682 مليار دولار أرباح متوقعة في جمعة التنزيلات

توقعات انتعاش رغم عام صعب يضغط على المشترين حول العالم

TT

682 مليار دولار أرباح متوقعة في جمعة التنزيلات

تترقب الأسواق العالمية مع الساعات الأولى لفجر اليوم (الجمعة) انطلاق فعاليات «الجمعة السوداء» حول العالم، وهو يوم تنزيلات التسوق الأشهر عالمياً حالياً، الذي اجتاح أركان العالم، ليس على مستوى المتاجر التقليدية فقط، ولكن أيضاً على المنصات الإلكترونية. ورغم أن العام الحالي كان صعباً من الناحية الاقتصادية بالنسبة للقدرة الإنفاقية في أغلب أنحاء العالم، إلا أن توقعات انتعاش المبيعات لا تزال مرتفعة في «الجمعة السوداء».
ونما مصطلح التسوق «الجمعة السوداء» من ظاهرة وطنية خاصة بالولايات المتحدة الأميركية، إلى أن أصبحت ظاهرة دولية. وتغلب هذا المصطلح على كثير من الأيام الأكثر شعبية للتسوق والخصومات حول العالم.
فعلى سبيل المثال، اكتسح مصطلح «الجمعة السوداء» شبيهه البريطاني «بوكسينج داي»، وهو اليوم السادس والعشرون من ديسمبر (كانون الأول) من كل عام في المملكة المتحدة، وهو اليوم الأشهر للتسوق خلال السنة، على الرغم من أن 30 في المائة من المستهلكين البريطانيين يقولون إنه لا تزال هناك صفقات أفضل في «بوكسينج داي».
وفي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، سمي يوم الخصومات بـ«الجمعة البيضاء». وفي البرازيل، زادت عمليات البحث في «غوغل» بنحو 65 في المائة خلال الأيام الأخيرة هذا الأسبوع عن «الجمعة السوداء». وتستغرق فترة الخصومات من صباح الجمعة حتى الاثنين، وهو ما يطلق عليه «سيبر مانداي». وخلال العام الماضي، كانت نسبة 51 في المائة من حجم المبيعات عالمياً قد تمت من خلال الهواتف الذكية.
وبلغ عدد متسوقي عام 2016 ما يقرب من 101.17 مليون شخص، مقارنة بنحو 74 مليون شخص في عام 2015، فيما يتوقع تجاوز عدد المتسوقين هذا العام مستوى 150 مليون شخص.
وعلى مدار السنوات الـ15 الماضية، كان موسم التسوق خلال شهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر منتعشاً ومتنامياً باستمرار، بمتوسط زيادة سنوية في المبيعات 2.5 في المائة، بعد انخفاض حاد بنحو 4.6 في المائة في عام 2008. وقبل الأزمة المالية العالمية، بلغ متوسط الزيادة السنوية في 10 سنوات 3.5 في المائة.
ومن المتوقع أن ينفق الشخص في المتوسط 967.13 دولار، مقارنة بنحو 935.58 دولار للشخص العام الماضي، بإجمالي 682 مليار دولار العام الحالي، مقارنة بـ655.8 مليار دولار، وبمعدل زيادة يقترب من 4 في المائة.
وعادة ما تبالغ مؤسسة الأبحاث الوطنية الأميركية في تقدير المبيعات داخل البلاد. ففي عام 2015، توقعت المؤسسة تحقيق مبيعات 630.5 مليار دولار، ولكن ما تم بيعه بالفعل كانت قيمته نحو 626.1 مليار دولار فقط. وعلى العكس، من المرجح أن تزيد مبيعات 2017 عن توقعات المؤسسة.
وأفادت دارسة استقصائية قامت بها المؤسسة أن المتاجر الأميركية ستستأجر ما بين 500 إلى 550 ألف عامل موسمي في عام 2017، وهو أقل من الرقم القياسي الذي بلغ 764.750 عامل تم توظيفهم في 2013، ولم يكن الرقم سيئاً كعدد العمال الذين تم توظيفهم في 2008، البالغ عددهم 63.820 عامل.
وفي الولايات المتحدة، يستهلك المتسوقون ما يقرب من 37 في المائة من حجم مدخراتهم السنوية خلال موسم الأعياد. أما في بريطانيا، فمن المتوقع أن تصل المبيعات إلى 7 مليارات جنيه إسترليني في «الجمعة السوداء» فقط.
وعلى الرغم من ارتفاع معدلات التضخم في الاقتصادات المتقدمة مقارنة بالعام الماضي، فإن الخصومات بدأت من 20 حتى 70 في المائة في معظم منصات البيع الكبيرة.
ويتوقع مراقبون أن يتحول المستهلكون للحذر جراء تراكمات العام الماضي، بالتزامن مع تضخم تجاوز نمو الأجور وارتفاع معدلات الفائدة المتكررة التي تلوح في الأفق.
ومع موسم «أعياد ميلاد» سخي العام الماضي، يبدو موسم العطلات هذا العام أكثر صعوبة، مع مبيعات تجزئة ضعيفة في أكتوبر (تشرين الأول)، ويرجع ذلك إلى دفء الجو خلال الشهر الماضي، مقارنة بالفترة نفسها العام الماضي، مما أعاق المستهلكين عن شراء المعاطف أو أحذية جديدة.



هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
TT

هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)

تواجه فرنسا في الوقت الراهن تحديات اقتصادية وسياسية معقدة، تتمثل في ارتفاع معدلات الدين العام وتزايد عدم الاستقرار السياسي، مما يهدد استقرارها الداخلي ويثير القلق بشأن انعكاسات هذه الأوضاع على منطقة اليورو بشكل عام. تأتي هذه الأزمات في وقت بالغ الأهمية، حيث يمر الاتحاد الأوروبي بفترة تحول حاسمة بعد تبعات الأزمة المالية العالمية، مما يطرح تساؤلات حقيقية حول قدرة الدول الأعضاء على مواجهة الأزمات الاقتصادية المقبلة. في خضم هذه التطورات، تظل فرنسا محط الأنظار، إذ يتعرض نظامها السياسي للشلل بينما يتصاعد العجز المالي. فهل ستتمكن باريس من تجنب مصير الدول التي شهدت أزمات مالية مدمرة؟ وما الدروس التي يمكن لفرنسا الاستفادة منها لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي في المستقبل؟

تتجاوز ديون فرنسا اليوم 110 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت تكلفة اقتراضها مؤخراً مستويات تفوق تلك التي سجلتها اليونان. ويوم الجمعة، توقعت «موديز» أن تكون المالية العامة لفرنسا أضعف بشكل ملموس خلال السنوات الثلاث المقبلة، مقارنة بالسيناريو الأساسي الذي وضعته في أكتوبر (تشرين الأول) 2024. هذه المعطيات أثارت مخاوف متزايدة من أن تكون هذه الأوضاع الشرارة التي قد تؤدي إلى أزمة جديدة في منطقة اليورو. ومع ذلك، عند مقارنة حالة الاتحاد الأوروبي في ذروة الأزمة المالية العالمية، حين كان يواجه خطر التفكك الكامل، مع الوضع الراهن، تتضح الفروق الجوهرية، حيث يظهر الوضع الحالي قدرة الاتحاد على الصمود بشكل أكبر بكثير، مما يعكس قوة أكثر استقراراً وصلابة في مواجهة التحديات الاقتصادية، وفق «رويترز».

وبعد انهيار حكومتها الهشة في أوائل ديسمبر (كانون الأول)، توجد فرنسا حالياً في دائرة الضوء. فقد أدت الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في يوليو (تموز) إلى انقسام الجمعية الوطنية، مما أدى إلى تعميق الأزمة السياسية في البلاد. وفي مسعى لتشكيل حكومة قادرة على استعادة الاستقرار، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السياسي المخضرم ميشيل بارنييه رئيساً للوزراء بعد الانتخابات، على أمل بناء إدارة مستدامة. لكن التوترات بين الحكومة والبرلمان اندلعت عندما دعا بارنييه إلى خفض الموازنة للحد من العجز المتوقع، والذي قد يصل إلى 6.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وقد أدى هذا إلى تجمع أعضاء البرلمان من مختلف الأطياف السياسية لرفض الموازنة، وكان التصويت بحجب الثقة الذي أدى إلى إقالة بارنييه هو الأول من نوعه منذ عام 1962.

وأثناء تطور هذه الأحداث، ارتفعت عوائد السندات الفرنسية لأجل عشر سنوات بشكل مؤقت إلى مستويات أعلى من نظيرتها اليونانية، مما أثار المخاوف من أن فرنسا قد تصبح «اليونان الجديدة». ومع ذلك، إذا تم النظر إلى ما حدث في اليونان في عام 2012، عندما وصلت عوائد سنداتها لأجل عشر سنوات إلى أكثر من 35 في المائة، يلاحظ أن الوضع اليوم مختلف بشكل جذري. ففي الوقت الراهن، تقل عوائد السندات اليونانية عن 3 في المائة، مما يعني أن العوائد الفرنسية قد ارتفعت بأقل من 60 نقطة أساس خلال العام الماضي لتصل إلى مستويات مماثلة.

ومن خلال تحليل التغييرات في عوائد السندات في منطقة اليورو خلال السنوات الأخيرة، يتضح أن اليونان قد نجحت في تحسين وضعها المالي بشكل ملحوظ، في حين أن فرنسا شهدت تدهوراً طفيفاً نسبياً.

قصة التحول: اليونان

بعد أن اجتاحت الأزمة المالية العالمية أوروبا في أواخر العقد الأول من الألفية، تعرضت اليونان لمحنة مالية شديدة، حيث تكشفت حقيقة الوضع المالي للبلاد، وارتفعت تكاليف ديونها بشكل كبير. وفي إطار استجابة لهذه الأزمة، حصلت اليونان على حزم إنقاذ من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مقابل تنفيذ حزمة من الإجراءات التقشفية القاسية. ونتيجة لذلك، دخلت اليونان في ركود اقتصادي طويل دام لعقد من الزمن، بينما تعرضت لعدة فترات من عدم الاستقرار السياسي.

لكن الحكومة الحالية التي تنتمي إلى التيار الوسطي - اليميني نجحت في استعادة بعض الاستقرار الاقتصادي، حيث تمكنت من تحقيق فائض أولي في الموازنة، وهو ما مكنها من تقليص عبء الديون الضخم. كما شهد الاقتصاد اليوناني نمواً بنسبة 2 في المائة العام الماضي، وهو ما يعد تحسناً ملموساً.

ورغم أن فرنسا قد تحتاج إلى جرعة من العلاج المالي ذاته، فإنها تبدأ من نقطة انطلاق أقوى بكثير من اليونان. فاقتصاد فرنسا أكثر تطوراً وتنوعاً، ويبلغ حجمه أكثر من عشرة أضعاف الاقتصاد اليوناني. كما أكدت وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغ» قبل أسبوعين تصنيف فرنسا الائتماني، مع التوقعات بأن تواصل البلاد جهودها في تقليص العجز في الموازنة. وأشارت الوكالة إلى أن «فرنسا تظل اقتصاداً متوازناً، منفتحاً، غنياً، ومتنوعاً، مع تجمع محلي عميق من المدخرات الخاصة»، وهو ما يعزز موقفها المالي.

الأمر الأكثر أهمية هنا هو أنه حتى في حال قرر المستثمرون الدوليون سحب أموالهم - وهو ما لا يوجد أي مؤشر على حدوثه - فإن فرنسا تملك إمداداً كبيراً من الأموال المحلية، يُمكِّنها من سد الفجوة المالية المتزايدة.

فعل كل ما يلزم

على الرغم من أن منطقة اليورو لا تزال تشهد تطوراً غير مكتمل، فإنه من المهم الإشارة إلى كيفية تعزيز النظام المصرفي في المنطقة منذ الأزمة المالية العالمية. كما ينبغي تذكر كيف أثبت البنك المركزي الأوروبي مراراً استعداده وقدرته على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الأزمات المالية في المنطقة. إلا أن ذلك لا يعني أن صانعي السياسات في باريس أو العواصم الأوروبية الأخرى يشعرون بتفاؤل مطلق بشأن التوقعات الاقتصادية للاتحاد.

ففي العديد من الجوانب، تبدو التحديات الاقتصادية التي تواجه فرنسا أقل حدة، مقارنة بتلك التي تواجهها ألمانيا، التي تعرضت حكومتها هي الأخرى لهزة قوية مؤخراً. ويعاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو من تداعيات سنوات طويلة من نقص الاستثمارات، حيث يواجه قطاعها الصناعي القوي سابقاً صعوبات حقيقية في التعافي. كما أن منطقة اليورو، التي شهدت تباطؤاً ملحوظاً في نمو إنتاجيتها، مقارنة بالولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية، تواجه الآن تهديدات كبيرة بسبب الرسوم الجمركية التي قد تفرضها إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب.

لكن هذه التهديدات التجارية قد تكون هي التي تدفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوة كبيرة أخرى في تطوره الاقتصادي. فالتاريخ يثبت أن الاتحاد يتخذ خطوات حاسمة عندما يُدفع إلى الزاوية. وفي وقت سابق، قدم ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، خطة لإصلاحات اقتصادية طال انتظارها، داعياً إلى استثمار إضافي قدره 800 مليار يورو سنوياً من قبل الاتحاد الأوروبي.

وقد لاقت هذه الخطة دعماً واسعاً من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، حتى أن رئيس البنك المركزي الألماني، المعروف بتوجهاته المتشددة، دعا إلى تخفيف القيود على الإنفاق في ألمانيا. وإذا أسفرت الانتخابات في ألمانيا وفرنسا عن حكومات أقوى العام المقبل، فقد يُتذكر عام 2025 ليس بوصفه بداية لأزمة جديدة في منطقة اليورو، بل بوصفه عاماً شهدت فيه المنطقة اتخاذ خطوة كبيرة نحو تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.