بين أوراق الخريف وورقة التنوع... تشكيلتان تعبران عن رياح التغيير

«شانيل» و«لويس فويتون» تختتمان «أسبوع باريس» لخريف وشتاء 2018

من عرض «شانيل» - من عرض «شانيل» - من عرض «شانيل» - من عرض «لويس فويتون»
من عرض «شانيل» - من عرض «شانيل» - من عرض «شانيل» - من عرض «لويس فويتون»
TT

بين أوراق الخريف وورقة التنوع... تشكيلتان تعبران عن رياح التغيير

من عرض «شانيل» - من عرض «شانيل» - من عرض «شانيل» - من عرض «لويس فويتون»
من عرض «شانيل» - من عرض «شانيل» - من عرض «شانيل» - من عرض «لويس فويتون»

إنه عرض دار «شانيل»، وهذا يعني أن «لوغران باليه» مسرح عروض الدار شبه الرسمي، سيكتسب صورة جديدة بات الجميع يترقبها بحماس. فالدار معروفة بديكوراتها التي تضاهي بضخامتها وإبهارها الأزياء والإكسسوارات. وهذا ما كان؛ فقد حولته هذا الموسم إلى غابة تكسوها أواق الخريف المتساقطة على الأرض بينما ترامت على جوانبها 21 شجرة تخلل خضارها بعض الصفار البني، فتشعر كأنك دخلت إلى غابة ساحرة مثل تلك التي وجد أبطال المسرحية الشكسبيرية «حلم ليلة منتصف الصيف» فيها. بدأ العرض وأكد مصمم الدار كارل لاغرفيلد أن تصاميمه تليق بضيفاته اللاتي احتللن المقاعد الأمامية مثل كارلا بروني وكيرا نايتلي وغيرهما، كما أنها تعبر عن الواقع الحالي. فبقدر ما كانت ألوان الأشجار والأوراق المتساقطة دافئة، كذلك كانت الأزياء التي غلب عليها قماش التويد والأحجام الواسعة إلى جانب الجاكيت الأيقوني الذي أخذ أطوالا مختلفة وتفاصيل مبتكرة تجعله مواكبا لمتطلبات زبونة شابة. إلى جانب الجاكيت، ظهرت قطع كلاسيكية أخرى لصيقة بالدار مثل الفستان الأسود الناعم واللؤلؤ. كل هذا نسقه مع أحذية بكعوب منخفضة أو أخرى عالية الساق بلون الذهب لتتماهى مع الأوراق الصفراء التي غطت الممشى.
رغم جمال العرض الذي يؤكد عبقرية المصمم المخضرم، فإن الألوان الداكنة ولدت شعورا ببعض الحزن الممزوج بنوع من النوستالجيا إلى الصيف خصوصا بعد موجة البرد القارس التي اجتاحت العالم في الأسابيع الماضية ولا تزال عالقة بالبال إلى حد الآن. صحيح أنه قدم مجموعة لا بأس بها بألوان أخرى وطبعات ورود، إلا أنها حافظت في مجموعها على درجاتها الداكنة. كما أن الياقات العالية والأكمام الطويلة زادت من جديتها إلى حد ما، فتُشعرك بأن الدار تسجل نهاية فصل وبداية فصل جديد، في ظل التغيرات التي تشهدها الموضة والعالم عموما. فما يعرفه الكل أننا نعيش حركة نسوية تضاهي في قوتها تلك التي شهدتها حقبة الستينات من القرن الماضي. والحملة التي تشنها المرأة على التحرش الجنسي ومطالبتها بحقوقها الشرعية التي تم تجاهلها طويلا ما هي إلا دليل واحد على هذه التغيرات. ومع ذلك لا بد من الإشارة إلى أن الأطوال والياقات العالية التي تابعناها صباح يوم الثلاثاء الماضي ليست بالضرورة رد فعل مفاجئاً على الحملة ضد التحرش الجنسي والمنتج الهوليوودي هارفي وينستين، لأن كارل لاغرفيلد تبناها منذ عدة سنوات، وربما يكون أول من قام بذلك. حينها كان الشرق الأوسط قد بدأ يثير أنظار العالم سياسيا وأيضا بوصفه سوقا واعدة للمنتجات المترفة، وعندما سئل عن توجهه الجديد آنذاك، رد بأن المصمم لا يعيش بمنأى عن المجتمع وبأن الموضة انعكاس لما يجري حولنا. وكان على حق، لأنه أكد أن حاسته السادسة، أو بالأحرى قدرته على استشعار رياح التغير عالية مثل قدراته على تطوير نفسه والإبقاء على صورة «شانيل» لامعة ومثيرة.
في اليوم نفسه، اختتمت دار «لويس فويتون» دورة الموضة العالمية التي بدأت في نيويورك منذ شهر تقريبا لتنتهي في باريس يوم الثلاثاء الماضي.
كانت هناك نغمة نسوية مثيرة في العرض، ولم يخف مصمم الدار نيكولا غيسكيير الأمر بقوله إن «النساء اللاتي يحطن بي ويعملن معي يؤثرن على نظرتي الفنية». في قاعة من قاعات «اللوفر» أقيم العرض ليجمع القديم بالحديث. القديم من ناحية المكان الذي كان في يوم ما إسطبلاً لنابوليون بونابرت وأصبح قاعة عرض فنية في الوقت الحالي، والحديث من ناحية التصاميم التي قدمها المصمم الشاب لتخاطب فتاة شابة. تصاميم جمع فيها أناقة راقية تغلب عليها تطريزات غنية تعود تقاليدها إلى الماضي، وتحديدا القرن الثامن عشر، مع لمسة «سبور» فرنسية تطبع أسلوبه منذ دخوله الدار الفرنسية خلفا لمارك جايكوبس.
كانت هناك فساتين كثيرة موجهة لمناسبات المساء والسهرة، لكن القطع المنفصلة للنهار كانت هي الغالبة. وهو ما يُحسب له، لأنه يمنح المرأة خزانة متنوعة ومرنة تسمح لها بتجديد إطلالتها في كل مرة بمجرد تغيير قطعة من هذه القطع. تضمنت التشكيلة مجموعة سخية من الكنزات والـ«كابات» القصيرة التي تغطي الأكتاف فقط. أجمل ما فيها أنها تخاطب كل الأعمار، بمن في هؤلاء المرأة الناضجة التي ربما تكون بعض بيوت الأزياء تجاهلتها في الآونة الأخيرة في خضم سباقها على كسب ود فتيات صغيرات. فالأحجام الضخمة مثلا لا تروق للكل، كذلك التنورات المنسدلة الطويلة والكنزات ذات الكتف الواحد وغيرها. هنا كانت الأشكال والأحجام متنوعة ومحددة أكثر، من التنورات المستقيمة إلى البنطلونات الرشيقة والفساتين المنسدلة، وهنا يكمن نجاحها. فأي واحدة منا تبحث عن قطعة تتحدى الزمن وتُبرز في الوقت ذاته أناقتها وجمالها، ستجد بغيتها في هذه التشكيلة.
وإذا تعذر الأمر، فهناك حقائب اليد التي لا تزال تُشعل الرغبة فيها، فقط لأنها تحمل اسم الدار الفرنسية العريقة؛ وطبعا لمسات المصمم الشاب.


