تراجع التوتر الدبلوماسي والإعلامي الذي اشتدّ الأسبوع الفائت بين باريس وأنقرة، بسبب شكوك فرنسية حول حقيقة الأهداف التركية من عمليتها العسكرية في عفرين، والتي عبر عنها الرئيس إيمانويل ماكرون، ووزير خارجيته جان إيف لو دريان. وعكس الاتصال الهاتفي الذي حصل مساء أول من أمس (السبت)، بين ماكرون ونظيره التركي رجب طيب إردوغان، بمبادرة من الأول، رغبة الطرفين في خفض التوتر بعد أن كان قد وصل إلى حد كيل الاتهامات المباشرة.
التخوف الفرنسي الذي جاء على لسان ماكرون كان أساسه قلق باريس من أن يكون الغرض الحقيقي لتركيا من عمليتها في عفرين تنفيذ عملية «اجتياح» و«احتلال» لأراضٍ سورية تحت ذريعة القضاء على «الإرهابيين»، أي وحدات حماية الشعب الكردية التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني السوري الذي تعده أنقرة امتداداً لتنظيم حزب العمال الكردستاني. ولم يتردد ماكرون ولو دريان في «تحذير» تركيا بداية الشهر الجاري، الأمر الذي دفع رئيس الحكومة التركية بن علي يلدريم، ووزير الخارجية مولود شاوش أوغلو، إلى الرد بعنف على باريس وتذكيرها بتاريخها الاستعماري في الجزائر واعتبارها غير مؤهلة «لإعطاء دروس» لتركيا.
حقيقة الأمر أن «المخاوف» الفرنسية واكبت منذ البداية انطلاق العملية التركية في العشرين من الشهر الماضي. وسريعاً جداً، نقلت باريس المسألة إلى مجلس الأمن تحت مسمى «الوضع الإنساني» في سوريا. ثم عمد الرئيس ماكرون إلى الاتصال هاتفياً بإردوغان. وحسب البيان الرسمي الذي صدر عن قصر الإليزيه عقب ذلك، فإن الأول عبّر عن «قلقه» من عملية عفرين رغم تفهم باريس للدواعي الأمنية التركية. وشدد ماكرون على 3 أمور: التركيز على محاربة «داعش» والتنظيمات المتشددة الأخرى، وضمان الحماية للمدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية، وأخيراً توفير البيئة الملائمة لحل سياسي دائم في سوريا.
لكن ردة الفعل التركية الحادة التي جاءت على لسان شاوش أوغلو، والحملة على باريس في وسائل الإعلام التركية، دفعتا فرنسا إلى التخفيف من حدة انتقاداتها، والعمل على احتواء الأزمة الدبلوماسية الناشئة. ورغم ما قاله وزير الخارجية التركي، فإن ماكرون سارع إلى التأكيد أن ما جاء على لسان الأخير جعله «يطمئن». وقال ماكرون، الخميس الماضي، خلال وجوده في زيارة رسمية لتونس، إن «ردة فعل وزير الخارجية التركي تعني بكل تأكيد أن (العملية العسكرية) ليست سوى (العمل على) توفير أمن الحدود، وأن تركيا لن تذهب أبعد من المواقع التي تحتلها اليوم، وأنها لن تبقى بشكل دائم في المنطقة».
بيد أن هذه «التطمينات» لا يبدو أنها كافية لباريس، الأمر الذي يفسر الاتصال الهاتفي الجديد بين ماكرون وإردوغان. وأفادت الرئاسة التركية، عبر وكالة «الأناضول» الرسمية للأخبار، تأكيد إردوغان أن بلاده «لا تطمع في أراضي أي دولة»، وأن غرض تركيا من عملية «غصن الزيتون» في عفرين هو إبعاد «العناصر الإرهابية»، علماً بأن باريس لا تَعتبر كبقية البلدان الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية وروسيا، أن وحدات حماية الشعب تنظيم إرهابي بعكس تصنيفها لحزب العمال الكردستاني. وحسب بيان صادر عن قصر الإليزيه، فإن الاتصال الهاتفي تناول، إلى جانب «غصن الزيتون»، بحثاً في الأزمة السورية، واتفقا على العمل المشترك من أجل «خريطة دبلوماسية» للحل في سوريا، والاستمرار في التواصل بشأن القضايا الإقليمية والعلاقات الثنائية. كذلك تم البحث في نتائج مؤتمر «سوتشي» الذي شاركت تركيا في رعايته بينما قاطعته فرنسا والدول الغربية.
وتَعتبر مصادر دبلوماسية في باريس، أن ما صدر عن المسؤولين الفرنسيين كان «تحذيراً استباقياً» وعملية «ضغط سياسي» على أنقرة لتنبيهها من العواقب التي يمكن أن تترتب على عمليتها في حال دامت طويلاً أو تغيرت أهدافها، ومن هنا كانت إشارة شاوش أوغلو إلى أن باريس «تعرف جيداً الهدف الحقيقي من هذه العملية». لكن تصريحات إردوغان المتلاحقة «معركة منبج والوصول إلى الحدود العراقية...» تزيد الغموض حول ما تريده تركيا حقيقة. وقالت مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط»، إنها فهمت من الجانب التركي أن «(غصن الزيتون) تهدف إلى إقامة شريط أمني» على الحدود مع سوريا لا يضم مدينة عفرين التي «لن تكون السيطرة عليها سهلة من الناحية العسكرية». وتلاحظ هذه المصادر أن المكاسب الميدانية التي حققتها تركيا وقوات الجيش السوري الحر التي تقاتل إلى جانبها، ما زالت ضئيلة. فضلاً عن ذلك، تتوقع هذه المصادر أن تزيد الضغوط على أنقرة كلما طال أمد المعارك وازدادت أعداد الضحايا من المدنيين. كذلك فإن الضغوط الداخلية على الحكومة التركية بسبب سقوط قتلى في العمليات العسكرية أو في القصف الذي يستهدف قرى ومدناً تركية قريبة من الحدود مع سوريا، سيكون له تأثيره أيضاً على مجريات العملية. ثمة مؤشرات تدل على أن أنقرة أخذت بعين الاعتبار هذه العوامل، ومنها قول إردوغان، أول من أمس، إن «(غصن الزيتون) اقتربت من تحقيق أهدافها»، بينما الواقع الميداني يدل على عكس ما يؤكده الرئيس التركي.
يبقى أن باريس وأنقرة اللتين عجّلتا في العمل على طي صفحة التوتر أقله ظاهرياً، لهما مصلحة مشتركة في التفاهم بسبب حاجة كل منهما إلى الطرف الآخر بما في ذلك في المسألة السورية. وبغياب باريس عن سوتشي وقبلها عن آستانة، فإن تركيا، رغم تقلب مواقفها، تبقى الجهة التي يمكن أن تعوّل عليها باريس لتكون الطرف الذي يعبّر عن مواقف قريبة من مواقفها ومواقف المعارضة السورية في المحافل التي تغيب عنها.
تركيا تطمئن فرنسا حيال أهداف «غصن الزيتون»
إردوغان لماكرون: لا أطماع لنا في أراضي أي دولة
تركيا تطمئن فرنسا حيال أهداف «غصن الزيتون»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة