صلاحيات الرئاسة تعطل عمل الحكومة اللبنانية.. وسلام «منزعج جدا»

وزير الإعلام لـ {الشرق الأوسط} : لا أساس دستوريا للدعوة إلى اتخاذ القرارات بالإجماع

صلاحيات الرئاسة تعطل عمل الحكومة اللبنانية.. وسلام «منزعج جدا»
TT

صلاحيات الرئاسة تعطل عمل الحكومة اللبنانية.. وسلام «منزعج جدا»

صلاحيات الرئاسة تعطل عمل الحكومة اللبنانية.. وسلام «منزعج جدا»

دخلت الحكومة اللبنانية فيما يشبه دوامة من التعطيل، بعد فشل وزرائها الـ24 في جلستين متتاليتين في التوافق على آلية عملها بعد تسلمها صلاحيات رئاسة الجمهورية إثر تعذر انتخاب رئيس جديد بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان في 25 مايو (أيار) الماضي.
ولم تنجح النقاشات التي خاضها الوزراء في الجلسة التي انعقدت أول من أمس في التوصل إلى اتفاق في ظل إصرار عدد من الوزراء، وأبرزهم وزراء التيار الوطني الحر بزعامة النائب ميشال عون، على وجوب تعديل الآلية المعتمدة باتخاذ القرارات الحكومية خلال فترة شغور الرئاسة ليصبح التوافق والإجماع شرطين لتمرير أي قرار، وخاصة إذا كان يندرج تحت إطار صلاحيات رئيس الجمهورية.
ويهدد أي خلاف حكومي بالإطاحة بالمؤسسات الدستورية الأساسية في البلد بعد تعذر انتخاب رئيس جديد وتعطيل عمل مجلس النواب مع إصرار النواب المسيحيين على وقف التشريع في ظل شغور سدة الرئاسة. وقالت مصادر مقربة من رئيس الحكومة تمام سلام لـ«الشرق الأوسط» إنه «منزعج جدا من أداء بعض الوزراء»، لافتة إلى أن «الانقسام الحاصل حول موضوع كيفية تسلم صلاحيات الرئاسة ليس انقساما بين 8 و14 آذار بقدر ما أن التيار الوطني الحر هو من يصر على وجوب تحقيق الإجماع في المواضيع التي على علاقة بصلاحيات الرئاسة، مما يهدد بإسقاط أي مرسوم في حال رفض أحد الوزراء توقيعه».
وأشارت المصادر إلى أن «الخلاف يتركز حول كيفية توقيع المراسيم التي يوقعها عادة رئيسا الجمهورية والحكومة والوزير المعني»، مشيرة إلى أن «البعض يقول بوجوب أن يحل مكان توقيع الرئيس تواقيع ثلثي أعضاء مجلس الوزراء فيما يصر آخرون على وجوب توقيع كل الوزراء».
وأضافت المصادر: «سلام حذر المعنيين من أنه سيكشف من يعطل عمل الحكومة في حال عدم التوصل لاتفاق قريبا، والوقت الحالي هو للمشاورات في هذا الخصوص».
وأشار وزير الإعلام رمزي جريج إلى أن النقاش الحاصل داخل مجلس الوزراء لم يتحول خلافيا باعتباره يعتمد على قراءة دستورية متأنية للمرحلة، مؤكدا أن النص الدستوري واضح لجهة أن مجلس الوزراء الحالي المكتمل الصلاحيات والحائز ثقة مجلس النواب يستمر بممارسة صلاحياته، إضافة إلى صلاحيات رئيس الجمهورية بعد شغور سدة الرئاسة، وفقا للآلية الملحوظة في المادة 65 من الدستور، أي بوجوب التصويت بالثلثين على المواضيع الاستراتيجية والأساسية، والنصف زائدا واحدا على المواضيع العادية.
وقال جريج لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك نظرية أخرى تقول بوجوب تحقيق نوع من التوافق والإجماع حول كل المواضيع، وهو ما لا يستند إلى أي نص قانوني»، منبها إلى أن فرض الإجماع يؤدي إلى تعطيل عمل مجلس الوزراء باعتبار أنه يمكن أي وزير من شل عمل الحكومة خلال فترة شغور سدة الرئاسة.
وأوضح جريج أن الداعين للإجماع باتخاذ القرارات ينطلقون من وجهة نظر سياسية تدعو إلى تحصين القرارات المتخذة من خلال الإجماع عليها باعتبار أن خلو سدة الرئاسة يؤدي إلى نوع من الخلل في توزيع الصلاحيات بين الرؤساء الثلاثة. وأضاف: «يجب عدم فرض الإجماع، ولكن في المقابل يجب السعي لنوع من التوافق، وهو ليس أمرا صعبا؛ فمعظم القرارات التي اتخذتها الحكومة خلال الأشهر الثلاثة الماضية اتخذت بالإجماع».
وقالت مصادر نيابية في تكتل «التغيير والإصلاح» الذي يرأسه النائب ميشال عون لـ«الشرق الأوسط» إن وزراء التكتل متمسكون بوجهة نظرهم القائلة بوجوب اتخاذ القرارات التي تتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية بالإجماع، لافتة إلى أنها «لا تمانع أن تبقى آلية عمل مجلس الوزراء على حالها فيما يتعلق بالقرارات المتعلقة به». وقالت: «نحن لا نسعى إلى تعطيل عمل الحكومة من خلال الدعوة للإجماع، ولكننا نحرص على احترام موقع الرئاسة، لذلك نتمسك بوجوب التوافق على القرارات التي هي على علاقة ومن صلاحيات الرئيس».
وأوضح الخبير الدستوري صلاح حنين لـ«الشرق الأوسط» أن «المطالبة حاليا بالإجماع بما يتعلق باتخاذ القرارات الحكومية وحتى تلك المتعلقة بصلاحيات الرئاسة الأولى عمل غير دستوري»، مشددا على أن «آلية عمل الحكومة يجب أن تسري على تعاطيها مع صلاحيات رئيس الجمهورية».
وقال حنين: «حتى بموضوع توقيع المراسيم التي يوقعها عادة رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، يتوجب خلال مرحلة الشغور الرئاسي أن يحل مكان توقيع الرئيس توقيع نصف عدد الوزراء زائدا واحدا إذا كان المرسوم يحمل طابعا عاديا، وثلثي عدد أصوات مجلس الوزراء إذا كان المرسوم يحمل طابعا استثنائيا».
أما فيما يخص توقيع رئيس الحكومة، فيوقع في هذه المرحلة مرتين على أي مرسوم، أولا منفردا باعتباره رئيسا لمجلس الوزراء، وثانيا مع مجموع الوزراء الذين يؤيدون ما صدر فيه، بحسب حنين.
ولم تستبعد وزيرة الشؤون الاجتماعية أليس شبطيني أن يجري التوافق على آلية عمل مجلس الوزراء قريبا، مشددة على أن نية الاتفاق وتسيير أمور البلد موجودة لدى جميع الفرقاء داخل الحكومة دون استثناء. وقالت شبطيني لـ«الشرق الأوسط»: «نعلم أن موضوع البحث بكيفية تسلم صلاحيات الرئاسة ليس بالأمر السهل، وخاصة أن تعطيل عمل مجلس الوزراء يعني شللا مؤسساتيا في ظل شغور سدة الرئاسة، وتعطيل عمل مجلس النواب، إلا أن الدستور واضح بأحكامه في هذا المجال ويجب الالتزام به». يذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تتسلم فيها الحكومة صلاحيات رئاسة الجمهورية، فقد تسلمت حكومة الرئيس السابق فؤاد السنيورة صلاحيات الرئاسة في عام 2007 بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق إميل لحود، كما تسلمت حكومة عسكرية برئاسة عون في عام 1988 صلاحيات الرئاسة من رئيس الجمهورية السابق أمين الجميل. أما التجربة الأولى في هذا المجال فكانت في عهد رجل الاستقلال رئيس الجمهورية بشارة الخوري. وقد اعتمدت هذه الحكومات على آلية عمل مجلس الوزراء التي ينص عليها الدستور في التعاطي مع صلاحيات رئاسة الجمهورية.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.