مقالات ذات صلة

دانييل لي يُقدم لـ«بيربري» أقوى «عرض» شهدته منذ سنوات

لمسات الموضة أبدع دانييل لي مجموعة من المعاطف تنوعت تصاميمها وخاماتها بشكل مدهش (بيربري)

دانييل لي يُقدم لـ«بيربري» أقوى «عرض» شهدته منذ سنوات

كان هناك إجماع بين الحضور على أن العرض استوفى كل مقومات الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة من اقتراحات دار «توم فورد» (توم فورد)

«رمضان كريم» على بيوت الأزياء العالمية... يُنعشها اقتصادياً ويحفزها فنياً

بيوت الأزياء العالمية تحقق ما بين 20 إلى 30 في المائة من مبيعاتها السنوية في المنطقة خلال شهر رمضان الكريم

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تنوعت الألوان والطبعات... والشاعرية واحدة (أ.ف.ب)

تشكيلة «إرديم» لخريف وشتاء 2025 تستكشف الخيال بواقعية

استلهم المصمم إرديم موراليوغلو من التاريخ والأدب والفن أفكاراً وصوراً حوّلها إلى قطع فنية رسّخت مكانته بوصفه واحداً من أهم المصممين الشباب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة «أسبوع لندن لخريف وشتاء 2025»... يتخبط بين الواقعية التجارية وشخصيته الجانحة إلى الابتكار

«أسبوع لندن لخريف وشتاء 2025»... يتخبط بين الواقعية التجارية وشخصيته الجانحة إلى الابتكار

بين طقس متقلب ورغبة في بثّ طاقة إيجابية، انطلق «أسبوع لندن لخريف وشتاء 2025». رغم محاولاته، فإنه جاء هزيلاً وهو يقاوم وعكة ألمّت به منذ بضعة مواسم، ولم يتعافَ…

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اصبح المعطف الممطر أيقونة لكل المواسم والفصول (بيربري)

