الإسلام المعتدل الوسطي في مواجهة التطرف

قراءة في التوجه السعودي

الدعوة والتمكين لـ«الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح» جزء من استراتيجية الأزهر في مكافحة التطرف («الشرق الأوسط»)
الدعوة والتمكين لـ«الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح» جزء من استراتيجية الأزهر في مكافحة التطرف («الشرق الأوسط»)
TT

الإسلام المعتدل الوسطي في مواجهة التطرف

الدعوة والتمكين لـ«الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح» جزء من استراتيجية الأزهر في مكافحة التطرف («الشرق الأوسط»)
الدعوة والتمكين لـ«الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح» جزء من استراتيجية الأزهر في مكافحة التطرف («الشرق الأوسط»)

إن الدعوة والتمكين لـ«الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح»، التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، جاءت بحسم لا يحتمل الشك أو التردد، إذ أكد ولي العهد السعودي في 24 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي 2017: «سنعود إلى الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على جميع الأديان»، وأضاف: «لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة، اتخذنا خطوات واضحة في الفترة الماضية بهذا الشأن، وسنقضي على بقايا التطرف في القريب العاجل، ولا أعتقد أن هذا يشكل تحدياً، فنحن نمثل القيم السمحة المعتدلة الصحيحة، والحق معنا في كل ما نواجه، وسندمرهم اليوم وفوراً».
بهذه الكلمات القليلة، اختصر ولي العهد السعودي رفض إعاقة التطرف والتشدد للتنمية، وضرورة رفع غباره وتشوهاته عن حقيقة المبادئ والقيم السمحة المعتدلة للإسلام المعتدل الوسطي المنفتح.
وجاءت تصريحات الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي هذه في أثناء افتتاح مشروع «نيوم» الاقتصادي التنموي الضخم المزمع إقامته، وهي تؤكد بوضوح على أن التمكين للاعتدال ضرورة حتمية لا تردد فيها، واتساق مع اعتبار التطرف إعاقة كبيرة للنهضة والتنمية والاستقرار.
- السعودية وريادة جهود مكافحة التطرف
واقع الحال أن السعودية خلال السنوات الثلاث الماضية، حققت قفزة هائلة في جهود التمكين للاعتدال، كجزء من سياسة مكافحة التطرف، عبر كثير من المؤسسات والمراكز البحثية الجديدة، وكذلك تدشين كثير من السياسات والمؤسسات التنموية الضخمة وفق «رؤية 2030»، والحرب على الفساد، ورفض التشدد وجموده العائق لحركة التقدم والوطن. ومن شأن مكافحة التطرف والإرهاب، دفع الوطن نحو مرحلة جديدة، تتكامل فيه مع ما سبق من جهود كبيرة كذلك، لا تزال مستمرة مثمرة، مثل لجان المناصحة وحملة السكينة ونقد الخطاب المتطرف وتفكيك أصوله، شرعياً وفكرياً.
ويذكر أن السعودية تشكل المفردة الأكثر تكراراً في كل خطابات أسامة بن لادن، وتكشف وثائقه التي كشف عنها أخيراً في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي أن أمنيته وهاجسه الأكبر كان وصول زلزال الانتفاضات والتظاهرات سنة 2011 الذي نشط عربياً إليها، كما تمثل السعودية العدو الأول في أدبيات جماعات الإرهاب عموماً، من «القاعدة» حتى «داعش»، ونذكر أن أول عمليات «القاعدة» كانت موجهة للمملكة في تسعينات القرن الماضي، كما أصر زعيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن على تأسيس أول فرع للقاعدة خارج أفغانستان على أراضيها عام 2003، ودفعه دون استعداد عناصره - كما يعترف بعضهم - لتنفيذ أول عملياته بها في مايو (أيار) سنة 2003، حتى قتل مؤسسه حينها (يوسف العييري).
وقد شهدت السعودية تحديداً عشرات العمليات والمحاولات الإرهابية التي استهدفت أراضيها ومواطنيها واستقرارها، فما بين مارس (آذار) عام 2003 و2011، بلغت عمليات الإرهاب ضد المملكة 98 عملية إرهابية تقريباً، راح ضحيتها أكثر من 90 شخصاً من المدنيين، وأصيب أكثر من 608 آخرين، وقتل فيها نحو 65 شخصاً من رجال الأمن، وأصيب أكثر من 360 منهم. وما بين 2012 و2017، شهدت المملكة ما يقرب من عملية ومحاولة إرهابية لخلايا «داعش»، استهدفت مقدساتها بالخصوص، وراح ضحيتها عشرات القتلى والمصابين.

حرب الأفكار

لا تتمدد جماعات ومجموعات التطرف إلا في الفراغات والفجوات التي قد يتركها الآخرون. فإذا غاب الاعتدال والتسامح حضر التطرف والغلو، وإذا غاب التسامح حضر التعصب والتشدد، وإذا تراجعت الدولة والقدرة الأمنية وجدت بؤر توحشه أو ملاذاته الآمنة.
إن التمكين للاعتدال والإسلام المعتدل هو السبيل الأول، كما أنه الدفع والصد والهجوم على أفكار التطرف والإرهاب وجماعاته. والفروق بين التشدد والتطرف والتطرف العنيف هي فروق درجات ومحطات طريق تلتقي أحياناً، وليست طرقاً مختلفة.
وكما أن للدولة سياساتها وتصوراتها الشاملة، تطرح هذه الجماعات الشمولية نفسها بديلاً، لها تصوراتها وسياساتها كذلك، توظيفاً لكل ما هو متاح من شوارد التعصب والكراهية، أو أسانيد التشدد والعنف، بغض النظر عن سياقاتها وتاريخيتها، أو عن ما يضادها ويدحضها من أسانيد أخرى، أو مبررات وروايات وحكايات مؤامرة الآخرين، التي تصل لحد السحرية والهذيان أحياناً، تبريراً لاستهدافه واستعداء الأمة عليه، عدواً قريباً كان أو بعيداً.
ويعيش التطرف غيبة زمانية وتاريخية، ولكنه رغم ذلك يدعي شمولية طرحه، وقدرته على حل جميع المشكلات، مالكاً دعوى الاكتفاء النظري، والاحتباس عن كل قيمة إنسانية تصير عنده مؤدلجة، فالحق والعدل والمساواة والانفتاح والحوار لا تحضر عنده إلا لصالحه، مسيسة بسياسته محبوسة في سجنه.
كذلك، ورغم ضجيج المتطرفين الهائل الزاعق، فإنه ليس إلا هامشاً معزولاً عن الاعتدال السائد وغالبيته، ولكن خطورة التطرف أنه يحاول قسراً وعنفاً تطويع الأغلبية له، وسرقة المجتمع والسلطة لصالحه، عبر شعاراته العاطفية الجاذبة، وعبر مقولاته الآيديولوجية المؤولة والمؤثرة، لكنه تاريخاً وواقعاً يبقى هامشاً لا يلبس أن ينهزم بعد ما يبدو منه من انتصار.
لكن يظل الجانب الآيديولوجي والمرجعي، وكذلك الشعاراتي، في التطرف بوجوهه المختلفة، هو الأكثر خطورة من سواه، وتظل مواجهته أولوية ضرورية في جهود مكافحة التطرف، فالإرهابي لا يعرف مرجعية غير مرجعيته، ولا مناهج غير ما أحله له شيوخه، ويبقى كل جهد للتمكين للتعايش والاعتدال يصب كذلك في مواجهته ومكافحته.
من هنا، اتسعت سياسات التمكين للاعتدال وتعزيز الوسطية لمجالات كثيرة في العقد الأخير، من التشريعات وتجريم التكفير والتخوين، إلى تصنيف الجماعات الإرهابية، والانتباه لخطر توظيف الإرهابيين للإنترنت ومنصاته، والاشتباك العملي معه عبر ضرب معاقله، وتجفيف منابعه وروافده، وكشف المتورطين فيه دعماً أو تحريضاً، وحجب منصاته الترويجية، وحبسه في جيتوهات عزلته، والحرب العسكرية والأمنية لعناصره ومجموعاته، والتركيز على السياقات الاجتماعية والحضارية، كالتنمية وحل مشكلات البطالة، والسياقات الإبداعية ومحاربة الإرهاب بالفن، كما أعلنت حكومة الإمارات في 11 نوفمبر الحالي 2017، من أنه وسيلة من وسائل مكافحة التطرف بالفن، وإنشاء عدد كبير من مراكز البحث وبيوت الخبرة واللجان والحملات والبرامج المتخصصة في مكافحة الإرهاب من زوايا مختلفة، ودعوة مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب في 9 نوفمبر الحالي 2017 إلى ترويج صور ضحايا الإرهاب وقصصهم المأساوية التي تم توثيق بعضها، كوسيلة فاعلة في مكافحة التطرف. ولا شك أن الإلحاح على التنمية والتمكين للمؤسسات، والفصل بين السلطات، والحرب على الفساد، والجاذبية الأمنية التي تعتمد على تطوير وأخلاقية الأجهزة ونزاهتها، والمشاركة المجتمعية في خدمتها عبر فكرة الأمن الاجتماعي والشبكات الاجتماعية الآمنة، كلها إجراءات مهمة في التمكين للاعتدال.
ولكن يظل الجانب الفكري والآيديولوجي هو الأكثر أهمية وخطورة، فالمطويات والأدبيات الإرهابية تتلبس قناع الدين الصحيح، وتقنع المتدينين غير المؤهلين، وأغلبهم حسبما أثبتت كثير من الدراسات على غير معرفة رصينة بالقواعد الأساسية للإسلام، وتم استغلال عواطفهم من قبل المتطرفين دائماً. كما أن الجانب الآيديولوجي، فكراً وشعاراً، يمثل حوامل ومضامين وسائط التجنيد والترويج للتطرف، لذا كان مهماً الاشتباك النقدي الحي مع المتعاطفين مع التطرف، وكذلك تحصين فئات معينة مبكراً من أخطاره، بدءاً من الطلبة والأطفال في المدارس حتى المتحولين الجدد للإسلام، خصوصاً أن هؤلاء الأخيرين مثلوا 25 في المائة من المقاتلين الأجانب في «داعش»، كما أنه من المهم فض الاشتباك بين المفاهيم عند جماعات التطرف، الذي يخلطها ويصورها على غير حقيقتها، فيتم الخلط بين الاجتهادي التاريخي والعقدي وبين الفتوى والحكم، وبين الديني والدعوى والسياسي، وبين القانون والطاغوت، وغير هذا من مسائل ومشكلات.
- شعارات الكراهية وصراعات الذات
واستمرت جماعات التطرف والتطرف العنيف، سنية وشيعية على السواء، تستثمر في ترسانة من الشعارات الحاسمة في مواجهة آخريها، فكل المختلفين «خونة»، كما كتب أبو بكر ناجي يوماً، وكل الديار - بما فيها الحرمان الشريفان - «ديار كفر»، كما كتب أبو ميسرة الغريب، وكل الأنظمة «طاغوت» وعمالة، كما يردد الجهاديون، سنة وشيعة على السواء، كما أن الديمقراطية كفر ودين لا يصح الاعتقاد به، كما يكتبون، أو مقيدة بإرادة الولي الفقيه، كما هو الشأن في النظام الإيراني. وتبدو المقاومة والممانعة في مقابل الموالاة والعمالة الناتجة من الآخرين، رغم أنهم لا يبالون متى اقتضت المصلحة التعاون مع الأعداء والتحالف معهم، بغية تحقيق أهدافهم الداخلية، وضد أشقائهم ومن يتحدثون باسم مقاومتهم، كما هو الشأن مع «حزب الله» اللبناني، أو شهدناه في الاتفاق النووي الإيراني مع إدارة أوباما، أو في التقارب مع «القاعدة» التي أثبتتها وثائق بن لادن مجدداً، بعد تقرير لجنة الحادي عشر من سبتمبر (أيلول).
من هنا، نرى أن سياسات الهوية المعتدلة، غير المنتفخة وغير العدائية، وتمكين الوعي بفكرة الوطن والمواطنة، تمثل مدخلاً مهماً من مداخل الاعتدال في مكافحة التطرف، حيث يستخدم الأخير دائماً أزمات الهوية لدى المهمشين ولدى الأقليات والجاليات المسلمة في الغرب وفي بعض الدول لتوظيفها في حراكه العنيف ضد أعدائها.
كما أن التعاطي مع التطرف كذهنية واحدة تدرك تنوعاتها، حيث تحضر بين ممثلي التطرف وجماعاته تشابهات عابرة للطوائف والأديان، هو الأمر المهم الذي يكشف عمق التطرف الكامن ويعريه، فالتشابهات بين التطرف الشيعي والسني في المجال الإسلامي كبيرة ومتماهية، رغم كل ما يعلنه كلاهما من عداء متبادل للآخر، ولكن تجمعهم الأهداف، كما تجمعهم الممارسة الخطابية والشعارات، ولو اتسعنا لوجدناه في كثير من النماذج الشبيهة في الأديان الأخرى وفي التاريخ، التي تعتمد على احتكار الحقيقة وكراهية الآخرين، ورواية المؤامرة المستمرة ضدهم ومنهم. ولكن تظل الإشكالية الأكبر في التمكين للاعتدال في الحاضر الثقافي والاجتماعي الإسلامي هي القدرة على تحرير الإسلام من فكرة الصراع والإمامة التي كانت الفارق بين فرقه في القديم، وما زالت تمثل رافد كل جماعات الحاكمية وولاية الفقيه المعاصرة، رغم أنها مسألة تاريخية لم تكن إلا بعد انقطاع الوحي، وهو الجهد الشجاع الجسور الذي لامسه بعض المفكرين والفقهاء في التراث، ولكن تستحي من ملامسته بعض المؤسسات الدينية في عصرنا للأسف.


مقالات ذات صلة

آسيا مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مرة أخرى وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام».

«الشرق الأوسط» (باراشينار (باكستان))
المشرق العربي إردوغان وإلى جانبه وزير الخارجية هاكان فيدان خلال المباحثات مع بيلنكن مساء الخميس (الرئاسة التركية)

إردوغان أبلغ بلينكن باستمرار العمليات ضد «الوحدات الكردية»

أكدت تركيا أنها ستتخذ إجراءات وقائية لحماية أمنها القومي ولن تسمح بالإضرار بعمليات التحالف الدولي ضد «داعش» في سوريا. وأعلنت تعيين قائم بالأعمال مؤقت في دمشق.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

قال رئيس هيئة أركان وزارة الدفاع النيجيرية الجنرال كريستوفر موسى، في مؤتمر عسكري، الخميس، إن نحو 130 ألف عضو من جماعة «بوكو حرام» الإرهابية ألقوا أسلحتهم.

«الشرق الأوسط» (لاغوس)
المشرق العربي مئات السوريين حول كالين والوفد التركي لدى دخوله المسجد الأموي في دمشق الخميس (من البثّ الحرّ للقنوات التركية)

رئيس مخابرات تركيا استبق زيارة بلينكن لأنقرة بمباحثات في دمشق

قام رئيس المخابرات التركية، إبراهيم فيدان، على رأس وفد تركي، بأول زيارة لدمشق بعد تشكيل الحكومة السورية، برئاسة محمد البشير.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.