«الإهانة» أول فيلم لبناني مرشح لـ«أوسكار»

TT

«الإهانة» أول فيلم لبناني مرشح لـ«أوسكار»

لا أذكر متى كانت آخر مرّة شاهدت فيها فيلماً بهذا المستوى من التميز، هذه هي نظرتي إلى فيلم «الإهانة»، من إخراج زياد دويري الذي شاركت في كتابته جويل توما. من الكتابة إلى وتيرة تعاقب أحداث الفيلم إلى أداء الممثلين إلى التصوير الرائع، يبدو هذا العمل مثالياً لا تشوبه شائبة.
في أعقاب مشاحنة بسيطة بين طوني (عادل كرم)، مسيحي يميني من حزب الكتائب اللبناني، وياسر (كامل الباشا)، لاجئ فلسطيني، حول ماسورة صرف مكسورة، تبدأ الأنا في الغليان داخل كل منهما. يبدأ ياسر بتوجيه الإهانة الأولى التي تبدو بسيطة بالنظر إلى أنّه كان يصلح الماسورة فحسب، لكنّ صاحب العمل الذي يعمل ياسر تحت إمرته يجبره على الاعتذار حفاظاً على العلاقات الودية مع سكان المنطقة. ويشعر طوني أنّ ياسر يقدم اعتذاراً فاتراً، فيوجه إليه إهانة قاسية سرعان ما يتضح أنّها تتجاوز بكثير حدود الماسورة المكسورة. يشتعل ياسر غضباً بسبب الحديث التحريضي ضد الفلسطينيين الدائر في الخلفية داخل المرأب الذي يملكه طوني، ما يدفعه لتوجيه لكمة إليه تسفر عن كسر اثنين من أضلاعه، وتجري مقاضاته لدفع تعويض. إلّا أنّ القاضي سرعان ما يهمل القضية لأنّه يدرك حقيقة ما يدور حوله الصراع. ويأمر القاضي بإطلاق سراح الاثنين، لكن طوني يرفض نسيان ما حدث.
وبسرعة لم تكن لتطرأ على مخيلة أي من الرجلين، يتحوّل ما بدأ كمشاجرة سخيفة إلى صراع وطني.
خلال الفيلم، يقدّم كرم والباشا أداءً مذهلاً وكذلك الممثلتان ريتا حايك وكريستين شويري اللتان تلعبان دوري زوجتيهما. وكذلك يبدو أداء ديماند بو حبيب الذي يلعب دور المحامي المتحمس لياسر، رائعاً في مواجهة محامي طوني الذكي والعنيف الذي يضطلع بدوره المتألق كميل سلامة الذي يعمد إلى استغلالها كفرصة ثانية للفوز في «القضية المسيحية» التي كان قد خسرها داخل قاعات المحاكم في سن أصغر. ويقدم سلامة مسحة كوميدية تبدو الأحداث في أمسّ الحاجة إليها، ويساهم في التخفيف من حدة التوتر الذي يظلّ في تصاعد مستمر حتى يتحول إلى صراع سياسي مكتمل الأركان. وبذلك، نقف أمام صراع ليس بمقدور أحد تسويته سوى أبطاله: أحدهما عاجز عن التصالح مع ماضيه والآخر له ماض وحاضر منغمس فيه بدرجة كبيرة. ويجتذب الصراع الدائر ليس فقط أصدقاء وداعمي البطلين، وإنّما كذلك زوجاتهم اللائي يحاولن إضفاء مسحة إنسانية على الوضع. كما يكشف تطور جديد في الأحداث عن فجوة جيلية، مع استمرار معايشة الجيل الأكبر بقوة لأجواء الحرب والصراع، بينما يبدو الجيل الأصغر راغباً ببساطة في المضي قدماً وترك صراع يتعاطف معه، لكن لم يعايشه، وراء ظهره.
تدور معظم أحداث الفيلم حول الصراع الداخلي في نفوس الشخصيات الذي يتجلى خارجياً في تصرفاتهم، ويتركز حول ضرورة عقد الإنسان للسلام مع نفسه ومع تاريخ وطنه، والتخلص أخيراً من الضمادة والسعي لمعالجة ندوب الحرب وجروحها.
وتبدأ شخصية طوني المركبة في إظهار مؤشرات على الإنسانية ويكشف المحامي عن ماضيه، لتتضح أمامنا المأساة الشخصية التي زرعت في نفسه الكراهية تجاه الفلسطينيين.
بالنسبة لياسر، فقد فرّ من وطنه بادئ الأمر إلى الأردن، ثم اضطر الهرب مجدداً والاستقرار في لبنان داخل معسكر للاجئين. ولا يحاول الفيلم إصدار أحكام بخصوص أي من طرفي الصراع، أسوأ، وليس بمقدور أحد تقييم كيف تؤثر تجربة شخصية على شخص ما، لكن يعود الأمر إلى الشخصيات ذاتها كي تتصالح مع تجاربها. في النهاية، يبدو ياسر أكبر سناً وأكثر استنارة من طوني. ويملك ياسر حكمة نشعر أن طوني يبدأ في اكتسابها نهاية الفيلم.
عبر شاشة التلفزيون، يخرج أحد لوردات الحرب ليعلن أنّ الوقت قد حان لأن تضمد الجراح. وفي النهاية يظهر الجانب الإنساني للبطلين عبر مشهدين مؤثرين للغاية، وربما يمكن استخدامهما كدرس لليوم والغد.
وتعد هذه المرة الأولى التي يرشّح فيلم لبناني لجائزة الأوسكار. نجاح كبير يبدو الفيلم جديراً به تماماً.


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.