جاءت جوائز الأوسكار في حفلتها التسعين كما توقعناها هنا غالباً. لكن هذا لا يعني أنها كانت مثار ضجر أو ملل، أو أنها خلت من المفاجآت. الواقع هو أن الأفلام التي تسابقت على ذلك التمثال الذهبي الأيقوني الشهير كانت من التنافس بحيث إن أي منها حصد توقعات المراقبين بفوزه وكان، لو خرج بالأوسكار، لعبّر عن جمهور عريض من المحبذين والمتوقعين. كذلك الحال في سباقات المهن الأخرى من الكتابة إلى التوليف الصوتي ومن التصوير إلى تصميم الملابس مروراً بالموسيقى والغناء وتصميم المناظر وسواها.
مضامين جائزة وجاهزة
رغم ذلك، ولأنه لا يوجد فوز من دون خسارة على الجانب الآخر، فإن فوز بعض الأفلام والسينمائيين خسارة للغالبية، خصوصاً تلك التي وجدت نفسها محمّلة بالتوقعات مما رفع أسهمها وأحلامها لأعلى نقطة في تاريخ حياتها.
ومن مسافة آمنة، يمكن القول إن ما حدث مع زياد الدويري وفيلمه «الإهانة» هو تحديداً ما نقوله هنا. بمراجعة نقاد المواقع المختلفة، سينمائية وسواها، نجد أن النسبة الأعلى منها توقع أن يخرج هذا الفيلم اللبناني بأوسكار أفضل فيلم أجنبي، وهو الأمر لذي لم يقع. بذلك حملت رياح الأمنيات بالون التوقعات عالياً قبل أن يتبدد كل شيء بإعلان فوز الفيلم التشيلي «امرأة رائعة» بذلك الأوسكار. والمفارقة هي أن الفيلم التشيلي هو أول فوز للسينما التشيلية في تاريخ الأوسكار، ولو فاز الفيلم اللبناني لكان أول فوز للبنان (ولأي بلد عربي) بالأوسكار أيضاً.
المفارقة الثانية هي أن السينمائي الأفرو- أميركي الوحيد الذي اعتلى المنصّة لتسلم أوسكاره هذا العام هو المخرج جوردان بيل كأفضل «كاتب سيناريو أصلي» (أي غير مقتبس)، وذلك على عكس السنوات القريبة التي تعدد فيها تسلم أفارقة- أميركيين أوسكارات في التمثيل والإخراج خصوصاً. وهذا الفوز هو أول فوز لسينمائي أسود في سباق السيناريو في التاريخ.
طبعاً هناك استثناء بسيط سبق ذلك عندما اعتلى رجلان، أحدهما أبيض والآخر أسود لتسلم أوسكار مشترك في مسابقة «أفضل فيلم رسوم قصير» وهو أول فوز لكرتوني أفرو- أميركي أيضاً وإن كان هذا الظهور مزدوجاً ولا يرد في إنجاز منفرد ورئيسي كالحال مع مسابقة أفضل سيناريو أصلي.
هنا لا بد من الإشارة إلى أن الفيلم صغير نسبياً وكان يمكن له أن يتسلل إلى العروض التجارية ثم يتسلل خارجاً منها من دون كثير اهتمام لولا عنصرين: النقاد الذين التفوا من حوله وأنقذوه من معاملة اعتيادية والآلة الإعلامية الكبيرة للشركة المنتجة يونيفرسال التي عملت على ترسيخ وجود الفيلم عبر محتوى مضمونه حول العنصرية.
هذا مهم، لأن المسألة العنصرية كانت حاضرة في ثلاتة أفلام هي «غت أوت» و«ثلاث لوحات خارج إيبينغ، ميسوري» و«مدباوند»، وهذا الأخير لم ينجز أي نجاح خصوصاً في المسابقات الثلاث التي دخلها وهي أفضل ممثلة مساندة وأفضل سيناريو مقتبس وأفضل تصوير وأفضل أغنية مكتوبة خصيصاً.
كون «مدباوند»، وهو فيلم جيد بمعايير قصوى، لم يكن ضمن الأفلام التسعة التي تنافست على أوسكار أفضل فيلم، فإن الخسارة هنا هي في هذه المواضع فقط وبعضها طفيف. كذلك هي خسارة محدودة بالنسبة لبعض هذه الأفلام التسعة (مثل «لايدي بيرد» و«ذا بوست») كونها لم تشهد احتمالات مرتفعة منذ البداية.
الرابح الأكبر لهذه الليلة
كان «شكل الماء» كونه نال أهم جائزتين يطمح كل مخرج الحصول عليهما: أوسكار أفضل فيلم متبوعاً بأوسكار أفضل مخرج. في المقابل، وجد «ثلاث لوحات خارج...» نفسه وقد خسر الموقعين كذلك «دنكيرك»، لكن «دنكيرك» عوّض شيئاً من هذه الخسارة بتسجيل نجاحاته في المحافل التقنية فخرج بثلاثة أوسكارات في التوليف (Film Editing) وفي «المزج الصوتي» (Sound Mixing) وفي «التوليف الصوتي» (Sound Editing) وهي مستحقة بكل تأكيد وإن كانت لا تمنح مخرج الفيلم كريستوفر نولان إلا شعوراً نسبياً بالفوز.
الفوزان الوحيدان لفيلم «ثلاث لوحات...» كانا في حقل التمثيل إذ نالت بطلته فرنسيس مكدورمند أوسكار أفضل ممثلة بعد منافسة قوية من سالي هوكينز، بينما خرج سام روكوَل بأوسكار أفضل ممثل مساند عن دوره في ذلك الفيلم.
في نطاق التمثيل الرجالي الأول ذهب الأوسكار، وكما توقعنا هنا أيضاً، للممثل غاري أولدمان عن «الساعة الأدكن» ومنافسه الأول في هذه المسابقة كان مواطنه البريطاني دانيال- داي لويس. بينما فازت أليسون جاني فازت بأوسكار أفضل ممثلة مساندة عن دورها في «أنا، تونيا».
«نادني باسمك» حظي باهتمام لافت بين النقاد والمريدين لكنه اكتفى بأوسكار أفضل سيناريو مقتبس تسلمه البريطاني جيمس أيفوري. بذلك هو أكبر متسلمي الأوسكار سناً إذ يبلغ من العمر الآن 89 سنة ولم يسبق له أن فاز بالجائزة عن أي من أعماله السابقة.
ولم يخب رجاء مدير التصوير روجر ديكنز ففاز بأوسكار أفضل تصوير عن «بلايد رانر 2049» بعد ثلاث عشرة محاولة فاشلة سابقة لاستحواذ هذا التقدير. ولو خرجنا من تعداد الأسماء والعناوين إلى لغة الأرقام لتبين أن «شكل الماء» حصد 4 أوسكارات، وبذلك نال العدد الأكبر منها يليه «دنكيرك» بـ3 أوسكارات، كما أوردنا ثم أوسكارين اثنين لكل من «الساعة الأدكن» و«ثلاث لوحات..» والفيلم الكرتوني الطويل «كوكو».
قائمة الفائزين
الأفلام
• أفضل فيلم: The Shape of Water
• أفضل فيلم أجنبي: A Fantastic Woman (تشيلي)
• أفضل فيلم تسجيلي طويل: Icarus
• أفضل فيلم تسجيلي قصير: Heaven is a Traffic Jam on the 405
• أفضل فيلم أنيميشن طويل: Coco
• أفضل فيلم أنيميشن قصير: Dear Basketball
• أفضل فيلم قصير: The Silent Child
السينمائيون
• أفضل مخرج: غويلرمو دل تورو عن The Shape of Water
• أفضل ممثلة: فرنسيس مكدورمند عن: Three Billboards Outside Ebbing, Missouri
• أفضل ممثل: غاري أولدمان عن Darkest Hour
• أفضل ممثلة مساندة: أليسون جاني عن: I, Tonya
• أفضل مماثل مساند: سام روكووَل عن Three Billboards Outside Ebbing, Missouri
ميادين فنية
• أفضل سيناريو أصلي: جوردان بيل عن Get Out
• أفضل سيناريو مقتبس: جيمس آيفوري عن Call Mr By Your Name
• أفضل تصوير: روجر ديكنز عن Blade Runner
• أفضل مؤثرات بصرية: جون نلسون وبول لامبرت ورتشارد هوفر عن Blade Runner 2049
• أفضل توليف: لي سميث عن Dunkirk
• أفضل موسيقى: ألكسندر دسبلات: The Shape of Water
• أفضل تصميم مناظر: بول دنهام أوستربيري عن The Shape of Water
• أفضل تصميم ملابس: مارك بردجز عن Phantom thread
• أفضل تصميم شعر وماكياج: كازوهيرو تسوجي وآخرون عن Darkest Hour
• أفضل مزج صوتي: مارك واينغارتن وآخرون Dunkirk
• أفضل مونتاج صوتي: رتشارد كينغ وأليكس غيبسون Dunkirk
• أفضل أغنية مكتوبة خصيصاً: Coco
لحظات لا تتكرر
> في حين أن صعود المنصّة والوقوف عليها ثم النزول عنها هو فعل إلزامي تابعناه عشرات المرات من قبل، إلا أن الحفل لم يخل من لحظات مهمّة لا تتكرر. هذا بعضها:
> وظّفت فرنسيس مكدورمند خطابها للتحدث عن «المرأة في هوليوود» وكيف أنها ما زالت تسعى لنيل حقوقها المتساوية. لكن وسيلتها لذلك كانت متوعكة منذ أن طلبت من الممثلات اللواتي نافسنها على الأوسكار (ميريل ستريب، سواريس رونان، مارغوت روبي وسالي هوكينز) الوقوف في أماكنهن ثم وجهت حديثها للمنتجين قائلة لهم «كل واحدة منا لديها قصص تريد أن تحققها. لا تتحدثون إلينا في الحفلات بل ادعونا إلى مكاتبكم أو زورونا في مكاتبنا لنتحدث». نتيجة ذلك واضحة، سوف لن يتقدم منتج واحد إلى ممثلة يسألها ما المشروع الذي تريد إنجازه. ليس هكذا تُنتج الأفلام يا فرنسيس.
> ظهرت الممثلة جودي فوستر بعكاز تصاحبها الممثلة جنيفر لورنس لتقديم جائزة أفضل ممثل أول. هذا ما أثار الفضول ليتبين لمن سأل أن جودي كسرت قدمها بينما كانت تقوم بالتزحلق على الجليد خلال عطلتها.
> دعوة صريحة أخرى لمناصرة المرأة وجهها مقدّم الحفل جيمي كيمل الذي حمل بشدّة على هارفي وينستين ودعا إلى أن يتحمل الجميع المسؤولية فـ«العالم يراقبنا». كيمل منح المنصّة شخصية متزنة وإن لم تخل من النكات وإحداها أصابت الممثل كريستوفر بلامر عندما قال كيمل إنه وجد خطاباً تم إلقاؤه سنة 1929 (تاريخ أول توزيع أوسكار) ووجه فيه المتحدث آنذاك كلمته إلى بلامر (88 سنة حالياً) قائلاً له «أنت أصغر ممثل في هذا الحفل».
> أيضاً في أعقاب هارفي الممثلات سلمى حايك وأشلي دْجد وأنابيلا سكيورا اللواتي كن اتهمن المنتج السابق باعتداءات جنسية اللواتي صعدن المسرح وألقين كلمة في ظاهرة «أنا أيضاً» وكيف أن عقارب الساعة، فيما يتعلق بأخلاقيات المهنة، لن تعود إلى الوراء.
> كلمة المخرج غويلرمو دل تورو كانت تعليقاً غير مباشر ضد سياسة الرئيس الأميركي الخاصة بالمهاجرين، إذ ذكّر الحاضرين بأنه ممن هاجروا إلى الولايات المتحدة التي باتت موطنه ثم أضاف: «أعظم شيء في سينمانا هي أنها تمحو العلامات الرملية. وعلينا أن نواصل فعل ذلك».
> موضوع الهجرة والسياسة ساد المنصّة قبل كلمة دل تورو عندما صعد الممثل الباكستاني كمال نجياني والممثلة الكينية لوبيتا نيونغو وأدليا بدلوهما في هذا الموضوع وتلقفا التصفيق الحاد أيضاً.
> قام الممثل والمخرج وورن بيتي والممثلة فاي داناواي بتقديم جائزة أفضل فيلم للمرّة الثانية بعدما كان سبق لهما أن قدّما أوسكار أفضل فيلم في العام الماضي عندما حدث التباس أدّى لصعود منتجي ومخرجي فيلمين إلى المنصّة. الخطأ لم يكن خطأهما وظهورهما هذا العام هو لتأكيد عدم مسؤوليتهما عما حدث.