ما بعد الرقة... وتغيير موازين الهيمنة {الداعشية}

TT

ما بعد الرقة... وتغيير موازين الهيمنة {الداعشية}

إن كان من الصعب اجتثاث الفكر المتطرف والتخلص من التنظيمات الإرهابية ذات الأذرع الخفية والخلايا النائمة المتناثرة في كل مكان فإن الظروف الحالية تشي ببداية ضعف تنظيم داعش وإمكانية هيمنة تنظيم آخر على الساحة وقد يكون تنظيم القاعدة الذي بدأ استعادة قوته في بعض المناطق... تعمق تورط «داعش» بحيثيات الساحة الدولية نتيجة تطهير الرقة من التنظيم واستحالة عودة أي «خلافة» لـ«داعش» بعد أن اندحرت عملياته وقتل ولاذ عدد كبير من أعضائه بالفرار بدءاً بالموصل وانتهاء بالرقة
يظل في الرقة عدد ضئيل من أعضاء التنظيم من الإرهابيين الأجانب ممن لا تتجاوز أعدادهم 300 شخص، ممن قرروا البقاء والمقاتلة حتى الموت إما لاعتقادهم بعدم وجود ملاذ آخر لهم، بعد تورطهم، أو لرغبة فعلية للقتال حتى آخر لحظة. ويقابل ذلك تفضيل عدد آخر من المقاتلين التوجه إلى مناطق أخرى أو العودة إلى أوطانهم. وحسب إحصائيات نشرتها صحيفة «غارديان»، فإن عدد القتلى المنتمين إلى تنظيم داعش وصل عددهم إلى 60 ألفاً منذ عام 2014، وهو العام الذي احتل فيه «داعش» الرقة، مما يحتم ضرورة تعويض حجم تلك الخسائر الناجمة عن انخفاض الأعداد وغياب مكان مركزي يعد معقلاً لهم. الأمر الذي تتلاشى بسببه فكرة الملاذ الآمن أو «يوتوبيا» الإرهابيين، التي استقطبت المتطرفين من كل حدب ومن مختلف الجنسيات والهويات إلى منطقة يمكنهم فيها تحقيق كل أحلامهم وطموحاتهم، مهما كانت تخريبية أو عدوانية.
تلك الفكرة التي كرّس لها التنظيم كل جهوده وإن تلاشت، فإن براغماتية التنظيم التي دفعته بأن يشرع بتغيير استراتيجياته منذ بدء سقوط المنطقة التي كرّس التنظيم رسالته الأولية لتنحصر بـ«إقامة خلافة» فيها، ليعلن فيما بعد أن «الخلافة» لا ترزح تحت عبء منطقة معينة، وهو أمر ليس بمستغرب بالأخص، وأن تنظيم داعش لم يكترث بتزيين مظهره أمام الآخرين ولم يضيّع وقته باختيار شخصيات تقنع الآخرين بالمنطق وبمسببات إنشاء التنظيم. وبقي العامل الجاذب الأكبر هو التحريض على تكفير الآخرين وقتلهم واستعراض مدى عنف أعضاء التنظيم وقدرتهم على شن هجمات كبيرة ومفاجئة، فيما استخدم تنظيم داعش في داخل المناطق التي استحوذ عليها وسائل التعسف وإثارة الرعب وفرض عقوبات قاسية عليهم، في محاولة للترهيب وإجبار المدنيين على الانضمام معهم في حالات كثيرة، وفي حالات أخرى استخدام المدنيين كمصيدة أو من أجل الوقاية من الهجمات التي يتعرض لها التنظيم. وفي الآونة الأخيرة بلغ اليأس بالتنظيم الحد الذي شرعوا فيه إلى استهداف تجمعات النازحين والمدنيين الفارين في أكثر من مكان، كريف دير الزور وريف الحسكة، وذلك في محاولة لحصد أكبر قدر من الضحايا. وقد خلف التنظيم دماراً كبيراً في الرقة، الأمر الذي يحتم ضرورة إعادة بناء الرقة التي وقد أصبحت إلى حد كبير غير مؤهلة للمعيشة، من أجل حمايتها من أن يملأ الفراغ الذي تركته «داعش» تنظيم آخر بممارسات فاشية شبيهة، خصوصاً أن سوريا ككل لا تزال تعاني من التأزم السياسي الراهن.
إلا أن قوات سوريا الديمقراطية المؤلفة من فصائل كردية وعربية مسلحة تكونت في أكتوبر (تشرين الأول) 2015 بمحافظة الحسكة بدعم من التحالف الدولي، بهدف محاربة تنظيم داعش، تمكنت جاهدةً من تحقيق هذا الهدف، وإعادة مئات المدنيين إلى حي مشلب في الرقة، مما يعكس مرحلة جديدة تشمل إعادة تأهيل المدينة بعد تطهيرها من المتطرفين، وإن كانت لا تزال تحوي عدداً كبيراً من الألغام، وحسب تصريحات لجنة إعادة الإعمار في مجلس الرقة فقد شرعت الجهات المسؤولة بإزالة الأنقاض، ويتبع ذلك عملية فتح الطرقات، إلا أن الأمر الأهم هو كيفية ملاحقة تنظيم داعش الذي نزح إلى منطقة البوكمال فشرعت القوات الروسية باستهدافه، ويتزامن ذلك مع طرد تنظيم داعش في العراق من آخر معاقله بعد معركة «القائم» ليعكس ذلك تضافر الجهود الدولية من أجل تطهير المنطقة من الإرهابيين والخلايا النائمة والحد من قدرة التنظيم على شن هجمات إرهابية. وهو أمر يظهره جزم الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وتأكيده أن «نهاية (داعش) باتت وشيكة بعد سقوط الرقة السورية» وهو رأي واقعي مبني على شواهد واضحة. ويتضح من التحركات الداعشية أن أنشطته استحالت إلى ما هو أشبه بحرب للعصابات، بالأخص نتيجة فرار عدد كبير من أعضاء التنظيم بعد تضييق الخناق عليه نحو المناطق الحدودية الصحراوية، مما يسهل عليهم التخفي والقيام بعمليات عشوائية نتيجة صعوبة وغلظة التضاريس.
ويؤيد هذه الرؤية تصريح المتحدث باسم التحالف الدولي الكولونيل الأميركي رايان ديلون: «نتوقع منه الآن أن يحاولوا الفرار لكننا ندرك ذلك وسنفعل كل ما بوسعنا للقضاء على قادة (داعش)».
وتوقع المتحدث باسم التحالف استمرار مطاردة «داعش» فيما وصفها بالمناطق الصغيرة: «نراهم يفرون إلى الصحراء ويختبئون هناك في محاولة للتحول من جديد إلى جماعة متمردة إرهابية»، فيما نفى تلاشي تنظيم داعش في الآونة القريبة: «لن تهزم فكرة الخلافة الافتراضية على المدى القريب. سيظل تهديد الدولة قائماً»، وذلك أمر بديهي وقد شرع التنظيم بالتركيز على الإرهاب العالمي ومحاولة التأثير على الساحة الإلكترونية، وذلك على الرغم من خفوت الطرق الدعائية التي يتم عبرها الاستقطاب نتيجة تشديد الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن التنظيم لا يزال يتواصل مع أعضائه ومناصريه عبر برامج مثل «تيليغرام»، فيما لا تزال وكالة «الأعماق» الذراع الإعلامية للتنظيم ومطبوعات الرواية تستقطب مشاهدين ومؤيدين للتطرف بشكلٍ عام أو التنظيم على وجه الخصوص. وقد لاقت تهديدات تنظيم داعش بتنفيذ هجمات في روسيا أثناء استضافتها لكأس العالم المقبل رواجاً وردود فعل كثيرة. فالأمر الذي يصعب التخلص منه بشكلٍ تام هو تأليب أو تحريض مؤيدي التطرف أو «الخلايا النائمة» في الدول المختلفة على القيام بهجمات إرهابية، إذ يسهل استمرار التأثير على المتعاطفين مع المتطرفين في حال استمرت القدرة على التواصل مع الآخرين وممارسة حملات إعلامية ترويجية تخريبية سواء على الساحة الإلكترونية أو في أماكن تجمعات الأقليات، وبالأخص أولئك ممن يشعرون بالتهميش مما قد يمدهم بمسببات لكراهية العالم أو الاقتناع بالفكر الإرهابي، حيث يتم تحفيز الآخرين على الكراهية وإلغاء الآخر من خلال القتل والتدمير، الأمر الذي يمعن في جذب المتطرفين ممن يمتلكون أمراضاً نفسية تعزلهم عن العالم الخارجي وتجردهم من التعاطف مع الآخرين. وذلك هو التوجه الذي يركز تنظيم داعش عليه من أجل تعويض إخفاقاته الأخرى، من خلال تحفيز المتأثرين بالتنظيم والمتابعين لأنشطتهم على القيام بعمليات إرهابية منفصلة كالذئاب المنفردة، من أجل التسبب بإرباك عالمي والتقاط الهالة الإعلامية المكتسبة من هذه الهجمات حتى وإن كانت تؤثر فقط بالتنظيم. كما حدث مع منفذ هجوم مانهاتن نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، سيف الله سايبوف، الذي ارتكب حادثة الدهس بشاحنة مما أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص. إذ ذكر أنه اتبع إرشادات «داعش» في كيفية تنفيذ مثل هذه الهجمات، كما ترك رسالة بخط يده في موقع الحادث ذكر فيها أن «(داعش) سيظل إلى الأبد».
من جهةٍ أخرى، ظهرت في الآونة الأخيرة عودة صراع القوة ومحاولة تنظيم القاعدة للنهوض مرة أخرى والسيطرة على التحالفات مع الجماعات الأخرى. فعلى الرغم من الهيمنة الأخيرة لتنظيم داعش التي مكنت من خلالها التحالف مع جماعات مثل جماعة «بوكو حرام» وجماعة «أبو سياف» ومحاولات ضعيفة للوجود في اليمن، فإن فقدانها لوهجها في الآونة الأخيرة بدأ بتهديد هيمنتها على الساحة لا سيما أن مبلغ شراستها هو المحفز الأولي لتحالفات الجماعات الأخرى معها، ويتجلى ذلك بشكلٍ واضح في شمال أفريقيا مثل ليبيا والصومال ومصر تحديداً، إذ ارتبطت أخيرا جماعة «أنصار الإسلام» ومجموعة عشماوي في سيناء بمصر بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ليتم تأسيس جماعة «أنصار الدين»، إثر الانهيار الداعشي، وقد تسببت جماعة أنصار الدين بمذبحة الواحات في 21 أكتوبر 2017 مما نجم عنه مقتل 16 ضابطاً وجندياً. الأمر الذي يشي بظهور إعادة تشكيل وتحالفات جديدة ما بين التنظيمات المتطرفة. وقد حدث ذلك من قبل مع تنظيم القاعدة، عندما توقفت الميليشيات والجماعات الإرهابية من الالتفاف حوله نتيجة الانبهار الجديد بتنظيم داعش من قبل، على الرغم من أن «القاعدة» اعتبرت من أهم التنظيمات في ذلك الوقت وبقي عدد من الجماعات الأخرى يظهر الولاء لها كما ظلت مسيطرة على عدة مناطق في اليمن على سبيل المثال.
وسيظل بإمكان تنظيم داعش التباهي أمام التنظيمات الأخرى بالخبرة المكتسبة لدى أعضائه في «خلافته المزعومة»، التي كانت ذات يوم ملاذاً لجميع المتطرفين، وحلماً يتحقق لهم،مما جعلهم متميزين عن أعضاء التنظيمات الأخرى.
وقد يحاولون إيقاظ تلك الفكرة، مرة أخرى، إن أتيحت لهم فرصة إيجاد منطقة أخرى تتم السيطرة عليها. وإن كان احتمال ظهور تنظيم آخر جديد يستغل الضعف الراهن للتنظيمات الحالية إثر تركيز التحالف الدولي عليها هو أقرب للحدوث. إذ إن لكل تنظيم مرحلة حياتية تنقضي وتتيح لتنظيم آخر التقاط ذات الوهج والاحتفاء به لفترة معينة.


مقالات ذات صلة

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

الولايات المتحدة​ أحمد الشرع مجتمعاً مع رئيس حكومة تسيير الأعمال محمد الجلالي في أقصى اليسار ومحمد البشير المرشح لرئاسة «الانتقالية» في أقصى اليمين (تلغرام)

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

وجهت الإدارة الأميركية رسائل سريّة الى المعارضة السورية، وسط تلميحات من واشنطن بأنها يمكن أن تعترف بحكومة سورية جديدة تنبذ الإرهاب وتحمي حقوق الأقليات والنساء.

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا تدخل منبج (إعلام تركي)

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

يبحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تركيا الجمعة التطورات في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي مواطنون من عفرين نزحوا مرة أخرى من قرى تل رفعت ومخيمات الشهباء إلى مراكز إيواء في بلدة الطبقة التابعة لمحافظة الرقة (الشرق الأوسط)

ممثلة «مسد» في واشنطن: «هيئة تحرير الشام» «مختلفة» ولا تخضع لإملاءات تركيا

تقول سنام محمد، ممثلة مكتب مجلس سوريا الديمقراطي في واشنطن، بصفتنا أكراداً كنا أساسيين في سقوط نظام الأسد، لكن مرحلة ما بعد الأسد تطرح أسئلة.

إيلي يوسف (واشنطن)
المشرق العربي مقاتلون من المعارضة في حمص يتجمعون بعد أن أبلغت قيادة الجيش السوري الضباط يوم الأحد أن حكم بشار الأسد انتهى (رويترز)

«داعش» يعدم 54 عنصراً من القوات السورية أثناء فرارهم

أعدم تنظيم «داعش» 54 عنصراً من القوات الحكومية في أثناء فرارهم في بادية حمص وسط سوريا، تزامناً مع سقوط الرئيس بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي عنصر من المعارضة السورية المسلحة في حمص يحتفل بدخول العاصمة دمشق (إ.ب.أ)

الأردن ومخاوف من خلط أوراق المنطقة والخشية من فوضى سوريا

يبدي أمنيون أردنيون مخاوفهم من عودة الفوضى لمناطق سورية بعد الخروج المفاجئ للأسد إلى موسكو، وان احتمالات الفوضى ربما تكون واردة جراء التنازع المحتمل على السلطة.

محمد خير الرواشدة (عمّان)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.