كوريا الجنوبية تطبق أكبر زيادة بالحد الأدنى للأجور منذ بداية الألفية

ضمن رؤية لخلق نمو يعتمد على الطلب المحلي

TT

كوريا الجنوبية تطبق أكبر زيادة بالحد الأدنى للأجور منذ بداية الألفية

قررت كوريا الجنوبية رفع الحد الأدنى للأجور في الساعة إلى 7.35 ألف وون (7 دولارات) بدءا من العام المقبل، مرتفعاً بنحو 16.4 في المائة عن حد الأجور المطبق حاليا، وهي أكبر زيادة منذ سبعة عشر عاما.
ونقلت وكالة «يونهاب» الكورية للأنباء، عن تقرير لوزارة التخطيط والمالية الكورية الجنوبية، أن الحد الأدنى الجديد للأجور سيطبق على جميع العمال بغض النظر عن أشكال التوظيف والجنسيات، وذلك بموجب قانون معايير العمل.
وتعد تلك الزيادة هي الأكبر منذ 2001. وتأمل حكومة الرئيس مون جاي إن في زيادة الحد الأدنى للأجور إلى 10 آلاف وون في الساعة بحلول عام 2022، وهو التاريخ الذي يتزامن مع نهاية الفترة الرئاسية لمون التي تمتد لخمس سنوات.
وتأتي زيادات الأجور في كوريا في سياق تطلعات حكومة الرئيس الليبرالي لخلق نمو اقتصادي يعتمد على الإنفاق الاستهلاكي بدلا من التركيز على الصادرات فقط.
ومن المرجح أن ينمو الاقتصاد الكوري بنسبة 3 في المائة خلال العام المقبل، لكن وتيرة نمو الصادرات ستكون بطيئة في 2018 مقارنة بالعام الحالي، وفقا لتقديرات المعهد الكوري للاقتصادات الصناعية والتجارة.
لذا تأمل حكومة مون جاي إن في تحسين دخول المواطنين لدفع الاستهلاك المحلي وتنويع مصادر النمو الاقتصادي، ويتسق هذا الهدف مع تطلعات الرئيس الكوري لتقريب الفوارق في توزيع الدخول والثروات.
وقال نائب رئيس الوزراء ووزير المالية الكوري، في حديث للصحافيين عن رؤية العام المقبل: «ما يهم هو أن يحسن معدل النمو جودة حياة الناس».
وإذا ما نجحت المخططات الاقتصادية للحكومة سيصل نصيب المواطن من الدخل القومي المجمع خلال العام المقبل إلى 30 ألف دولار، لتصبح كوريا ثالث دولة في منطقة آسيا - باسيفيك تصل إلى هذه المستويات بعد اليابان وأستراليا.
وتأتي إصلاحات مون جاي إن في مجال الأجور مع تعديلات في النظام الضريبي تجعله أكثر عدالة في توزيع الدخول، فمن المتوقع رفع الضرائب على أصحاب الدخل المرتفع والشركات الكبرى، بحسب وكالة يونهاب.
وسترفع ضريبة الدخل على الذين يتراوح دخلهم ما بين 300 إلى 500 مليون وون من 38 في المائة إلى 40 في المائة خلال العام المقبل، بينما ستطبق ضريبة الدخل بنسبة 42 في المائة على الذين يتجاوز دخلهم 500 مليون وون. كما سترفع الضريبة على الشركات التي يتجاوز دخلها 300 مليار وون، من 22 في المائة إلى 25 في المائة.
إلا أن هذه الإصلاحات يقابلها اعتراض من قبل أصحاب المحال الذين سيضطرون لزيادة أجور العمالة في السنة المقبلة، فوفقا لاستطلاع رأي نشرته «يونهاب» فإن أربعة من كل خمسة يعملون لدى أنفسهم قالوا إن زيادة الحد الأدنى للأجور يمكن أن تخفض عدد الوظائف غير الدائمة خلال العام المقبل.
وتوقع ما يقارب من 95 في المائة من ملاك محلات المخبوزات والحلويات والآيس كريم انخفاض أعداد الوظائف غير الدائمة بعد زيادة الأجور. واتفق معهم نحو 92 في المائة من مشغلي المطاعم العائلية أو محلات الوجبات السريعة ونحو 90 في المائة من ملاك المتاجر و86 في المائة من ملاك المقاهي.
واعتبر 80.9 في المائة من المستطلعين أن زيادة الحد الأدنى للأجور ستكون مغالى فيها، بينما قال 16.1 في المائة أنها معقولة، ورأى 3 في المائة أنها غير كفاية. ورأى أكثر من نصف المستطلعين (68.4 في المائة)، أن زيادة الحد الأدنى للأجور سيكون لها تأثير سلبي على اقتصاد البلاد.
وتحاول الحكومة تخفيف ضغوط نفقات الأجور على أصحاب الأعمال، حيث قالت الحكومة إنها ستوفر 3 تريليونات وون (2.7 مليار دولار) في صورة مساعدات لإعانة المشروعات الصغيرة في التعامل مع زيادات الأجور.



هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
TT

هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)

تواجه فرنسا في الوقت الراهن تحديات اقتصادية وسياسية معقدة، تتمثل في ارتفاع معدلات الدين العام وتزايد عدم الاستقرار السياسي، مما يهدد استقرارها الداخلي ويثير القلق بشأن انعكاسات هذه الأوضاع على منطقة اليورو بشكل عام. تأتي هذه الأزمات في وقت بالغ الأهمية، حيث يمر الاتحاد الأوروبي بفترة تحول حاسمة بعد تبعات الأزمة المالية العالمية، مما يطرح تساؤلات حقيقية حول قدرة الدول الأعضاء على مواجهة الأزمات الاقتصادية المقبلة. في خضم هذه التطورات، تظل فرنسا محط الأنظار، إذ يتعرض نظامها السياسي للشلل بينما يتصاعد العجز المالي. فهل ستتمكن باريس من تجنب مصير الدول التي شهدت أزمات مالية مدمرة؟ وما الدروس التي يمكن لفرنسا الاستفادة منها لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي في المستقبل؟

تتجاوز ديون فرنسا اليوم 110 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت تكلفة اقتراضها مؤخراً مستويات تفوق تلك التي سجلتها اليونان. ويوم الجمعة، توقعت «موديز» أن تكون المالية العامة لفرنسا أضعف بشكل ملموس خلال السنوات الثلاث المقبلة، مقارنة بالسيناريو الأساسي الذي وضعته في أكتوبر (تشرين الأول) 2024. هذه المعطيات أثارت مخاوف متزايدة من أن تكون هذه الأوضاع الشرارة التي قد تؤدي إلى أزمة جديدة في منطقة اليورو. ومع ذلك، عند مقارنة حالة الاتحاد الأوروبي في ذروة الأزمة المالية العالمية، حين كان يواجه خطر التفكك الكامل، مع الوضع الراهن، تتضح الفروق الجوهرية، حيث يظهر الوضع الحالي قدرة الاتحاد على الصمود بشكل أكبر بكثير، مما يعكس قوة أكثر استقراراً وصلابة في مواجهة التحديات الاقتصادية، وفق «رويترز».

وبعد انهيار حكومتها الهشة في أوائل ديسمبر (كانون الأول)، توجد فرنسا حالياً في دائرة الضوء. فقد أدت الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في يوليو (تموز) إلى انقسام الجمعية الوطنية، مما أدى إلى تعميق الأزمة السياسية في البلاد. وفي مسعى لتشكيل حكومة قادرة على استعادة الاستقرار، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السياسي المخضرم ميشيل بارنييه رئيساً للوزراء بعد الانتخابات، على أمل بناء إدارة مستدامة. لكن التوترات بين الحكومة والبرلمان اندلعت عندما دعا بارنييه إلى خفض الموازنة للحد من العجز المتوقع، والذي قد يصل إلى 6.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وقد أدى هذا إلى تجمع أعضاء البرلمان من مختلف الأطياف السياسية لرفض الموازنة، وكان التصويت بحجب الثقة الذي أدى إلى إقالة بارنييه هو الأول من نوعه منذ عام 1962.

وأثناء تطور هذه الأحداث، ارتفعت عوائد السندات الفرنسية لأجل عشر سنوات بشكل مؤقت إلى مستويات أعلى من نظيرتها اليونانية، مما أثار المخاوف من أن فرنسا قد تصبح «اليونان الجديدة». ومع ذلك، إذا تم النظر إلى ما حدث في اليونان في عام 2012، عندما وصلت عوائد سنداتها لأجل عشر سنوات إلى أكثر من 35 في المائة، يلاحظ أن الوضع اليوم مختلف بشكل جذري. ففي الوقت الراهن، تقل عوائد السندات اليونانية عن 3 في المائة، مما يعني أن العوائد الفرنسية قد ارتفعت بأقل من 60 نقطة أساس خلال العام الماضي لتصل إلى مستويات مماثلة.

ومن خلال تحليل التغييرات في عوائد السندات في منطقة اليورو خلال السنوات الأخيرة، يتضح أن اليونان قد نجحت في تحسين وضعها المالي بشكل ملحوظ، في حين أن فرنسا شهدت تدهوراً طفيفاً نسبياً.

قصة التحول: اليونان

بعد أن اجتاحت الأزمة المالية العالمية أوروبا في أواخر العقد الأول من الألفية، تعرضت اليونان لمحنة مالية شديدة، حيث تكشفت حقيقة الوضع المالي للبلاد، وارتفعت تكاليف ديونها بشكل كبير. وفي إطار استجابة لهذه الأزمة، حصلت اليونان على حزم إنقاذ من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مقابل تنفيذ حزمة من الإجراءات التقشفية القاسية. ونتيجة لذلك، دخلت اليونان في ركود اقتصادي طويل دام لعقد من الزمن، بينما تعرضت لعدة فترات من عدم الاستقرار السياسي.

لكن الحكومة الحالية التي تنتمي إلى التيار الوسطي - اليميني نجحت في استعادة بعض الاستقرار الاقتصادي، حيث تمكنت من تحقيق فائض أولي في الموازنة، وهو ما مكنها من تقليص عبء الديون الضخم. كما شهد الاقتصاد اليوناني نمواً بنسبة 2 في المائة العام الماضي، وهو ما يعد تحسناً ملموساً.

ورغم أن فرنسا قد تحتاج إلى جرعة من العلاج المالي ذاته، فإنها تبدأ من نقطة انطلاق أقوى بكثير من اليونان. فاقتصاد فرنسا أكثر تطوراً وتنوعاً، ويبلغ حجمه أكثر من عشرة أضعاف الاقتصاد اليوناني. كما أكدت وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغ» قبل أسبوعين تصنيف فرنسا الائتماني، مع التوقعات بأن تواصل البلاد جهودها في تقليص العجز في الموازنة. وأشارت الوكالة إلى أن «فرنسا تظل اقتصاداً متوازناً، منفتحاً، غنياً، ومتنوعاً، مع تجمع محلي عميق من المدخرات الخاصة»، وهو ما يعزز موقفها المالي.

الأمر الأكثر أهمية هنا هو أنه حتى في حال قرر المستثمرون الدوليون سحب أموالهم - وهو ما لا يوجد أي مؤشر على حدوثه - فإن فرنسا تملك إمداداً كبيراً من الأموال المحلية، يُمكِّنها من سد الفجوة المالية المتزايدة.

فعل كل ما يلزم

على الرغم من أن منطقة اليورو لا تزال تشهد تطوراً غير مكتمل، فإنه من المهم الإشارة إلى كيفية تعزيز النظام المصرفي في المنطقة منذ الأزمة المالية العالمية. كما ينبغي تذكر كيف أثبت البنك المركزي الأوروبي مراراً استعداده وقدرته على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الأزمات المالية في المنطقة. إلا أن ذلك لا يعني أن صانعي السياسات في باريس أو العواصم الأوروبية الأخرى يشعرون بتفاؤل مطلق بشأن التوقعات الاقتصادية للاتحاد.

ففي العديد من الجوانب، تبدو التحديات الاقتصادية التي تواجه فرنسا أقل حدة، مقارنة بتلك التي تواجهها ألمانيا، التي تعرضت حكومتها هي الأخرى لهزة قوية مؤخراً. ويعاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو من تداعيات سنوات طويلة من نقص الاستثمارات، حيث يواجه قطاعها الصناعي القوي سابقاً صعوبات حقيقية في التعافي. كما أن منطقة اليورو، التي شهدت تباطؤاً ملحوظاً في نمو إنتاجيتها، مقارنة بالولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية، تواجه الآن تهديدات كبيرة بسبب الرسوم الجمركية التي قد تفرضها إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب.

لكن هذه التهديدات التجارية قد تكون هي التي تدفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوة كبيرة أخرى في تطوره الاقتصادي. فالتاريخ يثبت أن الاتحاد يتخذ خطوات حاسمة عندما يُدفع إلى الزاوية. وفي وقت سابق، قدم ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، خطة لإصلاحات اقتصادية طال انتظارها، داعياً إلى استثمار إضافي قدره 800 مليار يورو سنوياً من قبل الاتحاد الأوروبي.

وقد لاقت هذه الخطة دعماً واسعاً من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، حتى أن رئيس البنك المركزي الألماني، المعروف بتوجهاته المتشددة، دعا إلى تخفيف القيود على الإنفاق في ألمانيا. وإذا أسفرت الانتخابات في ألمانيا وفرنسا عن حكومات أقوى العام المقبل، فقد يُتذكر عام 2025 ليس بوصفه بداية لأزمة جديدة في منطقة اليورو، بل بوصفه عاماً شهدت فيه المنطقة اتخاذ خطوة كبيرة نحو تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.