لم يعد خافياً أنّ مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الذي سينطلق اليوم ويستمر حتى الثلاثين من شهر نوفمبر الحالي، في دورة رقمها 39، يواجه إعراض السينما المصرية عن تخصيصه بالأفلام الجيدة المحدودة عدداً، التي يتم إنجازها كل سنة. أصحاب هذه الأفلام يختارون مهرجانات أخرى للتوجه إليها. يأتي مهرجان دبي في المقدّمة إذ يختاره المخرجون والمنتجون لعرض أفلامهم فيه، إن لم يكن بسبب جوائزه المرتفعة، فبسبب قيمته كمهرجان دولي سخي التنظيم يحظى بمرتبة عالمية أعلى.
ثم جاء منافس آخر تمثل، بدءاً من هذا العام بمهرجان «الجونة» الذي نجح في حشد حضور مصري كبير من الأفلام والضيوف المصريين. فإذا أضفنا إلى ذلك، أنّ اهتمام السينمائيين المصريين أنفسهم بمهرجان القاهرة فَـتُـر منذ عدة سنوات، فإن الحالة الغريبة تشتد غرابة.
أفلام فارّة
مرّ وقت كان المهرجان فيه يشهد عرض أفلام مصرية عدّة. مؤتمرات يحضرها مخرجون وممثلون مصريون كثر. بل كان المرء يصطدم بوجه سينمائي بارز كيفما استدار. الجبهة المصرية كانت في مجملها مصرّة على إنجاح تجربة المهرجان المصري (الذي كان وحيداً آنذاك)، وذلك من قبل أن يبدأ الجمع بالانفضاض عنه، اللهم باستثناء حضور خجول في حفلتي الافتتاح والاختتام.
الآن تجد مواهب مصرية قليلة في الجوار. عادة ما يصر المخرج خيري بشارة ويسرا وليلى علوي ومحمود حميدة على الظهور بشكل مكثف، إيماناً منهم بضرورة دعم هذا المهرجان الذي انطلق في سبعينات القرن الماضي ولا يزال مستمراً بعناد القائمين عليه.
لا توجد أعذار فعلية لغياب الفنانين المصريين عن الحضور في الوقت الذي لم يكن مهرجان القاهرة قد خطط لبديل ما، حيال هذا الغياب. والتبرير المتمثل في أنّ مهرجانات أخرى قد تعود بفائدة أعلى إذا ما توجّه السينمائيون المصريون إليها، لا يخفي قدراً من التهرب من المسؤولية. عليه فإنّ المهرجان هذا العام قرّر تغييب السينما المصرية عن مسابقته الرسمية، معتبراً أنّ عدم عرض فيلم جيد، أفضل من عرض فيلم مصري ضعيف لا يستطيع مواجهة الاختيارات الرسمية الآتية من باقي الدول.
هذا القرار الصائب كان يمكن اتخاذه من قبل. الأفلام المصرية التي اشتركت في مسابقات الدورات الأخيرة لم تكن مبهرة. بعضها جاد في رغبته الانتماء إلى البديل والمستقل، لكنّه شطح صوب المعالجة التقليدية. هذا لم يمنع بعض هذه الأفلام، ومنها «الشيخ جاكسون» و«علي معزة وإبراهيم» و«مولانا» من التوجه لمهرجانات أخرى، وذلك للاستفادة كذلك من الوهج العالمي المتوقع لها سواء في مهرجانات عربية أو أجنبية.
الواقع المصاحب لكل ذلك، أنّ المهرجان يحتاج لاستقطاب إعلامي عالمي يفتقده بسبب ميزانيته المحدودة. الفنان، مصرياً كان أو لا، دائم الحاجة للأضواء وبقدر ما تتعدد وتكبر بقدر ما يغبطه ذلك. حضور إعلامي أجنبي سيضيف بعض الجاذبية للمهرجان، من هذه الناحية، كما سيساعد في ترميم صورته في الصحف العالمية أيضاً.
مسابقات
الحال أن مهرجان القاهرة يستند إلى ميزانية محدودة توفرها له وزارة الثقافة أساساً وبعض المعلنين والداعمين. ويستقبل هذا العام قيام محطة تلفزيونية مصرية بمساهمة مالية ومعنوية كبيرة هي محطة «DMC» التلفزيونية، وبذلك تكون المحطة الأولى التي تقرر الاشتراك الفعلي في تنظيم مهرجان سينمائي. أمّا التجربة التي أقدم عليها الإعلامي نجيب ساويرس عبر محطة ««On Ent. في هذا الإطار، فتمثلت في إنشائه مهرجاناً وليس مجرد المساهمة فيه.
لا شكّ أنّ رئيسة المهرجان ماجدة واصف ومديره الفني يوسف شريف رزق الله ومعاونيهما، وفي المقدمة الناقد أحمد شوقي، يفعلون الكثير لأجل إنجاح الدورات المتوالية وهذه الدورة بالتحديد، بما في ذلك تأمين أفلام تنتشر على عرض جبهات مختلفة. هناك المسابقة وهناك البانوراما وقسم «مهرجان المهرجانات»، واحتفاء بأفلام المخرجات الفرنسيات واحتفاء بالسينما المصرية وآخر بالسينما الأسترالية.
ثم هناك ثلاثة مسابقات أخرى بجانب المسابقة الرسمية هي مسابقة «آفاق السينما العربية» ومسابقة «النقاد الدوليين» ومسابقة «الأفلام القصيرة».
الأفلام المصرية المعروضة في هذه الدورة، كلها خارج المسابقة وجلّها في قسم الاحتفاء بالسينما المصرية. هي لا تشمل الأفلام الجماهيرية التي تعرض في صالات السينما بنجاحاتها المتفاوتة، بل تلك التي تميّـزت باستحسان النقاد والمثقفين لها وهي «علي معزة وإبراهيم» لشريف البنداري، و«جان دارك مصرية» لإيمان كامل، و«يوم للستات» لكاملة أبو ذكري، و«فوتو كوبي» لتامر عشري، و«الشيخ جاكسون» لعمرو سلامة، و«الأصليين» لمروان حامد، و«مولانا» لمجدي أحمد علي، و«أخضر يابس» لمحمد حماد.
كل هذه الأفلام (ربما باستثناء «الأصليين» و«فوتو كوبي») عُرضت في مهرجانات عربية أخرى، لكنّ هذا لا يضر لأنّ القسم المُـشاد، هو سعي جدير بالاهتمام مفاده تقديم بانوراما لأهم ما أنتجته السينما المصرية من أعمال خلال العام الماضي وهذا العام.
بانوراما عربية
القسم الآخر الذي يعرض أفلاماً عربية، هو «مسابقة آفاق عربية» التي أسست نفسها بنجاح مضطرد منذ بدايتها قبل بضع سنوات. هذه المسابقة تشمل ثمانية أفلام آتية من أماكن مختلفة. هناك الفيلم الكويتي «سرب الحمام» لرمضان خسروه، والفيلم المغربي «عرق الشتا» لحكيم بلعباس، و«منزل في الحقول» لتالا حديد، و«الجايدة» لسلمى بكار (تونس)، و«طريق النحل» لعبد اللطيف عبد الحميد (سوريا)، و«مطر حمص» لجود سعيد (سوريا)، و«نصر» لبديع مسعد وأنطوان واكد (لبنان)، و«اصطياد أشباح» لرائد آنضوني (فلسطين).
أمّا المسابقة ذاتها فأمرها مختلف من حيث عدم اشتراك أي فيلم عربي فيها باستثناء فيلم تونسي وحيد هو «تونس في الليل» لإلياس بكار. دراما متوهجة بمشاكل عائلة يقودها أب سكير وزوجة معتلة وابنة ضائعة وابن يحاول إصلاح ما لم يعد بالإمكان إصلاحه.
صالح محمد هارون مخرج تشادي قدّم أفلاماً جيدة (عرض مهرجان «كان» بعضها مثل «أبونا» و«رجل يصرخ») والآن يعود بفيلم جديد عنوانه «موسم في فرنسا» عن لاجئ أفريقي اسمه عباس (إريك إبواني) يتعرف على امرأة فرنسية (ساندرين بونير) التي تقع في حبه حتى من قبل أن تقبل السلطات الفرنسية أو ترفض طلبه البقاء في البلاد. في الفيلم الإيطالي «فورتوناتا» نجد امرأة شابة مطلقة ولديها ابنة صغيرة، تسعى لكي يكون لديها صالون الشعر الخاص بها. المصاعب أكبر من الطموح إذ تواجه عقبات مختلفة بعضها من صنع زوجها السابق الذي لا يزال يطاردها.
من بلجيكا وفرنسا ولبنان فيلم بعنوان «وضع سوري» (الحقيقة يختلف العنوان من مصدر لآخر، لأنّه ترجمة لكلمة Insyriated والمقصود بها حال من يدلف إلى وضع سوري خاص). هذا الفيلم من فيليب فان لي، تشترك في بطولته الجماعية الفلسطينية هيام عباس واللبنانية دياماند أبو جودة.
الأفلام الأخرى هي «بذور العنف» لليم تاي - غو (كوريا الشمالية)، و«محطة الطريق» لهونغ آنه (فيتنام)، و«ريدو» لساغار فانياري (الهند)، و«بستان الرمان» لإلغار نجف (أذربيجان)، و«المتطفل» للوناردو د كوزستانزو (إيطاليا وفرنسا)، و«قلبي المخدوع» لديفيد ورفايل دوران (فرنسا)، ثم «نينا» ليوري لهوتسكي (سلوفاكيا)، و«خارجاً» لغيورغي كريستوف (سلوفاكيا والمجر)، و«قتل يسوع» للورا مورا (كولومبيا)، و«الكلاب» لمرسيلا سعيد (تشيلي)، و«اختفاء» لبودوين كول (النرويج).
يتضح أنّ المسابقة تجمع بين بعض دول أوروبية غربية وأخرى لاتينية وآسيوية. الواضح هنا أنّ المهرجان لا يستطيع ضمن وضعه الحالي استقطاب الأسماء الأولى من المخرجين، وهذا ليس وضعاً فريداً بقدر ما هو وضع شائع بالنسبة للعديد من المهرجانات العربية ذات البرامج الدولية.
أمّا السينما الأميركية فيمثلها فيلم المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد «الجبال التي بيننا»، والدعوة وجهت لبطليه كايت وينسلت وإدريس ألبا، لكنّهما اعتذرا بداعي الانشغال بتصوير أفلام أخرى.
وهاني أبو أسعد سيجد نفسه في كرسي لجنة التحكيم الرئيسية، وتضم الممثل حسين فهمي رئيساً والمخرج المصري خيري بشارة والممثلة السورية كندة علوش والممثلة الفرنسية فابيان بابي والمخرج التشيكي بيتر فاكلاف والمنتج الصيني جاك لي ومديرة مهرجان مومباي سمريتي كيران.
بالإضافة إلى كل ذلك فإن شيئاً ما يخبرنا بأن الدورة الـ39 هذه، ستكون محطة مهمّـة على الرّغم من كل العوائق المحيطة، بل ستكون فاصلة بالنسبة لمهرجان يمثل دولة عليه أن يستمر على الرغم من الظروف جميعاً.