لم تكن حياة الشاعر والمسرحي الآيرلندي أوسكار وايلد مريحة. كان بلغ في منتصف العقد العاشر من القرن التاسع عشر مرتبة الشهرة بين أترابه، مسرحياته كانت تُقدَّم بنجاح في عواصم العالم الغربي، لكنّه كان يواجه مشكلات شخصية كبيرة. كان لوطياً في وقت كان القانون يدين هذا الأسلوب من الحياة، ويقضي على المذنب بعقوبة السجن. في حالته هو فإن العقاب (كون شريكه في الحياة التي اختارها كان من رجال السياسة وابن مركيز مقاطعة كوينزبيري)، شمل الأشغال الشاقة لمدة سنتين (من 1895 إلى 1897). إثر الإفراج عنه غادر بريطانيا وآيرلندا إلى فرنسا، حيث مات فيها سنة 1900 مصاباً بمرض السحايا (التهاب في أغشية الدماغ).
الفيلم الذي اختار الممثل البريطاني روبرت إيفريت أن يكون أول أعماله كمخرج هو «الأمير السعيد» الذي يروي السنوات الثلاث الأخيرة من حياة أوسكار وايلد. إلى جانب تحقيقه هذا الفيلم بنفسه قام بدور الكاتب في تلك المرحلة النهائية من حياته. حياة إيفريت حافلة بنحو 50 فيلماً من عام 1984 إلى اليوم. وسبق له أن لعب دور أمير في فيلم مختلف هو «جنون الملك جورج» لنيكولاس هتنر سنة 1994، لكنّه اشتهر أكثر بأدوار كوميدية وعاطفية أبرزها «زواج أفضل أصدقائي» و«راحة الغرباء». إيفيريت، على ذلك، كان قريباً من الأدوار الأدبية والكلاسيكية. لجانب «جنون الملك جورج» شوهد في «شكسبير عاشقاً» (لعب دور غريمه الأدبي كريستوفر مارلو) و«حلم ليلة منتصف الصيف» من بين أخرى.
في سن الـ58 يأتي قراره بالتحول إلى الإخراج مفهوماً ولو أن الفيلم يحمل من الطموحات أكثر من الإنجازات.
> عُرض فيلمك الجديد «الأمير السعيد» عالميّاً لأول مرّة في مهرجان «صندانس» وليس هنا. هل هناك سبب معين لتفضيل المهرجان الأميركي على الألماني؟
- المسألة ليست مسألة تفضيل على الإطلاق. لم أنظر إليها كمنتج على هذا النحو. كل من المهرجانين حدث مهم جداً للسينمائيين. لكنّنا توخينا أن نعرضه أولاً في «صندانس» لأن المهرجان مفتاح دخول للسوق الأميركية. برلين مهرجان ضخم ومهم جداً ويسعدني أن أحضره ومعي هذا الفيلم.
> متى بدأت التفكير بالتحوّل إلى الإخراج ولماذا؟
- في الحقيقة واتاني القرار بالتدرج. قبل بضع سنوات بدأت أفكر في أنني أريد القيام بفعل تغيير في حياتي. إنّه الوقت المناسب جداً في حياتي لمثل هذه الخطوة. لذلك بدأت كتابة سيناريو هذا الفيلم ولم يكن في بالي أن يكون عملي الأول بالمطلق. كنتُ أكتبه وأفكر في سواه.
> متى قرّرت أنك تريد فعلاً تحقيق هذا الفيلم؟
- عبر مراحل الكتابة. كلما كتبتُ تبلوَر المشروع في ذهني كحاجة ماسة. دافعي التحوّل إلى الإخراج بدا منطقياً أكثر مع العمل المتواصل لهذا الفيلم. ما شجعني على ذلك هو أنّني أردت تقديم جانب آخر من جوانب حياة الشاعر لا أعتقد أن الأفلام الأخرى التي قدّمته اعتنت به على نحو كافٍ. وايلد بالنسبة لي لم يكن ضحية القوانين التي ارتبطت بمفاهيم ذلك العصر بقدر ما كان ضحية نفسه. كان شريد زمنه أكثر ممّا كان الشخصية الحكيمة المطلقة التي جاءت بها بعض الأفلام السابقة. الصورة التي أردتُ تقديمها هي لشاعر كبير مات مفلساً ومريضاً ومهملاً. مات شريداً.
> هل شهد الفيلم حماس المنتجين لتمويله بسبب موضوعه أو بسببك أنت؟
- لا أستطيع أن أقول بكل راحة إن المنجين تحمّسوا لي أو للموضوع في بادئ الأمر. دعني أشرح ما أعنيه. منذ البداية وجدتُ أنني أريد تمثيل الدور الأول. لم أكن قرّرتُ أن أصبح مخرج مشروعي على الرغم من أنني كنت أبحث كما قلتُ عن فرصة لتحولي من التمثيل إلى الإخراج. لكن بعض المنتجين خشوا قيامي بهذا الدور. ربما نظروا إلى من خلال أدواري الكوميدية فقط. أخذتُ أبحث عن مخرجين للفيلم ووجدت أنّ مَن تكلمت إليهم في هذا الخصوص لم يمتلكهم الحماس الذي كان يسكنني. هنا ولهذه الأسباب قررت أن أخرج الفيلم بنفسي وأن ألعب بطولته أيضاً.
> لماذا توجه اهتمامك إلى السنوات الأخيرة من حياة أوسكار وايلد وليس أي فترة أخرى؟
- لأنّها فترة لم تُثِر اهتمام أحد من قبل. وردت في طيات أعمال بيوغرافية شاملة لسنواته النشطة قبل محاكمته. أو هي تخصصت في تلك المحاكمة. بالنسبة لي تلك السنوات الأخيرة كافية لتلخيص رحلته كاملة كرجل سقط في الشق الذي يصعب الخروج منه بعد فترة من النجاح الكامل.
> في الفيلم تؤديه كشخص أهمل حياته واستحق ما وصل إليه. وهذا أمر لم تتطرق إليه أفلام أخرى أيضاً.
- هذا حقيقي. أعتقد أنه دَمّر نفسه من حيث لا يعي، أو لكي أكون دقيقاً أكثر، من حيث سمح لنفسه بأن يتغافل عن سقطاته. لا أتحدث عن جوانب أخلاقية فقط بل مهنية أيضاً. أعتقد أنّه انساق للاثنين بكثير من الشغف وهذا الشغف هو ما أحببته فيه، لكن ليس النتائج.
> مثّلتَ عدداً من الأفلام التاريخية. هل ساعدك هذا في مهمتك لتحقيق هذا الفيلم بالتحديد؟
- نعم، أعتقد أن قيامي بتمثيل كثير من الأفلام الأدبية والتاريخية أعطاني الوسيلة لكي أعرف تماماً ما الذي أنشده كمخرج من وراء هذا الفيلم. هناك مهام كثيرة ملقاة على كتفي أي مخرج وهي كافية لكي يشعر بثقلها، لكنّ أخطر هذه المهام منح الفيلم المعالجة التي يريدها لعمله. هذا يتعلّق بالتصميم الكامل فنياً وكتصميم وكأسلوب.
> ... وكانت لك أفلام مثّلتها من كتابات وايلد أيضاً...
- بالتأكيد، مثلتُ إحدى مسرحياته في باريس.
> بالفرنسية؟
- نعم، هي مسرحية «ضرورة أن تكون مخلصاً» وقد لاقَت نجاحاً كبيراً في الحقيقة.
> ومثلتَ فيلماً مأخوذاً عن تلك المسرحية أيضاً؟
- صحيح. مأخوذ عن المسرحية التي وضعها وايلد وليس المقتبَسة عنه. مثلت أيضاً «الزوج النموذجي» قبل 20 سنة تقريباً. أسمّي ذلك لقاءات بيني وبين أدب أوسكار وايلد وشخصياته لذلك أعتبرها أيضاً من تلك العناصر التي لم تكوّن اهتمامي به فقط، بل كوّنت كذلك طبيعة الفيلم الذي حققتُه عنه.
> خلال العام الحالي سنراك في فيلم واحد على ما أعتقد... لماذا؟
- انتهيتُ من تصوير دور السير هيو روز في زمن الملكة فيكتوريا... وها أنا ذا أعود للتاريخ (يضحك). سعدت به جداً لأن التجربة جديدة ولمخرجة هندية. لكنّ هذا سيكون الفيلم الوحيد الآخر الذي لدي هذه السنة.
> هل من سبب؟
- نعم. سأنشغل طوال السنة بتمثيل مسلسل تلفزيوني عن رواية أمبرتو إيكو «اسم الزهرة».
> هل هناك من مشروع آخر ستقوم بتحقيقه؟
- هناك أفكار في البال حالياً. أنا متأكد من أنّ أحدها سوف يتحوّل إلى سيناريو.
> ما الذي خرجتَ به من هذه التجربة الأولى؟
- تعلمتُ أنّ الإخراج للمرّة الأولى مسألة دقيقة، ليس فقط بالنسبة لمستقبل المخرج بل في تعامله مع الآخرين خلال التصوير. عليه أن يكون مدركاً تماماً ما يريده ولماذا، وإلّا لبدا ضعيفاً، وهذا ما يقود إلى فوضى.
> سأقوم بإخراج أول فيلم لي قريباً... هل لديك نصيحة؟
- صحيح؟ رائع... نصيحتي أن تتأكد تماماً ممّا تريد فعله وادرسه جيداً قبل البدء بالتصوير.
روبرت إيفريت لـ«الشرق الأوسط» عن فيلمه الجديد: انطباعي عن أوسكار وايلد أنه كان شريد زمنه
روبرت إيفريت لـ«الشرق الأوسط» عن فيلمه الجديد: انطباعي عن أوسكار وايلد أنه كان شريد زمنه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة