تبرئة رياض أطفال إسلامية في النمسا من تهمة {خلق مجتمع موازٍ}

داخل إحدى رياض الأطفال في فيينا (غيتي)
داخل إحدى رياض الأطفال في فيينا (غيتي)
TT

تبرئة رياض أطفال إسلامية في النمسا من تهمة {خلق مجتمع موازٍ}

داخل إحدى رياض الأطفال في فيينا (غيتي)
داخل إحدى رياض الأطفال في فيينا (غيتي)

أجرت جامعة فيينا دراسة هي الثانية من نوعها، تتناول رياض الأطفال الإسلامية في المدينة، بعد تُهم طالتها بشأن العمل على خلق مجتمعات موازية للمجتمع النمساوي.
وقد أقرّت الدراسة الجديدة بضعف مستوى تعليم اللغة الألمانية واستخدامها في هذه الرياض، لكنّها لم تغفل الإشارة إلى نقص العاملين المدربين تدريباً جيداً، مؤكدة أنّها مشكلة تعاني منها غالبية الرياض، الأمر الذي يؤثر بدوره سلباً على المستوى التعليمي للأطفال، لا سيما بين المهاجرين واللاجئين الذين يتكلمون لغات أخرى ولا تعتبر الألمانية لغتهم الأم.
وفي مؤتمر صحافي عقده مطلع الأسبوع الفائت، المشرفون على إجراء الدراسة التي تقصت حقيقة الأوضاع داخل 120 روضة أطفال إسلامية في فيينا، بعدما أثارت الدراسة السابقة التي أجراها أكاديمي مسلم عام 2015 الكثير من الّلغط لما حملته من اتهامات للرياض الإسلامية بأنّها مغلقة على نفسها وأنّها تعزل الصغار عن المجتمع النمساوي المتنوع، أرجع الأساتذة لجوء الأسر إليها لأسباب عدّة، منها عدم توفّر أماكن لصغارهم في الرياض الحكومية أو رفضهم لأسباب عادة ما تكون غير واضحة، أو لأنّ هذه الأسر لا تتوفر لديها المساهمات المفروضة، أو لأنّ الوالدين عاطلان عن العمل، وأحياناً أخرى خشية الأسر من تقديم طعام لا يلبي المتطلبات الغذائية الإسلامية (الحلال)، مع الإشارة إلى أنّ هناك رياض أطفال كاثوليكية وأخرى يهودية تماما كما هناك رياض أطفال حكومية وأخرى خاصة.
وكانت الدراسة الأولى قد أجريت بتكليف من سيباستيان كورتز وزير الاندماج والخارجية حينها الذي يشغل منصب المستشار النمساوي حالياً، قد أثارت الكثير من الجدل ولاحقتها اتهامات بعدم المنهجية وأنّها فُصّلت خصيصاً لخدمة أهداف سياسية صبت الزيت على النار وزادت من موجات «الإسلاموفوبيا» إبان الحملة الانتخابية البرلمانية التي جرت منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وأسفرت عن فوز حكومة يمينية متشددة.
وأثناء حملته الانتخابية أكّد سيباستيان رفضه لما وصفه بـ«المجتمعات الموازية»، مطلقا سيلاً من التهديدات بإغلاق الرياض والمراكز الإسلامية التي لا تلتزم بالاندماج، فخرجت في وجهه صحف نمساوية مشهورة متحدية موقفه، وقد كتبت في صفحاتها أنّ موظفين في وزارة الخارجية تلاعبوا بالدراسة، ولكنّ سيباستيان لم يرد على هذه التعليقات نفياً أو تأكيداً.
بعد هذا الجدل العلني القوي الذي أثارته الدراسة الأولى، كلّفت بلدية فيينا (يتولى قيادتها الحزبان الاشتراكي الديمقراطي والخضر وكلاهما من الأحزاب التي لا تعادي الإسلام أو المسلمين)، فريقاً متكاملاً ضم ستة متخصصين أساتذة في جامعة فيينا للتقصي وإجراء دراسة أكاديمية تحقق في أوضاع هذه الرياض بشفافية وحيادية مطلقة، للكشف عمّا يدور داخل 120 روضة تضمّ أكثر من 10 آلاف طفل.
وفيما يتعلق بالمنهج الإسلامي أشار هؤلاء، إلى أنّ المشكلة ليست في الرياض إنما في المؤسسات الإسلامية؛ ففي الدراسة الأولى، قال المسؤول عنها إنّها، استجابت بشكل يختلف للضوابط التي فرضتها مدينة فيينا، وفي حين يواصل بعضها تقديم التعاليم الدينية من دون خطة رئيسة محددة، أرجأ آخرون هذه التعاليم إلى برامج خاصة خارج ساعات العمل وأثناء عطلة الأسبوع.
وكان القائمون على الرياض الإسلامية قد أخطروا بعد ظهور الدراسة الأولى بحظر أي حصص دينية أو تحفيظ لسور القرآن الكريم، أو أي درس له صلة بالتعاليم الإسلامية أو حديث عن عقاب وثواب أو جنة ونار فيما أُلزمت المشرفات على تطوير لغتهن الألمانية وحصولهنّ أقلّه على المستوى التعليمي الثالث.
جدير ذكره، أنّ الإسلام دين معترف به رسميا في النمسا وأنّ المدارس النظامية توفر للراغبين من تلاميذها المسلمين، حضور حصص خاصة لتعاليم دينهم.



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.