اشتعلت جبهات السينما حول العالم في اليومين الأخيرين وعلى نحو قل نظيره. في هوليوود تكسر إيرادات أول فيلم سوبرماني بطله أفرو – أميركي، الإيرادات المحلية وتكتسح العروض الدولية بالنجاح ذاته. في برلين هناك هذا المهرجان الحافل الذي تشدك أفلامه في كل اتجاه لدرجة أنك ستفقد إمكانية مشاهدة أفلام معينة إذا ما اضطررت إلى تغيير برنامجك، أو حتى من دون تغيير. في بريطانيا نتائج جوائز «بافتا» التي حملت عدداً من النتائج المفاجئة. وفي أفريقيا رحيل أحد كبار مخرجي سينماتها إدريسا عويدرا أوغو.
... وهناك متفرقات أخرى.
*** حكاية وطن
اليوم الرابع من مهرجان برلين كان تكملة ليوم ثالث حافل بالأعمال التي تستدعي الاهتمام إن لم يكن التقدير كذلك. عدد منها تعامل مع قضايا مطروحة منذ أمس وإلى اليوم وما زالت بلا حل يُرتجى. تحديداً ما يُعرف بالقضية الفلسطينية. هذا الوضع الذي دفع المخرج البرازيلي جوزيه بَديّا (لبناني الأصل من عائلة بديعة) إلى إعادة طرح وتصوير عملية اختطاف طائرة «إيرفرانس» من أثينا إلى مطار عنتابي في العاصمة الأوغندية سنة 1976، وعلى متنها 248 مسافراً من بينه 102 مسافر يهودي أو بجوازات إسرائيلية.
ما إن قامت القوات الإسرائيلية بالإغارة على مطار عنتابي لانتزاع رهائنها، في عملية ناجحة عسكرياً وإعلامياً، حتى قامت السينما بتتويج تلك العملية في عملين متعاقبين. الأميركي مارفن ج. تشومسكي (وهو مخرج تلفزيوني ببراعات محدودة) أخرج فيلماً بثته محطة «ABC» الأميركية بعنوان «نصر في عنتابي». المنتج الإسرائيلي الراحل مناحيم غولان قدم، من إخراج الأميركي مارفن كيرشنر، الفيلم التالي «غارة على عنتابي» لحساب شركته «كانون» في العام ذاته.
بمقارنتهما (وهناك أفلام أخرى بعدهما) بفيلم جوزيه بَديّا الحالي، وعنوانه «7 أيام في عنتابي»، يتبدى كم غرق الفيلمان السابقان في المواطنية العاطفية التي لم تأخذ في حسابها طرح أي وضع سياسي أو تتناول البعد الأساسي لما حدث آنذاك. أكثر من ذلك تعامل الفيلمان مع سيل من العواطف الهشة أو التي بدت، من كثرة التباكي هنا والفخر هناك، كذلك.
«7 أيام في عنتابي» يتناول العواطف بصدق، ويضعها في إطار صحيح، كونه من البداية هدف إلى تقديم عمل لا ينحرف عن خط وجده ملتقى لمختلف الغايات من تلك العملية. بذلك هو الفيلم الوحيد الذي لا يتحدث عن معاناة اليهود الخائفين من عاقبة الخطف، بل وجهة نظر الفلسطينيين وعضوَي «بادر مانهوف» الألمانية اللذين شاركا فيها.
بالنسبة إلى الفلسطينيين فإن شخصية جابر تطرح المسألة بوضوح أكثر من مرّة. مثلاً المرّة الذي يتحدث فيها عن «الشلل الذي أصاب العقل الألماني نتيجة الشعور بالذنب» حيال ما آل إليه اليهود تحت قبضة النازيين، أو العبارة القوية التي ينطق بها قائلاً للشريك الألماني: «أنت لديك وطن تكرهه... أنا لديّ وطن أحبه لكنه ليس لي».
*** إشكال
يبدأ الفيلم بمشهد موسيقي مدهم: مجموعة كبيرة من راقصي الباليه الاستعراضي في إسرائيل يقومون على كلمات أغنية فولكلورية (أغنية باسم «Echad yi Yodea» كما يتردد) بتقديم استعراض راقص على الكراسي. هناك العدد الموازي لعدد الراقصين وهم يتلوُّون عليها أو يقفزون عنها ويطيحون بحيوية ملحوظة بأجسادهم في كل اتجاه. كلهم يجيدون ما يقومون به باستثناء راقصة واحدة تسقط أرضاً في كل مرّة.
علاقة هذا المشهد (الذي يتكرر كما يُختم الفيلم بالتناوب مع عملية الإنقاذ ذاتها) تتبدى سريعاً لمن يلحظ أن السقوط يقع بعدما تدخل الرقصة فصلاً حاسماً: كل الراقصين يبدأون استعراضهم بثياب الحاخاميين وبعد حين يخلعون تلك الثياب (الرداء ثم القميص) باستثناء الفتاة التي تقع أرضاً قبيل إتمام هذا المشهد.
الرمز هنا واضح، وهو أن التمسك بالتطرف الديني يؤدي إلى السقوط. وإذ يتكرر ذلك في مشاهد النهاية، فإن هذه الرسالة تأتي لتغلف الانتصار الإسرائيلي بعبثيته مؤيَّداً ما يطرحه الفيلم من أن ذلك التشدد السياسي ورفض الحوار المتساوي مع الجانب الفلسطيني (حسب رؤية رئيس الوزراء آنذاك إسحاق رابين) لا يمكن أن يعزز استقرار إسرائيل. في الفيلم يقول رابين لشمعون بيريز: «نحن في وسط جيران عرب وعلينا أن نتعايش معهم».
خط سير الفيلم تتابعي مقسَّم إلى 7 أيام، مع بعض مشاهد الاستعادة، والكثير من الانتقال ما بين عنتابي وتل أبيب. الجانب الإنساني نراه يكمن لدى الدوافع التي حَدَت بالفلسطينيين للقيام بتلك العملية. الجانب العسكري محدد بإقرار خطة مداهمة أثبتت نجاحها، إذ لم ينتج عنها سوى قتيل إسرائيلي واحد.
اللغات المستخدمة هي، حسب حجمها من الحوار، الإنجليزية والألمانية والعربية. لكن المخرج لا بد أنه وجد أن جعل الشخصيات الإسرائيلية تتحدث الإنجليزية فيما بينها ضروري، لأن المشاهد الإسرائيلية المصوّرة (في لندن كما في إسرائيل) كثيرة، ما يعني أن المتلقي عليه أن يعيش نحو نصف الفيلم مع لغة صعبة التلقي وتحتاج إلى ترجمة، ما يعيق وصول الفيلم وغاياته.
النهاية فيها إشكال كبير واحد: بإعادة مشاهد الرقص رغم ما تؤديه من مفاد، تظهر مشاهد إنقاذ الرهائن مستعجلة وأقل اندماجاً مع قوّة ما سبق. ولكن هذا، على الأرجح، مقصود بسبب أن غاية الفيلم ليس تقديم غارة عنتابي كبطولة، كما فعلت الأفلام السابقة له، بل كحدث واحد في فصل متتابع من فصول القضية التي لم تُحل بعد لا سلمياً ولا حربياً. لكن في كل خانة أخرى من خانات الفيلم الفنية نجاح متين في توليفته وفي صنعته.
*** حكاية كاتب روسي
في دورات برلين المتعاقبة هناك دوماً أفلام عن شخصيات يهودية حاضرة أو أخرى ماضية عانت من الهولوكوست على نحو أو آخر. في هذه الدورة فيلم من هذا الطرح في المسابقة عنوانه «دوفلاتوف» عن الصحافي والروائي الروسي سيرغي دوفلاتوف الذي وُلد لأم أرمنية وأب يهودي. امتهن الكتابة بعد الخدمة العسكرية ونشر مقالاته في عدد من الصحف. حسب الفيلم الذي أخرجه أليكسي جرمان الابن، طُرد دوفلاتوف من الصحيفة التي كان يعمل فيها على نحو دائم بسبب مقالاته التي لم ترضِ الجهاز الأمني للنظام الشيوعي آنذاك (تقع الأحداث في السبعينات ومطلع الثمانينات).
يتخذ المخرج جرمان بطله مرآةً للفترة الزمنية التي كانت فيها البلاد الروسية ما زالت تحت إبهام التعاليم الستالينية حتى بعد رحيله. دوفلاتوف، كما يؤديه جيداً الممثل الصربي ميران ماريتش، هو المشهد الأمامي وفي الخلفية أحوال يساريين غير شيوعيين لا يستطيعون فتح أفواههم خوفاً من المخابرات، ومن يفعل يُسَق إلى الاعتقال وقد يموت على الطريق.
كحالات أخرى سابقة وفي أكثر من مكان، ينجز الفيلم نقداً يتعرض فيه لما كان يحدث لفئة واحدة من المواطنين عوض أن يوسع دائرته لتشمل كل الفئات الأخرى. ليس صحيحاً أن الفنانين والأدباء اليهوديين كانوا وحيدين في أزمتهم مع النظام (يهود آخرون لم يعيشوا في أزمة مطلقاً)، بل كان التعسف والرفض والسجن مشاعاً بين فئات وطوائف متعددة.
عدا ذلك، «دوفلاتوف» فيلم جيد السياق فيه لمسات شعرية، وبعض المشاهد ترتدي اللون البنّي وتشبه مشاهد مستخلصة من «أماركورد» لفيديريكو فيلليني.
مفاجآتها في من لم يفز
الأوسكار تتراءى من زاوية جوائز «بافتا»
أُعلنت أول من أمس، جوائز «بافتا» البريطانية، وهي الموازية للأوسكار، واشتهرت بأنها أقرب إلى بنت العم، إلى أن ارتفعت أهميتها فأصبحت شقيقة صغرى، وبذلك أتى موسم الجوائز على أحد آخر معقلين من معاقلها. الثاني هي الأوسكار ذاتها التي ترتسم على بُعد أسبوعين من الآن.
في النظرة الأولى يبدو أنه لا توجد مفاجآت. الأفلام والشخصيات المتنافسة هي، في الأساس، ذاتها التي تشترك في سباق الأوسكار. لكن بقراءة متأنية هناك بعض المفاجآت المستترة وراء ذلك الستار الظاهر.
من أهمها أن الجوائز التي تمنحها «أكاديمية الفيلم والتلفزيون البريطانية» أدارت ظهرها أكثر من مرّة لسينمائيّي بريطانيا في نتائجها. لا «بافتا أفضل فيلم» ذهبت إلى أي من الإنتاجات البريطانية (مثل «دنكيرك» الذي خرج بجائزة واحدة من بين 9 ترشيحات) ولا جائزة أفضل إخراج مُنحت لسينمائي برياني (كمخرجه كريستوفر نولان). ولا حتى جائزة أفضل ممثلة نالتها نجمة بريطانيا للجوائز هذا العام سالي هوكينز.
كذلك فإن الوضع الناتج عن منح جائزة أفضل فيلم لعمل ما، ومنح جائزة أفضل مخرج لسينمائي آخر لم يحقق ذلك الفيلم، تبدو ناشزة بعض الشيء. لكن الواضح أن الكثير من التنافس سبق هذه النتائج، ما جعل مهمة أعضاء الأكاديمية صعبة، كما وصفها أحدهم الذي يحضر فاعليات مهرجان برلين التقيناه في «الاستاند» الذي اتخذته السينما البريطانية منبراً لها في سوق الفيلم.
جائزة أفضل فيلم:
* «Three Billboards Outside Ebbing, Missouri».
الأفلام المنافسة الأخرى شملت «شكل الماء» و«دنكيرك» و«أحلك ساعة» و«نادِنِي باسمك». وأقواها في مجال التنافس كان «شكل الماء» وبعده «دنكيرك».
جائزة أفضل مخرج:
* غويليرمو دل تورو عن «The Shape of Water».
ما لم ينله الفيلم الأميركي «شكل الماء» في مسابقة أفضل فيلم حصده مخرج الفيلم دل تورو في هذه المسابقة. مرّة أخرى لم ينجز الفيلم البريطاني - الأميركي «دنكيرك» أي حظوة هنا، كذلك لم ينل مارتن مكدوناف، مخرج «3 ألواح خارج إيبينغ ميسوري» جائزة عن فيلمه الذي نال «بافتا» كما تقدم.
جائزة أفضل ممثلة:
* فرنسيس مكدورمند عن «Three Billboards Outside Ebbing, Missouri».
العام هو عامها بكل تأكيد، وفوزها هنا سيسبق فوزها بالأوسكار. المنافِسات الأخريات كن مارغوت روبي عن «أنا، تانيا»، وساوريس رونان عن «لايدي بيرد»، وآنيت بانينغ عن «نجوم السينما لا يموتون في ليفربول». وحدها، بين هؤلاء كانت سالي هوكينز الأقرب إلى خط الفوز والمنافسة الأولى لمكدورمند التي لم ترتدِ الثوب الأسود تيمناً بموجة «مي تو» بل رداء أحمر اللون بديلاً.
جائزة أفضل ممثل:
* غاري أولدمان عن «Darkest Hour».
هل يستحق؟ بكل تأكيد، والمنافسون هنا كانوا أقل قدرة على التشخيص الدرامي المتين مما مارسه أولدمان، لاعباً دور تشرشل. هذا باستثناء الدور الدرامي الخيالي الذي قام به دانيال داي لويس في «فانتوم ثرد» (Phantom Thread). الباقون كانوا جايمي بل عن «نجوم السينما لا يموتون في ليفربول»، ودانيال كالويا عن «اخرج»، ثم تيموثي شالامت عن «نادِنِي باسمك».
جائزة أفضل ممثلة مساندة:
* أليسون جَني عن «I, Tonya».
هذه السنة كانت زاخرة بالتمثيل المساند القوي من مجموعة موهوبة من الممثلات والممثلين. في عداد التمثيل النسائي هنا انضمت كرستن سكوت توماس، لاعبة دور زوجة تشرشل، في «أحلك ساعة»، ولسلي مانفيل عن «فانتوم ثرد»، وأوكتافيا سبنسر عن «شكل الماء»، ولوري متكالف عن «لايدي بيرد».
جائزة أفضل ممثل مساند:
* سام روكوَل عن «3 لوحات...».
كما كان متوقعاً، ذهبت هذه الجائزة للدور الذي قام به الأميركي سام روكوَل بانصهار أعلى من مقبول. وهو بذلك تجاوز زميله في الفيلم وودي هارلسون (النقطة البيضاء الإيجابية الوحيدة بين شخصيات الفيلم)، ووليم دافو عن «ذ فلوريدا بروجكت»، وكريستوفر بلامر عن «كل مال العالم»، وهيو غرانت عن «بادنغتون 2».
الجوائز الأخرى:
* أفضل تصوير: روجر ديكنز «Blade Runner 2049».
* أفضل سيناريو أصلي (مكتوب خصيصاً): مارتن مكدوناف «Three Billboards...».
* أفضل سيناريو مقتبس: جيمس أيفوري «Call Me By Your Name».
* أفضل صوت: رتشارد كينغ، وغرغ لانداكر، وغاري ريتزو، ومارك واينغارتن «Dunkirk».
* أفضل مؤثرات خاصة: جيرد نفزر وجون نلسون «Blade Runner 2049».
* أفضل تصميم إنتاجي (تصميم مناظر): بول أوستربيرغ وآخرون «The Shape of Water».
* أفضل توليف: جوناثان أموس وبول ماكليس «Baby Driver».
* أفضل موسيقى: ألكسندر دسبلات «The Shape of Water».
* أفضل تصميم ملابس: مارك بردجز «Phantom Thread».
* أفضل تصميم شعر: كازوهيرو تسوجي وآخرون «Darkest Hour».
رحل قبل أسبوعين من احتفاء مستحق
إدريسا عويدرا أوغو... عملاق بوركينا فاسو
إدريسا عويدرا أوغو الذي رحل يوم الأحد الماضي عن 64 سنة، كان أحد أبرز خلانه الأفارقة في العمل السينمائي، إلى جانب السنغالي عثمان سمبين الذي رحل سنة 2007، ومواطنه السنغالي أيضاً عبد الرحمن سيساكو، كانوا أعمدة الانطلاقة الأولى للسينما الأفريقية في الثمانينات.
وُلد في مدينة بانفورا في بوركينا فاسو سنة 1954 من أبوين مزارعين. إدريسا كان محباً للفنون ودرس بمنحة خاصة في مدينة واغادوغو التي احتضنت في السبعينات المهرجان الأفريقي الخالص الذي عرض فيه إدريسا أفلامه لجانب اشتراك بعضها في مهرجان قرطاج السينمائي الذي حمل راية العروض العربية والأفريقية وليست الأفريقية فقط.
أول فيلم قام عويدرا أوغو بإخراجه حمل سمات أفلامه اللاحقة كلها من حيث اهتمامه بتصوير الحياة الريفية في مقابل الحياة في المدينة. الفيلم هو «الاختيار» سنة 1986. استُقبل الفيلم جيداً ما حفّزه لتقديم فيلمه الثاني «الجدة» الذي نال جائزة الاتحاد الفيدرالي لنقاد السينما سنة 1989. بعده خطف من مهرجان «كان» جائزته الكبرى (الثانية بعد السعفة الذهبية) عن فيلمه «تيلاي» («القانون»).
هذان الفيلمان لامعان على وجه خاص بين أفلام المخرج. آنذاك كانت السينما الأفريقية تترعرع من تربة جديدة تماماً. لذلك لا ترتسم على هذين العلمين، ولا على معظم إنتاجاتها في ذلك الحين، انعكاسات أوروبية أو تأثيرات أجنبية عموماً، بل تستنبط فنها من ثقافة تتراوح بين المدينة وانشغالها والريف ومشكلاته بأسلوب يبدو -خصوصاً اليوم- أقل لمعاناً مما كان عليه آنذاك.
بعد ذلك أنجز 7 أفلام أخرى تراوحت بين ما حمل بعض سمات أعماله القوية السابقة، وبين تلك التي عبرت من دون لفت أي اهتمام فعلي، وآخرها «كاتو كاتو» قبل 12 سنة. وإلى جانب السينما حقق أعمالاً تلفزيونية وأخرى مسرحية، لكنه كان يخطط قبل وفاته للعودة إلى العمل السينمائي بفيلم، وإن لم يُكشف النقاب عن كنه ذلك الفيلم. ومركز «المركز البرازيلي للدراسات الأفريقية» كان على اتصال في الأسبوعين الماضيين مع المخرج الأفريقي لإقامة مظاهرة لمجمل أعماله كان من المقرر لها أن تتم في مطلع الشهر المقبل.
روزامند بايك لـ«الشرق الأوسط»: التمثيل عندي محطات... وأنا في رحلة
اثنان من أفلام روزامند بايك الأربعة هذا العام تتعامل، ومسائل دقيقة تتجمع تحت مظلة ملوّنة اسمها «مظلة الشرق الأوسط».
الممثلة البريطانية التي تعمل في الولايات المتحدة وخارجها بنشاط ملحوظ هذه الأيام والمولودة قبل 39 سنة في لندن، تظهر في فيلم «بيروت» لبراد أندرسن، الذي شوهد في مهرجان «صندانس» قبل نحو شهر وتظهر في فيلم جوزيه بديّا «7 أيام في عنتابي».
أما فيلماها الآخران فهما متباعدان في الأزمنة والأماكن: «الرجل ذو القلب الحديدي» هو إنتاج فرنسي- بريطاني للمخرج سدريك جيمينيز، ويعود إلى فترة الحرب العالمية الثانية، حيث سيعمل مهاجران تشيكيّان للعودة من بريطانيا إلى براغ للإشراف على اغتيال القائد النازي راينهارد هايدريتش الذي كان رئيس شعبة الغستابو ومصمم «الحل النهائي» الخاص باليهود. روزامند هناك بدور زوجة القائد.
وهي شوهدت قبل ذلك في «عداوات» للأميركي سكوت كوبر تؤدي دور المرأة التي فقدت عائلتها، عندما هاجمت شرذمةٌ من الهنود الحمر بيتَ العائلة، ثم كيف استطاعت التغلب على الحقد وتبادل المعرفة مع مجموعة من الهنود الآخرين.
حضورها في «7 أيام في عنتابي» يطغى على حضور معظم المشاركين في هذا الفيلم ليسن من ناحية حجم هذا الحضور الفعلي (وإن كان كبيراً) بل أساساً من حيث الدفق والقوّة التي تمنحهما لشخصية امرأة ألمانية اسمها «بريجيت كوفمان» كانت أحد أعضاء جماعة «بادر مانهوف» وشاركت في خطف الطائرة الفرنسية التي أقلّت مسافرين إسرائيليين. الوجهة تغيرت من باريس إلى عنتابي وخلالها، وبعدما حطت الطائرة في المطار الأوغندي، فإن قناعة بريجيت بأهمية وضرورة ما تقوم به لم تتغير إلا صوب النهاية وقبل انقضاض القوات الإسرائيلية لتخليص الرهائن.
وهناك ذلك المشهد اللافت لها وهي تتصل من هاتف عمومي بصديق ألماني لتبوح له بأنها لم تعد تعلم ما الذي تقوم به ولماذا. تعتقد حيناً أنها مؤمنة بما تقوم به، لأن هناك قضية عادلة لا يمكن التعبير عنها إلا بحمل السلاح. وأحياناً، كما تقول في الهاتف، تعتقد أن صديقها كان محقاً عندما نصحها بألا تتورط في تلك العملية. بعد نحو دقيقة من بوحها يتقدم منها موظف في المطار ويخبرها برفق بأن هذا الهاتف الذي تستخدمه معطل وهناك هاتف آخر تستطيع أن تستخدمه.
لنا أن نتصوّر المفاجأة المزدوجة لها ولنا، إذ لم نكن نعلم أنها تتحدث لمن لا يستطيع سماعها سوانا. التعبير المتراوح بين القوّة والضعف تعكسه روزامند بايك طوال الفيلم، لكنها في هذا المشهد تجسده تماماً.
الحديث معها هنا يبدأ من هذه النقطة...
* هذا المشهد يبدو تلخيصاً لدور بريجيت كوفمان في العملية. امرأة مؤمنة بما تقوم به سياسياً، لكنها عاطفية وتبدو غير واثقة.
- هو كذلك بالتأكيد. المشهد الذي تتحدث عنه كان لتلخيص حالتها بالإجمال. حين قدّم لي (المخرج) جوزيه، السيناريو توقفت كثيراً عند هذا المشهد تحديداً. أدركت أهميته وحضّرت نفسي له. أراد المخرج مني أن أعبّر حرفياً عن مشاعر تلك المرأة. في الحقيقة أعرف أن تلك المرأة شخصية حقيقية لكني لا أعرف إذا ما اتصلت بصديقها لتخبره كيف تشعر ولماذا.
* ما الذي كنتِ تعرفينه عن الحادثة الكبيرة بذاتها (حادثة عنتابي)؟
- لم أشاهد أياً من الأفلام التي تم إنتاجها عن هذه القضية، وهذا ساعدني في أن أبلور كل شيء من موطئ القدم فما فوق. أخبرني جوزيه بأن ما شاهده من أفلام سابقة لم تُقم شأناً للشخصيات التي قامت بالعملية. اعتبرتها مجرد شخصيات إرهابية مخيفة. هذا في اعتقادي مكّننا جميعاً، خصوصاً دانيال برول (يؤدي شخصية الألماني المشارك أيضاً في اختطاف الطائرة) وأنا، مكّننا من تقديم وجوه أخرى لم يتح لها حسن التقديم في الأعمال السابقة عن هذه الحادثة.
* في مطلع الفيلم تَرد عبارة تقول: «إن البعض ينظر إلى الفلسطينيين كمحاربين طلباً للحرية وآخرون يعتبرونهم إرهابيين». هل كوّنتِ رأياً في هذا الخصوص؟
- أعتقد أن الفيلم يقول جيداً ما لا يزال موضع نقاش حول العالم، وما أعرفه على نحو مؤكد أن الحل الذي ينادي الفيلم به من ضرورة إجراء المفاوضات بين الجانبين ضروري. أحب أن أرى سلاماً بين الشعبين واعترافاً بحق كل منهما في حياة عادلة. مهما كانت الظروف والمصاعب هذا أمر منصف وحتمي.
* أضم هذا الفيلم إلى عدة شخصيات قمت بتمثيلها مؤخراً، ربما من Gone, Baby Gone وهي أدوار تعكس قوّة داخلية. هذا تكرر أيضاً في «عداوات». كيف تتوصلين إلى هذه النتيجة؟ هل أنتِ امرأة قوية من الداخل؟
- دائماً ما أجد أني أضع نفسي في مثل هذه الأدوار. إنها أدوار صعبة التنفيذ كما أعتقد. في ذلك الفيلم كان عليَّ أن أقرأ في مذكرات بعض النساء اللواتي فقدن أولادهن في حادثة عنيفة كالتي في الفيلم. هذا كوّن عندي فكرة عن كمّ الأسى والشعور باليأس الذي لا بد أن تشعر به كل أمّ في مثل هذه الحالة. الذي قمت به في ذلك المشهد في الفيلم هو تنفيذ للمشاعر التي اكتسبتها من قراءاتي كما من مفهومي الشخصي حول كيف يمكن لمثل تلك المرأة أن تتصرف.
* وفي «7 أيام في عنتابي» لديكِ أيضاً ذلك القدر من القوّة الشخصية. ما الحافز الذي يدفعك إلى اختيار هذه الأدوار؟
- هو ليس اختياراً بالمطلق. لا أجلس وأنتقي من بين الأدوار ما يجسد بالضرورة قوّة داخلية للشخصية التي سأقوم بها ضد شخصية أخرى ربما ليس لديها هذا القدر من القوّة. التمثيل عندي محطات، وأنا في رحلة.
* ماذا تقصدين؟
- هناك أدوار لا بد من استخدام كامل قدراتك فيها لكي تؤكد للمشاهد أنك كممثل تؤدي الشخصية كما لو كان يراها عن بُعد قريبة. أيّ حل آخر هو تذكير بأن هناك ممثلاً يؤدي الدور وقد يكون أو لا يكون مقنعاً. رحلتي هي أن أعيد إحياء المشاعر والأفكار التي تطرأ على الشخصيات التي أقوم بتمثيلها حتى لا تبدو ضحلة. دوري أن أضع نفسي في ذاكرة الشخصية وفي عقلها وقت الحدث. لكني لا أتوقف لأقول لنفسي سأوافق على هذا الدور لأنه يمنحني هذه الفرصة، ولن أقوم بتمثيل ذلك الفيلم لأنه لا يمنحني هذه الفرصة.
* بضعة أفلام لكِ في السنوات الأخيرة اختفت عن الرادار. من بينها، إن لم أكن مخطئاً، «ما الذي فعلناه في عطلتنا» و«Return to Sender»، هل هناك من أسباب لذلك؟
- تنتهي من الفيلم وتدخل سواه ولا تعلم بنتيجة الفيلم السابق إلا في ما بعد. بعض الأفلام التي مثلتها، على سبيل المثال، أنا في فيلم «الرجل ذو القلب الحديدي» الذي أنتجته شركة «واينستين» والتي آلت إنتاجاتها الأخيرة كلها إلى التأجيل المطلق. هناك أمور كثيرة تحدث لك ولا تختارها.