سنوات السينما

مشهد من فيلم «أجور الخوف»
مشهد من فيلم «أجور الخوف»
TT

سنوات السينما

مشهد من فيلم «أجور الخوف»
مشهد من فيلم «أجور الخوف»

Wages of Fear
(1953)
رائعة كلوزو عن تلك الطرق المحفوفة بالخطر

هناك عدة نسخ من هذا الفيلم تختلف باختلاف ما اقتطع منه. النسخة التي شهدتها الصالات البريطانية في منتصف الخمسينات كانت قصيرة (نحو 100 دقيقة). النسخة التي تعرضها المحطّات التلفزيونية من حين لآخر اليوم مؤلّفة من 148 دقيقة. لكن النسخة الأصلية تبلغ 156 وهي المتوفّرة حالياً على أسطوانات.
المخرج هو الفرنسي جورج - هنري كلوزو الذي كان حقق قبل هذا الفيلم مجموعة من الأعمال المهمّة مثل Le Corbeau، سنة 1943 وQuai des Orlèvres في عام 1947 وفي هذين الفيلمين، كما في سواهما، كشف عن ميله لتناول نوازع العنف عند البشر.
هذه المرّة، في «أجور الخوف» يمزج هذه النزعة بالمهمّة الصعبة التي على مجموعة ممثليه (في مقدّمتهم إيف مونتان في أفضل أدواره) تنفيذها: خمسة رجال سينقلون صفائح نيتروجين على متن شاحنتين، من بلدة لاتينية إلى أخرى، وعلى طريق جبلية وعرة. المهمّة خطرة لأن أي اهتزاز كبير قد يفجّر الحمولة ذاتها. إذا ما كانت هذه هي المهمّة والحبكة فإن الساعات الثلاث إلا ربعاً مصروفة جيّدا على تقنين ذلك الخطر وتمريره في بحث للظروف الشخصية للمجموعة التي تقوم بالمهمّة لقاء أجر مضطرة إليه.
الساعات الطويلة كافية أيضاً لتأخير ذلك الخطر قدر الإمكان وإبقاء التساؤل قائماً عما ستؤول إليه الرحلة. هؤلاء الرجال في شاحنتين سيتقاضون من شركة بترول أميركية 8 آلاف دولار لمهمة بالغة الخطورة لكنهم لا يمانعون لأنهم عاطلون عن العمل معظم الوقت. المسافة هي 300 ميل (نحو 483 كيلومتر) ولدى المخرج الوقت الكافي للحديث عن شخوصه وظروفها كما لمعالجة مسألة الحياة والموت المطروحة من بداية الرحلة حتى نهايتها. هناك لكنة ساخرة من مطلع الفيلم تتعامل وظروف العيش لشخصيات الفيلم الرئيسية كما للمواطنين البسطاء (وشديدي الفقر) في تلك البلدة. هذا الجزء يستمر لنحو ساعة، ومعظمه ليس وارداً في رواية جورج أرنو التي تم اقتباس الفيلم عنها، بل إضافة المخرج كلوزو لكي يوفر للفيلم وضعاً دراسياً ولمنح شخصياته ما يكفي من البنية المتواضعة التي سيحتاجها الفيلم والمشاهد على حد سواء.
الممثلون (بينهم أيضاً شارل فانيل وفولكو لوللي) ليسوا أبطالاً مغاوير ولا الفيلم تقليداً لمعالجة الفيلم التشويقي الأميركي المعتاد، بل شخصيات عادية في مغامرة استثنائية قد لا يخرج منهم أحد حياً. يرسم كلوزو العلاقات والاختلافات بين هذه الشخصيات على نحو واقعي مع بعض الشعرية العاطفية المنسوجة من رقتهم الواضحة تحت ذلك القناع الخشن ومن ذكرياتهم. أسلوب كلوزو هنا قائم على لقطات من مختلف الأحجام لكن مع حركات محدودة للكاميرا (وفي كثير من المشاهد من دون تحريك الكاميرا مطلقاً). ذلك، باعترافه، نتيجة الرغبة في إبقاء الحكاية واقعية وبسيطة، لكن لا شيء بسيطاً هنا. لا حدود للتشويق الناتج عن كيف ستستطيع الشاحنتان القيام برحلة معرّضة لأن تنتهي في أي لحظة إذا ما اهتزت الحمولة بفعل القيادة على طرق وعرة وغير إسفلتية.
كانت نية كلوزو التصوير في إسبانيا لكن الممثل مونتان رفض على أساس معاداته لفاشية فرانكو فتم تصويره في جنوب فرنسا. وحسب مجلة «موفي» البريطانية كان هذا الفيلم أول فيلم أوروبي تعرضه الصالات البريطانية من دون دبلجة. كذلك هو الفيلم الوحيد الذي نال سعفة كان ودب برلين معاً.


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.