«بيربري» تحتفل بتقلبات الطقس البريطاني بحملة تجمع البريق وروح الفكاهة

كشفت دار «بيربري» حديثاً عن حملتها الترويجية لصيف 2025. اختارت لها عنواناً معبراً: «إنه دائماً طقس (بيربري). لندن في حالة عشق»، لأنه يُلخّص الكثير من جوانب…

«الشرق الأوسط» (لندن)

دانييل لي يُقدم لـ«بيربري» أقوى «عرض» شهدته منذ سنوات

أبدع دانييل لي مجموعة من المعاطف تنوعت تصاميمها وخاماتها بشكل مدهش (بيربري)
أبدع دانييل لي مجموعة من المعاطف تنوعت تصاميمها وخاماتها بشكل مدهش (بيربري)
TT

دانييل لي يُقدم لـ«بيربري» أقوى «عرض» شهدته منذ سنوات

أبدع دانييل لي مجموعة من المعاطف تنوعت تصاميمها وخاماتها بشكل مدهش (بيربري)
أبدع دانييل لي مجموعة من المعاطف تنوعت تصاميمها وخاماتها بشكل مدهش (بيربري)

سيغادر أم لا يغادر؟ هذا هو السؤال الذي كان يدور في أوساط الموضة حول مصير المصمم دانييل لي في دار «بيربري»، حتى مساء الاثنين الماضي. أي قبل أن يقدم عرضاً كان مسك ختام أسبوع لندن لخريف وشتاء 2025. بكل تفاصيله وبهاراته، بشَّر بأن «بيربري» استعادت السحر الذي افتقدته في المواسم الماضية، وأن كل ما يدور من شائعات لا يتعدى كونها كذلك. أو على الأقل هذا ما خرج الحضور وهم يتهامسون به. كان هناك إجماع بينهم على أن العرض استوفى كل مقومات الإبهار والإبداع، بدءاً من عدد النجوم الذين شاركوا في العرض على اختلاف مقاساتهم وأعمارهم، أو احتلوا المقاعد الأمامية، وصولاً إلى الأزياء والإكسسوارات التي تفتح النفس على كل ما له علاقة بالريف الإنجليزي، بما في ذلك الطقس المتقلب.

عاد المصمم في هذه التشكيلة إلى الجذور والأساسيات (بيربري)

أقيم العرض في متحف «تيت بريتان» Tate Britain الواقع على مسافة خطوات قليلة من المقر الرئيسي الجديد لـ«بيربري». بمعماره النيوكلاسيكي شكل خلفية رائعة لعرض كان بمثابة قصيدة شعر تتغزل بالجمال الطبيعي والتاريخي لبريطانيا، فاجأ به دانييل لي الجميع بأنه يتمتع بلمسة ميداسية قادرة على تحويل التراب ذهباً. مهارة ظهرت لديه عندما كان في دار «بوتيغا فينيتا» قبل أن يلتحق بـ«بيربري». هنا أيضاً تجلت هذه المهارة والقدرات في تشكيلة حرَّكت الحواس وأيقظت إرثاً اعتقد البعض أنه فقد صلاحيته في ظل التغيرات الاقتصادية والثقافية التي يمر بها العالم عموماً وبريطانيا خصوصاً.

كونه بريطاني المولد، يعرف دانييل جيداً أن «بيربري» جزء لا يتجزأ من الثقافة البريطانية. كانت دائماً تتوجه لكل الطبقات، المتوسطة والأرستقراطية على حد سواء. وعكتها في السنوات الأخيرة تطلبت منه بذل كل الجهد لحمايتها من دوائر الزمن. وهذا ما كان. جمع نجوماً بريطانيين مثل ريتشارد إي غرانت، وليزلي مانفيل، وإليزابيث ماكغوفرن وناعومي كامبل وغيرهم لمساعدته في تلميع صورتها. هؤلاء شاركوا في العرض وأضفوا عليه بريقاً بنكهة إنجليزية طريفة، بعد أن شاركوا في شهر أكتوبر الماضي في حملة ترويجية أطلقتها الدار بعنوان «إنه دائماً طقس (بيربري)».

أبدع دانييل لي مجموعة من المعاطف تنوعت تصاميمها وخاماتها بشكل مدهش (بيربري)

بيد أنه حتى من دون مشاركتهم، فإن الاقتراحات التي أبدعها دانييل لي كانت كافية لإعادتها إلى قواعدها سالمة غانمة وتذكيرنا بماضيها الغني. يمكن القول إن تشكيلته لخريف وشتاء 2025، كانت من بين أقوى التشكيلات التي تم تقديمها منذ رحيل المصمم البريطاني السابق كريستوفر بايلي في عام 2018 إلى الآن.

دانييل لي مثل بايلي، ابن البلد. فيه تربى ودرس وغاص في وحله واحتمى من مطره، كما يعرف جيداً مدى أهمية «بيربري» في المجتمع البريطاني وتأثيرها على ثقافته. لهذا كانت ورقته الرابحة في هذه التشكيلة العودة إلى الأساسيات التي بُنيت عليها الدار منذ أكثر من قرن من الزمن، وإحياء العلاقة الحميمة التي تربطها بالريف البريطاني وما يتخلله من فروسية ونزهات صيد وفخامة تطبع جدران وستائر ومفروشات بيوته وقصوره.

من كل هذه العناصر، استقى قطع أزياء وإكسسوارات تتعدى الفصول والمواسم. زاد عليها حبة مسك بتطريزها وضخها بتفاصيل مبتكرة عصرية ارتقت بها إلى مستوى جديد.

تكاثف البريطانيون نجوماً وعارضات لإضفاء البريق على دار متجذرة في الثقافة البريطانية (بيربري)

من بين الأقمشة المتنوعة التي استعملها، برزت الجلود الطبيعية والبروكار المخملي والصوف المنسوج بسماكة. الممثل ريتشارد إي غرانت، البالغ من العمر 67 عاماً، مثلاً ظهر على المنصة مرتدياً معطفاً من الصوف مزدوج الصدر، وكنزة بياقة عالية. حمل معه أيضاً قفازات جلدية ومظلة صفراء بنقشات «بيربري» المربعة؛ تحسباً لأي تقلبات جوية قد تداهمه.

تصاميم أخرى كثيرة اقترحها المصمم، استوحى بعضها من عالم الفروسية تشمل سترات وسراويل وغيرها، وبعضها الآخر من أجواء الريف الإنجليزي وحياة المدن بإيقاعها السريع؛ الأمر الذي يحتاج إلى قطعة تحمل صاحبها من النهار إلى المساء بسهولة، مثل معطف باللون الأرجواني ظهرت به ناعومي كامبل، البالغة من العمر 54 عاماً. جاء بتصميم مزدوج الياقة من قماش الجاكار تم تنسيقه مع تنورة متعددة الطبقات وحذاء أسود عالي الساق.

إلى جانب المعاطف التي كانت نجم العرض تألقت العارضات في فساتين بتفاصيل مميزة (بيربري)

هذه هي خامس تشكيلة يقدمها دانيال لـ«بيربري» منذ التحاقه بها في عام 2022، والثانية بعد أن تسلم جاشوا شولمان وظيفته رئيساً تنفيذياً. استراتيجية هذا الأخيرة كانت العودة إلى جذور الدار، أي إلى تلك العلاقة التي تربط تصاميمها بالهواء الطلق، إضافة إلى إعادة النظر في أسعارها، والتي تم رفعها بشكل كبير في عهد الرئيس التنفيذي السابق رغبة منه في الارتقاء بها إلى مصاف بيوت الأزياء العالمية الأوروبية. لكن ما يصلح في باريس وميلانو لا يصلح بالضرورة في بريطانيا. فهذه لها ذائقة مختلفة تماماً في كل شيء، بما في ذلك روح النكتة.

هذا ما استوعبته الدار في هذه التشكيلة. جاءت متنوعة تخاطب الطبقات المتوسطة والأرستقراطية على حد سواء، بألوانها التي تباينت بين درجات متنوعة من البني، والرمادي، والأخضر والعنابي، وأيضاً بخاماتها التي تبث الدفء في الجسم بمجرد النظر إليها.

فساتين السهرة كادت أن تسرق الأضواء من المعاطف المتنوعة (بيربري)

الجميل في المعاطف الصوفية مثلاً أنها على الرغم من أنها تبدو سميكة، فهي تنسدل على الجسم بشكل أنيق، والمعاطف الواقية من المطر مطبوعة بالجاكار ما يُدخلها مناسبات المساء من أوسع الأبواب، بينما صُنعت التايورات من البروكار المخملي وهلم جراً.

اللافت أيضاً، أن أزياء السهرة والمساء، التي لم تكن يوماً تُشكِّل قوة كبيرة للدار، نالت اهتمام المصمم. ضخها بجرعة عصرية أكسبتها جمالاً وجاذبية. غلبت عليها نغمة رومانسية خفيفة وتفاصيل عملية، كادت أن تسرق الأضواء من المعاطف التي كانت نجم العرض بلا منازع، خصوصاً المصنوعة من البروكار الدمشقي والمطرزة بالورود.