ليس ثمة أمور مؤكدة في عالم كرة القدم، لكن كيفين فيليبس اقترب كثيراً من ضمان مسألة تسجيل أهداف في كل مرة كانت تطأ قدماه أرض الملعب، لينهي مسيرته الكروية بإحراز 282 هدفاً على مدار 20 عاماً كلاعب محترف. ورغم أن وضع كرة القدم داخل الشباك ربما يبدو بالأمر الهين، لكن في الحقيقة الأمر نجد أنه حتى أفضل المهاجمين يجدون صعوبة في شرح فن تسجيل الأهداف. وغالباً ما يجري تفسير الأمر من زاوية الغريزة والحاسة السادسة التي تعين اللاعب على تخيل النقطة المناسبة التي يمكن تصويب الكرة باتجاهها لتسكن الشباك.
وبعدما قضى حياته المهنية داخل الملاعب في إحراز الأهداف، يعكف فيليبس حالياً على محاولة تعليم آخرين كيفية إنجاز ذلك في إطار دوره كمساعد للمدير الفني في «ديربي كاونتي»، رغم إقراره سلفاً بأنه ليس ثمة صيغ سحرية تضمن تسجيل هدف. وفي هذا الصدد، قال فيليبس: «عاينت الكثير من الآراء بخصوص ما إذا كان بمقدور المرء تدريس الشعور الغريزي. وأنا من جانبي أؤمن بشدة بأنه يمكنك دفع آخرين نحو التحسن وتقديم أداء أفضل، لكن عندما تمعن النظر في المهاجمين على مر السنوات داخل الدوري الإنجليزي الممتاز - أوين وفاولر وكول وشيرر - ستجد أن الكثير من الأهداف التي سجلوها جاءت بناءً على شعور غريزي. والملاحظ أن لاعبين أمثال تيري هنري امتلكوا هبة التقاط الكرة من العمق واجتذاب لاعبي الخصم نحوه، ثم خداعهم بتسجيل أهداف ساحرة، بينما نجد أن ثمة لاعبين آخرين كانوا في المكان الصحيح في اللحظة الصحيحة فحسب. وبالنسبة لي، هذا يعود إلى الغريزة».
وأضاف فيليبس: «لا يمكنك تدريس الجزء الأكبر من هذه الأمور في إطار دورك كمدرب، لكن يبقى بإمكانك دفع اللاعبين نحو تقديم أداء أفضل على هذا الصعيد، بمعنى أن بإمكانك تعليم اللاعبين كيفية الاضطلاع بالجري على النحو الصحيح، والجري إلى جانب الخط، والبقاء في الداخل واختيار التوقيت المناسب للجري، ومحاولة التمركز داخل الأماكن الصحيحة. ومع هذا، تظل الحقيقة أنه خلال مسيرتي كلاعب، غالباً ما كنت أجد نفسي في مراكز لا أدري كيف وصلت إليها. لقد وجدت نفسي في هذه النقطة فحسب. وأعتقد أن هذه هبة يولد المرء بها».
جدير بالذكر أن فيليبس سطع نجمه خلال حقبة تميزت بأسماء لامعة من المهاجمين الإنجليز، وقبل فترة طويلة للغاية من العصر الذي تمكن خلاله تامي أبراهام (يلعب لسوانزي سيتي على سبيل الإعارة من تشيلسي، ودومينيك سولانكي ليفربول) من الفوز بشرف المشاركة الدولية مع المنتخب للمرة الأولى بعد مشاركتهم في حفنة من مباريات الدوري الممتاز. عن ذلك، قال فيليبس: «عند النظر على المهاجمين الإنجليز اليوم نجد أنه من المحتمل ألا يحتاج المرء سوى لتسجيل 10 أهداف في إطار الدوري الممتاز لينال فرصة الانضمام إلى المنتخب الإنجليزي. أما في زمني، فإن المنافسة أمام المهاجمين الآخرين كانت تفرض عليك تسجيل 20 هدفاً أو أكثر، نظراً لغزارة الأهداف التي كان يتميز بتسجيلها الجميع. لقد كنا محظوظين بوجود الكثير من المهاجمين العظماء، وكان من الرائع أن أقف بينهم».
واستطرد فيليبس بقوله: «من أكثر الأشياء التي يرددها الناس على مسامعي أنه كان ينبغي أن أحصل على فرصة المشاركة في عدد أكبر من المباريات مع المنتخب الإنجليزي، لكنني في الواقع سعدت بحصولي على هذه الفرصة خلال ثمانية مباريات. وبالنظر إلى قوة المهاجمين الذين كنت أنافسهم، أجد نفسي محظوظاً بحصولي على فرصة المشاركة في تلك المباريات الثمانية. أما اليوم، فربما كنت لأشارك في 58 مباراة دولية».
وقد اقترب فيليبس بالفعل من تحقيق هذا الأمر عندما اختاره كيفين كيغان في فريقه المشارك في بطولة «يورو 2000»، إلا أنه لم يحظ بفرصة المشاركة فعلياً في أي مباراة ولو لدقيقة واحدة. في ذلك الوقت، كانت ثمة شراكة رائعة قائمة بين شيرر وأوين، في الوقت الذي كان فيليبس قد أنجز لتوه موسمه الأول بالدوري الممتاز بـ30 هدفاً لحساب «سندرلاند». ويبقى فيليبس آخر لاعب إنجليزي حصد جائزة «الحذاء الذهبي» الأوروبية.
ويبدو هاري كين اللاعب الوحيد الذي اقترب من محاكاة هذا الإنجاز. ويأمل فيليبس من جانبه في أن ينجح كين بالفعل في ذلك ليضع نهاية لفترة الجدب تلك.
وعن كين، قال فيليبس: «يبدي أخلاقاً رائعة في اللعب. وقد تعلمت على مر السنين أنه كلما بذلت مجهودا، ازددت حظاً. والملاحظ أن هاري كين لا يتوقف عن الجري وبالفعل يحصد في النهاية مكافأته عن هذا التوجه - هذه الرغبة وهذا التعطش - ويأتي ذلك بجانب المميزات التي يتمتع بها من حيث قدرته على تصويب الكرة نحو المرمى، وذكائه في تحديد أي الاتجاهات ينبغي أن يجري نحوها، علاوة على قدرته على تصويب الكرة بالرأس». وأضاف: «أتذكر مشاهدتي له منذ ثلاث سنوات عندما بدأت العمل بمجال التدريب للمرة الأولى في (ليستر سيتي) وجاء (توتنهام هوتسبير) إلى استاد (كينغ باور). كان في ذلك الوقت قد بدأ يجذب الأنظار إليه، وفي الحقيقة لم أنبهر كثيراً بأدائه. إلا أنني أجد اليوم أنني كنت مخطئاً في انطباعي عنه لأنه منذ ذلك الحين يبدو لاعباً مختلفاً تماماً. في الحقيقة، قدم كين أداءً جيداً للغاية على نحو يتعذر تصديقه، ويوحي بأنه قادر على معالجة المعلومات التي يتلقاها داخل ملعب التدريب على النحو الصحيح وتطبيقها داخل المباريات، وهو أمر رائع».
على امتداد مسيرته، نجح فيليبس في إحراز مجموعة مبهرة من الأهداف، لكن يبقى واحداً منها في مكانة بارزة بخلاف الآخرين. وفي هذا الصدد، قال فيليبس: «الهدف الذي سجلته لحساب (سندرلاند) في مرمى (تشيلسي) بملعب (ستاديوم أوف لايت) معقل لاسندرلاند، من على بعد 25 ياردة، يعتبر الأبرز في مسيرتي من وجهة نظري، ذلك أنه جاء في مرمى فريق تشيلسي في وقت كان يضم زولا وبويت وديزيلي ووايز وليبويف». يذكر أن هذا الهدف جاء في منتصف أنجح المواسم التي خاضها في الدوري الممتاز، في وقت نجح فيليبس خلاله في بناء شراكة هجومية رائعة مع نيال كوين نجحت في دفع «سندرلاند» الذي كان قد صعد حديثاً إلى الدوري الممتاز نحو المركز السابع في قائمة ترتيب أندية الدوري الممتاز. وقد سجل كل منهما هدفاً ذلك اليوم في مباراة مثيرة انتهت بفوز «سندرلاند» بنتيجة 4 - 1.
وعن علاقته مع كوين، شرح فيليبس: «توافقنا مع بعضنا البعض بصورة طيبة داخل وخارج الملعب، الأمر الذي شكل مصدر عون كبير لأداء الفريق. وكانت النصيحة التي تلقيتها من مدرب سندرلاند في ذلك الوقت بيتر ريد أن ألعب حول نيال، وألا أبتعد عنه قط لمسافة تتجاوز 10 أو 15 ياردة. وعندما كانت الكرة تصل إليه، كان واجبي أن أقرأ تحركاته وأتطلع نحو التمركز خلفه. في ذلك الوقت، لم يكن الدوري الممتاز مخضرماً فيما يخص الشراكات بين لاعب صغير القامة وآخر ضخم القامة. كان نيال يضرب الكرة وكان علي قراءة إلى أين ستتجه، والواضح أن هذا الأمر أدهش الجميع».
وأضاف فيليبس أنه: «لقد نشأت في حقبة كان من غير المألوف أن يلعب فريق ما بالاعتماد على مهاجم واحد. وقد اضطررت للاضطلاع بهذا الأمر مرات قليلة، ولم يرق لي إطلاقاً. شعرت في ذلك الوقت أنه لن تتسنى لي فرصة الحصول على الكرة كثيراً. وكنت أشعر بمتعة أكبر بكثير عندما كنت ألعب إلى جوار شخص ما لأن هذا يعزز قدرتك على التفاهم وقراءة أفكار الآخر. وبالتأكيد كان هذا الأمر قائماً بيني وبين نيال». من جانبه، يعرف فيليبس أكثر عن غيره بكثير حجم التطور الذي طرأ على كرة القدم على امتداد الأعوام الـ25 الماضية.
كان فيليبس قد بدأ مسيرته الكروية في نادي «بالدوك تاون» للهواة عام 1991 - بعد أن رحل عن نادي «ساوثهامبتون» كناشئ صغير - واعتزل اللعب في سن الـ40 بعدما عاون «ليستر سيتي» على الصعود إلى الدوري الممتاز.
ورغم أنه قابل إغراءات للاستمرار لموسم آخر، فإنه قرر الاضطلاع بدور بمجال التدريب مع النادي. عام 2015، انتقل إلى «ديربي كاونتي»، ودارت أقاويل حول احتمال انتقاله إلى «سندرلاند». ورغم أنه تألم لدى معاينته المحنة التي ألمت بالفريق، أكد فيليبس أنه ليس على عجلة من أمره لأن يحل محل المدرب الحالي سيمون غرايسون، مشدداً على أنه يستمتع بدوره الحالي ولا يرغب في استعجال الانتقال إلى الخطوة التالية بمجال التدريب.
وقال: «الأمر منحني تعليمي بالنسبة لي على مدار الأعوام الثلاثة ونصف العام الأخيرة. انطوى الأمر على تحديات كبيرة، لكن في كل صباح كنت أنهض وأسأل نفسي: (ماذا سيحدث يا ترى اليوم؟) ومن شأن هذا الوضع إبقاءك دوماً في حالة من التأهب. عندما تعمل على تحسين أداء لاعب ما طيلة الأسبوع، ثم تحصد ثمار مجهودك خلال عطلة نهاية الأسبوع، فإن هذا في اعتقادي الجزء الأروع من العمل بمجال التدريب». وأشار الهداف السابق إلى أنه: «فيما يتعلق بالتدريب، لا أود القفز في خطواتي، لكن هذا الأمر يروق لي بالتأكيد في المستقبل. ربما ينعتني البعض بالجنون لأن فترة الحياة المهنية للمدربين قصيرة للغاية بطبيعتها، لكنها تظل مثيرة للاهتمام بالنسبة لي. في الواقع، استمتع كثيراً بالعمل مع غاري رويت هنا في (ديربي كاونتي) وأتعلم منه فن التدريب، لكن أحداً لا يدري ما يخبئه المستقبل. وهنا يكمن سحر كرة القدم».
كيفين فيليبس: فن إحراز الأهداف يمكن تدريسه
آخر لاعب إنجليزي حاصل على جائزة «الحذاء الذهبي» الأوروبية يتحدث عن خبرته التدريبية
كيفين فيليبس: فن إحراز الأهداف يمكن تدريسه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة