أعلن عن الأفلام التسعة غير الناطقة بالإنجليزية المرشحة للقائمة الرسمية لأوسكار أفضل فيلم أجنبي من ضمنها الفيلم اللبناني «القضية 23».
وكانت «جمعية مراسلو هوليوود الأجانب» قد أعلنت ترشيحاتها النهائية وجاءت متقاربة للغاية، فالفيلم الروسي «بلا حب» والفيلم السويدي «الميدان» والفيلم التشيلي «امرأة رائعة» والفيلم التركي «في الاختفاء» رُشّحت لـ«الغولدن غلوبس». الاستثناء الوحيد كان في وجود الفيلم الكمبودي «أولاً قتلوا والدي» لأنجلينا جولي بين أفلام هذا الفرع.
وتحاشت الجمعية ترشيح الفيلم اللبناني «الإهانة» (أو «القضية 23» كما أطلق عليه حين عرض في بيروت) كما الفيلم الإسرائيلي «فوكستروت» وكلاهما اشترك في مسابقة مهرجان فينيسيا الأخير، حيث خرج «الإهانة» بجائزة أفضل ممثل لأحد بطلي الفيلم؛ كامل الباشا.
«الإهانة» كان أول فيلم شاهدته لجنة اختيار الأفلام الأجنبية في «أكاديمية العلوم والفنون السينمائية» وذلك عندما عُرض عليها في صالة «ذا إيجبشن» في هوليوود. وهذه اللجنة تشاهد كل ما يصل إليها (92 فيلماً من 92 دولة هذا العام) تمهيداً لإصدار القائمة الأطول التي أعلنت يوم أمس (الجمعة)، المؤلفة من تسعة أفلام. هذه الأفلام تعرض على مجموعة أكبر من الأعضاء وعندما تُنتخب الخمسة الرسمية منها، يصبح لزاماً على كل الأعضاء (نحو 6200 فرد) مشاهدتها والتصويت لأحدها.
وكان الأسبوع ذاته قد شهد إعلان جوائز «الاتحاد الأوروبي» في مناسبته الثلاثين. هذه الجوائز تنتمي إلى «أكاديمية الفيلم الأوروبي» المؤلفة من «أكثر من 3000 عضو»، كما يذكر الموقع المخصص لها من دون تحديد أكثر.
جاءت الجوائز لمصلحة فيلم روبن أوستلند «الميدان»، إذ خرج بجائزة أفضل فيلم أوروبي وأفضل فيلم كوميدي أوروبي وفاز المخرج بجائزة أفضل مخرج، بينما فاز بطله كلاوس بانغ بجائزة أفضل ممثل، وذهبت جائزة أفضل سيناريو للمخرج أوستلند أيضاً.
حملت وعوداً
حتى اللحظات الأخيرة قبل إعلان ترشيحات الأوسكار في هذا المجال، لم يتوقع كثيرون وصول «الإهانة» أو أي فيلم عربي إليها. علماً بأن الوصول إلى هذه القائمة الأولى ليس سوى الجزء الأول (والأبسط) من المعادلة؛ فالأهم هو الوصول إلى الترشيحات الرسمية.
لكنّنا ذكرنا هنا قبل أشهر عدة من أن «الإهانة» هو الفيلم المقدم عربياً الأكثر احتمالاً لدخول الترشيحات. وللتذكير فإنّ الأفلام التي أرسلت بأسماء دول عربية لدخول سباق الأوسكار في سباق «أفضل فيلم أجنبي» تألفت من
> «الطريق إلى إسطنبول» لرشيد بوشارب (الجزائر)
> «الشيخ جاكسون» لعمرو سلامة (مصر)
> «العاصفة السوداء» لحسين حسن (العراق)
> «الإهانة» («القضية 23») لزياد الدويري (لبنان)
> «غزية» لنبيل عيوش (المغرب)
> «واجب» لماري آن جاسر (فلسطين)
> «غاندي الصغير» لسام قاضي (سوريا)
> «آخر واحد فينا» لعلاء الدين سليم (تونس)
بعض هذه الأفلام، مثل «العاصفة السوداء»، كان أكثر ركاكة من أن يسمح المنتخبون لأنفسهم بالتصويت له، لكنّ غالبية الأفلام الأخرى، مثل «واجب» و«غزية» و«آخر واحد فينا»، حملت وعوداً محدودة لكونها تنطق بمواضيع لا تقفز فوق حواجز الثقافات أو لا تبدو، بسبب أسلوب صنعها ومحدودية إنتاجها، ملحة.
هذا ما تجنبه فيلم زياد الدويري لأن «الإهانة» إذ تقع أحداثه محلياً، تمتع بقدر من عالمية السياق بحيث بدا قابلاً للانتقال بسهولة أكثر من سواه وهذا ما تحقق بالفعل.
لكنّ هذا لا يعني أن هذه المواصفات الإيجابية التي أدت به إلى الاشتراك في اللائحة المبدئية التي أعلنت بالأمس ستؤدي به، بالضرورة، إلى قائمة الترشيحات الرسمية. في أفضل الأحوال يقف الفيلم أمام احتمالين متناصفين: احتمال أن يدخل الترشيحات الرسمية موازٍ لاحتمال عدم دخوله.
الأقوى احتمالاً من بين تلك الأفلام هي ثلاثة شبه مؤكدة:
«الميدان» لروبن أوستلند، و«بلا حب» لأندريه زفيغنتسيف، و«فوكستروت» لسامويل ماعوز. كل واحد من هذه الأفلام دخل أيضاً، كما سبق القول، سباق «الغولدن غلوبس» ما يعني أن هناك تأكيداً معنوياً عليه وبذلك ترتفع احتمالات وصوله إلى الترشيحات الرسمية إلى 75 في المائة.
الأفلام الباقية تهبط التوقعات فيها لما دون ذلك.
نقدياً، تتمتع القائمة المعلنة بسهل خصب من المواضيع المطروحة كل بأسلوب عمل مختلف. ولتقريب الصورة أكثر بقليل فإنّ الأعمال المتوفرة أعلاه، تختلف كثيراً في المواضيع كما في أشكال السرد ومعالجاته لها.
لكن لمن يتساءل عمّا إذا كان تغييب معظم الأفلام العربية عن الترشيحات أمر له أبعاد وخلفيات، فإنّ الجواب لا يتفق مع ما تمضي به بعض الأذهان. لا ننسى أنّ أفلاماً كثيرة مثلت دولاً غربية كثيرة لم يتح لها أيضاً الانخراط في القائمة المبدئية الواردة. من بينها على سبيل المثال فقط، فيلم مايكل هنيكه «نهاية سعيدة» (النمسا) و«دقات بالدقيقة» لروبن كامبيلو (فرنسا) و«ثلما» لوكيم تراير (نروج) و«سائق تاكسي» للجانغ هون (كوريا الجنوبية).
عن الجسد والروح (المجر)
فاز فيلم إلديكو إنيادي هذا بجائزة مهرجان برلين الأولى وهو عن لقاء بين رجل (بيد معاقة) يعمل مدير حسابات في مسلخ للبقر، ومراقبة صحية تعيش وحيدة. يسبق هذا اللقاء، كما يكشف الفيلم لاحقاً، أنّ كلا منهما كان يرى الحلم ذاته الذي يراه الآخر. نحن في البداية لا نعرف ما وجه العلاقة، لكن عندما يحال الاثنان إلى طبيبة نفسية تتضح المسألة ولو أن الطبيبة لا تستطيع توفير سبب علمي لها. إخراج للسينمائية العائدة بعد سنوات من الغياب مع تصميم نافذ للقطاتها ما يبلور عملاً متأنياً ومرتباً في الشكل ومستساغاً في الأسلوب.
امرأة رائعة (تشيلي)
هذا أيضاً من عروض مهرجان برلين في مطلع السنة وهو فاز بجائزة أفضل سيناريو كما وضعه المخرج سابستيان ليليو وغونزاليس مازا. فيلم ليليو السابق، «غلوريا»، تعامل جيداً مع وضع امرأة تجاوزت الأربعين وتجد نفسها منبوذة على ثرائها. «امرأة رائعة» عن مارينا (دانييلا فيغا) التي تعمل مغنية ونادلة في بار في مدينة سانتياغو وتلتقي برجل يكبرها سناً ويصبحان صديقان. بعد قليل تصبح بدورها منبوذة فعشيقها يسقط ميتاً إثر تناولهما الطعام ومحنتها تبدأ هنا، فجميع من حولها (باستثناء شقيقتها ومعلم الموسيقى) من معارفها أو من الذين يلتقون بها يتهمونها، علانية أو خفية، بأنّها تخلصت منه بتسميمه. للفيلم سوداويته لكنّها مبررة. ما هو أضعف تبريراً كثرة المشاهد المؤسسة بغرض يتجاوز المدى المطلوب بتكرارها، كمشاهد المرايا التي أريد لها أن تعكس صورة مارينا في لحظاتها المرّة.
في الانطفاء (ألمانيا)
يلتقي فيلم فاتح أكين، من حيث لم يُخطط له، مع فيلم زياد الدويري «الإهانة» بأن كليهما يتعامل مع قضية معروضة على المحكمة. قضية لها علاقة بالانتهاك والإهانة والضغينة والعنصرية التي تعيش بين البشر في مجتمع واحد. الحكاية هي التي تختلف: دايان كروغر تؤدي دور الزوجة الألمانية التي تفقد زوجها التركي وابنهما على يدي شابين من «النازيين الجدد». البداية الحادة هي ما تبقى للمخرج أكين من بين ما اشتهر به في أفلامه السابقة مثل «تصادم» (Head - on)بعدها يغوص الفيلم في منوال روتيني من معالجة وضع الزوجة وسعيها لكسب القضية إحقاقاً للعدالة. تمثيل كروغر جيد طوال الوقت، وهو ما يساعد المخرج على حماية فيلمه من الانطفاء التدريجي بدوره. لا يستحق ما تعرض إليه من بعض النقاد. أحدهم تساءل: لمَ لا يلقي المخرج الضوء على «المتطرفين الإسلاميين» وليس على النازيين الجدد الذين قتلوا أقل ممّا قتل المتطرفون، لكنّ ما فات هذه الكتابات أن الأحداث، المستخلصة من قضية واقعية، دارت قبل عام 2000 وليس بعده.
الإهانة (لبنان)
كما تقدم، «الإهانة» يحمل موضوعاً واضحاً وفيه عمق في جوهره. إنّه حكاية متخيلة لكنّها قابلة للتصديق: لبناني مسيحي ما زال يعيش في جو خطب الأحزاب اليمينية، وفلسطيني مسلم يعيش في أحد المخيمات، وفي أحد الأيام يلتقيان على حادثة بدت بسيطة: الفلسطيني يشرف على فريق من بلدية بيروت وعمله ينص على تركيب مزراب جديد لشرفة منزل اللبناني الذي ما أن يسمع لكنته الفلسطينية حتى يصب الماء عليه ويكسر المزراب الجديد. ما سيلي هو قضية رفعها اللبناني على الفلسطيني عندما شتمه لفظياً، لكنّ اللبناني كان شتم الفلسطيني عندما تمنى لو أنّ شارون قتل كل الفلسطينيين خلال مذبحة صبرا وشاتيلا. كلاهما إنسان جرحته الحروب وردات أفعالها التي لا تندمل. الأول خسرت عائلته وجودها في الجنوب عندما هاجم الفلسطينيون بقاعهم، والثاني خسر وطنه عندما احتل اليهود أراضي الفسطينيين.
بلا حب (روسيا)
تفكك أسري يتبلور وأبعاده عندما يختفي الصبي وهو عائد من المدرسة قاصداً طريقاً غير مطروقة بمحاذاة البحيرة. كما تقدم في كتاباتنا السابقة عن هذا الفيلم (منذ أن عُرض في مهرجان «كان» حيث نال جائزة التحكيم) يتمحور «بلا حب» على أب وأم يعيشان منفصلين كل مع شريك جديد. والمخرج زفيغنتسف لا يخفي نظرته المدينة للمرأة أكثر من الرجل منذ أول أفلامه، «العودة»، 2003. لكن على صعيد آخر فإن هذا الفيلم منوال فني ودرامي مثير للاهتمام وسخي في تأملاته.
الميدان (السويد)
الفيلم الذي فاز بجائزة مهرجان «كان» الأولى نقد لحياة النخبة والمجتمع بمعالجة سوريالية ساخرة بطلها كرستيان (كلاوس بانغ) الذي يتعرض لحادثة نشل في اليوم الذي كان يتجه فيه لافتتاح متحف جديد اسمه «الميدان». يجد نفسه في متاهة ما بين البحث عن الناشل والوصول إلى الافتتاح في الوقت المحدد. السلوكيات غير الإنسانية والعبثية هي بعض ما يحتويه «الميدان» ويأتي في جرعات متوالية على سطح حدثين رئيسيين يلتقيان كموضوع وفي إطار شخصيات مشتركة. منوال المخرج روبِن أوستلند هو تلاطم ملاحظات نقدية ساخرة وحادة حول الحياة الأسرية والاجتماعية والثقافية كاشفاً عن نسبة عالية من الأنانية يسقط خلالها كرستيان ضحية مواقف عدائية من المحيطين به، كما من الإعلام والمؤسسة التي تطالبه بأكثر مما هو قادر على فعله. لكن الفيلم لا يعفي بطله هذا من المسؤولية. تصرفاته ليست منطقية في كثير من الأحيان، وهو يتخلى عن ضوابطه ووقاره في الوقت الذي يوازيه الفيلم كاسراً تقاليد السرد وعابثاً بجمالياته مؤسساً لفوضى تتشابه، لكنّها لا ترتقي لصنو أفلام روي أندرسون المهتم بالشواغل ذاتها لكن على طريقته.
«فوكستروت» (إسرائيل)
لم يتسنّ لهذا الناقد مشاهدة الفيلم بعد (ولو أن هذا سيحدث قريباً)، لكنّ «فوكستروت» (شفرة إذاعية يستخدمها العسكر، وتعني حرف «F»، كما هي رقصة تنص على الانتقال ما بين خطوتين بطيئتين وخطوتين سريعتين) يتلقف الثناء النقدي منذ عرضه في مهرجان فينيسيا، وصولاً إلى عروضه التجارية حول العالم. مقسم إلى ثلاثة أقسام كل قسم مكمّل للآخر ويتحدث عن ثلة من الجنود الإسرائيليين عند حاجز عسكري ما بين اللهو والخطر، الثقة بالنفس والهزة النفسية والعاطفية العميقة وأثر كل ذلك على الداخل من خلال شخصيتي أب وأم لأحد الجنود.
حبور (السنغال)
تقع الأحداث في الكونغو وتدور حول المغنية التي تخفي دموع أحزانها كل ليلة، وذات يوم تهرع إلى المستشفى عندما أخبروها أنّ ابنها الشاب تعرض لحادث سيارة. عليها الآن أن تستدين المال لإجراء عملية في ساق ابنها قبل أن تُبتر. تدور على أقاربها ومعارفها ويُجمع المال لها، لكنّه لا يكفي فتتوجه إلى أخيها الثري الذي ينكر وجودها، وكل ذلك يأخذ وقتاً طويلاً من حياتها ومن الفيلم. وعندما تحصل على المال، تكون ساق ابنها قد بُتِرت بالفعل لإنقاذه من الموت. نال جائزة لجنة التحكيم من مهرجان برلين السينمائي، لكنّ الجائزة بدت فضفاضة بعض الشيء إذ إن الفيلم إذ يصر على تصوير واقع بائس يكمل تصويره ذاك من دون إضافة ما يذكر سوى المزيد من البؤس.
الجرح (جنوب أفريقيا)
هذا الفيلم الأفريقي الآخر في اللائحة هو الفيلم الثاني الذي لم تُتَح مشاهدته بعد. لكن موضوعه الذي يدور حول شاب مثلي يبحث عن مكانه المناسب في مجتمع قروي لا يزال يتجاذب العلاقات الجنسية المكبوتة، بلور اهتمام مهرجان «صندانس» به من قبل.
الأفلام التسعة المرشحة للقائمة الرسمية لأوسكار أفضل فيلم أجنبي
> «عن الجسد والروح» لإلديكو إنيادي (المجر)
> «امرأة رائعة» لسيباستيان ليليو (تشيلي)
> «في الانطفاء» لفاتح أكِن (ألمانيا)
> «الإهانة» لزياد الدويري (لبنان)
> «بلا حب» لأندريه زفيغنتسيف (روسيا)
> «الميدان» لروبن أوستلند (السويد)
> «فوكستروت» لسامويل ماعوز (إسرائيل)
> «فيليسيتي» لألان غوميز (السنغال)
> «الجرح» لجون ترنغوف (جنوب أفريقيا)