العلمين... قبلة عشاق سياحة الحروب والباحثين عن الاستجمام

من أرض لمعركة الحلفاء إلى أفخم المنتجعات السياحية

تشهد العلمين احتفالية عالمية بمرور 75 عاماً على معركة العلمين الثانية - تزخر العلمين بمزارات توثق لمعركتها من حيث الملابس العسكرية والعتاد - المسلة تتوسط المقبرة الألمانية كنصب تذكاري
تشهد العلمين احتفالية عالمية بمرور 75 عاماً على معركة العلمين الثانية - تزخر العلمين بمزارات توثق لمعركتها من حيث الملابس العسكرية والعتاد - المسلة تتوسط المقبرة الألمانية كنصب تذكاري
TT

العلمين... قبلة عشاق سياحة الحروب والباحثين عن الاستجمام

تشهد العلمين احتفالية عالمية بمرور 75 عاماً على معركة العلمين الثانية - تزخر العلمين بمزارات توثق لمعركتها من حيث الملابس العسكرية والعتاد - المسلة تتوسط المقبرة الألمانية كنصب تذكاري
تشهد العلمين احتفالية عالمية بمرور 75 عاماً على معركة العلمين الثانية - تزخر العلمين بمزارات توثق لمعركتها من حيث الملابس العسكرية والعتاد - المسلة تتوسط المقبرة الألمانية كنصب تذكاري

بقعة ساحرة تتوسط الساحل الشمالي لمصر، أجبرت على الحرب مع الحلفاء، خضبت بالدماء وزرعت فيها الألغام؛ إنها مدينة العلمين الوادعة التي كان أزيز الطائرات يقض مضاجع سكانها، وتفزعهم القنابل المدمرة، وتسببت المعارك التي دارت رحاها عام 1945 في جرح ومقتل 80 ألف جندي. أما الآن، فباتت حلم راغبي الاستجمام والاستمتاع بالهدوء والطبيعة الساحرة. للمدينة هيبة غريبة مشوبة بالغموض الأخاذ، تلك الهيبة التي ربما استمدت من هيبة الموت والمقابر المتراصة في وداعة وسكون، وأفضل وصف لها هو الذي أطلقه الروائي إبراهيم عبد المجيد «أرض قتل إلهية».
تبعد العلمين نحو 106 كيلومترات عن الإسكندرية، ويؤمها الملايين باعتبارها الوجهة المفضلة لقضاء الإجازة الصيفية والاستمتاع بالمنتجعات والقرى السياحية الممتدة على مئات الكيلومترات ما بين الإسكندرية ومرسى مطروح. وسنوياً، يزورها المحاربون القدماء أو أسرهم، من إنجلترا وفرنسا وكندا واليونان والهند وألمانيا وإيطاليا، للمشاركة في حفل التأبين السنوي لضحايا الحرب، حيث تودع أكاليل الزهور، وتطلق الأبواق العسكرية، وتقام الصلوات، وتقرأ الترانيم.
وفي شهر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، تمر ذكرى 75 عاماً على معركة العلمين الثانية، التي قلبت موازين الحرب العالمية الثانية، تلك الحرب ما بقي منها الآن هو رفات أو مقابر لجنود اقتتلوا فيما بينهم، لكن جمعتهم أرض العلمين، وأصبحت مقابرهم مزارات سياحية تعطي العبرة بأن الحروب لا جدوى منها، وأن السلام خير وأبقى.
وسوف تقام احتفالية كبرى، بحضور الرئيس المصري ورؤساء الدول التي خاضت معركة العلمين، بمناسبة هذه الذكرى، لكن هذه الاحتفالية سيكون لها مذاق آخر، حيث يدشن الرئيس عبد الفتاح السيسي مدينة (العلمين الجديدة)، لتكون منتجعاً سياحياً عالمياً وأيقونة للتنمية السياحية والاقتصادية، بعد أن أزيل نحو 20 مليون لغم وجسم قابل للانفجار منتشرة من غرب الإسكندرية حتى الحدود الليبية. ومعركة العلمين الثانية هي المعركة التي دارت في الفترة من 23 أكتوبر إلى 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 1942، خلال أحداث الحرب العالمية الثانية، على أرض مدينة العلمين، بين الجيش الثامن البريطاني والفيلق الأفريقي. وقد انتهت المعركة بانتصار البريطانيين، نتيجة لتفوقهم من حيث العدد والعتاد، حيث حشدت القوات البريطانية أكثر من ألف دبابة، وهو ضعف عدد الدبابات الألمانية، و450 مدفعاً، بالإضافة إلى التفوق الجوي للقاذفات البريطانية، في حين افتقدت القوات الألمانية لغطاء جوي مناسب، وعانت من قدم طراز مدفعيتها، بالإضافة إلى ضعف الإمدادات.
ولقد نفضت العلمين عن نفسها غبار الحرب العالمية وأهوالها منذ تسعينات القرن الماضي، وبدأت تنمو تدريجياً، وفق خطة جهاز تعمير الساحل الشمالي، وشيدت القرى والمنتجعات، وباتت نقطة ارتكاز السياحة الداخلية، لكن «العلمين الجديدة» تنشد الرواج العالمي، خصوصاً في ظل وجود مطار العلمين، وقربها من محطة الضبعة النووية وعدد من شركات إنتاج وتكرير البترول، فضلاً عن أنها من أكثر المدن تأميناً، حيث تقع بالقرب من قاعدة محمد نجيب العسكرية، أكبر قاعدة عسكرية مصرية. وسوف تفتتح فيها عدة فنادق عالمية، على رأسها «فورسيزونز»، إلى جانب فنادق «ريكسوس» العلمين و«سيتي ستارز» وغيرها.
وكشف رئيس مدينة العلمين الجديدة، أسامة عبد الغني، لـ«الشرق الأوسط» أن المدينة الجديدة تهدف لجذب السياحة العالمية على مدار العام، من خلال توفير كل المرافق والخدمات، وأنها ستقام على مساحة نحو 50 ألف فدان، وستبدأ إدارياً من الحمام حتى الضبعة في مرسى مطروح، على مساحة 169 ألف كيلومتر مربع، لتستوعب نحو 32 مليون نسمة، وبطول 13 كيلومتراً على ساحل البحر.
وبدأت ملامح المدينة الجديدة في التشكل، وتم الانتهاء من كورنيش العلمين الجديدة، الذي يماثل كورنيش مدينة الإسكندرية، الممتد على مسافة 14 كيلومتراً. ويتم تجهيز ممشى سياحي، إلى جانب مجموعة بحيرات صناعية ومرسى لليخوت، ومخطط رائع لمجموعة قصور وفيلات على البحر مباشرة، من الكيلو 106 حتى 119، إلى جانب وحدات سكنية سياحية على البحيرات الصناعية.
وأثناء مروري على موقع المدينة الجديدة، وجدت العمال والشاحنات تجوب الصحراء وكأنها خلية نحل لا تهدأ، بل تصارع الزمن. هذه المنطقة تتحول من مجرد صحراء جرداء لمناطق عامرة، وهو ما تمناه أهل العلمين الذين وجدوا الدولة المصرية أخيراً تهتم بتطوير مدينتهم، وخلق فرص عمل لهم، حيث يقطن نحو 11 ألف نسمة في مدينة العلمين القديمة. وفي سنوات عمري الأولى، كنت دائمة الترحال عبر الطريق الصحراوي الواصل بين الإسكندرية ومرسى مطروح، حيث كان أبي يصطحبنا معه لظروف عمله بالجيش المصري، فقد اقتضى ذلك أن نقضي 4 سنوات ذهاباً وإياباً قبل تعمير الساحل الشمالي، قبل كل تلك المنتجعات، كان منظر سلاسل الكثبان الرملية الناصعة البياض مع الصفراء والبنية التي تظهر المياه اللازوردية من خلفها على استحياء، منظراً لا يمكن نسيانه، ومعه العواصف الرملية التي كانت تعصف بنا في الطريق دون أي خدمات أو مساعدة سوى الحماية الإلهية.

العلمين عبر العصور

ما يبعث حقاً على التأمل والدهشة هو أنه على الرغم من أن تلك البقعة في الصحراء الغربية المصرية تبعد عن المدن القديمة، كالقاهرة والإسكندرية، مئات الكيلومترات، فإنك أثناء التنقل عبر طريق الساحل الشمالي ستلمح آثار لأعمدة ذات تيجان رومانية، تحديداً ما بين «مارينا 3» و«مارينا 4»، مما يثير لديك التساؤل الملح: كيف وصل الرومان إلى هنا؟ ونحن نصل إليها بسيارات مكيفة ونعاني من عناء السفر؟
في الحقيقة، يعود تاريخ العلمين إلى العصر الروماني، حيث كانت تقع على أرضها قديماً مدينة «ليوكاسبيس»، وهي مدينة ساحلية رومانية قديمة، وصل عدد سكانها إلى 15 ألف نسمة آنذاك. لكن تلك المدينة الرومانية دمرتها موجة تسونامي عام 365، ناتجة عن زلزال وقع بالقرب من جزيرة كريت. وفي عام 1986، حينما شرع البدء في تشييد مارينا العلمين وتمهيد الطرق، عثر المهندسون على منازل ومقابر قديمة. وبدأت عمليات التنقيب عن الآثار في فترة التسعينات من القرن الماضي، وتحتوي المنطقة على بقايا ما يشبه الأحياء السكنية، ومنازل على الطراز اليوناني الروماني، وحمامات وسراديب ومقابر هللينستية تم نحتها في الصخور. ولا تزال البعثة البولندية الأثرية تعمل على الكشف والتنقيب عن أسرار تلك المدينة المندثرة، فهل كان الرومان يستمتعون مثلنا بالساحل الشمالي؟! ربما نحتاج لخرائط تخيلية ثلاثية الأبعاد تجسد الحياة في العلمين في زمن العالم القديم، وبالتأكيد فذلك يمكن أن يجذب الملايين من السائحين.

سياحة الحروب وسياحة المقابر

بعد أن تستجم وتستمتع بأجواء العلمين الرائعة، حتى في قيظ الصيف، فهناك كثير من المزارات السياحية والتاريخية التي توثق لمعركة العلمين، التي كانت نقطة تحول لمصلحة قوات الحلفاء بقيادة الجنرال مونتغمري، على قوات المحور بقيادة ثعلب الصحراء روميل. وقد قمت بتلك الجولة بعد عشرات السنين، ووجدت شغفي بها لم يخفت، بل إنها لا تزال تثير المخيلة مع الصمت المهيب الآتي من العالم الآخر الذي يلف مزاراتها. ويمكنك أن تصطحب أطفالك، كما فعلت وكما فعل والدي من قبل، وسوف تنبهر بكم الأسئلة التي سوف يطرحونها عليك لمعرفة أسباب الحرب والاقتتال، ومن انتصر، وأنواع الأسلحة، فضلاً عما تثيره الملابس العسكرية الحقيقية والعتاد والصور من فضول لديهم. هذه الزيارة ستجعل لديهم تصوراً لما سوف يقومون بدراسته في كتب التاريخ، تماماً كما فعل معي والدي، سوف تتداعى صور ولقطات من ذاكرتهم وتتضافر مع ما سيشاهدونه من أفلام تسجيلية عن الحرب العالمية الثانية، سوف تمنحهم أعماراً إضافية لأعمارهم.
وتنظم شركات السياحة المصرية رحلات لأقارب ضحايا الحرب، وكان هناك مسار لرحلة الحرب العالمية يبدأ من طبرق في ليبيا وينتهي في الإسكندرية أو القاهرة عند مقابر الكومنولث بها. وقد قام الأمير تشارلز وزوجته كاميلا بجولة مماثلة لزيارة مقابر العلمين، وقبله الفيلد مارشال مونتغمري، ونجل روميل ثعلب الصحراء.
وتقول المرشدة السياحية الزهراء عادل عوض، لـ«الشرق الأوسط»: «تلك الجولة كانت تصمم خصيصاً للقادة العسكريين من مختلف أنحاء العالم، وأيضاً لأبناء الجنود والضباط الذين شاركوا في الحرب العالمية، كنا نبدأها من طبرق في ليبيا، ثم السلوم حيث مقابر جنود الحرب، ثم مرسى مطروح حيث متحف كهف روميل ومسار القوات حتى العلمين، ثم الإسكندرية حيث مقابر الكومنولث بالشاطبي، ثم مقابر الكومنولث في البساتين بالقاهرة».

المعظمة الألمانية

هي أول المقابر في جدول زيارة مقابر العلمين، ويفضل أن تكون معك سيارتك حيث تقع المقبرة على تلة بعيدة قليلاً عن الطريق، ويمكنك التعرف على موقعها عبر «غوغل مابس»، وتوجد لافتة على الطريق بالعربية والألمانية تدل عليها. وبعد 3 دقائق بالسيارة، ستجد مبنى المقابر الحربية الألمانية يشبه قلاع العصور الوسطى، يرفرف عليها العلمين المصري والألماني.
وصلت إلى البوابة هناك، والتقيت بالمسؤول عن المقبرة الألمانية، عبد المنعم عبد الرؤوف، الذي يفتخر بزيه البدوي، على الرغم من إتقانه لعدة لغات، على رأسها الألمانية. يأخذك الأستاذ «منعم» في جولة مصحوبة بشرح ومعلومات عن المقبرة، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «ظل الجنود الألمان والإيطاليون مدفونين بمقبرة واحدة حتى عام 1956، حين قررت الحكومة الألمانية بناء مقبرة خاصة للألمان، قام بتصميمها المهندس الألماني روبيرت تيسغلير، وتم افتتاحها في أكتوبر‏ 1959‏، وهي تضم رفات 4280 جندياً ألمانياً، وتقسم إلى 8 غرف، بواقع 7 غرف تضم كل واحدة منها 600 جندي، في حين تضم الغرفة الثامنة 80 جندياً مجهولاً». واصطحبني منعم إلى غرفة جانبية بها أكاليل زهور نضرة لم تذبل بعد، وزهور بلاستيكية على هيئة أطواق، وبعض النياشين العسكرية والصور الفوتوغرافية، ولوحة تذكارية تخلد ذكرى روميل، إلى جانب «أوتوغراف الزيارات» الموقع من كبار العسكريين من مختلف أنحاء العالم.
وتتوسط المقبرة الألمانية ما يشبه المسلة كنصب تذكاري، كتب عليها «هنا ينعم 4300 جندي بالراحة الأبدية». ويروي منعم الذي توارث العمل في المقبرة من والده أن هيئة خدمات قوات الكومنولث البريطانية قامت بالبحث عن رفات الجنود، وإعادة دفنهم في الفترة ما بين عامي 1943 و1947، وقامت بدفن 3 آلاف جندي ألماني و1800 إيطالي من الذين سقطوا في المعارك في مقبرة مؤقتة بمنطقة تل العيس. وفي عام 1953، تمت إعادة دفن هؤلاء الجنود، مع 1200 آخرين تم العثور على مقابرهم في صحراء العلمين. وفي جنبات أسوار القلعة، دونت أسماء الجنود. ويقول منعم: «سنوياً، يأتي كبار العسكريين الأوروبيين لإحياء ذكرى ضحايا الحرب، مع عدد من ذويهم وأقاربهم، فهم يولون اهتماماً كبيراً بها حتى الآن. وقبل عام 2011، كانت تنظم هيئة الكومنولث رحلتين: واحدة في فبراير (شباط)، والأخرى في نوفمبر». وتركت المعظمة الألمانية بعد أن التقطت الصور التذكارية تودعني لافتة «هذه الأرض المقامة عليها المعظمة الألمانية مهداة من الشعب المصري».

المقابر الإيطالية

«كرس لمثوى 4600 جندي وبحار إيطالي... الصحراء والبحر لا يعيدان الـ3800 المفقودين»، بهذه العبارة المؤثرة تستقبلك المقابر الإيطالية وهي تقف كبرج أسطواني ضخم أبيض اللون. وقد قام بتصميمها المهندس الإيطالي باولو كاشيا دومينيوني، وهو نبيل إيطالي شارك في معركة العلمين، وقام بافتتاح المقابر رئيس وزراء إيطاليا أمينتوري فانفاني في ‏9‏ يناير (كانون الثاني)‏ 1959‏‏.‏ وتقع المقابر على مسافة 5 كم غرب العلمين، وتتميز بالفخامة وفن المعمار. وأسفل البرج، يستقبلك رجل بلحية بيضاء طويلة تشبه ملامحه أنطوني كوين في دور عمر المختار، يفتح أبواب المقبرة التي يغمرها ضوء الشمس من كل جانب، لكنها مع تردد صدى الأصوات في أعلى البرج تثير الرهبة والوجل. أما الشعور بالأسى، فهو يتسرب إلى الزائر الذي سيجد رفات آلاف الجنود مقبورة في حوائط المقبرة. وفي المنتصف، يوجد مذبح صغير تقام أمامه الصلوات والقداس السنوي، كما يوجد تمثال يخلد ذكرى المعماري الذي شيد المقبرة. وتذكرك لوحة تذكارية «الصحراء قد ابتلعت أجساد 38 ألف شخص من الضحايا». وقبل أن تخرج من المقبرة، ستجد متحفاً مصغراً، لكنه يحتوى على عدد كبير من القطع والملابس والأسلحة للجيش الإيطالي، وخرائط وصور فوتوغرافية تجسد مراحل الحرب. إلى اليسار، ستجد نصباً تذكارياً للجنود الليبيين الذين شاركوا في الحرب. وقبل أن تغادر المقبرة، ستجد لوحات نقشت عليها أسماء جميع الإيطاليين الذي لقوا حتفهم في مصر، ومن بينهم من شاركوا في بناء سدود أسوان وإسنا وأدفينا في القرنين الماضيين، وقد أثرني ذلك التكريم والإجلال للمواطن الأوروبي، حتى وهو في بلد آخر يبعد آلاف الأميال، في حين أن المواطن العربي لا تقدره دولته في الداخل، فما بالك في الخارج؟!

مقابر الكومنولث

هي أشهر المقابر وأكبرها بين مقابر العلمين، وهي التي تم تصوير عدد من الأعمال السينمائية العربية والأجنبية فيها. وقد قام بتصميمها النبيل البريطاني السير هيبير ورثينجتون‏، وافتتحها برنارد مونتغمري في أكتوبر‏ 1954‏، مصطحباً معه عدداً من جنوده وعدداً كبيراً من المدنيين. وعلى جدران البوابة التذكارية، نقشت أسماء 11945 من الجنود الذين لم يتم العثور على أشلائهم. وتضم المقابر رفات 7367 ضحية من بريطانيا ونيوزيلندا وأستراليا وجنوب أفريقيا وفرنسا والهند وماليزيا، الذين لم تزد أعمارهم على 20 عاماً، وقد شارك من الهند وحدها نحو 25 ألف جندي وضابط.
وتعتبر مقبرة الكومنولث بالعلمين واحدة من بين 16 مقبرة في مصر لضحايا قوات الكومنولث البريطاني بمختلف الجنسيات، في الحربين العالميتين الأولى والثانية، التي تضم رفات 25120 قتيلاً. وأثناء التجول بين شواهد القبور التي تحفها الأزهار والنباتات الصحراوية، ستجد مجموعة من الشواهد ذات العبارات المؤثرة للجنود المجهولين، كتب عليها: «نون أنتو غاد» أي «يعرفه الرب».

متحف العلمين الحربي

اعتبر هذا المتحف بمثابة بانوراما تاريخية للحرب العالمية الثانية، وهو يلقي الضوء على الدول الأربع الرئيسية (بريطانيا وألمانيا وإيطاليا ومصر) التي شاركت في معركة العلمين، وتعرض مقتنيات المتحف في عدة لغات، هي: العربية والإنجليزية والألمانية والإيطالية، فيما تضم حديقة المتحف عدداً من الدبابات والمدافع وغيرها من المركبات العسكرية، ويتضمن المتحف أيضاً مهبط طيران ومكتبة وقاعة فيديو.
وقد قمت بزيارة متحف العلمين الذي كنت أمر عليه في طفولتي قبل 30 عاماً كاستراحة مفعمة بالمعلومات والتماثيل الشمعية للجنود، وقد وجدته في حلة جديدة بتصميم متحفي منظم مقسم وفقاً للدول التي شاركت في الحرب. وفي كل دولاب عرض لوحات تروي دور كل دولة، وعرض لمخططاتها الحربية، ومعروضات من بقايا الأسلحة والمعدات وأوعية حفظ الطعام والبزات العسكرية لكل سلاح، سواء مشاة أو طيران أو مدفعية أو بحرية. وبالحديث إلى أحد المرشدين بالمتحف، قال لـ«الشرق الأوسط»: «هنا، أحدث دولاب عرض أهدته دولة اليونان، ويضم مجموعة أسلحة ومعدات والزي العسكري اليوناني في الحرب. أيضاً الجزء الخاص بمصر هو الأحدث، وبه تأريخ لتاريخ الجيش المصري منذ عهد محمد علي باشا، ودور مصر في الحرب العالمية وصولاً إلى حرب أكتوبر المجيدة». أما أكثر المعروضات تأثيراً في الوجدان، فمجموعة قصاصات وخطابات وصور ومقتنيات شخصية التقطت أثناء الحرب، وهي مهداه من أسر الجنود والقادة الذين شاركوا في معركة العلمين؛ يوثق بعضها انطباعاتهم عنها، ومن فقدوهم من أصدقاء كانوا ضحايا لتلك الحرب الضروس.
ويتبع متحف العلمين العسكري إدارة المتاحف العسكرية في وزارة الدفاع المصرية، وقد افتتح للمرة الأولى في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، في 16 ديسمبر (كانون الأول) عام 1965، ليكون شاهداً على معركة العلمين، وتم تطوير المتحف بالتنسيق مع الدول التي شاركت في الحرب، وأضيفت قاعة توضح دور مصر خلال تلك الحقبة التاريخية، وتم افتتاحه بعد التطوير أثناء الذكرى الخمسين لمعركة العلمين، في أكتوبر 1992. وسيتم افتتاح التجديدات الأخيرة مع زيارة الرئيس السيسي لافتتاح مدينة العلمين الجديدة في أكتوبر الحالي.

المقابر اليونانية

في طريق العودة إلى الإسكندرية، ستجد بوابة عليها العلم اليوناني، ومقبرة يتوسطها هيكل أو نصب تذكاري يوناني تميز الأعمدة والتيجان، يخلد ذكرى الجنود والضباط اليونانيين الذين شاركوا في الحرب.

أين تقيم؟

هناك كثير من المنتجعات والقرى السياحية والفنادق العالمية التي تمتد بطول الساحل الشمالي، الواصل بين الإسكندرية ومرسى مطروح، وغالبيتها تتمتع بقدر كبير من الفخامة التي تضمن أعلى درجة من الرفاهية وتحقق الاستجمام التام، ناهيك بكونها تتمدد على رمال بيضاء ناعمة، وتطل على أروع شواطئ العالم.
وعلى مقربة من العلمين منطقة سيدي عبد الرحمن، وبها منتجع «مراسي» الفاخر، حيث يصل إيجار الفيلات فيها إلى 8 آلاف جنيه في اليوم الواحد، وبها فندق يصل سعر الليلة فيه إلى نحو 3500 جنيه في الليلة. كما توجد قرى وفنادق فاخرة، مثل ريكسوس العلمين، ويصل سعر الليلة فيه إلى 5 آلاف جنيه مصري. كما تضم قرية مارينا بمراحلها شاليهات يصل إيجارها إلى ألفي جنيه في الليلة، وفنادق يتراوح سعر الليلة فيها ما بين 4 آلاف وألف جنيه، وهناك كثير من الاختيارات التي تناسب الجميع.
ويمكنك أيضاً القيام بزيارة العلمين من الإسكندرية، حيث تستغرق الرحلة نحو الساعة، ولكن من الأفضل الإقامة في أحد الفنادق القريبة من المزارات، إذ إن السير والتنقل من واحدة لأخرى قد يصيبك بالإرهاق، كما أنك إذا أردت الاستمتاع بالمياه اللازوردية النقية لن تجد كثيراً من الشواطئ المفتوحة؛ فقط بعض الشواطئ المتناثرة من دون أي خدمات، وتصلح لعشاق التخييم. ويمكن للمرشد السياحي المرافق لك التنسيق مع بدو العلمين للتخييم على الشاطئ، لكن هذا متاح صباحاً فقط لأن حرس الحدود المصري لا يسمح بالمبيت على الشواطئ.

إرشادات ونصائح

يجب أن تبدأ الرحلة مبكراً، فزيارة هذه المزارات والمتحف تستغرق نحو 4 إلى 5 ساعات، ويجب أن ترتدي ملابس خفيفة وحذاءً رياضياً مريحاً، مع اصطحاب الماء والعصائر، لأن التجول في الصحراء يوحي حقاً بالعطش، حتى لو كان الجو معتدلاً. واحرص على وجود مساحة كبيرة في هاتفك تكفي لالتقاط صور الرحلة. وسيكون من المفيد جداً القراءة عن الحرب العالمية الثانية قبل رؤية ما آلت إليه.


مقالات ذات صلة

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

الاقتصاد سياح صينيون يزورون مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (رويترز)

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

أعلنت وزارة السياحة المغربية، الاثنين، أن عدد السياح الذين زاروا المغرب منذ بداية العام وحتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) بلغ 15.9 مليون سائح.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
سفر وسياحة من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد» إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست».

عادل عبد الرحمن (لندن)
يوميات الشرق آلاف الحقائب التي خسرتها شركات الطيران في متجر الأمتعة بألاباما (سي إن إن)

المسافرون الأميركيون يفقدون ملايين الحقائب كل عام

داخل المساحة التي تبلغ 50 ألف قدم مربع، وإلى مدى لا ترى العين نهايته، تمتد صفوف من الملابس والأحذية والكتب والإلكترونيات، وغيرها من الأشياء المستخرجة من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».