إنه عرض دار «شانيل»، وهذا يعني أن «لوغران باليه» مسرح عروض الدار شبه الرسمي، سيكتسب صورة جديدة بات الجميع يترقبها بحماس. فالدار معروفة بديكوراتها التي تضاهي بضخامتها وإبهارها الأزياء والإكسسوارات. وهذا ما كان؛ فقد حولته هذا الموسم إلى غابة تكسوها أواق الخريف المتساقطة على الأرض بينما ترامت على جوانبها 21 شجرة تخلل خضارها بعض الصفار البني، فتشعر كأنك دخلت إلى غابة ساحرة مثل تلك التي وجد أبطال المسرحية الشكسبيرية «حلم ليلة منتصف الصيف» فيها. بدأ العرض وأكد مصمم الدار كارل لاغرفيلد أن تصاميمه تليق بضيفاته اللاتي احتللن المقاعد الأمامية مثل كارلا بروني وكيرا نايتلي وغيرهما، كما أنها تعبر عن الواقع الحالي. فبقدر ما كانت ألوان الأشجار والأوراق المتساقطة دافئة، كذلك كانت الأزياء التي غلب عليها قماش التويد والأحجام الواسعة إلى جانب الجاكيت الأيقوني الذي أخذ أطوالا مختلفة وتفاصيل مبتكرة تجعله مواكبا لمتطلبات زبونة شابة. إلى جانب الجاكيت، ظهرت قطع كلاسيكية أخرى لصيقة بالدار مثل الفستان الأسود الناعم واللؤلؤ. كل هذا نسقه مع أحذية بكعوب منخفضة أو أخرى عالية الساق بلون الذهب لتتماهى مع الأوراق الصفراء التي غطت الممشى.
رغم جمال العرض الذي يؤكد عبقرية المصمم المخضرم، فإن الألوان الداكنة ولدت شعورا ببعض الحزن الممزوج بنوع من النوستالجيا إلى الصيف خصوصا بعد موجة البرد القارس التي اجتاحت العالم في الأسابيع الماضية ولا تزال عالقة بالبال إلى حد الآن. صحيح أنه قدم مجموعة لا بأس بها بألوان أخرى وطبعات ورود، إلا أنها حافظت في مجموعها على درجاتها الداكنة. كما أن الياقات العالية والأكمام الطويلة زادت من جديتها إلى حد ما، فتُشعرك بأن الدار تسجل نهاية فصل وبداية فصل جديد، في ظل التغيرات التي تشهدها الموضة والعالم عموما. فما يعرفه الكل أننا نعيش حركة نسوية تضاهي في قوتها تلك التي شهدتها حقبة الستينات من القرن الماضي. والحملة التي تشنها المرأة على التحرش الجنسي ومطالبتها بحقوقها الشرعية التي تم تجاهلها طويلا ما هي إلا دليل واحد على هذه التغيرات. ومع ذلك لا بد من الإشارة إلى أن الأطوال والياقات العالية التي تابعناها صباح يوم الثلاثاء الماضي ليست بالضرورة رد فعل مفاجئاً على الحملة ضد التحرش الجنسي والمنتج الهوليوودي هارفي وينستين، لأن كارل لاغرفيلد تبناها منذ عدة سنوات، وربما يكون أول من قام بذلك. حينها كان الشرق الأوسط قد بدأ يثير أنظار العالم سياسيا وأيضا بوصفه سوقا واعدة للمنتجات المترفة، وعندما سئل عن توجهه الجديد آنذاك، رد بأن المصمم لا يعيش بمنأى عن المجتمع وبأن الموضة انعكاس لما يجري حولنا. وكان على حق، لأنه أكد أن حاسته السادسة، أو بالأحرى قدرته على استشعار رياح التغير عالية مثل قدراته على تطوير نفسه والإبقاء على صورة «شانيل» لامعة ومثيرة.
في اليوم نفسه، اختتمت دار «لويس فويتون» دورة الموضة العالمية التي بدأت في نيويورك منذ شهر تقريبا لتنتهي في باريس يوم الثلاثاء الماضي.
كانت هناك نغمة نسوية مثيرة في العرض، ولم يخف مصمم الدار نيكولا غيسكيير الأمر بقوله إن «النساء اللاتي يحطن بي ويعملن معي يؤثرن على نظرتي الفنية». في قاعة من قاعات «اللوفر» أقيم العرض ليجمع القديم بالحديث. القديم من ناحية المكان الذي كان في يوم ما إسطبلاً لنابوليون بونابرت وأصبح قاعة عرض فنية في الوقت الحالي، والحديث من ناحية التصاميم التي قدمها المصمم الشاب لتخاطب فتاة شابة. تصاميم جمع فيها أناقة راقية تغلب عليها تطريزات غنية تعود تقاليدها إلى الماضي، وتحديدا القرن الثامن عشر، مع لمسة «سبور» فرنسية تطبع أسلوبه منذ دخوله الدار الفرنسية خلفا لمارك جايكوبس.
كانت هناك فساتين كثيرة موجهة لمناسبات المساء والسهرة، لكن القطع المنفصلة للنهار كانت هي الغالبة. وهو ما يُحسب له، لأنه يمنح المرأة خزانة متنوعة ومرنة تسمح لها بتجديد إطلالتها في كل مرة بمجرد تغيير قطعة من هذه القطع. تضمنت التشكيلة مجموعة سخية من الكنزات والـ«كابات» القصيرة التي تغطي الأكتاف فقط. أجمل ما فيها أنها تخاطب كل الأعمار، بمن في هؤلاء المرأة الناضجة التي ربما تكون بعض بيوت الأزياء تجاهلتها في الآونة الأخيرة في خضم سباقها على كسب ود فتيات صغيرات. فالأحجام الضخمة مثلا لا تروق للكل، كذلك التنورات المنسدلة الطويلة والكنزات ذات الكتف الواحد وغيرها. هنا كانت الأشكال والأحجام متنوعة ومحددة أكثر، من التنورات المستقيمة إلى البنطلونات الرشيقة والفساتين المنسدلة، وهنا يكمن نجاحها. فأي واحدة منا تبحث عن قطعة تتحدى الزمن وتُبرز في الوقت ذاته أناقتها وجمالها، ستجد بغيتها في هذه التشكيلة.
وإذا تعذر الأمر، فهناك حقائب اليد التي لا تزال تُشعل الرغبة فيها، فقط لأنها تحمل اسم الدار الفرنسية العريقة؛ وطبعا لمسات المصمم الشاب.
بين أوراق الخريف وورقة التنوع... تشكيلتان تعبران عن رياح التغيير
«شانيل» و«لويس فويتون» تختتمان «أسبوع باريس» لخريف وشتاء 2018

من عرض «شانيل» - من عرض «شانيل» - من عرض «شانيل» - من عرض «لويس فويتون»
بين أوراق الخريف وورقة التنوع... تشكيلتان تعبران عن رياح التغيير

من عرض «شانيل» - من عرض «شانيل» - من عرض «شانيل» - من عرض «لويس فويتون»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة