أسطورة «إل دورادو» تمنح كولومبيا صفة «موطن كنوز الذهب»

متحف بوغوتا يستقبل سنوياً 500 ألف زائر... ويضم 33 ألف قطعة من المعدن الثمين

TT

أسطورة «إل دورادو» تمنح كولومبيا صفة «موطن كنوز الذهب»

بحسب ما تخبرنا به الأسطورة، التي تناقلتها الأجيال، توجد مدينة مصنوعة من الذهب تعرف باسم «إل دورادو» مخفية بين جنبات أدغال أميركا الجنوبية الشاسعة. يعود أصل هذه الأسطورة إلى طقس «إل دورادو» أو «الملك الذهبي» الذي كان يتم ممارسته في الواقع منذ سنوات طويلة في بحيرة غواتافيتا. في تلك البلدة الصغيرة، التي تقع على بعد نحو ساعة من العاصمة الكولومبية بوغوتا، كان هناك احتفال أصليّ يغطي فيه الملك الشاب الجديد، الذي يطلق عليه اسم «غواتافيتا»، جسمه بالكامل بغبار الذهب. وكان الملك وحاشيته معتادين على إلقاء الأشياء المصنوعة من الذهب في البحيرة، وهم في طوف أو قارب مطاطي صغير تمجيداً وتبجيلا للآلهة، حيث كانت تلك الأشياء بمثابة قرابين مقدسة.
كانت مدينة إل دورادو الأسطورية أكبر وأثمن كنز تبحث عنه الحضارة الإسبانية بعد غزوها لكولومبيا وأميركا الجنوبية، حيث يوجد هذا المعدن الأصفر بوفرة حتى يومنا هذا. لم يتم اكتشاف المدينة، لكن كنوز «إل دورادو» متاحة للجميع، حيث يمكنهم رؤيتها في متحف الذهب بمدينة بوغوتا.
الذهب حقيقي، وهو معترف به حالياً كنزاً لا يُقدَّر بثمن مملوكاً لكولومبيا. وتشغل أيقونة أصلية عظيمة تعرف باسم طوف «إل دورادو»، الذي يمثل منبع وقلب الأسطورة، مكانةً بارزةً بين المعروضات. إنها قطعة صغيرة، ولكنها دقيقة، من الذهب عرضها 10.2 سم، وطولها 19.5 سم، وارتفاعها 10.1 سم.
يستقبل المتحف وأهم قطعة به يومياً مئات الزوار الذين يسعون إلى التمتع بجمال وسحر هذه القطعة. الذهب يبدو أكثر لمعاناً هنا، فمن المذهل مشاهدة هذه القطعة الصغيرة التي تم تقديمها بأشكال متعددة من خلال القصص المختلفة طوال سنوات كثيرة. يوضح إدواردو لوندونو، رئيس التثقيف في متحف الذهب، قائلا: «لقد أخذ الغزاة الإسبان الذهب من الهنود الأصليين، لذا لم يشهدوا إقامة المراسم قطّ، التي تكشفها لنا هذه القطعة التي تم العثور عليها داخل كهف في الأنديز عام 1969. يشغل زعيم القبيلة المركز، ويرتدي واقياً للأنف مستطيل الشكل، وإكليلاً، وواقيات للأذن، إلى جانب مقعد يشبه المقاعد التي تشتهر بها قبيلة التاينو في بحر الكاريبي، ويقف كاهنان في المقدمة، ويرتديان قناعين على شكل وجه فهد، بينما يحمل كاهن آخر إناء يستخدم لحفظ عصير الليمون. هناك سبعة أشخاص آخرين، ورايات ذات ريش، وباب مزين. ويدل حجم كل نموذج تم تصويره للأشخاص على مكانتهم الاجتماعية».
«إل دورادو» ليست مجرد مكان للذهب، بل هي جزء أساسي من تراث كولومبيا. لقد روت لنا هذه القطع الصغيرة كثيراً عن حياة السكان الأصليين، وممارساتهم الثقافية، والدينية، وحتى الاقتصادية. بطبيعة الحال يوجد وراء هذه القطعة كثير من الأساطير والمعاني والرموز، منها على سبيل المثال أنها كانت الهدية التي وُعدت بها القوات الإسبانية التي جاءت إلى الأميركتين بحثاً عن مدينة الذهب. يقع متحف الذهب في المركز التاريخي لمدينة بوغوتا، ويبلغ عدد زائريه سنوياً 500 ألف زائر، ويضم 54 ألف قطعة فنية، 33 ألفاً منها مصنوعة من الذهب. يتم وصف المكان بأنه مذهل لأنه يستعرض التاريخ الكولومبي منذ 3 آلاف عام. كذلك يحتوي على أكبر مجموعة من الذهب، الذي ينتمي إلى حقبة ما قبل الاستعمار الإسباني، على مستوى العالم.
يتكون المتحف من أربعة أقسام يمكن للمرء مشاهدة ما تضمها من معروضات كما يحلو له. هناك قاعة مخصصة لعرض المشغولات المعدنية، وتوضح لنا الطرق القديمة لتصنيع المعادن. وهناك قاعة أخرى مخصصة لعرض الذهب، وحياة الناس في كولومبيا خلال حقبة ما قبل الاستعمار الإسباني. وترسم لنا المعادن صورة مثالية للتراتبية الدينية والسياسية في ذلك الزمن. تزخر تلك القاعات بالأقنعة، والقلادات، والأقراط، والتيجان، والمزهريات المصنوعة من الذهب، إلى جانب نماذج لأسماك وحيوانات أخرى مثل الفهد. كذلك يمكن للزائر معرفة تاريخ كولومبيا بينما يشاهد مذهولاً تلك القطع التراثية.
كذلك لدى الزائرين فرصة للمشاركة في احتفال يوضح كيفية إقامة الطقوس بالذهب في ذلك العصر. تجعل التراتيل والمؤثرات الصوتية المرء يسافر في رحلة عبر الزمن إلى تلك الأزمنة الغابرة، لذا أنصح الجميع بذلك.
وقام بنك كولومبيا المركزي بافتتاح هذا المتحف عام 1939. وتم العثور على أول قطعة من الذهب معروضة في المتحف عام 1939، وتلك القطعة الأولى الشهيرة المميزة هي «بوبورو كويمبايا»، التي تم العثور عليها داخل مقبرة، ربما تعود إلى بداية القرن التاسع عشر، في جبال شمال شرقي نتيوكيا بمنطقة كورديليرا سنترال، التي تُعدّ واحدة من أهم المناطق الغنية بالذهب الرسوبي، وبعروق الذهب، في البلاد على حد قول لوندونو.
وتعد «بوبورو كويمبايا» من القطع المميزة في كولومبيا، حيث كانت تستخدم خصيصاً أثناء احتفالات ومراسم السكان الأصليين، وهي عبارة عن إناء من الذهب له غطاء به أربع كرات من الذهب. وكان هذا الإناء شهيراً جداً إلى حد أنه من الهدايا التذكارية المفضلة بالنسبة للكولومبيين وللأجانب على حد سواء، وظل كذلك من رموز كولومبيا لسنوات طويلة.
يقول لوندونو: «تم تسلّم آخر قطع من جامعي الآثار أو علماء الآثار، الذين تنازلوا، طبقاً للدستور، عن ملكية تلك القطع للمتحف لحفظها وعرضها».
تُعدّ زيارة متحف الذهب تجربة رائعة ومثيرة لفهم أهمية وثراء كولومبيا في الماضي. إنها تجربة ساحرة تصحبك في رحلة إلى الماضي للتعرف على ثقافة السكان الأصليين الذين كانوا يعيشون في ذلك المكان منذ آلاف السنين. رغم أنه لم يتم اكتشاف مدينة «إل دورادو» بعد، يمكن لمتحف الذهب أن يكون مصدر إلهام لجيل جديد من المستكشفين.



موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.