جاد وهيام بيومي وشيماء هريدي، فتيات في العشرينات ولدن ويعشن في قرى محافظة قنا (جنوب القاهرة، بمسافة 600 كيلومتر)، لم يكتفين بامتهان الصحافة، مهنة البحث عن المتاعب، بل قررن رفع سقف التمرد على التقاليد المجتمعية لمجتمع الصعيد، المعروف بقيوده الصارمة على عمل المرأة، ليتجولن في القرى النائية للقيام بدور الرحالة، حيث ينفضن الغبار عن تاريخ قرى منسية ونائية.
البرنامج الذي أذيعت منه عدة حلقات تنتجه مؤسسة «ولاد البلد»، من خلال إصدارها الإقليمي جريدة «النجعاوية»، التي تصدر في مركز نجع حمادي بمحافظة قنا، وهي مؤسسة إعلامية تهتم بدعم وتطوير الصحافة المحلية الإقليمية.
والرسالة الإعلامية للمحتوى ترتكز على التعريف بجانب غير مطروق من تاريخ قرى الصعيد، لكن الفكرة تذهب إلى أبعد من ذلك، فهي تحاول كسر القيود المجتمعية التي تفرض أنماطاً محددة سلفاً للمهن التي يجب على المرأة الالتزام بها.
الفتيات الأربع أكدن لـ«الشرق الأوسط» أنّ الانتقادات التي واجهتهن في البداية كانت سبباً في المزيد من الإصرار على النجاح. وعلى الرغم من صعوبة الرحلات، وتجولهن بمفردهن في القرى النائية، فإن نظرات الدهشة والاستهجان من الأهالي تحولت مع الوقت إلى تعاون وتفهم.
ويعد مجتمع الصعيد (جنوب القاهرة) من المجتمعات المحافظة، التي تحكمها عادات وتقاليد متوارثة منذ أجيال بعيدة، حيث تضع معظم هذه التقاليد قيوداً قاسية على المرأة، خصوصاً في ما يتعلق بالسماح لها بالعمل، لكن ثمّة تغييرات هبت نسائمها خلال السنوات الأخيرة، يقودها أجيال جديدة تميل إلى التمرد على كثير من الموروثات.
تقول مريم الرميحي، صاحبة الفكرة، لـ«الشرق الأوسط»: «كفتاة صعيدية، غير مسموح لي بالذهاب إلى الشارع المجاور، أو حتى منزل الجيران الملاصق لمنزلي، من دون الحصول على إذن عائلتي. ومع بدء ممارستي لمهنة الصحافة، واجهت انتقادات حادة، لكن مع الوقت شاهدت عائلتي بعض النجاح والتقدم في مهنتي، فخفت الانتقادات، وحظيت بقدر صغير من الحرية».
وتضيف: «نحن سعيدات بأننا ألقينا حجراً كبيراً في المياه الراكدة، رغم الانتقادات التي تعرضنا لها، وقد تحملنا كثيراً من الصعاب في أثناء التصوير، لكننا لا نزال نقوم برحلاتنا في القرى، وقد خفت حدة الانتقادات، وبدأ كثير من الأهالي في مساعدتنا. ونحن نسعى لتقديم محتوى جيد، لكن بالأساس نهدف إلى تحطيم التابوهات القديمة بهدف تمكين المرأة، ونود أن نقول لأهلنا وللمجتمع كله إننا نستطيع أن ننجز أي عمل، ولا يوجد ما يسمى أعمال قاصرة على الرجال».
وترى الرميحي أنّ مجتمع الصعيد قد شهد تطورات ملحوظة في السنوات الخمس الأخيرة، تتعلق ببعض العادات والتقاليد التي لم تعد مناسبة للعصر، خصوصاً تلك المتعلقة بالمرأة، وتتابع: «الأجيال الجديدة تلعب دوراً مهماً في فترة التقاليد التي لا تناسب العصر الحديث، وأعتقد أنّه مع الوقت سيحدث المزيد من التطور».
ويحتفل العالم بيوم المرأة العالمي في 8 مارس (آذار) من كل عام، بينما تخصص مصر يوم 16 من الشهر نفسه للاحتفال بيوم المرأة المصرية. وعلى الرغم من التطورات التي تشهدها مصر، والتقدم الملحوظ في وضع المرأة، فإنها تقتصر في الواقع على نساء العاصمة والمدن الكبرى، إذ ما زالت النظرة المجتمعية في ثقافة المجتمع الصعيدي ترفض فكرة عمل المرأة.
من جانبه، يقول أمير الصراف، رئيس تحرير صحيفة «النجعاوية»، لـ«الشرق الأوسط»: «أعجبتني الفكرة بسبب جرأتها، ولم أهتم بالانتقادات اللاذعة التي تعرضنا لها، وقد استقبل المجتمع الصعيدي الحلقة الأولى من البرنامج بمزيج من الصدمة والدهشة والاستهجان، لكن سرعان ما خفت هذه الانتقادات. وأعتقد أنّ الفكرة سوف تحقق هدفها الرئيسي، وهو دعم تمكين المرأة، بمعنى مشاركة النساء في أعمال لم تكن متاحة من قبل، إلى جانب الهدف التنموي الخاص بتقديم محتوى ثقافي تاريخي مفيد للقراء».
فتيات «صعيديات» يوثّقن أحوال القرى المنسية على «يوتيوب»
انتقادات «رحلات 4 بنات في وصف البلاد والعباد» تحولت إلى إشادات
فتيات «صعيديات» يوثّقن أحوال القرى المنسية على «يوتيوب»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة