مع انتشار الألعاب الإلكترونية وحضورها على معظم تطبيقات الهاتف الجوال والأجهزة اللوحية، إلا أنّها لا تزال مصدر قلق للتربويين وأرباب الأسر، الذين يرون فيها ساحة خصبة لغرس بعض المفاهيم في أذهان الأطفال والنشء، وهو ما تؤكده العديد من الدراسات الحديثة التي تربط بين هذه الألعاب وتزايد معدلات العنف والعدوانية.
ويبدو الأمر أشد صعوبة في الألعاب الإلكترونية التي تعتمد بدرجة كبيرة على التواصل مع الغرباء واللعب معهم، كما أنّ مراقبتها مهمة شاقة وشبه مستحيلة، مما يجعل الأطفال فيها أشبه بلقمة سائغة لدى الرّاغبين في تجنيدهم أو زعزعة مفاهيمهم من خلال خصائص اللعبة الإلكترونية النصية والصوتية، الأمر الذي يفتح جبهات جديدة حول مدى خطورة هذه الألعاب ودورها على النشء.
وترى، غادة سلامة، اختصاصية تعديل سلوك الطفل، أن الألعاب الإلكترونية المباشرة بالذات التي يتواصل فيها الطفل مع الغرباء خطرة، وتضيف: «التعامل مع الغرباء سهل على الراشدين، لأنهم يستطيعون فلترة الأفكار وعدم الانجراف خلف رأي الآخرين، لكن الأطفال لا يستطيعون ذلك، وهنا تكمن المشكلة».
وبيّنت سلامة لـ«الشرق الأوسط»، أنّ كثيرا من الأطفال يتعلمون سلوكيات خاطئة من وراء هذه الألعاب، مثل القمار وحيل السرقة والاعتداء والقتل والخطف، مضيفة: «الطفل في اللاوعي يسجّل هذه الأمور على أنّها جيدة ودليل ذكاء، لأنّه كلما سرق وقتل حقّق نقاط أكثر وفاز باللعبة وتقدم فيها إلى مراحل أشد خطورة».
وكان الدكتور فهد الغفيلي، مدير إدارة المعلومات والإنترنت في الإدارة العامة للأمن الفكري بوزارة الداخلية، قد كشف في بحث أجراه بعنوان «الأطفال بين الألعاب الإلكترونية والتقليدية... رؤية تربوية مستقبلية»، استغلال التنظيمات الإرهابية الألعاب الإلكترونية للتمكن من الوصول إلى الأطفال والناشئة.
واستدل البحث الذي طرحه الغفيلي في وقت سابق، بتنظيم داعش الإرهابي، وسعيه إلى استغلال هذه الوسيلة لتحقيق العديد من الأهداف التي يأتي من أبرزها محاولته الوصول إلى فئة الشباب وصغار السن لتجنيدهم. وبيّن البحث أنّ التنظيم حقّق أهدافا تتعلق بحملته الدعائية، بسبب توافر الأموال في أيدي القائمين على التنظيم الإرهابي، إضافة إلى استخدامهم طرقا جديدة لبث رسائلهم.
وحاول الغفيلي إيجاد تفسير لهذه الظاهرة، من خلال بيان المنهجية التي اتّبعها التنظيم الإرهابي باستخدام «نظرية التلعيب» التي تنمي روح المنافسة لدى الأشخاص، وتدفعهم للانضمام إلى الجماعات الإرهابية، ليطبّقوا على أرض الواقع ما مارسوه في العوالم الافتراضية، مشيرا إلى أنّ التنظيم الإرهابي سعى إلى استغلال الروح العدوانية لدى ممارسي الألعاب العنيفة وعمل على تجييرها لخدمة أهدافه.
ولاحظ البحث محاولة التنظيم إغراق وسائل التواصل المختلفة برسائله الدعائية، ومنها منصات الألعاب الرقمية، لمعرفة القائمين عليها بأنّ استجابة نسبة ولو قليلة جدا من مستخدمي تلك الألعاب ستوفر للتنظيم كل ما يحتاجه من جنود، لافتا الانتباه إلى أنّ فلسفة التنظيم في استخدام هذه الألعاب ومخاطبة صغار السن تعود إلى سياسية التنظيمات الإرهابية التي تؤمن بأهمية تكرار رسائلها للأجيال عبر تكريس العنف وتشرب الفكر الإرهابي منذ الصغر، للالتحاق بالتنظيم في مراحل عمرية لاحقة.
يأتي ذلك في استباق للهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع في السعودية التي اعترفت بوجود فوضى في سوق الألعاب الإلكترونية، مما دعاها إلى إعداد معايير وتصنيف إلزامي لتنظيم القطاع، من خلال مشروع نظام التصنيف العمري للألعاب الإلكتروني الذي يسعى إلى: تصنيف الألعاب الإلكترونية بمعايير تلائم المجتمع السعودي، وتنقيح المحتوى من المخالفات، مع الحرص على عدم الإخلال بتجربة اللعبة والاستمتاع بمراحلها، وحماية الأطفال والشباب من التأثر بمحتوى الألعاب.
الألعاب الإلكترونية... ميدان قلق باتجاهات مختلفة
تزايد المخاوف من تأثيرها النفسي والسلوكي على الأطفال
الألعاب الإلكترونية... ميدان قلق باتجاهات مختلفة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة