ليلى سليماني الوجه العربي الذي يمثل الرئاسة الفرنسية

اختارها ماكرون لتسهم في إعلاء القيم الفرنكوفونية

TT

ليلى سليماني الوجه العربي الذي يمثل الرئاسة الفرنسية

عن «المرأة» و«الفرنكوفونية» بشكل خاص، تحدثت الروائية الفرنسية - المغربية الأصل ليلى سليماني في «معرض الكتاب الفرنكوفوني» في بيروت الذي وصلت إليه بعد يوم واحد من اختيارها من قبل إيمانويل ماكرون كممثلة شخصية له للشؤون الفرنكوفونية. ومهمتها في هذا المنصب هي الدفاع عن سياسة طموحة يسعى إليها الرئيس الفرنسي لتعزيز وضع اللغة الفرنسية في العالم. وقال بيان الإليزيه «إن سليماني ستسهم في إعلاء القيم المشتركة للدول الأعضاء بمنظمة الفرنكوفونية وستركز على المشروعات ذات الأولوية لفرنسا في مجالات التعليم والثقافة والمساواة بين الرجال والنساء والإدماج المهني وتنقل الشباب ومكافحة الاختلال المناخي وتطوير الرقمية». ويبدو أن فرنسا تسعى لتدعيم وضع لغتها عالمياً، بعد أن أهملت هذه المسألة في عهد الرئيس هولاند، والرغبة كبيرة، حالياً، في تحريك المياه الراكدة.
اختيار ماكرون لسليماني لم يكن مفاجئاً، فقبل هذا التعيين الرسمي والبيان الذي صدر عن الإليزيه، كانت الروائية الشابة (36 عاماً) قد رافقت الرئيس في زيارة له إلى المغرب، وشجعت على انتخابه بين الدورتين الانتخابيتين في مواجهة مارين لوبن. ويبدو أن الرئيس كان يود تعيينها وزيرة للثقافة، لكنها لم تحبذ ذلك. وتحولت سليماني تدريجياً إلى وجه مشرق للثقافة الفرنسية بتعدديتها وانفتاحها، وهي تستقبل في مدن العالم، كان آخرها في «معرض فرانكفورت للكتاب» ومن ثم في «معرض الكتاب الفرنكوفوني» في بيروت الذي يعتبر الثالث بعد معرضي باريس ومونتريال في أهميته بالنسبة لفرنسا. وحرصت هذه السنة أيضاً وزيرة الثقافة الفرنسية فرنسواز نيسين على أن تكون حاضرة الافتتاح.
اليوم سليماني تحمل لواء الفرنكوفونية بكثير من الحماس وفي جعبتها استراتيجية تدافع من خلالها عن قيم فرنسا في الحرية ولو اضطرها ذلك للحديث عن عدم ملاءمة بلدها المغرب لامرأة مثلها تريد أن تتمتع باستقلاليتها، وتوجه النقد لمجتمعها الأصلي وتثير انتقادات حوله. وما قالته في معرض الكتاب الفرنكوفوني في بيروت كان بداية الغيث في مهمتها الجديدة، إضافة إلى دفاعها عن المرأة التي تعتبر حريتها إحدى أهم قضاياها الرئيسية. فرواياتها مشحونة ليس فقط بالحديث عن تحرر النساء، إنما أيضا مواضيعها نفسها ذات خصوصية من غير المتاح لرجل أن يتحسسها أو يلامسها. وفي بيروت قالت إن «الأدب مدين للنساء، إنهن من أكبر القارئات له في العالم كله، وكاتبات موهوبات له». وحين سئلت عن سبب التركيز على الشخصيات النسائية في رواياتها وكتبها أجابت: «إن النساء غيبن كثيراً، وسيحتجن وقتاً طويلاً وجهداً للحاق بالرجال».
ومن اللافت أن هذه العربية التي تحمل لواء الفرنكوفونية تعرف كيف تزاوج اليوم بين القضايا وتربط بينها لتلبسها رداء واحداً. فثمة جامع لديها بين المرأة والفرنكوفونية، لأنهما يشتركان معاً في تحطيم الجدران التي يحاول كثيرون تشييدها بين الجنسين وبين الشعوب. قالت رداً على سؤال حول مهمتها الجديدة «هناك من يريد أن يقنعنا بصراع الحضارات، بينما الفرنكوفونية تثبت العكس. فبمجرد أن نجيد لغة، فإنها تفتح لنا أبواب أدبها وثقافتها، وأفلامها وآفاقها، ونستطيع من خلال هذه اللغة المشتركة أن نضحك معاً، أن نتبادل اللعب بالكلمات، عندها نستطيع أن نتفاهم أيضا. فأن نتعلم لغة ما، هو تمرين أدبي رائع لكنه أيضا قضية حضارية».
سليماني روائية موهوبة، ولدت في الرباط من أب مغربي مصرفي له موقع مرموق، وأم طبيبة أنف وأذن وحنجرة، جزائرية فرنسية، كانت رائدة بالنسبة لجيلها. حطت الصبية في فرنسا في عمر السابعة عشرة لإكمال دراستها وتخرجت في «معهد الدراسات السياسية». عاشقة للأدب، محبة لتشيكوف وكونديرا، لكنها تنقلت في الاختصاصات ومنها محاولتها دخول مجال التمثيل، قبل أن تجد نفسها صحافية بعد دورة تدريبية في مجلة «الإكسبريس» ومن ثم متفرغة للمهنة في مجلة «جون أفريك» لكنها لم ترض يوماً عن أدائها كصحافية، ومع زوج مصرفي يستطيع أن يريحها من الهم المادي استقالت سليماني وتفرغت للكتابة لتكون باكورة أعمالها في فرنسا رواية «في حديقة الغول» التي صدرت عام 2014 مستوحية حكايتها من فضيحة دومينيك ستروس كان وهوسه الجنسي، حيث كان قاب قوسين من الترشح لرئاسة الجمهورية يوم كشفت حكايته في أحد الفنادق الأميركية عام 2011. لكن سليماني هذه المرة جعلت بطلتها الصحافية أديل هي المهووسة جنسياً، ومعاناتها هي الأصل وزوجها ريتشارد هو الذي يكتشف إدمان زوجته. ولم تمر الرواية عابرة، بل نالت جائزتين هما جائزتي «فلور» و«المامونية».
لكن ليلى سليماني بلغت أوجها مع رواية «أغنية هادئة» وهي تشرح شخصيات أبطالها وتفككها بأسلوب مذهل. من الغريب فعلاً أن تستمر متعطشاً لقراءة رواية تبدأها كاتبتها بالخاتمة. فأنت لا تقرأ لتعرف في النهاية أن المربية ستقتل الطفلين اللذين بذلت كل جهد لرعايتهما بحب باهر، وإنما تقرأ فقط لتعرف ما دوافعها لارتكاب فعلتها الفظيعة والصادمة. رواية صغيرة، بسيطة، في أسلوبها وتسلسلها لكنها ذكية التركيب عميقة إنسانياً. وكانت المفاجأة الكبرى لها التي لم تنتظرها سليماني وهي لا تزال في مقتبل العمر، حصولها على «غونكور» عام 2016 عن هذه الرواية. وهي أكبر جائزة فرنسية تعطى لأديب. وبهذا التتويج أصبحت ثالث شخص عربي ينال الجائزة بعد الطاهر بن جلون عام 1987 وأمين معلوف عام 1993.
تكاد تسأل وأنت تتابع هذه الصبية المغربية السمراء التي باتت أما لولدين، من أين تأتي بالوقت لتقفز من معرض كتاب إلى آخر ولتصدر كتابين في السنة على الأقل، وتمثل فرنسا في المحافل. ففي عام 2016 إلى جانب روايتها المثيرة «أغنية هادئة» صدر لها «الشيطان يكمن في التفاصيل»، و«الأميرة النائمة»، وهذه السنة «بطلتي سيمون فاي»، و«جنس وأوهام» عن «الحياة الجنسية في المغرب» كما يشرح عنوان صغير على الغلاف. وهو الكتاب الذي أثار الكثير من ردود الفعل. هذا عدا عن كتابات أخرى.
واضح أن سليماني مصممة على أن تمضي قدماً، ليس فقط في أن تتحول إلى وجه الفرنكوفونية الشاب والديناميكي في العالم، ولكن أيضا أن تقدم نفسها باعتبارها تلك المرأة العربية التي تثير الأسئلة الأكثر حساسية في الغرب عن بلد مسلم حين تطرحها امرأة خرجت منه لتنتقده من الخارج.



الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

«صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة
«صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة
TT

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

«صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة
«صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

تعود أحداث فيلم «صيفي»، الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات، حيث يأخذ المشاهد في رحلة درامية مشوقة تسلط الضوء على طموح الثراء السريع والتحديات التي تواجهها المجتمعات في تلك الحقبة.

الفيلم، المرشح لجائزة مسابقة الأفلام الطويلة، يحكي قصة رجل أربعيني يُدعى صيفي محمد، الذي يعيش وهم تحقيق ثراء سريع باستخدام مهاراته المحدودة، إلا أنه يجد نفسه محصوراً بين فرقته الشعبية التي تُحيي الأفراح الجماعية، وإدارة متجره الخاص «شريط الكون» الذي يبيع فيه أشرطة كاسيت متنوعة، لا سيما تلك التي تتعلق بالخطب الإسلامية الممنوعة، التي يحصل عليها من المهدي حسام الحارثي، المستشار الديني لرجل الأعمال الشيخ أسعد أمان.

وفي خضم حياة مليئة بالتجارب الفاشلة، يعثر صيفي على شريط يحتوي على تسجيل سري بين الشيخ أسعد والمهدي، يكشف عن فضيحة تضع مكانة الشيخ الاجتماعية على المحك، بعدها يقرر صيفي خوض مغامرة خطيرة لابتزاز المهدي مالياً، مستغلاً سراً يمكن أن يُدمّر حياة الجميع. ومع تسارع الأحداث يضطر صيفي للاختباء في منزل طليقته رابعة، التي تشارك في جلسات تطوير الذات واستشفاء الطاقة، إلى جانب أختها رابية، حينها يجد في علاقتهما المضطربة فرصة للبقاء عندها أطول فترة ممكنة.

مخرج الفيلم وكاتب السيناريو، وائل أبو منصور، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن فكرة الفيلم جاءت من شخصية صيفي التي كانت مثيرة بالنسبة لي، فهو شخص يعيش وهم النجاح ولكنه لا يمتلك الأدوات اللازمة لتحقيق ذلك، وهذا التناقض جذبني لشخصيته، وحاولت أن أقدم شخصية معقدة ترسخ في ذاكرة المشاهد.

وأوضح أبو منصور أن الفيلم يناقش قضايا حساسة مثل الابتزاز والفساد الديني، وهي مواضيع قد تثير الكثير من الجدل، وأضاف: «كان التحدي الأكبر بالنسبة لنا هو الحفاظ على التوازن في طرح هذه القضايا دون الإساءة للمعتقدات أو المجتمع أو الأجيال المختلفة، في المقام الأول، لقد كان من الضروري أن نكون حذرين في تقديم هذه المواضيع، بحيث لا نوجه اتهامات مباشرة أو نظهرها بطريقة يمكن أن تضر بالمجتمع أو تؤذي مشاعر الناس».

وتابع مخرج العمل: «حاولنا أن نعرض هذه القضايا من خلال السياق الدرامي الذي يثير التساؤلات ولا يقدم إجابات قاطعة، بل يحفز المشاهد على التفكير والنقد بشكل مفتوح، كانت هناك حاجة لإيجاد طريقة لتقديم هذه المواضيع بشكل واقعي، مع الحفاظ على احترام الأبعاد الاجتماعية والدينية. لكن الأهم من ذلك هو إيجاد الأسلوب الذي يعكس التعقيد البشري لهذه المواضيع، بدلاً من أن نقدمها بشكل سطحّي أو مسيء».

وفي ختام حديثه يقول أبو منصور إنه حرص على أن يكون «صيفي» متوازناً بين إظهار الحقيقة التي قد تحيط بهذه القضايا، والتأكيد على أن هذا لا يعكس المجتمع ككل، بل يعكس جزءاً من واقعه المعقد، وكان الهدف فتح حوار بنّاء بين الأفراد والمجتمع حول هذه القضايا، بدلاً من استغلالها لأغراض إثارة الجدل أو الهجوم.

تجدر الإشارة إلى أن الفيلم الذي تم تصويره في مدينة جدة الساحلية مطلع عام 2023، واستغرق العمل عليه 28 يوماً، روعي فيه اختيار مواقع تصوير تعكس تلك الحقبة الزمنية لتجنب إرباك المشاهد؛ حيث تم اختيار أحياء ومواقع قديمة من المدينة، ومنها حي الرويس وحي البغدادية العتيقة لتكون ساحات لتصوير مشاهد الفيلم».